الدرر المختارة من مجموع الفتاوى (متجدد)
الحمد لله وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وبعد..
فإن من أعظم الطرق للاستفادة من الكتاب تلخيص أبوابه أو تقيد العناصر المهمة في كل مسألة, وذلك لتوفير وقت البحث عنها عند طلبها.
وقديم قيل: العلم صيد والكتابة قيده*** قيد صيودك بالحبال الواثقة
فمن الحماقة أن تصيد غزالـــة*** وتعيدها بين الخلائق طالقه
فربما يندم المرء على معلومة يعرفها ولكن يحتاج لتذكر تفاصيلها, ويحك رأسه معتصر ذهنه أين كانت وفي أي كتاب؟!؛ ولكن بهذه الطريق يسهل البحث عنها مع ما للكتابة نفسها والتقيد من نفع في تثبيت المسألة في الذهن.
وربما صار الأمر في النهاية إلى سفر عظيم النفع وما صيد الخاطر والفوائد إلا تجربة حية لهذه الطريقة.
كما نرجو بنشر هذه الفوائد والدرر تحصيل الأجر عند الديان ونفع الأخوان, ونسأل الله القبول والسداد.
كتابنا هو مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام سفر عظيم جزا الله صاحبه خيرا عن الإسلام والمسلمين, ننثر درره في آفاق السالكين لتضيء لهم الطريق.
قال شيخ الإسلام: وجعل أمته خير أمة أخرجت للناس يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويؤمنون بالله, يوفون سبعين هم خيرها وأكرمها على الله. هو شهيد عليهم وهم شهداء على الناس في الدنيا والآخرة بما أسبغه عليهم من النعم الباطنة والظاهرة وعصمهم أن يجتمعوا على ضلالة إذ لم يبق بعده نبي يبين ما بدل من الرسالة.
قلت: هذا هو الدليل العقلي على عصمة الأمة بمجموعها, مبني على أصول وعمومات الشريعة, وقد اختلاف في رفع ووقف الحديث المشهور [لا تجتمع أمتي على ضلال].
آثار الخلال في فهم الشمولية
قال شيخ الإسلام: فنجد كثيرا من المتفقة والمتعبدة, إنما همته طهارة البدن فقط, ويزيد فيها على المشروع اهتماما وعملا. ويترك من طهارة القلب ما أمر به؛ إيجابا أو استحبابا ولا يفهم من الطهارة إلا ذلك. ونجد كثيرا من المتصوفة والمتفقرة, إنما همته طهارة القلب فقط؛ حتى يزيد فيها على المشروع اهتماما وعملا؛ ويترك من طهارة البدن ما أمر به إيجابا أو استحبابا.
فالأولون يخرجون إلى الوسوسة المذمومة في كثير ة صب الماء, وتنجيس ما ليس بنجس, واجتناب ما لا يشرع اجتنابه مع اشتمال قلوبهم على أنواع من الحسد والكبر والغل لإخوانهم, وفي ذلك مشابهة بينة لليهود.
والآخرون يخرجون إلى الغفلة المذمومة, فيبالغون في سلامة الباطن حتى يجعلون الجهل بما تجب معرفته من الشر-الذي يجب اتقاؤه- من سلامة الباطن, ولا يفرقون بين سلامة الباطن من إرادة الشر المنهي عنه, وبين سلامة القلب من معرفة الشر المعرفة المأمور بها ثم مع هذا الجهل والغفلة قد لا يجتنبون النجاسات, ويقيمون الطهارة الواجبة مضاهاة للنصارى.
الوسائل لها أحكام المقاصد
قال شيخ الإسلام: الأعمال الدينية لا يجوز أن يتخذ منها شيء سببا إلا أن تكون مشروعة؛ فإن العبادات مبناها على التوقيف؛ فلا يجوز للإنسان أن يشرك بالله فيدعو غيره-وإن ظن ذلك سبب في حصول بعض أغراضه- وكذلك لا يعبد الله بالبدع المخالفة للشريعة –وإن ظن ذلك- فإن الشياطين قد تعين الإنسان على بعض مقاصده إذا أشرك وقد يحصل بالكفر والفسوق والعصيان بعض أغراض الإنسان فلا يحل له ذلك إذ المفسدة الحاصلة بذلك أعظم من المصلحة الحاصلة به إذ الرسول صلى الله عليه وسلم: بعث بتحصيل المصالح وتكميلها وتعطيل المفاسد وتقليلها فما أمر الله به: فمصلحة راجحة وما نهى عنه: فمفسدته راجحة.
أنواع التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم
قال شيخ الإسلام: فلفظ التوسل يراد به ثلاثة معان:
أحدها: التوسل بطاعته, فهذا فرض لا يتم الإيمان إلا به.
قلت: أي طاعته في التوحيد, والأعمال الصالحة التي قال الله فيها (وابتغوا إليه الوسيلة) وهي ما أمر به الرسول صلى الله عليه وسلم
والثاني: التوسل بدعائه وشفاعته, وهذا كان في حياته, ويكون يوم القيامة يتوسلون بشفاعته.
والثالث: التوسل به بمعنى الإقسام على الله بذاته, والسؤال بذاته,فهذا هو الذي لم تكن الصحابة يفعلونه في الاستسقاء ونحوه, لا في حياته ولا بعد مماته, ولا عند قبره ولا غير قبره, ولا يعرف هذا في شيء من الأدعية المشهورة بينهم, وإنما ينقل شيء من ذلك في أحاديث ضعيفة مرفوعة وموقوفة, أو عمن ليس قوله حجة.