عفوا الموضوع وضع للقياس(ابتسامة) .....( ألو )

في 7 مارس من عام 1876 أُصدرت براءة اختراعٍ برقم 174465 باسم الكسندر غراهام بل، واعتبرت الأعلى قيمةً في العالم، ولو تأخر الكسندر ساعاتٍ قليلةٍ في تقديم تصميمه، لذهب شرف اختراع الهاتف إلى أليشا غراي، ولأطلق على النظام الذي يعرف اليوم باسم بل، اسم نظام ( غراي )

وفي شهر إبريل من عام 1877 تم تركيب أول جهازٍ هاتفيٍ خاصٍ في منزل تشارلز ويليمس بولاية مساتشوستس، رابطاً إياه بمكتبه في مدينة بوسطن بأمريكا، في حين عمد شخص – اسمه إدوارد - يمتلك شركة متخصصة في تسويق أجهزة الإنذار إلى وضع أول مقسمٍ هاتفي قيد العمل، ووصله بخمسة مكاتب تتبع قطاع أعماله المتنوع .

في اليوم الأول من شهر سبتمبر سنة 1878 استُخدمت إيما م نات كأول عاملة هاتفٍ، وكان العاملون قبلها صبية صغار السن، لا يعبئون بجدية العمل وأهميته، وينبو من أفواههم لغة بذيئة سيئة، إضافةً إلى هواياتهم للمقالب السخيفة .

بتاريخ 13 نوفمبر 1878 تم تركيب أول جهازٍ هاتفيٍ في قاعة البورصة بنيويورك، فأحدثت عملية الاتصال ثورةً في سوق المال الأمريكية ( وول ستريت ) وخلال سنواتٍ قليلةٍ ربط دلالو الأسهم مكاتبهم بالردهة حيث تتم عمليات التبادل والبيع، وقد ادعى ج .ب مورغان أن شريكه جورج بيركنز، يستطيع جمع 20 مليون دولار خلال 20 دقيقة بإجراء سلسلةٍ من المكالمات الهاتفية .

في عام 1879 وجب على عاملي المقسمات حفظ أسماء جميع المشتركين غيباً، ولدى انتشار وباء الحصبة في إحدى المدن الأمريكية، أوصى أحد الأطباء المحليين بتخصيص أرقامٍ للمشتركين، خوفاً من انهيار شبكة الهاتف في المدينة إذا ما وصلت العدوى إلى عمال المقسم، وسرعان ما شاع استخدام الأرقام في الولايات المتحدة الأمريكية .

بتاريخ 1 مايو عام 1884 بدأ في شيكاغو بناء أول ناطحة سحابٍ في العالم، وهي مبنى من عشر طبقاتٍ شيدته إحدى شركات الإعمار، وأتاح الهاتف انتشار ناطحات السحاب في المدن الكبيرة، فلولاه لتعين على السعاة نقل الرسائل باليد، ولما توافر عدد كافٍ من المصاعد لاستخدام أولئك السعاة .

اخترع وليم غراي أول هاتفٍ يقبل النقود المعدنية، يوم 13 أغسطس 1899 وكان الهدف تيسير استخدام الهاتف لأي إنسانٍ قد يحتاجه، وسرعان ما انتشرت أكشاك الهاتف العمومية المصنوعة من الخشب في الشوارع والميادين .

في فبراير سنة 1909 أعلنت إحدى اللجان التي عينها الرئيس الأمريكي روزفلت، أن الهاتف هو أحد عوامل حل مشاكل الريف، وتخفيف العزلة الاجتماعية، وفي 27 مارس عام 1929 أصبح الرئيس الأمريكي هربرت هوفر أول رئيسٍ يقتني جهازاً هاتفياً على مكتبه، وكان أسلافه يستخدمون كشك هاتفٍ مغلقٍ خارج المكتب البيضاوي .

18 نوفمبر 1963 أنزلت إلى الأسواق أجهزة هاتفٍ ذات أزرارٍ بدل الأقراص التقليدية، وفي 14 يونيو 1965 وضعت شركة T،AT نظام الرقم المجاني الذي يبدأ برمز 800 وفي العام 1989 أجريت أكثر من 8 مليارات مكالمةٍ مجانية بواسطة ذلك الرمز .

29 أكتوبر سنة 1980 أصبحت شبكة ABC التلفزيونية أول شبكةٍ تستخدم رمزاً لشركة AT يبدأ ب 900 لإجراء استطلاعٍ مباشرٍ للرأي، بعد المناظرة التلفزيونية بين المرشحين الأمريكيين ريجان وكارتر .

8 مايو عام 1988 شب حريق كبير في مدينة هنزدايل بولاية ايلينوي أدى إلى انقطاع خطوط الهاتف عن 35 ألف منزلٍ ومركز عملٍ لمدة أربع أسابيع، وكانت الصورة قاتمة في أذهان الناس عن الحياة دون هاتفٍ، عجزت المصارف عن إجراء أي صفقاتٍ، وعجز تام في تأكد المحلات التجارية من الغطاء المالي للبطاقات الائتمانية، تعثر الاتصال بمراكز الشرطة، واضطرار الأطباء إلى الاستعانة بالأجهزة اللاسلكية في مستشفى هنزدايل للاتصال بين مختلف أقسام المستشفى .

أوصت مؤسسة راند البحثية - في السبعينات من القرن الميلادي المنصرم - بإجراء ربطٍ بين مختلف قواعد الجيش الأمريكي بواسطة شبكةٍ حاسوبية تعتمد في نقل بياناتها عبر الخطوط الهاتفية، لتبادل المعلومات والأوامر بين القيادات العسكرية وقواعدها الحربية في حال تعرض الولايات المتحدة الأمريكية لضرباتٍ نووية روسية، وسرعان ما سرى الربط إلى الجامعات الأمريكية، ثم إلى جامعات العالم، قبل اختراع النطاق الذي يبدأ ب www للتمييز بين عناوين الشركات والمؤسسات والوكالات البحثية .

بزرت على أثير الشبكة العنكبوتية مختلف مناحي الحياة البشرية ووسائل اتصالاتها، من نصوصٍ كتابيةٍ، وصور ملونة، ومقاطع مرئية، وبرامج تعليمة، وكتب ثقافية، وبث مباشر إلخ .... لتتغلغل هذه الثورة التقنية الهائلة داخل حياة الناس وتسيطر على عقولهم مشكلة أفكارهم وهواياتهم، متحدين بها قلباً وقالباً، مندمجين معها روحاً وجسداً، ثم تطوروا في التعاطي معها وشكلوا داخلها عوالمهم الافتراضية الوهمية المتداخلة مع العوالم الحقيقية، فبواسطتها لعبوا وعبثوا واتجروا، بل وقتلوا وابتزوا وهددوا، قبل أن يحبوا ويرتبطوا عاطفياً نصاً وصوتاً وصورةً .

لا تكاد ترمق إنساناً في الشارع إلا وهو يلوح بيده في الهواء بكل أريحية أو حماسةٍ، ولولا وقوفك على تقنية سماعات البلوتوث لوصمته بالجنون ! في حين يمشي آخر مطرقاً برأسه أرضاًُ لا حياءً، بل تتبعاً للأسماء الأنثوية القريبة من نطاق البث والاستقبال لجهازه، والمرتبطة به لا سلكياً أو عن طريق تقنية الواي فاي، رابع يقيد موعداً في حاسوبه الكفي، سادس يبث ويوزع، عاشر مستلقي يغني أو يلقي نظماً في الحب تستحي منه سجاح الكاهنة، ويبرأ من تهافته مسيلمة الكذاب، ويسخر من سطحيته المسيح الدجال .

في زمن ابتذال الحب والمتاجرة بأسمى عاطفةٍ بشريةٍ، تمتزج التقنية بالروح الكاذبة وتتحكم بالقلب الخاوي، مخلفةً عشرات النصوص الإليكترونية المضيئة ذات المشاعر المنخفضة من قبيل :

أغرك مني أن حبك قاتلي – وانك مهما تأمري القلب يرسل SMS ؟!

وحلّ بث الفضاء فوق الأسطح، فتلقفته الأطباق دون وعيٍ أو فلترةٍ، ابتذلت فيها المرأة، ورخص الرجل، وفشت رسائل حب ال SMS على أشرطة العرض السريعة والبطيئة والمتوسطة، وعجت الشاشات بألقاب الفضاء المستعارة على غرار ألقاب أشباح مواقع الإنترنت، بل وأصبحت علاقات الحب الناجحة بين الذكر والأنثى تقاس إليكترونياً وعلى شاشة التلفزة، بواسطة الهاتف المحمول، فهدى وأحمد مثلاً يتنافران بدرجة 90% في حين يتقارب قيس وليلى بنسبة 5% بدل غلاء المعيشة ! أو بسبب أن قيس لم يرتبط بليلى كما ذكرت كتب التاريخ والأدب، لارتفاع أسعار الخيام في تلك الحقبة !

كتب جون بروكسي في مؤلفه ( الهاتف السنوات المئة الأولى ) : عوض أن يُسمع الإنسان صوته بالصراخ عبر مئات الأمتار، يمكنه الآن إسماع صوته للآخرين وعبر العالم بهمسةٍ !

ولم يقف بروكسي هذا على مشاكل تجاوز ( البروكسي ) في المملكة للوصول إلى قاع الشبكة، ووجع القلوب، وإيذاء الأبصار ومسخ الفطرة، ولا على همسات الحب، وأهات الغرام، ولواعج الشوق تحت جنح الظلام وخلف أستار التقاليد والأعراف، في لحظة ضعفٍ، أو كوة ابتذالٍ وبوابة متاجرة، أو دفقة حقيقة من دماء حبٍ ملتهبٍ، استجابة لخفقة قلبٍ صادق المشاعر .

هذه التناقضات البشرية أنّت بها خطوط الهاتف قبل أن تعززها، وأحمال الشبكة قبل أن توصلها، ومقسمات الأحياء وخوادم الشركات التي تبث وتحمل الزيف والصدق البشري، بناءً وهدماً، خيرً وشراً، حباً وبغضاً، موتاً وحياةً .

حسن مفتي
كاتب سعودي

خاص بصحيفة ( سبق ) الالكترونية