سيف الدولة الحمداني ينقد امرئ القيس والمتنبي
من كتاب "المتنبي .. رسالة في الطريق إلى ثقافتنا"، لأبي فهر محمود محمد شاكر، ص696-697
ومن عجيب نقد الشعر أن المتنبي لما أنشد سيف الدولة بن حمدان قصيدته التي أولها:
على قدر أهل العزم تأتي العزائم
[ فلما بلغ المتنبي إلى قوله:
وقفت وما في الموت شك لواقف ] ** كأنك في جفن الردى وهو نائم
تمر بك الأبطال كلمى هزيمة ** ووجهك وضاح وثغرك باسم
[ قال سيف الدولة : قد انتقدتهما عليك ] كما انتقد على امرئ القيس قوله:
كأني لم أركب جوادا للذة ** ولم أتبطن كاعبا ذات خلخال
ولم أسبأ الزق الروي ولم أقل ** لخيلي كري كرة بعد إجفال
فكما كان ينبغي لامرئ القيس أن يركب القسم الأخير من بيته الأول على القسم الأول من بيته الثاني|، فيقول:
كأني لم أركب جوادا ولم أقل ** لخيلي كري كرة بعد إجفال
ولم أسبأ الزق الروي للذة ** ولم أتبطن كاعبا ذات خلخال
فيقرن لذة الشرب بلذة النكاح وركوبه الجواد بأمره خيله بالكر، فكذلك كان ينبغي أن تركب البيتين فتقول:
وقفت وما في الموت شك لواقف** ووجهك وضاح وثغرك باسم
تمر بك الأبطال كلمى هزيمة** كأنك في جفن الردى وهو نائم
حتى يأتلف المدح بتيقن الموت مع توضح الوجه وتبسم الثغر
رد: سيف الدولة الحمداني ينقد امرئ القيس والمتنبي
رد المتنبي
وجدت رد المتنبي في كتاب "البلاغة العربية أسسها وعلومها وفنونها" فرغبت في إيراده إكمالا للموضوع.
فقال أبو الطيّب: "إنْ صَحَّ أَنَ الّذِي اسْتدرك على امرئ القيس هذا أعْلَمُ منه بالشعر فقد أخطأ امرؤ القيس وأخطَأْتُ أنا، ومولانا الأمير يعلَمُ أنّ الثوب لا يَعْرفُه البزّاز معرفة الحائك، لأنَّ البزّاز لا يعرف إلاَ جملته، والحائك يعْرِفُ جُمْلَتَهُ وتفْصيله، لأنّه أخْرجه من الغزليّة إلى الثوبيّة، وإنَّما قَرَنَ امْرُؤُ القيس لذّة النساء بلذّةِ الرُّكُوب للصيْد، وقرنَ السماحة في شراء الْخَمْر للأضياف بالشجاعة في منازلة الأعداء.
وأنَا لمّا ذكَرْتُ الموتَ في أوّل البيت أبعتُهُ بذكْرِ الرَّدَى لتجانسه، ولمّا كان وجْهُ المنهزم لا يخْلُو من أن يكونَ عَبُوساً، وعينُهُ من أن تكون باكية، قُلْتُ: "وَوَجْهُكَ وضّاحٌ وثَغْرُكَ باسِم" لأجْمَعَ بَيْنَ الأضداد في المعنى..".
أقول (مؤلف الكتاب):
لقد أدرك المتنبّي بما لديه من ذوقٍ فنّيّ رفيع لدقائق الجمال في قَرْنِ الأشباه والنظائر والأضداد، أنّ قرن الأضدّاد الفكرية في تتابع اللّوحة البيانية، أجْمَلُ وأكثر تأثيراً في النفس من قرن الأشباه والنظائر بعضها ببعض، لأنّ تخاطرُ الأضداد في الأذهان أقربُ من تخاطر الأشباه والنظائر.