مسألة في إتمام القيام والقعود في الصلاة
بسم الله الرحمن الرحيم
قد وضع أبو بكر بن أبى شيبة رحمه الله فى مصنفه كتابا للرد على أبى حنيفة رحمه الله فى ما خالف فيه - بزعمه - الأثر الذى جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما قرأت الكتاب وجدت أن ابن أبى شيبة قد أسرف على نفسه فى رده على أبى حنيفة وزعمه أنه خالف الأثر. فمن ذلك أنه احتج فى بعض الأبواب بأحاديث ضعاف لا يثبت أهل الفقه مثلها ولا يحتجون بها ومن ذلك أنه خالف جماعة أهل العلم فى غير مسألة فإما أتى بحديث ضعيف فقال به وأهل العلم على خلافه أو أنه أتى بحديث له تأويل قد تأوله أهل العلم وقالوا به وتأوله أبو بكر على خلاف ما تأولوه. وفى الكتاب أيضا مسائل لم ينفرد أبو حنيفة بالقول بها بل كثير منها قول الجمهور ومنها قول مالك وأبى حنيفة وكثير منها قول فقهاء الكوفيين أخذه عنهم أبو حنيفة كإبراهيم النخعى وعامر الشعبى. ومن هذه المسائل ما خالف فيه أبو حنيفة الأثر حقا. فأردت أن أجمع أقوال أهل العلم فى هذه المسائل لأرى ما أصاب فيه ابن أبى شيبة وما أخطأ فيه من عيبه على أبى حنيفة خلاف السنة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وهذا رابط الكتاب الذى فيه المسائل التى جمعت أقوال أهل العلم فيها ولم أنته بعد من مسائل الكتاب كلها:
https://archive.org/details/20250810_20250810_2127
[مسألة في إتمام القيام والقعود في الصلاة]
قال أبو بكر حدثنا أبو معاوية ووكيع عن الأعمش عن عمارة بن عمير عن أبي معمر عن أبي مسعود قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تجزئ صلاة لا يقيم الرجل صلبه فيها في الركوع والسجود»
قال أبو بكر حدثنا أبو خالد عن ابن عجلان عن علي بن يحيى بن خلاد عن أبيه عن عمه وكان بدريا قال: "كنا جلوسا مع النبي صلى الله عليه وسلم إذ دخل رجل يصلي فصلى صلاة خفيفة لا يتم ركوعا ولا سجودا ورسول الله صلى الله عليه وسلم يرمقه ولا يشعر فصلى ثم جاء فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم فرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم" فقال: «أعد فإنك لم تصل» ففعل ذلك ثلاثا كل ذلك يقول: «أعد فإنك لم تصل»
قال أبو بكر حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن المسور بن مخرمة أنه رأى رجلا لا يتم ركوعه ولا سجوده فقال له: "أعد" فأبى فلم يدعه حتى أعاد
قال أبو بكر: وذكر أن أبا حنيفة قال: تجزئه وقد أساء
هذه مسألة خالف فيها أبو حنيفة السنة فزعم أن رجلا لو انتقل من الركوع إلى السجود دون أن يعتدل قائما قبل السجود فقد أساء وصلاته مجزئة وقال مالك والشافعى والأوزاعى وأحمد وإسحاق وأبو يوسف وأكثر أهل العلم لا يجزئه إلا أن يقوم من الركوع.
قال الطحاوى: " قال أبو حنيفة ومحمد يجزئه
وقال أبو يوسف لا يجزئه وهو قول مالك
قال ابن وهب عن مالك يلغي تلك الركعة ولا يعدها من صلاته إذا لم يرجع صلبه
وقال ابن عبد الحكم عنه إذا رفع رأسه من الركوع ثم يهوي ساجدا قبل أن يعتدل أنه يجزئه
وقال الأوزاعي والشافعي إذا لم يرفع رأسه من الركوع لم يعتد بتلك الركعة حتى يقوم فيعتدل صلبه قائما
وروى سفيان الثوري عن الأعمش عن عمارة بن عمير عن أبي معمر عن أبي مسعود الأنصاري عن النبي صلى الله عليه وسلم: لا تجزىء صلاة لا يقيم فيها الرجل صلبه إذا رفع رأسه من الركوع والسجود.
وفي حديث رفاعة بن رافع في تعليم الأعرابي: ثم ارفع واعتدل قائما ثم اسجد فاعتدل ساجدا ثم اجلس فاطمئن جالسا ثم اسجد فإذا صليت صلاتك على هذا فقد أتممتها وما أنقصت من ذلك فإنما تنقص من صلاتك
قال أبو بكر (الجصاص) جعله إياها ناقصة يدل على الجواز" (مختصر اختلاف العلماء - فيمن صار من الركوع إلى السجود)
قول الجصاص فاسد ولو جاز له أن يقول إن ترك الرفع من الركوع ينقص من الصلاة ولا يبطلها لجاز لغيره أن يقول إن ترك الركوع والسجود ينقص الصلاة ولا يبطلها لأن كلا قد أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم الأعرابى.
قال الشافعى: "أخبرنا إبراهيم بن محمد عن محمد بن عجلان عن علي بن يحيى عن رفاعة بن رافع «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لرجل: فإذا ركعت فاجعل راحتيك على ركبتيك ومكن لركوعك فإذا رفعت فأقم صلبك وارفع رأسك حتى ترجع العظام إلى مفاصلها»
(قال الشافعي) : ولا يجزي مصليا قدر على أن يعتدل قائما إذا رفع رأسه من الركوع شيء دون أن يعتدل قائما إذا كان ممن يقدر على القيام وما كان من القيام دون الاعتدال لم يجزئه.
(قال الشافعي) : ولو رفع رأسه فشك أن يكون اعتدل ثم سجد، أو طرحه شيء عاد فقام حتى يعتدل ولم يعتد بالسجود حتى يعتدل قائما قبله وإن لم يفعل لم يعتد بتلك الركعة من صلاته ولو ذهب ليعتدل فعرضت له علة تمنعه الاعتدال فسجد أجزأت عنه تلك الركعة من صلاته؛ لأنه لم يكن ممن يقدر على الاعتدال وإن ذهبت العلة عنه قبل السجود فعليه أن يعود معتدلا؛ لأنه لم يدع القيام كله بدخوله في عمل السجود الذي يمنعه حتى صار يقدر على الاعتدال وإن ذهبت العلة عنه بعدما يصير ساجدا لم يكن عليه ولا له أن يقوم إلا لما يستقبل من الركوع وإن فعل فعليه سجود السهو؛ لأنه زاد في صلاته ما ليس عليه" (الأم - باب كيف القيام من الركوع)
وقد مضى الكلام فى إبراهيم بن محمد شيخ الشافعى وأنه متهم بالكذب.
قال إسحاق بن منصور: "قلت: إذا لم يتم الركوع والسجود يعيد؟
قال: يعيد، ما لم يقم صلبه في الركوع والسجود أعاده.
قال إسحاق: كما قال لما سن النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك" (مسائل الكوسج 184)