كتابة المصحف المطبوع - من زاوية أخرى

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وبعد،
فإن كتابة المصحف الشريف من أجلِّ الأعمال التي يمكن أن يقوم بها واحد أو جماعة من العلماء، وهو عمل يتضمَّن الاستفادة من مجموعة علوم مجتمعة.
فيؤخذ الهجاء مما رواه علماء الرسم.
وتؤخذ طريقة الضبط مما يقرره علماء الضبط.
ويؤخذ عد الآي والفواصل من العلماء والكتب التي اختصت بالعد.
ويؤخذ بيان السجدات ومواضعها من كتب الفقه.
وبيان المكي والمدني من الكتب المختصة ببيان ذلك، ، ، وهكذا.
فهو عملٌ متكامل لا ينهض به إلاَّ علماء أفذاذ، خاصَّة إذا لم يكن العمل مبنيًّا على عمل غيرهم ممَّن تقدَّمهم.
وقد وضع ظهور الطباعة وانتشار المطبوعات علماءَ المسلمين وقرَّاء القرآن أمام تحدٍّ كبير لكتابة مصحف لا يتطرَّق إليه أدنى شك، في أي كلمة أو حرف أو ضبط، أو غير ذلك.
فففإنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظونققق [الحجر: 9]
ومضت الأيام، وكُتب المصحف، بل وتعدَّدت طبعاته، وتنوفس في تحسينه وتجويده، حتى وجدنا في أيامنا هذه مصاحف التجويد بالترميز اللوني، ومصاحف القراءات،، والحمد لله.
لكنا نود أن نعود الآن لنؤرخ للبداية - مع من عادوا - ولنعرف الفضل لأهل الفضل، ولندعو ونترحَّم على مَن أسدى إلى الأمَّة هذه الخدمة الجليلة، بتيسير كتابة المصحف الشَّريف لأوَّل مرَّة مصحَّحًا ومدقَّقًا.
وحتى لا نعيد كلام إخواننا في المجالس والملتقيات الأخرى، بل نضيف إلى ما سطروه من حصيلة بحثهم ونتاج فكرهم - نشير أولا إلى مواضع ينبغي الرجوع إليها، حتى نبدأ نحن من زاوية أخرى كما عنونَّا.
فيراجع أولا هذه الرابط:
http://www.tafsir.net/vb/showthread.php?t=8572
وهذا الكتاب:
رسم المصحف: دراسة لغوية تاريخية

وهذا الرابط مهم جدًّا:

حفني بك ناصف .....

الذي لدي الآن:
= كتاب "حفني ناصف .. بطولته في مختلف الميادين"، للأستاذ الشاعر محمود غنيم.
الكتاب يقع في حوالي 203 صفحات، تتضمن إلمامًا بحياة الأستاذ حفني بك ناصف، ودراسته، والأعمال التي تولاها، وشعره ونثره، وجوانب من أخلاقه، بل وملحه وفكاهاته.
والكاتب كأنما يغترف من بحر؛ لأن بين يديه من المراجع ما قد يتعذر الحصول عليه الآن.
ولأن الكاتب - محمود غنيم - شاعر أديب، والكتاب ليس بحثًا أكاديميًّا، فإنك تقرأ في الكتاب فلا تمل، كأن صاحبه يطرد عنك الملل بكل ما يستطيع، ينقلك من دوحة إلى دوحة في أسلوب أدبي راق.
فلا عجب أن تقرأ مثلا عنوانًا (بين حفني وبنيه) وتحته من الحكايات الرائعة ما يسترسل فيها الكاتب بدون تردد، كأنها من صميم الترجمة والتعريف بـ حفني ناصف.
فيقول:
"وها هو في الترام مع ولده مجد الدين، وأمامه الإعلان المشهور (إذا أردت النزول فاطلب من الكمساري توقيف القطار) فيطلب حفني إليه أن يصوغ العبارة في قالب شعري، ولكن مجد الدين يرتج عليه، فيقول حفني:
إذا رمت النزول بنيَّ فاطلب * * * من الكمسارِ توقيف القطار
..
ويقول المؤلف عن حفني ناصف:
يلجأ إلى مقاضاة الحكومة بعد إحالته إلى المعاش طالبا تصحيح خطأ وقع في تسوية معاشه، خصم بمقتضاه من مدة خدمته 24 يوما ، 9 أشهر ، 3 سنين ، وبذلك يبلغ معاشه 30 جنيها بدلا من 27.5 .
ويقول: بين يدي الآن ملف هذه القضية - قضية تسوية معاشه - وفيها ما يجرح فؤاد الأدب، ويدمي عين الأديب، ومن العجيب أنه لم ينل الإنصاف من القضاء ......
وبهذا الإسهاب عقد المؤلف فصلا اسمه (حفني ورسم المصحف) استهله بقوله:
"لعلك لا تعرف أن قراء القرآن الكريم في أي صقع على وجه الأرض مدينون لحفني ناصف بضبط المصحف الشريف، ورسمه بالصورة التي هو عليها الآن".