(الْقِحَةُ) داءٌ يصبُّهُ اللهُ على بعضِ عبادهِ , وهذه بعضُ مظاهرهِ!!
الحمد للهِ وصلَّـى اللهُ تعالى وسلَّـمَ على عبدهِ ورسولهِ محمَّـدٍ وآلهِ وصحبهِ ومن سلكْ * سبيلَـهم ما دارَ نجمٌ في فلكْ , وبعد:
فإنَّ من أشَـدِّ ألوانِ البَـلاءِ التي يصبُّـها الله تعالى على قلوبِ ووجوهِ بعضِ عبادهِ بلاءَ (الْـقِـحَـةِ) التي تسلُبُ نورَ الوجهِ وتقضِـي على بواقي المروءةِ وفُـتَـاتِ الإحسَـاسِ حتى يحسِـبَ المُـبتَـلى بهذا الدَّاءِ أنَّ أنجحَ المَـساعي وأغلى المطامحِ والمرامي أن يُـنيلَ نفسَـهُ وهواهُ كُـلَّ مطلَبٍ وإن أعقبهُ ذلكَ مقتَ اللهِ ورسولهِ والمؤمنينَ , فتَـراهُ أُلبِـسَ ثوباً من الجَـفاءِ صفيقاً , وأصبحَ بكلِّ مذمَّـةِ زعيماً وحقيقاَ وهُـوَ في مَـرضِـهِ ذلكَ مُـسيَّـرٌ غيرُ مُخَـيَّـرٍ بمعنـى أنَّـهُ لا يملكُ ضبطَ نفسِـهِ إلا بحبلٍ من اللهِ يتمثَّـلُ في ضراعتهِ إليهِ أن يرفعَ عنهُ ما صبَّهُ عليهِ من الموبقِ وإجابةِ اللهِ لهذه الضَّـراعةِ وإلا بقيَ أبداً مُبتَـلىً موْزُوراً غيرَ مأجُـورٍ , ولذا قالَ الإمامُ ابنُ حزمٍ رحمهُ الله تعالى (والحيِيُّ لَا يَقْدِرُ عَلَى القِحَةِ والوَقِحُ لَا يَقْدِرُ عَلَى الحيَـاءِ) وهـذا يعني أنَّـهُ فيما ابتُليَ بهِ كأصحاب العللِ المُزمِـنةِ التي لا حولَ لهم في رفعها ليسَ لها دافعٌ من الله تعالى.
والقِحَـةُ كبيرةٌ من الكَـبـائرِ كما نصَّ على ذلك بعضُ أهل العلمِ كالشيخِ محمَّد بنِ عبد الوهَّـابِ حيثُ ضمَّـنها كتابهُ الكبائرَ باعتبارها منهنَّ , وسَـاقَ في مذَمَّـتها حديثَ أبي مَسعُودٍ http://majles.alukah.net/imgcache/broken.gif عَـنْ رَسُولِ الله http://majles.alukah.net/imgcache/2014/08/148.jpg http://majles.alukah.net/imgcache/broken.gif إنَّ ممَّا أَدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلاَمِ النُّبُوَّةِ الأُولَى : إِذَا لَمْ تَستَحِ فَاصْـنَعْ مَا شِئْتَ http://majles.alukah.net/imgcache/broken.gif , وصَـدقَ رحمهُ اللهُ في إدراجها بينَ أخواتِـها الشقائقِ لأنَّ اللهَ تعَـالى جعَـلَ القحةَ طابعاً مختوماً على سفلَـةِ الأمَـمِ البائدةِ , ولو لم يكُـن فيها من المَـذَمَّـةِ إلا هذا لكفاها سُـبَّـةً وعاراً , فانظُـر عافاني اللهُ وإيَّـاكَ إلى الله تعالى وهُـو يقُـصُّ خبَر قومِ لوطٍ يومَ عابَ عليهم القِـحَـةَ في عدمِ استحيائهم من غِـشيانِ المناكر والمُجاهرةِ والمُفاخَـرةِ بالجرائرِ فقال (وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ المـُنكرَ) أي مُجاهرينَ به غيرَ مُستَترينَ ولا مُستحيِينَ , ومِـن شِرار الخلقِ اليومَ في نوادي النَّـاسِ ومَجامعهم أقوامٌ يكاشفُ أحدُهم خصمَـهُ بالفحشِ والبذاءِ مكاشفةً مفضوحة , ويصيبُ ذائقةَ النَّـاسِ ويعمش أبصارهم بتصرفه ولباسهِ وأفعالهِ المرذولةِ المقبوحة , وما هو ببعيدٍ من ذلكَ من يلبَـسُ لباساً يتورَّعُ عنهُ الشيطـانُ في أضغاثِ الأحلامِ, أو يرقُـصُ جهاراً نهاراً هو ورفاق السوءِ الذينَ تؤزُّهمُ الشياطينُ والمُراهقَـةُ والجدةُ والفراغُ والقحةُ أزًّا فلا يحسبهم النَّـاظرُ إلا سُـكَـارى , وما هم بسُكَـارَى , ولكنَّ بلاءَ الله أحاطَ بهم فهم في سكرتهم يعمهونَ وفي ريبهم يتردُّون , ثمَّ يسيرُ أحدُهم أو جميعُـهم بينَ النَّـاسِ في الأسواقِ والمطاراتِ والمَشَـافي بشجرةٍ أنبتها اللهُ فوقَ رأسهِ لا يحضُركَ عند رؤيتِـها إلا تقريبُ معنى المُشَـبَّـهِ بهِ في قوله تعالى في وصف الزَّقوم (طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِين) ومع ذلكَ ترى هذا المسكينَ مختالاً كالطاووسِ غيرَ مُبالٍ بذوقٍ ولا عُرفٍ ولا كبيرٍ ولا صغيرٍ ولا ذكَـرٍ ولا أنثى فضلاً عن الديانةِ والمروءة , وما هي ببعيدٍ من ذلكَ من تتفنَّـنُ في التبَـرُّجِ قائلةً بلسَـانِ حالِـها لكل مقبلٍ أو مُدبرٍ (هَـيتَ لكَ) غَـيرَ أنَّـها لا تُغلِّقُ الأبوابَ ولا تنتظِـرُ الخُطَّـابَ بل تخلعُ حياءها قبل الحجابَ , وتتوسَّطُ مجامعَ العجَـزَةِ والشَّـبَابِ , فاتحةً أعينَـهم وقلوبهم على ألوانٍ من التبُّرُّجِ والصفاقةِ والتمايلِ والتَّـبابِ.
وصَـدقَ مُحَمَّد بْنُ حُسَيْنٍ الْمَكِّيُّ رحمه اللهُ يومَ قالَ في أنوار البُـروقِ (وَالِقْحَةَ لَا يَنْزَجِرُ صَاحِبُهَا عَنْ مَكْرُوهٍ وَلَا تَحُثُّهُ عَلَى مَعْرُوفٍ) ومن عاينَ سخلةً من سِخَـلِ أولئكَ المُبتَلين في مَشفى أو سُوقٍ أو مَطَـارٍ علمَ صدقَ مقالتهِ , ومِـن حكَـمِ أُومِيرُوسَ التي نقلَـها عنهُ الإمامُ ابنُ حزمٍ قولهُ: (مُقَـدِّمةِ المَحمُـوداتِ الحياءُ , ومُقَـدِّمةُ المَذمُـوماتِ القِـحَـةُ).
وهـذهِ بعضُ مظَـاهر القِحـةِ الفتَّـاكةِ على وجهٍ سريع:
رد: (الْقِحَةُ) داءٌ يصبُّهُ اللهُ على بعضِ عبادهِ , وهذه بعضُ مظاهرهِ!!
ومِـن فوائدِ القصص القرآني:
http://majles.alukah.net/imgcache/broken.gif التنبيهُ على أنَّ المجتمعَ إذا بلغَ به الانحطاطُ مبلغاً عظيماً - لا يستحقون معهُ غيرَ الخسفِ والمَـسخِ – فإنَّ هذا الانحطاطَ يصبحُ مألوفاً عندهم ولا حياءَ فيه وتكُـونُ القحةُ شعاراً لهم وذثاراً , بل المُستغرَبُ عندهم هو مدافعة هذا الشذوذ كما فعل قومُ لوطٍ مع نبيٍّ كريمٍ من أنبياء اللهِ وصرَّحوا لهُ بما يعلمهُ عنهم من حبِّ اللواطِ وصرفِ غاياتِ الأماني لممارسته فقال الله عنهم ( قَالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيد) , وهذا واقعٌ اليومَ في بعض المجتمعاتِ التي اعتادت مقارفة بعض المناكر والآثامِ حتى أصبحَ الغريبُ المُنكَـرُ فيها من يخالف هذا الطوفان المجتمعي الذي يطفحُ قحةً وخروجاً على الفطرة ومن أمثلةِ ذلك : (الشركُ الأكبرُ المتمثلُ في قصدِ المشاهد للجإ والضراعة وسَـوقِ القرابينِ , وتعظيم السحرة واعتقادُ الضر والنفع فيهم , عبادة القبور , ترك الصلاة حتى بلوغ الأربعين – ترك الحجاب – شراب الخمر – التساهل في العلاقات الجنسية خارج إطار الزوجية - التواصي بالكَـسب المُحرَّم - أكل أموال العمَّـال والضَّـعفة بغير حقٍّ ..... الخ) والدعوةُ في مثلِ هذه المُجتَـمعاتِ تحتاجُ كثيراً من السياسةِ والعقلِ والحكمةِ واستشارةِ العلماء وتدبُّـر القرآنِ وحديثهِ عن دعوة الرسل.
http://majles.alukah.net/imgcache/broken.gif ومن الأساليب التربوية في القرآن أنَّ الثقافة والعلمَ من أهمِّ عوامل المساعدة على الانقياد للحق والإيمان , بخلاف الجاهل المتكبِّـرِ فإنه مطبوعٌ على القحَـةِ ولا تغني عنهُ النُّـذر أو تؤثرُ فيه المواعظُ ولا يقنع إلا بتحقُّق الوعيد لانغلاق فكره وضيق مساحة الإدراك عنده, بل قد يكونُ الأولى الإعراضُ عنهُ حتى لا تحملهُ القحةُ على أن يقول مقولةَ قومِ نوح (قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ).
رد: (الْقِحَةُ) داءٌ يصبُّهُ اللهُ على بعضِ عبادهِ , وهذه بعضُ مظاهرهِ!!
الله المستعان
جزاك الله كل خير يا ابا زيد و وقانا الله واياك القحه واهلها