وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ
{اسْتِكْبَارًا فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ ۚ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ ۚ فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ ۚ ......} [فاطر : ٤٣]
(وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ) [فاطر:43]؛ قَانُونٌ عَامٌّ وَسُنَّةٌ ثَابِتَةٌ مِن سُنَنِ اللهِ في حَيَاةِ البَشَرِ وَعِلاقَاتِهِم فِيمَا بَينَهُم، وَهِيَ لا تَتَخَلَّفُ أَبَدًا وَلا تَتَبَدَّلُ وَلا تَتَحَوَّلُ، وَلَكِنَّ حُصُولَهَا يَستَلزِمُ تَحَقُّقَ أَسبَابِهَا وَشُرُوطِهَا وَانتِفَاءَ مَوَانِعِهَا، كَمَا أَنَّ لِنَفَاذِهَا أَوجُهًا مُتَعَدِّدَةً قَد تَخفَى عَلَى النَّاسِ، الَّذِينَ يُرَكِّزُونَ عَلَى وَجهٍ وَاحِدٍ مِنَ أَوجُهِ نَصرِ المُؤمِنِينَ، أَو لا يَستَحضِرُونَ إِلاَّ صُورَةً وَاحِدَةً مِن إِحَاطَةِ المَكرِ السَّيِّئِ بِأَهلِهِ المُجرِمِينَ، نَعَم، قَد يَكُونُ حَالُ النَّاسِ مَا ذُكِرَ، وَلَكِنَّ اللهَ -تَعَالى- يُرِيدُ بِحِكمَتِهِ نَفَاذَ سُنَّتِهِ في وَجهٍ آخَرَ وَبِصُورَةٍ أُخرَى، وَقَد يَكُونُ في عِلمِهِ -تَعَالى- أَنَّهُ لم يَحِنِ الوَقتُ المُنَاسِبُ لِتَحَقُّقِهَا، فَيَتَأَخَّرُ إِلى وَقتٍ يَعلَمُهُ -تَعَالى- وَلا يَعلَمُهُ العِبَادُ.
وَأَمَّا سُنَّتُهُ بِإِهلاكِ الظَّالِمِينَ فَإِنَّهَا لا تَتَخَلَّفُ وَلا تَتَغَيَّرُ، يَجِبُ أَن يُوقِنَ المُؤمِنُونَ بِذَلِكَ تَمَامَ اليَقِينِ وَلا يَشكُّوا فِيهِ، فَإِنْ رَأَوا مِنهُ طَرَفًا فَذَاكَ مِمَّا يُثَبِّتُ القُلُوبَ وَيَزِيدُهَا يَقِينًا، وَإِلاَّ فَالإِيمَانُ بِمَا قَالَ اللهُ وَقَرَّرَهُ في كِتَابِهِ وَاجِبٌ، وَقَد ذَكَرَ -سُبحَانَهُ- أَنَّهُ قَد يُزَيِّنُ لِلكَافِرِينَ مَكرَهُم في الدُّنيَا، وَقَد يُذِيقُهُم بَعضَ العَذَابِ فِيهَا بِمَا يَنَالُهُم مِنَ القَتلِ أَوِ الأَسرِ، أَو سَائِرِ المِحَنِ الَّتي تُصِيبُهُم وَهُم لم يَحسِبُوا لَهَا حِسَابًا، أَوِ القَوَارِعِ الَّتي تَحُلُّ بِهِم مِن حَيثُ لا يَتَوَقَّعُونَ، وَلَكِنَّهُ -تَعَالى- بِحِكمَتِهِ يُؤَخِّرُ لَهُم عَذَابًا آخَرَ في الآخِرَةِ؛ يَشُقُّ بِهِم كَمَا شَقُّوا بِعِبَادِهِ في الدُّنيَا، قَالَ -عَزَّ وَجَلَّ-: (قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ* ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُخْزِيهِمْ وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ قَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسُّوءَ عَلَى الْكَافِرِينَ * ثُمَّ يَومَ القِيَامَةِ يُخزِيهِم وَيَقُولُ أَينَ شُرَكَائيَ الَّذِينَ كُنتُم تُشَاقُّونَ فِيهِم قَالَ الَّذِينَ أُوتُوا العِلمَ إِنَّ الخِزْيَ اليَومَ وَالسُّوءَ عَلَى الكَافِرِينَ) [النحل: 26- 27].
وَقَالَ -جَلَّ وَعَلا-: (زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ وَصُدُّوا عَنِ السَّبِيلِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ * لَهُمْ عَذَابٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَقُّ وَمَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ) [الرعد: 33- 34]، وَقَالَ -سُبحَانَهُ-: (وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ) [فاطر: 10].
أَلا فَلْنَتَّقِ اللهَ -أَيُّهَا المُسلِمُونَ- وَلا يَلحَقَنَّ بِنَا يَأسٌ وَلا قُنُوطٌ وَإِن أَسرَعَ المَاكِرُونَ وَتَعَجَّلُوا، أَو بَغَوا وَنَكَثُوا؛ فَاللهُ أَسرَعُ مَكرًا، وَلَهُ زِمَامُ الأَمرِ وَجَمِيعُ المَكرِ، وَهُوَ سُبحَانَهُ- القَائِلُ : (وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ إِذَا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آيَاتِنَا قُلِ اللَّهُ أَسْرَعُ مَكْرًا إِنَّ رُسُلَنَا يَكْتُبُونَ مَا تَمْكُرُونَ) [يونس: 21]، وَالقَائِلُ: (وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعًا يَعْلَمُ مَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ) [الرعد: 42]، وَقَالَ -تَعَالى-: (وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ) [فاطر: 43]، وَقَالَ -عَزَّ وَجَلَّ-: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) [يونس: 23]، وَقَالَ -تَبَارَكَ اسمُهُ-: (فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا)
الشيخ عبدالله بن محمد البصري
ملتقى الخطباء
https://majles.alukah.net/imgcache/2025/08/13.jpg
{اسْتِكْبَارًا فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ ۚ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ ۚ فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ ۚ ......} [فاطر : ٤٣]
لاتنوي الشر لغيرك ، وتبحث عن توفيق الله !!
(ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله) بقدر مايركض النمّامون لتشويه سمعة الأبرياء ، يُنزل الله بغض النمّامين في قلوب خلقه .. فقد يسعى الجاهل لتشويه صورتك وإسقاطك ، ولا يزيدك ذلك إلاعلوّاً وثباتاً .. لأن المكر السيء لايحيق إلا بأهله ... هو قانون سماوي ، وسنّة الله لاتتبدل بغيرها ولا تتحوّل لغير مستحق .
لنتق ثلاثة أمور : المكر {ولايحيق المكر السيء إلا بأهله} والبغي {إنما بغيكم على أنفسكم} والنكث {فمن نكث فإنما ينكث على نفسه} وفي أمثال العرب :(من حفر حفرة لأخيه وقع فيها)
الطيبة والتعاطف ليست سذاجة بقدر ماهي رحمة زرعها الله في قلوب عباده