هل مخالف السنةالتركية مبتدع؟
عرض للطباعة
هل مخالف السنةالتركية مبتدع؟
إن ثبت أن الترك سنة فمخالفها مبتدع لاريب في ذلك وذلك كأن يكون هناك داع للفعل ولم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم فهذا يدل على أن الفعل لا يجوز فيكون الترك سنة واجبة التباع وخالفها مبتدع ..........والله أعلم
هذاالجواب غير كاف للبحث
اخبروني عن الكتب المتعلقة لهذاالموضوع
جزاكم الله
إن لم يكن هذا مبتدعا، فهل يوجد مبتدع؟
ما الغريب فيه يا أخي الفاضل؟
ترك النبي صلى الله عليه وسلم في العبادات مع وجود مقتضى الفعل يدل على المنع من الفعل كما في حديث الثلاثة في الصحيحين حيث قال أحدهم أما أنا فلا آكل اللحم وقال الآخر أما أنا فلا أنام الليل وقال الثالث وأنا لا أتزوج النساء فحتج عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله (من رغب عن سنتي فليس مني) فالتعبد بشيء تركه رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يجوز.
أما إذا كان مقتضى الفعل غير موجود في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم جاز الفعل بعده كجمع القرآن والآذان الثاني للجمعة , ذكر شيخ الإسلام في القواعد النورانية أن جمع القرآن لم يكن مقتضاه موجود في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما مات أكثر القراء وخشي عليه من الضياع جُمع.
أما تركه صلى الله عليه وسلم في العادات فلا يدل على المنع كما في حادثة أكل الضب وحديث ميمونة حيث ترك تنشيف أعضائه بعد الغسل وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
السلام عليكم و رحمة الله.
بعد قراءتي لسؤالك، تذكرت بحثا لشيخي سعيد بن الحسن البحراوي. فأحببت إحالتك عليه.
و هذا نصه:
"ّقاعدة قيام المقتضى وزوال المانع مع عدم الفعل"
النفي والإثبات فرع التصور، فلا يجوز نفي أمر أو إثباته إلا بعد تصوره لأنه يكون حينئذ تخرصا أو تقليدا بغير علم، فهذا بيان لها.
أقول وبالله التوفيق:
القاعدة المذكورة آنفا تدخل في قاعدة الترك ولها نظائر والمقصود بالترك: ترك النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة من بعده ، وهي أصل من الأصول المعتمدة في معرفة البدع وعمل السلف.
حقيقتها:
سنة الترك دليل خاص يقدم على الأدلة العامة.
قال شيخ الإسلام في الاقتضاء(280): "الترك سنة خاصة، مقدمة على كل عموم وكل قياس". اهـ
الترك بيان لما لم يجر عليه العمل في زمن النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة من بعده، وهو سنة مثل فعل النبي صلى الله عليه وسلم، فالواجب تنزيل الترك منزلة السنة القائمة.
وقال ابن القيم رحمه الله تعالى في إعلام الموقعين: "فإن تركه صلى الله عليه وسلم سنة كما أن فعله سنة، فإذا استحببنا فعل ما تركه، كان نظير استحبابنا ترك ما فعله ولا فرق"
وقال ابن السمعاني: "إذا ترك الرسول شيئاً وجب علينا متابعته فيه".
أصلها:
أصل هذه القاعدة من قول النبي صلى الله عليه وسلم: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" [رواه البخاري ومسلم].
ومن أقوال سلف هذه الأمة كثير منه:
قال حذيفة رضي الله عنه: "كل عبادة لم يتعبد بها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا تتعبدوا بها، فإن الأول لم يدع للآخر مقالا، فاتقوا الله يا معشر القراء، خذوا طريق من كان قبلكم".
قال سعيد بن جبير: "ما لم يعرفه البدريون فليس من الدين".
مرد القاعدة:
هذه القاعدة ترجع إلى ما ذكره الشاطبي في الاعتصام(1/363): "السكوت عن حكم الفعل أو الترك هنا إذا وجد المعنى المقتضى له، إجماع من كل ساكت على أن لا زائد على ما كان إذ لو كان ذلك لائقا شرعا أو سائغا لفعلوه فهم كانوا أحق بإدراكه والسبق إلى العمل به".
قلت: وهذا ضابط دقيق في المسكوت عنه وحقيقة مخالفته استدراك على الشرع.
شرطها:
اشترط أهل العلم شرطين للعمل بها:
الأول: قيام المقتضي للفعل أو المظنة:
والمقصود وجود الداعي أو السبب المحوج للفعل في زمن النبي صلى الله عليه وسلم مثل قيام رمضان، فقد كان المقتضى للخروج إلى الناس قائما، لكنه لم يفعل خوف الافتراض.
أما بعده صلى الله عليه وسلم فلا يعتبر قيام المقتضي بسبب التفريط الذي يقع من الناس مثل تقديم الخطبة على الصلاة في العيدين.
ودون هذا الأمر يعتبر ما قيل في ترك النبي صلى الله عليه وسلم.
قال الشاطبي في الاعتصام (1/363): "وقد ظهر من العادات الجارية فيما نحن فيه أن ترك الأولين لأمر ما من غير أن يعينوا فيه وجها مع احتماله في الأدلة الجملية ووجود المظنة دليل على أن ذلك الأمر لا يعمل به وأنه إجماع منهم على تركه".
وقال ابن رشد الجد في البيان والتحصيل: "واستدلاله على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يفعل ذلك ولا المسلمون بعده بأن ذلك لو كان لنقل صحيح إذ يصح أن تتوفر الدواعي على ترك نقل شريعة من شرائع الدين وقد أمر بالتبليغ".
الثاني: انتفاء المانع:
والمقصود ما يمنع من الفعل مع وجود سبب الفعل في زمانه أو زمن الصحابة مثل قيام رمضان، فالمانع الخشية من أن يفرض، وقد زالت بموته صلى الله عليه وسلم، فجمع عمر رضي الله عنه الناس على مقتضى سنته.
ففعل الصحابة رضوان الله عليهم بعد الوفاة دليل على وجود المانع في زمنه صلى الله عليه وسلم.
وهنا مبحث يذكره أهل العلم ليس هذا محلا للنظر فيه وهو: هل يستوي علمنا أو جهلنا بفعل النبي صلى الله عليه وسلم في اعتبار فعل الصحابة؟ الصحيح اعتباره على تفصيل.
إذا علم هذا فالقاعدة لا تجرى إلا بالشرطين، وتكون حينئذ حجة معتبرة، لكن لابد أن نعلم أن مناط القاعدة قيام الشرطين، فغالب خلاف أهل العلم فيهما، فإنهم يختلفون في وجود السبب أو عدمه وفي انتفاء المانع، بل إن ذلك مطية أهل البدع، وما دخلوا إلا منهما.
هذا لنعلم خطورة وجلل الكلام في هذه القاعدة تأصيلا وتفريعا، وأن الأمر ليس مبذولا لجميع الناس بل لأهل العلم خاصة، فالواجب:
أولا: فهم القاعدة فهما سليما
ثانيا: تصور المسألة تصورا معتبرا
ثالثا: نفي أو إثبات الفعل وفق القاعدة.
على ماذا تحمل القاعدة؟
هذه القاعدة شأن نظيراتها من قواعد الترك تحمل على العبادات لأن الإحداث المذموم شرعا لا يكون إلا فيها، فلا يجوز حملها على العادات لتعلقها بمصالح الدنيا، واختلافها وتغيرها زمانا ومكانا.
قال الشاطبي في الاعتصام(1/343): "إن عدوا كل محدث العادات بدعة فليعدوا جميع ما لم يكن فيهم من المآكل والمشارب والملابس والكلام والمسائل النازلة التي لا عهد بها في الزمان الأول بدعا وهذا شنيع فإن من العوائد ما تختلف بحسب الأزمان والأمكنة والاسم فيكون كل من خالف العرب الذين أدركوا الصحابة واعتادوا مثل عوائدهم غير متبعين لهم هذا من المستنكر جدا".اهـ
ووجه ذلك أن: "الأصل في العبادات أن لا يشرع منها إلا ما شرعه الله والأصل في العادات أن لا يحظر منها إلا ما حظره الله".
قلت: فهي على أصلها في الإباحة، فإن أريد بها طاعة الله تعالى صارت عبادة وقربة.
قال الشاطبي في الاعتصام(1/262): "فإن الأصل الشرعي أن كل مطلوب هو من جملة ما يتعبد به إلى الله تعالى ويتقرب به إليه، فالعبادات المحضة ظاهر فيها ذلك والعادات كلها إذا قصدت بها امتثال أمر الله عبادات إلا أنه إذا لم يقصد بها ذلك القصد ويجيء بها نحو الحظ مجردا فإذا ذاك لا تقع متعبدا بها ولا مثابا عليها وإن صح وقوعها شرعا".اهـ
وهنا أحب بيان أمر قد يشكل على بعض الناس وهو عدم حملي القاعدة على العادات، فليعلم أن ذلك مقيد بإرادة التعبد، فالابتداع يقع في العبادة ويقع في العادة بهذا الاعتبار، وقد بين هذا الشاطبي في الاعتصام(1/ 60) فقال: ".. أن الأمور العادية داخلة ضمن الخطاب الشرعي، وضمن المعنى العام للعبادة. ولذلك فإن المباح أحد أقسام الحكم التكليفي، لأنه إنما ثبت كونه مباحاً بالدليل الشرعي. وقد تكرر أن كل ما يتعلق به الخطاب الشرعي يتعلق به الابتداع" اهـ.
وقال أيضا في الاعتصام (2/ 570): "أفعال المكلفين إما أن تكون من قبيل التعبديات، وإما أن تكون من قبيل العادات والمعاملات. وقد تقرر بالأدلة الشرعية أنه لابد في كل عادي من شائبة تعبدٍ لكونه مقيداً بأوامر الشرع إلزاماً أو تخييراً أو إباحة. وعليه: فالبدع تدخل في الأمور العادية من الوجه العبادي المتعلق بها" اهـ.
وكذلك قرر هذا شيخ الإسلام في الفتاوى(11/ 450 ـ 452): "فهذا أصل عظيم تجب معرفته والاعتناء به: وهو: أن المباحات إنما تكون مباحة إذا جعلت مباحاتٍ. فأما إذا اتخذت واجباتِ والمستحبات منها بمنزلة جعل ما ليس في المحرمات منها.
فلا حرام إلا ما حرمه الله، ولا دين إلا ما شرعه الله، ولهذا عظم ذم الله في القرآن لمن شرع ديناً لم يأذن الله به، ولمن حرم ما لم يأذن الله بتحريمه، فإذا كان هذا في المباحات فكيف بالمكروهات والمحرمات ؟ .. وبإهمال هذا الأصل غلط خلق كثير من العلماء والعباد يرون الشيء إذا لم يكن محرماً لا ينهى عنه، بل يقال أنه جائز.
ولا يفرقون بين اتخاذه ديناً وطاعة وبراً وبين استعماله كما تستعمل المباحات المحضة.
ومعلوم ان اتخاذه ديناً بالاعتقاد أو الاقتصاد، أو بهما، أو بالقول أو بالعمل، أو بهما: من أعظم المحرمات، وأكبر السيئات. وهذا من البدع المنكرات التي هي أعظم من المعاصي التي يعلم أنها معاصى وسيئات" اه.ـ
وقال ابن الشاط المالكي صاحب التعليقات النفيسة على الفروق(1/ 34): "إذا قصد بالمباحات القوة على الطاعات، أو التوصل إليها كانت عبادة، كالأكل والنوم واكتساب المال" اهـ.
ومما يدل على ذلك ما أخرجه البخاري عن ابن عباس رضي الله عنه قال: "بينما النبي صلى الله عليه وسلم يخطب إذا هو برجل قائم، فسأل عنه فقالوا: أبو إسرائيل نذر أن يقوم ولا يقعد، ولا يستظل ولا يتكلم، ويصوم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: مره فليتكلم، وليستظل، وليقعد، وليتم صومه".
قال شيخ الإسلام(11/ 200): "فأما الصمت الدائم فبدعة منهي عنها، وكذلك الامتناع عن أكل الخبز واللحم وشرب الماء: فذلك من البدع المذمومة أيضاً"
ومن آثار الصحابة ما أخرجه البخاري عن قيس بن أبي حازم قال: "دخل أبو بكر على امرأة من أحمس يقال لها زينب، فرآها لا تتكلم. فقال ما لها لا تتكلم؟ قالوا: حجت مصمتة قال لها: تكلمي فهذا لا يحل فهذا من عمل الجاهلية".
قال الشاطبي في الاعتصام(2 534/): "فتأمل كيف جعل القيام في الشمس، وترك الكلام ونذر المشي إلي الشام أو مصر معاصي... مع أنها في أنفسها أشياء مباحات، لكنه لما أجراها لما يتشرع به ويدان الله به صارت عند مالك معاصي لله" اهـ.
وهكذا في كلام كثير لهذين العلمين في بيان هذا الأمر، فما أجمل في قولي السابق:"فهي على أصلها في الإباحة، فإن أريد بها طاعة الله تعالى صارت عبادة وقربة" فصل في اللاحق لإزالة الالتباس، وحتى لا يحمل كلامي على غير وجهه، فليعلم حفظكم الله!. اهـ
و هذا رابط الموضوع.
http://www.manzila.net/site/maqalat/...j/701-701.html
و هذا بحث آخر لشيخي أبي أويس الإدريسي.
"شبهة في باب الابتداع و الجواب عنها"
شبهة في باب الابتداع والجواب عنها
عند الإنكار على كثير من الناس بعض ما أحدثوا من البدع في باب التعبد، باعتبار أن ذلك لم ينقل فعله عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن صحابته الكرام رضوان الله عليهم من بعده مع أن مقتضى الفعل قائم، والدواعي متوفرة للنقل ولا مانع يمنع ذلك، يحتجون عليك بأن "الترك وحده إن لم يصحبه نص على أن المتروك محظور لا يكون حجة في ذلك" كما قاله عبد الله بن الصديق في كتابه "حسن التفهم والدرك لمسألة الترك"، بل جعلوا هذا المعنى من الأمور المقررة عند علماء الأصول حيث يوردون القاعدة التي نصها: "ترك الشيء لا يدل على تحريمه".
فنقول نعم، هذا الكلام جرى على لسان العلماء، وهو مسطور في كتب الفقهاء(1)، وممن قال ذلك الإمام ابن دقيق العيد رحمه الله في "إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام" 1/205، وقال في موضع آخر منه: "ليس الترك بدليل الامتناع" 1/188.
فالقاعدة صحيحة، لكن وضعت في غير موضعها حتى أحدث بسبب الاعتماد عليها جملة من المحدثات والبدع، ذلك أن مجال استعمالها -عند عموم العلماء- العادات لا العبادات، لأن الأصل في العادات الإباحة، فالترك في باب العادات لا يدل على التحريم، كترك النبي صلى الله عليه وسلم أكل الضب فتنبه، وفي مثل هذا المثال يقال: من مقاصد التروك: "الترك للكراهية في الطبع".
ولذلك الإمام الشاطبي رحمه الله عند حديث الضب وهو حديث خالد بن الوليد رضي الله عنه قال: "أتي النبي صلى الله عليه و سلم بضب مشوي فأهوى إليه ليأكل فقيل له إنه ضب، فأمسك يده فقال خالد أحرام هو؟ قال: لا، ولكنه لا يكون بأرض قومي فأجدني أعافه" متفق عليه، قال: "فهذا ترك للمباح بحكم الجبلة، ولا حرج فيه" الموافقات 4/60..
أما العبادات فعلى خلاف ذلك، لأن الأصل فيها المنع والتوقف كما هو مقرر معلوم، وفي ذلك قال ابن عاشر رحمه الله في المرشد المعين:
ويوقف الأمور حتى يعلما *** ما الله فيهن به قد حكما
ومصادقه قول النبي عليه الصلاة والسلام: "من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد" رواه البخاري ومسلم واللفظ له.
يقول الشيخ صالح الفوزان: "فالأصل في العادات الإباحة، فالترك في باب العادات لا يدل على التحريم. فمثلا النبي عليه الصلاة والسلام لم يأكل الضب، هل هذا يدل على تحريمه؟..لا، لأن الترك لا يدل على التحريم، هذا في باب العادات..
وأما العبادات فالأصل فيها التحريم إلا إذا ورد الإذن.." انظر كتابه شبهات وردود.
ومن أمثلة الترك في العبادات :الأذان في العيدين.
فقد أخرج البخاري رحمه الله في صحيحه باب: المشي والركوب إلى العيد بغير أذان ولا إقامة: عن عطاء أن ابن عباس أرسل إلى ابن الزبير في أول ما بويع له: إنه لم يكن يؤذن بالصلاة يوم الفطر، وإنما الخطبة بعد الصلاة.
قال الحافظ ابن عبد البر رحمه الله في التمهيد 24/239: "وهو أمر لا خلاف فيه بين العلماء، ولا تنازع بين الفقهاء أنه لا أذان ولا إقامة في العيدين ولا في شيء من الصلوات المسنونات والنوافل، إنما الأذان للمكتوبات".
وقال شيخ الإسلام رحمه الله: "..فلما أمر (أي النبي عليه الصلاة والسلام) بالأذان للجمعة، وصلى العيدين بلا أذان ولا إقامة، دل تركه على أن ترك الأذان هو السنة، فليس لأحد أن يزيد في ذلك بل الزيادة فيه كالزيادة في أعداد الصلوات وأعداد الركعات، أو زيادة أيام الصوم المفروضة، أو شعائر الحج المطلوب ونحو ذلك" الإقتضاء134.
ومن الأمثلة كذلك الاحتفال بما يسمى بالمولد النبوي.
قال العلامة ابن الحاج المالكي - رحمه الله - في "المدخل" (2/312) "فإن خلا - أي عمل المولد- منه - أي من السماع - وعمل طعاماً فقط، ونوى به المولد ودعا إليه الإخوان،وسلم من كل ما تقدم ذكره - أي من المفاسد- فهو بدعة بنفس نيته فقط، إذ أن ذلك زيادة في الدين ليس من عمل السلف الماضين، وإتباع السلف أولى بل أوجب من أن يزيد نية مخالفة لما كانوا عليه، لأنهم أشد الناس إتباعا لسنة رسول الله r، وتعظيماً له ولسنته r، ولهم قدم السبق في المبادرة إلى ذلك، ولم ينقل عن أحد منهم أنه نوى المولد، ونحن لهم تبع، فيسعنا ما وسعهم... الخ".
و قال العلامة أبو عبد الله الحفَّار المالكي : "وليلة المولد لم يكن السلف الصالح وهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعون لهم يجتمعون فيها للعبادة، ولا يفعلون فيها زيادة على سائر ليالي السنة ،لأن النبي صلى الله عليه وسلم لا يعظم إلا بالوجه الذي شرع به تعظيمه، و تعظيمه من أعظم القرب إلى الله ، لكن يتقرب إلى الله جل جلاله بما شرع، والدليل على أن السلف الصالح لم يكونوا يزيدون فيها زيادة على سائر الليالي أنهم اختلفوا فيها ، فقيل إنه صلى الله عليه وسلم ولد في رمضان وقيل في ربيع، واختلف في أي يوم ولد فيه على أربعة أقوال، فلو كانت تلك الليلة التي ولد في صبيحتها تحدث فيها عبادة بولادة خير الخلق صلى الله عليه وسلم، لكانت معلومة مشهورة لا يقع فيها اختلاف ولكن لم تشرع زيادة تعظيم ...ولو فتح هذا الباب لجاء قوم فقالوا: يوم هجرته إلى المدينة يوم أعز الله فيه الإسلام فيجتمع فيه ويتعبد، ويقول آخرون: الليلة التي أسري به فيها حصل له من الشرف ما لا يقدر قدره، فتحدث فيها عبادة، فلا يقف ذلك عند حد، والخير كله في إتباع السلف الصالح الذين اختارهم الله له، فما فعلوا فعلناه وما تركوا تركناه، فإذا تقرر هذا ظهر أن الاجتماع في تلك الليلة ليس بمطلوب شرعا ، بل يؤمر بتركه". المعيار المعرب للونشريسي "7/ 99ـ 100"
فتبين أن ما تركه النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام رضي الله عنهم في باب التعبد مع وجود المقتضى للفعل (2)، والدواعي متوفرة للنقل، ولا مانع يمنع ذلك كان فعله بدعة وتركه سنة، وهذا الذي يعرف بالسنة التركية، فالاتباع للسنة في التعبدات يكون بترك ما ورد تركه وفعل ما ورد فعله كما قال الشافعي رحمه الله: "ولكننا نتبع السنة فعلا أو تركا" الفتح 3/475.
قال الشيخ علي محفوظ رحمه الله: "اعلم أن سنة النبي عليه الصلاة والسلام كما تكون بالفعل تكون بالترك، فكما كلفنا الله تعالى باتباع النبي عليه الصلاة والسلام في فعله الذي يتقرب به إذا لم يكن من باب الخصوصيات، كذلك طالبنا باتباعه في تركه، فيكون الترك سنة.
وكما لا تتقرب إلى الله تعالى بترك ما فعل لا تتقرب إليه بفعل ما ترك، فلا فرق بين الفاعل لما ترك والتارك لما فعل" الإبداع في مضار الإبتداع 43.
وهذا هو صفوة الكلام في هذه المسألة، وقد بين ذلك غير واحد من أهل العلم كابن تيمية رحمه الله في الفتاوي 21/317، وتلميذه ابن القيم رحمه الله في إعلام الموقعين 2/371، والشاطبي رحمه الله في الاعتصام 1/360، وانظر الحوادث والبدع 74 للطرطوشي رحمه الله، والتعليق على الروضة الندية 1/72 للعلامة أحمد شاكر رحمه الله.
ومما يؤكد ما بينوه أن سنة النبي عليه الصلاة والسلام التي أمرنا باتباعها: قول وفعل وتقرير، وقد قرر جمهور (3) علماء الأصول رحمهم الله أن الترك يدخل في الفعل كما قال صاحب المراقي رحمه الله:
فكلنا بالنهي مطلوب النبي *** والترك فعل في صحيح المذهب
والدليل على ذلك اللغة والكتاب والسنة والآثار.
أما في اللغة فقد أورد العلماء ما جاء عن قائل من المسلمين من الأنصار والنبي عليه الصلاة والسلام يعمل بنفسه في بناء مسجده من شعر:
لئن قعدنا والنبي يعمل*** لذاك منا العمل المضلل
قال الشنقيطي رحمه الله: "فمعنى قعدنا: تركنا الاشتغال ببناء المسجد، وقد سمى هذا الترك عملا في قوله: لذاك منا العمل المضلل" مذكرة في أصول الفقه 39، وانظر طبقات الشافعية الكبرى للسبكي رحمه الله 1/99.
ومن القرآن قوله تعالى: {كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ}.
قال العلامة الشنقيطي رحمه الله: "فقد سمى جل وعلا في هذه الآية الكريمة تركهم التناهي عن المنكر فعلا..، وصراحة دلالة هذه الآية..على ما ذكر واضحة كما ترى" أضواء البيان 6/256.
ومن السنة قوله عليه الصلاة والسلام: "المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده" رواه البخاري.
قال الشنقيطي رحمه الله في المذكرة 39: "فسمي ترك الأذى إسلاما، وهو يدل على أن الترك فعل".
ومن الآثار قول أبي هريرة رضي الله عنه لمروان: "أحللت بيع الربا يا مروان" وهو عند مسلم.
قال الزرقاني رحمه الله: "وفيه أن الترك فعل، لأنه لم يحل الربا، وإنما ترك النهي.." شرح الزرقاني على الموطأ 3/369.
وعليه كان التأسي بالنبي عليه الصلاة والسلام في باب العبادات يشمل الفعل والترك على السواء.
قال الشوكاني رحمه الله: "تركه صلى الله عليه وسلم للشيء كفعله في التأسي به فيه" إرشاد الفحول 83.
وقال ابن مفلح رحمه الله في الأصول1/335-336: "والتأسي: أن تفعل مثل فعله على وجهه لأجل فعله وكذلك الترك".
.......................
1- يقول الحافظ رحمه الله:" فعل الرسول عليه الصلاة والسلام إذا تجرد عن القرائن وكذا تركه لا يدل على وجوب ولا تحريم " الفتح 8/629، وانظر سبل السلام 3/306، ونيل الأوطار 2/7، ومفتاح الوصول للتلمساني 86.
2- يقول الصنعاني رحمه الله: "ما وجد سببه في عصره صلى الله عليه وسلم ولم يفعله ففعله بعد عصره بدعة" سبل السلام 1/227، وانظر التنصيص على ذلك كذلك في الفتاوى الحديثية للهيثمي رحمه الله 307، و الإبداع لعلي محفوظ 43 فما بعدها، وأحسن الكلام فيما يتعلق بالسنة والبدعة من الأحكام للشيخ بخيت المطيعي رحمه الله 13، ورسائل الإصلاح للشيخ الخضر حسين رحمه الله 2/166، ومقاصد الشريعة لعلال الفاسي رحمه الله 182.
3- وهو الصواب، انظر: "دليل الترك بين المحدثين والأصوليين" لأحمد كافي 139 و144 فما بعدها. اهـ.
و هذا رابط الموضوع:
http://www.manzila.org/forum/index.php?showtopic=6600
جزاكم الله خيرا
للمتابعة