( سورة الحج)وقفات تدبرية من كتاب القرآن تدبر وعمل
﴿ وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُجَٰدِلُ فِى ٱللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَٰنٍ مَّرِيدٍ ﴾ [سورة الحج آية:﴿٣﴾] هذه حال الضال المتبع لمن يضله، فلم يحتج إلى تفصيل، فبين أنه يجادل بغير علم، ويتبع كل شيطان مريد؛ كتب على ذلك الشيطان أنه من تولاه فأنه يضله ويهديه إلى عذاب السعير، وهذه حال مقلد أئمة الضلال بين أهل الكتاب وأهل البدع؛ فإنهم يجادلون في الله بغير علم، ويتبعون من شياطين الجن والإنس من يضلهم. ابن تيمية:4/401.
﴿ وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُجَٰدِلُ فِى ٱللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَٰنٍ مَّرِيدٍ ﴾ [سورة الحج آية:﴿٣﴾] قال الفخر الرازي في تفسيره: هذه الآية بمفهومها تدل على جواز المجادلة الحقة; لأن تخصيص المجادلة مع عدم العلم بالدلائل يدل على أن المجادلة مع العلم جائزة، فالمجادلة الباطلة هي المراد من قوله: (ما ضربوه لك إلا جدلا) [الزخرف: 58]، والمجادلة الحقة هي المراد من قوله: (وجادلهم بالتي هي أحسن) [النحل: 125] أ.هـ منه. الشنقيطي:4/263.
﴿ وَتَرَى ٱلنَّاسَ سُكَٰرَىٰ وَمَا هُم بِسُكَٰرَىٰ وَلَٰكِنَّ عَذَابَ ٱللَّهِ شَدِيدٌ ﴾ [سورة الحج آية:﴿٢﴾] تشبيه بالسكارى من شدّة الغمّ. ابن جزي:2/49.
﴿ يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّآ أَرْضَعَتْ ﴾ [سورة الحج آية:﴿٢﴾] إنما لم يقل مرضع؛ لأن المرضعة هي التي في حال الإرضاع ملقمة ثديها للصبي، والمرضع التي شأنها أن ترضع وإن لم تباشر الإرضاع في حال وصفها به، فقال: (مرضعة) ليكون ذلك أعظم في الذهول؛ إذ تنزع ثديها من فم الصبي حينئذ. ابن جزي:2/ 48.
﴿ يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ ﴾ [سورة الحج آية:﴿٢﴾] مع أنها مجبولة على شدة محبتها لولدها، خصوصاً في هذه الحال التي لا يعيش إلا بها. السعدي:533.
﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُوا۟ رَبَّكُمْ ۚ إِنَّ زَلْزَلَةَ ٱلسَّاعَةِ شَىْءٌ عَظِيمٌ ﴿١﴾ يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّآ أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى ٱلنَّاسَ سُكَٰرَىٰ وَمَا هُم بِسُكَٰرَىٰ وَلَٰكِنَّ عَذَابَ ٱللَّهِ شَدِيدٌ ﴾ [سورة الحج آية:﴿١﴾] فائدة ذكر هول ذلك اليوم: التحريض على التأهب له، والاستعداد بالعمل الصالح. القرطبي: 14/311.
﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُوا۟ رَبَّكُمْ ۚ ﴾ [سورة الحج آية:﴿١﴾] يخاطب الله الناس كافة بأن يتقوا ربهم؛ الذي رباهم بالنعم الظاهرة والباطنة، فحقيق بهم أن يتقوه، بترك الشرك والفسوق والعصيان، ويمتثلوا أوامره مهما استطاعوا. السعدي:532.
﴿ يَدْعُوا۟ لَمَن ضَرُّهُۥٓ أَقْرَبُ مِن نَّفْعِهِۦ ۚ لَبِئْسَ ٱلْمَوْلَىٰ وَلَبِئْسَ ٱلْعَشِيرُ ﴾ [سورة الحج آية:﴿١٣﴾] لأن شأن المولى جلب النفع لمولاه، وشأن العشير جلب الخير لعشيره، فإذا تخلف ذلك منهما نادراً كان مذمة وغضاضة، فأما أن يكون ذلك منه مطرداً فذلك شر الموالي. ابن عاشور:17/216.
﴿ يَدْعُوا۟ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُۥ وَمَا لَا يَنفَعُهُۥ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ ٱلضَّلَٰلُ ٱلْبَعِيدُ ﴿١٢﴾ يَدْعُوا۟ لَمَن ضَرُّهُۥٓ أَقْرَبُ مِن نَّفْعِهِۦ ۚ لَبِئْسَ ٱلْمَوْلَىٰ وَلَبِئْسَ ٱلْعَشِيرُ ﴾ [سورة الحج آية:﴿١٢﴾] (يدعو لمن ضره أقرب من نفعه): فيها إشكالان: الأول: في المعنى؛ وهو كونه وصف الأصنام بأنها لا تضر ولا تنفع، ثم وصفها بأن ضرّها أقرب من نفعها، فنفى الضرّ، ثم أثبته، فالجواب: أن الضر المنفي أولاً يراد به ما يكون من فعلها؛ وهي لا تفعل شيئاً، والضر الثاني: يراد به ما يكون بسببها من العذاب وغيره. ابن جزي:2/51.
﴿ وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَعْبُدُ ٱللَّهَ عَلَىٰ حَرْفٍ ۖ فَإِنْ أَصَابَهُۥ خَيْرٌ ٱطْمَأَنَّ بِهِۦ ۖ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ ٱنقَلَبَ عَلَىٰ وَجْهِهِۦ ﴾ [سورة الحج آية:﴿١١﴾] أي: ومن الناس من هو ضعيف الإيمان، لم يدخل الإيمان قلبه، ولم تخالطه بشاشته، بل دخل فيه: إما خوفاً، وإما عادة على وجه لا يثبت عند المحن. السعدي:534.
﴿ خَسِرَ ٱلدُّنْيَا وَٱلْءَاخِرَةَ ۚ ﴾ [سورة الحج آية:﴿١١﴾] أما في الدنيا؛ فإنه لا يحصل له بالردة ما أَمَّله الذي جعل الردة رأساً لماله، وعوضاً عما يظن إدراكه، فخاب سعيه، ولم يحصل له إلا ما قسم له. السعدي:535.
﴿ وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَعْبُدُ ٱللَّهَ عَلَىٰ حَرْفٍ ۖ فَإِنْ أَصَابَهُۥ خَيْرٌ ٱطْمَأَنَّ بِهِۦ ۖ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ ٱنقَلَبَ عَلَىٰ وَجْهِهِۦ خَسِرَ ٱلدُّنْيَا وَٱلْءَاخِرَةَ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ ٱلْخُسْرَانُ ٱلْمُبِينُ ﴾ [سورة الحج آية:﴿١١﴾] نزلت في قوم من الإعراب: كان أحدهم إذا أسلم فاتفق له ما يعجبه في ماله وولده، قال: هذا دين حسن، وإن اتفق له خلاف ذلك تشاءم به، وارتدّ عن الإسلام. ابن جزي:2/50.
﴿ ثَانِىَ عِطْفِهِۦ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ ۖ لَهُۥ فِى ٱلدُّنْيَا خِزْىٌ ﴾ [سورة الحج آية:﴿٩﴾] (له في الدنيا خزي): وهو الإهانة والذل؛ كما أنه استكبر عن آيات الله لقاه الله المذلة في الدنيا، وعاقبه فيها قبل الآخرة؛ لأنها أكبر همه ومبلغ علمه. ابن كثير:3/203.
﴿ وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُجَٰدِلُ فِى ٱللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَٰبٍ مُّنِيرٍ ﴾ [سورة الحج آية:﴿٨﴾] فليس عنده علم ضروري، ولا علم مكتسب بالنظر الصحيح العقلي، ولا علم من وحي، فهو جاهل محض من جميع الجهات. الشنقيطي:4/280.
﴿ وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ ﴾ [سورة الحج آية:﴿٢٣﴾] (ولباسهم فيها حرير): في مقابلة ثياب أهل النار التي فصلت لهم. ابن كثير:3/207.
﴿ كُلَّمَآ أَرَادُوٓا۟ أَن يَخْرُجُوا۟ مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا۟ فِيهَا وَذُوقُوا۟ عَذَابَ ٱلْحَرِيقِ ﴾ [سورة الحج آية:﴿٢٢﴾] (وذوقوا عذاب النار): ومعنى الكلام: أنهم يهانون بالعذاب قولاً وفعلاً. ابن كثير:3/207.
﴿ فَٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارٍ يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُءُوسِهِمُ ٱلْحَمِيمُ ﴾ [سورة الحج آية:﴿١٩﴾] قال سعيد بن جبير: ثياب من نحاس مذاب، وليس من الآنية شيء إذا حمي أشد حرا منه، وسمي باسم الثياب لأنها تحيط بهم كإحاطة الثياب، وقال بعضهم: يلبس أهل النار مقطعات من نار. القرطبي:15/462.
﴿ وَمَن يُهِنِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُۥ مِن مُّكْرِمٍ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَآءُ ﴾ [سورة الحج آية:﴿١٨﴾] يقول تعالى ذكره: ومن يهنه الله من خلقه فيشقه، (فما له من مكرم) بالسعادة يسعده بها؛ لأن الأمور كلها بيد الله، يوفق من يشاء لطاعته، ويخذل من يشاء، ويشقي من أراد، ويسعد من أحب. وقوله: (إن الله يفعل ما يشاء): يقول تعالى ذكره: إن الله يفعل في خلقه ما يشاء من إهانة من أراد إهانته، وإكرام من أراد كرامته؛ لأن الخلق خلقه، والأمر أمره. الطبري:18/587.
﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ يَسْجُدُ لَهُۥ مَن فِى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَن فِى ٱلْأَرْضِ وَٱلشَّمْسُ وَٱلْقَمَرُ وَٱلنُّجُومُ وَٱلْجِبَالُ وَٱلشَّجَرُ وَٱلدَّوَآبُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ ٱلنَّاسِ ۖ ﴾ [سورة الحج آية:﴿١٨﴾] يسجد لعظمته كل شيء طوعاً وكرهاً، وسجود كل شيء مما يختص به. ابن كثير:3/205.
﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ يَسْجُدُ لَهُۥ مَن فِى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَن فِى ٱلْأَرْضِ وَٱلشَّمْسُ وَٱلْقَمَرُ وَٱلنُّجُومُ وَٱلْجِبَالُ وَٱلشَّجَرُ وَٱلدَّوَآبُّ ﴾ [سورة الحج آية:﴿١٨﴾] ما من جماد إلا وهو مطيع للّه، خاشع للّه، مسبح له، كما أخبر اللّه تعالى عن السماوات والأرض. البغوي:3/206.
﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ يَسْجُدُ لَهُۥ مَن فِى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَن فِى ٱلْأَرْضِ وَٱلشَّمْسُ وَٱلْقَمَرُ وَٱلنُّجُومُ ﴾ [سورة الحج آية:﴿١٨﴾] (والشمس والقمر والنجوم): إنما ذكر هذه على التنصيص لأنها قد عُبدت من دون الله، فبين أنها تسجد لخالقها، وأنها مربوبة مسخرة. ابن كثير:3/205.
﴿ فَٱجْتَنِبُوا۟ ٱلرِّجْسَ مِنَ ٱلْأَوْثَٰنِ وَٱجْتَنِبُوا۟ قَوْلَ ٱلزُّورِ ﴾ [سورة الحج آية:﴿٣٠﴾] ووصف الأوثان بالرجس أنها رجس معنوي؛ لِكون اعتقاد إلهيتها في النفوس بمنزلة تعلّق الخبث بالأجساد. ابن عاشور:17/253.
﴿ ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَٰتِ ٱللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُۥ عِندَ رَبِّهِۦ ۗ ﴾ [سورة الحج آية:﴿٣٠﴾] أي: ومن يجتنب معاصيه ومحارمه، ويكون ارتكابها عظيماً في نفسه (فهو خير له عند ربه)؛ فكما على فعل الطاعات ثواب كثير وأجر جزيل؛ كذلك على ترك المحرمات، واجتناب المحظورات. ابن كثير:3/212.
﴿ وَلْيَطَّوَّفُو ا۟ بِٱلْبَيْتِ ٱلْعَتِيقِ ﴾ [سورة الحج آية:﴿٢٩﴾] قال قتادة: سمي عتيقاً لأن الله أعتقه من أيدي الجبابرة أن يصلوا إلى تخريبه، فلم يظهر عليه جبار قط، وقال سفيان بن عيينة: سمي عتيقاً لأنه لم يملك قط. البغوي:3/216.
﴿ وَأَذِّن فِى ٱلنَّاسِ بِٱلْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ ﴾ [سورة الحج آية:﴿٢٧﴾] ومن حكمة مشروعيته تلقي عقيدة توحيد الله بطريق المشاهدة للهيكل الذي أقيم لذلك؛ حتى يرسخ معنى التوحيد في النفوس؛ لأن للنفوس ميلاً إلى المحسوسات؛ ليتقوى الإدراك العقلي بمشاهدة المحسوس. ابن عاشور:17/243.
﴿ وَأَذِّن فِى ٱلنَّاسِ بِٱلْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ ﴾ [سورة الحج آية:﴿٢٧﴾] وقد حصل ما وعد الله به؛ أتاه الناس رجالاً وركباناً من مشارق الأرض ومغاربها. السعدي:537.
﴿ وَطَهِّرْ بَيْتِىَ لِلطَّآئِفِينَ وَٱلْقَآئِمِين َ وَٱلرُّكَّعِ ٱلسُّجُودِ ﴾ [سورة الحج آية:﴿٢٦﴾] وتطهير البيت عام في الكفر، والبدع، وجميع الأنجاس، والدماء. القرطبي:14/359.
﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ ٱلَّذِى جَعَلْنَٰهُ لِلنَّاسِ سَوَآءً ٱلْعَٰكِفُ فِيهِ وَٱلْبَادِ ۚ وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍۭ بِظُلْمٍ نُّذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾ [سورة الحج آية:﴿٢٥﴾] «الإلحاد»: الميل عن الصواب، و«الظلم» هنا عام في المعاصي من الكفر إلى الصغائر؛ لأن الذنوب في مكة أشدّ منها في غيرها، وقيل: هو استحلال الحرام. ابن جزي:2/54.
﴿ لَن يَنَالَ ٱللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَآؤُهَا وَلَٰكِن يَنَالُهُ ٱلتَّقْوَىٰ مِنكُمْ ﴾ [سورة الحج آية:﴿٣٧﴾] المعنى لن تصلوا إلى رضا الله باللحوم ولا بالدماء، وإنما تصلون إليه بالتقوى؛ أي: بالإخلاص لله، وقصد وجه الله بما تذبحون وتنحرون من الهدايا، فعبر عن هذا المعنى بلفظ: (لن ينال) مبالغة وتأكيداً؛ لأنه قال: لن تصل لحومها، ولا دماؤها إلى الله، وإنما تصل بالتقوى منكم؛ فإن ذلك هو الذي طلب منكم، وعليه يحصل لكم الثواب. ابن جزي:2/58.
﴿ كَذَٰلِكَ سَخَّرْنَٰهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [سورة الحج آية:﴿٣٦﴾] مَنَّ سبحانه علينا بتذليلها، وتمكيننا من تصريفها، وهي أعظم منا أبداناً، وأقوى منا أعضاء؛ ذلك ليعلم العبد أن الأمور ليست على ما تظهر إلى العبد من التدبير، وإنما هي بحسب ما يريدها العزيز القدير، فيغلب الصغير الكبير؛ ليعلم الخلق أن الغالب هو الله، الواحد، القهار فوق عباده. القرطبي:14/403.
﴿ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا۟ مِنْهَا وَأَطْعِمُوا۟ ٱلْقَانِعَ وَٱلْمُعْتَرَّ ۚ كَذَٰلِكَ سَخَّرْنَٰهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [سورة الحج آية:﴿٣٦﴾] فالمعنى: أطعموا من سأل ومن لم يسأل ممن تعرض بلسان حاله، وأطعموا من تعفف عن السؤال بالكلية، ومن تعرض للعطاء. ابن جزي:2/58.
﴿ فَلَهُۥٓ أَسْلِمُوا۟ ۗ وَبَشِّرِ ٱلْمُخْبِتِينَ ﴿٣٤﴾ ٱلَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَٱلصَّٰبِرِينَ عَلَىٰ مَآ أَصَابَهُمْ وَٱلْمُقِيمِى ٱلصَّلَوٰةِ وَمِمَّا رَزَقْنَٰهُمْ يُنفِقُونَ ﴾ [سورة الحج آية:﴿٣٤﴾] وقد أتبع صفة (المخبتين) بأربع صفات، وهي: وجل القلوب عند ذكر الله، والصّبر على الأذى في سبيله، وإقامة الصلاة، والإنفاق. ابن عاشور:17/261.
﴿ ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَٰٓئِرَ ٱللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى ٱلْقُلُوبِ ﴾ [سورة الحج آية:﴿٣٢﴾] فالمقصود تقوى القلوب لله؛ وهو: عبادتها له وحده دون ما سواه بغاية العبودية له، والعبودية فيها غاية المحبة، وغاية الذل والإخلاص، وهذه ملة إبراهيم الخليل، وهذا كله مما يبين أن عبادة القلوب هي الأصل. ابن تيمية:4/427.
﴿ ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَٰٓئِرَ ٱللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى ٱلْقُلُوبِ ﴾ [سورة الحج آية:﴿٣٢﴾] وتعظيمها: إجلالها، وتوقيرها، والقصد إليها. وقيل: الشعائر أمور الدين على الإطلاق، وتعظيمها: القيام بها، وإجلالها. ابن جزي:2/56.
﴿ حُنَفَآءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِۦ ۚ وَمَن يُشْرِكْ بِٱللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ ٱلسَّمَآءِ فَتَخْطَفُهُ ٱلطَّيْرُ أَوْ تَهْوِى بِهِ ٱلرِّيحُ فِى مَكَانٍ سَحِيقٍ ﴾ [سورة الحج آية:﴿٣١﴾] قيل: شبه حال المشرك بحال الهاوي من السماء في أنه لا يملك لنفسه حيلة حتى يقع؛ بحيث تسقطه الريح، فهو هالك لا محالة؛ إما باستلاب الطير لحمه، وإما بسقوطه إلى المكان السحيق، وقال الحسن: شبه أعمال الكفار بهذه الحال في أنها تذهب وتبطل؛ فلا يقدرون على شيء منها. البغوي:3/218.
﴿ فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى ٱلْأَبْصَٰرُ وَلَٰكِن تَعْمَى ٱلْقُلُوبُ ٱلَّتِى فِى ٱلصُّدُورِ ﴾ [سورة الحج آية:﴿٤٦﴾] معناه: أن العمى الضار هو عمى القلب، فأما عمى البصر فليس بضار في أمر الدين. البغوي:14/224.
﴿ ٱلَّذِينَ إِن مَّكَّنَّٰهُمْ فِى ٱلْأَرْضِ أَقَامُوا۟ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَوُا۟ ٱلزَّكَوٰةَ وَأَمَرُوا۟ بِٱلْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا۟ عَنِ ٱلْمُنكَرِ ۗ وَلِلَّهِ عَٰقِبَةُ ٱلْأُمُورِ ﴾ [سورة الحج آية:﴿٤١﴾] فمن قام بهذه الأمور نصره الله على عدوه. ابن تيمية: 4/434.
﴿ وَلَيَنصُرَنَّ ٱللَّهُ مَن يَنصُرُهُۥٓ ۗ ﴾ [سورة الحج آية:﴿٤٠﴾] أي: من ينصر دينه وأولياءه، وهو وعد تضمن الحض على القتال. ابن جزي:2/59.
يتبع
رد: ( سورة الحج)وقفات تدبرية من كتاب القرآن تدبر وعمل
﴿ وَلَوْلَا دَفْعُ ٱللَّهِ ٱلنَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَٰمِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَٰتٌ وَمَسَٰجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا ٱسْمُ ٱللَّهِ كَثِيرًا ۗ ﴾ [سورة الحج آية:﴿٤٠﴾]
ومعاني هذه الأسماء هي في الأمم التي لها كتاب على قديم الدهر، ولم يذكر في هذه المجوس، ولا أهل الإشراك؛ لأن هؤلاء ليس لهم ما تجب حمايته، ولا يوجد ذكر الله إلا عند أهل الشرائع. ابن عطية:4/125.
﴿ ۗ وَلَوْلَا دَفْعُ ٱللَّهِ ٱلنَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَٰمِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَٰتٌ وَمَسَٰجِدُ ﴾ [سورة الحج آية:﴿٤٠﴾]
ودل ذلك على أن البلدان التي حصلت فيها الطمأنينة بعبادة الله، وعمرت مساجدها، وأقيمت فيها شعائر الدين كلها من فضائل المجاهدين، وببركتهم دفع الله عنها الكافرين. السعدي:539.
﴿ وَلَوْلَا دَفْعُ ٱللَّهِ ٱلنَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَٰمِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَٰتٌ وَمَسَٰجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا ٱسْمُ ٱللَّهِ كَثِيرًا ۗ ﴾ [سورة الحج آية:﴿٤٠﴾]
الآية تقوية للإذن في القتال، وإظهار للمصلحة التي فيه؛ كأنه يقول: لولا القتال والجهاد لاستولى الكفار على المسلمين وذهب الدين. ابن جزي:2/59.
﴿ ٱلَّذِينَ أُخْرِجُوا۟ مِن دِيَٰرِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّآ أَن يَقُولُوا۟ رَبُّنَا ٱللَّهُ ۗ ﴾ [سورة الحج آية:﴿٤٠﴾]
وهذا يدل على حكمة الجهاد، وأن المقصود منه إقامة دين الله، وذبُّ الكفار المؤذين للمؤمنين. السعدي:539.
﴿ لِّيَجْعَلَ مَا يُلْقِى ٱلشَّيْطَٰنُ فِتْنَةً لِّلَّذِينَ فِى قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَٱلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ ۗ وَإِنَّ ٱلظَّٰلِمِينَ لَفِى شِقَاقٍۭ بَعِيدٍ ﴿٥٣﴾ وَلِيَعْلَمَ ٱلَّذِينَ أُوتُوا۟ ٱلْعِلْمَ أَنَّهُ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَيُؤْمِنُوا۟ بِهِۦ فَتُخْبِتَ لَهُۥ قُلُوبُهُمْ ۗ ﴾ [سورة الحج آية:﴿٥٣﴾]
(ليجعل ما يلقي الشيطان فتنة) لطائفتين من الناس لا يبالي الله بهم؛ وهم: الذين (فِي قُلُوبِهِم مَّرِضٌ) أي: ضعف وعدم إيمان تام وتصديق جازم؛ فيؤثر في قلوبهم أدنى شبهة تطرأ عليها، فإذا سمعوا ما ألقاه الشيطان داخلهم الريب والشك، فصار فتنة لهم. (وَالقاسِيَةِ قُلوبُهُمْ) أي: الغليظة، التي لا يؤثر فيها زجر، ولا تذكير، ولا تفهم عن الله وعن رسوله لقسوتها... فما يلقيه الشيطان يكون فتنة لهؤلاء الطائفتين، فيظهر به ما في قلوبهم من الخبث الكامن فيها. وأما الطائفة الثالثة فإنه يكون رحمة في حقها؛ وهم المذكورون بقوله: (وَلِيَعْلَمَ اَّلذِينَ أُوتُواْ العِلْمَ أَنَّهُ الحَقُّ مِنْ رَّبِّكَ)؛ لأن الله منحهم من العلم ما به يعرفون الحق من الباطل، والرشد من الغي، فيميزون بين الأمرين. السعدي:542.
﴿ لِّيَجْعَلَ مَا يُلْقِى ٱلشَّيْطَٰنُ فِتْنَةً لِّلَّذِينَ فِى قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَٱلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ ۗ وَإِنَّ ٱلظَّٰلِمِينَ لَفِى شِقَاقٍۭ بَعِيدٍ ﴾ [سورة الحج آية:﴿٥٣﴾]
أي: محنة، وبلية، وشك، ونفاق. (وَالقاسِيَةِ) يعني: الجافية (قُلوبُهُمْ) عن قبول الحق؛ وهم المشركون؛ وذلك أنهم افتتنوا لما سمعوا ذلك. البغوي:3/228.
﴿ فَٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّٰلِحَٰتِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ﴾ [سورة الحج آية:﴿٥٠﴾]
ووصفه بالكريم يجمع وفرته وصفاءَه من المكدرات. ابن عاشور:17/294.
﴿ وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِىَ ظَالِمَةٌ ﴾ [سورة الحج آية:﴿٤٨﴾]
فلم يكن مبادرتهم بالظلم موجباً لمبادرتنا بالعقوبة. السعدي:541.
﴿ وَلَا يَزَالُ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ فِى مِرْيَةٍ مِّنْهُ حَتَّىٰ تَأْتِيَهُمُ ٱلسَّاعَةُ بَغْتَةً أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ ﴾ [سورة الحج آية:﴿٥٥﴾]
يعني يوم بدر، ووصفه بالعقيم لأنه لا ليلة لهم بعده، ولا يوم؛ لأنهم يقتلون فيه. ابن جزي:2/62.
﴿ وَلِيَعْلَمَ ٱلَّذِينَ أُوتُوا۟ ٱلْعِلْمَ أَنَّهُ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَيُؤْمِنُوا۟ بِهِۦ فَتُخْبِتَ لَهُۥ قُلُوبُهُمْ ۗ وَإِنَّ ٱللَّهَ لَهَادِ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓا۟ إِلَىٰ صِرَٰطٍ مُّسْتَقِيمٍ ﴾ [سورة الحج آية:﴿٥٤﴾]
الحق كلما جودل أهله ظهرت حججه، وأسفرت وجوهه، ووضحت براهينه، وغمرت لججه؛ كما قال تعالى: (يضل به كثيراً ويهدي به كثيراً) [البقرة: 26]. (فيؤمنوا به) لما ظهر لهم من صحته بما ظهر من ضعف تلك الشبه، (فتخبت) أي: تطمئن وتخضع (له قلوبهم) وتسكن به قلوبهم؛ فإن الله جعل فيها السكينة. البقاعي:13/73.
﴿ لِّيَجْعَلَ مَا يُلْقِى ٱلشَّيْطَٰنُ فِتْنَةً لِّلَّذِينَ فِى قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَٱلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ ۗ وَإِنَّ ٱلظَّٰلِمِينَ لَفِى شِقَاقٍۭ بَعِيدٍ ﴿٥٣﴾ وَلِيَعْلَمَ ٱلَّذِينَ أُوتُوا۟ ٱلْعِلْمَ أَنَّهُ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَيُؤْمِنُوا۟ بِهِۦ فَتُخْبِتَ لَهُۥ قُلُوبُهُمْ ۗ وَإِنَّ ٱللَّهَ لَهَادِ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓا۟ إِلَىٰ صِرَٰطٍ مُّسْتَقِيمٍ ﴾ [سورة الحج آية:﴿٥٣﴾]
جعل الله القلوب ثلاثة أقسام: قاسية، وذات مرض، ومؤمنة مخبتة. ابن تيمية:4/441.
﴿ وَأَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْعَلِىُّ ٱلْكَبِيرُ ﴾ [سورة الحج آية:﴿٦٢﴾]
ومن كبريائه: أن العبادات كلها الصادرة من أهل السماوات والأرض؛ كلها المقصود منها تكبيره وتعظيمه وإجلاله وإكرامه؛ ولهذا كان التكبير شعاراً للعبادات الكبار؛ كالصلاة وغيرها. السعدي:544.
﴿ ذَٰلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ يُولِجُ ٱلَّيْلَ فِى ٱلنَّهَارِ وَيُولِجُ ٱلنَّهَارَ فِى ٱلَّيْلِ وَأَنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌۢ بَصِيرٌ ﴾ [سورة الحج آية:﴿٦١﴾]
فإن النصر يقتضي تغليب أحد الضدّين على ضدّه، وإقحام الجيش في الجيش الآخر في الملحمة، فضرب له مثلاً بتغليب مدة النهار على مدة الليل في بعض السنة، وتغليب مدة الليل على مدة النهار في بعضها. ابن عاشور:17/314.
﴿ ذَٰلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِۦ ثُمَّ بُغِىَ عَلَيْهِ لَيَنصُرَنَّهُ ٱللَّهُ ۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ ﴾ [سورة الحج آية:﴿٦٠﴾]
فالله هذا وصفه المستقر اللازم الذاتي، ومعاملته لعباده في جميع الأوقات بالعفو والمغفرة، فينبغي لكم أيها المظلومون المجني عليهم أن تعفوا وتصفحوا وتغفروا؛ ليعاملكم الله كما تعاملون عباده؛ (فمن عفا وأصلح فأجره على الله) [الشورى: 40]. السعدي:543.
﴿ ذَٰلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِۦ ثُمَّ بُغِىَ عَلَيْهِ لَيَنصُرَنَّهُ ٱللَّهُ ۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ ﴾ [سورة الحج آية:﴿٦٠﴾]
(إن الله لعفو غفور): إن قيل: ما مناسبة هذين الوصفين للمعاقبة؟ فالجواب من وجهين: أحدهما: أن في ذكر هذين الوصفين إشعاراً بأن العفو أفضل من العقوبة؛ فكأنه حض على العفو، والثاني: أن في ذكرهما إعلاماً بعفو الله عن المعاقِب حين عاقب. ابن جزي:2/62.
﴿ وَٱلَّذِينَ هَاجَرُوا۟ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوٓا۟ أَوْ مَاتُوا۟ لَيَرْزُقَنَّهُ مُ ٱللَّهُ رِزْقًا حَسَنًا ۚ وَإِنَّ ٱللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ ٱلرَّٰزِقِينَ ﴾ [سورة الحج آية:﴿٥٨﴾]
يقول تعالى ذكره: والذين فارقوا أوطانهم وعشائرهم، فتركوا ذلك في رضا الله، وطاعته، وجهاد أعدائه، ثم قتلوا، أو ماتوا وهم كذلك؛ ليرزقنهم الله يوم القيامة في جناته رزقا حسنا؛ يعني بالحسن: الكريم. الطبري:18/673.
﴿ وَٱلَّذِينَ هَاجَرُوا۟ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوٓا۟ أَوْ مَاتُوا۟ لَيَرْزُقَنَّهُ مُ ٱللَّهُ رِزْقًا حَسَنًا ۚ ﴾ [سورة الحج آية:﴿٥٨﴾]
خص بالذكر منهم الذين هاجروا في سبيل الله ثم قتلوا أو ماتوا تنويهاً بشأن الهجرة. ابن عاشور:17/309.
﴿ فَأُو۟لَٰٓئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ ﴾ [سورة الحج آية:﴿٥٧﴾]
(مُّهِينٌ) لهم من شدته، وألمه، وبلوغه للأفئدة؛ كما استهانوا برسله وآياته أهانهم الله بالعذاب. السعدي:543.
﴿ يَكَادُونَ يَسْطُونَ بِٱلَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ ءَايَٰتِنَا ۗ قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُ م بِشَرٍّ مِّن ذَٰلِكُمُ ۗ ٱلنَّارُ وَعَدَهَا ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ ۖ وَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ ﴾ [سورة الحج آية:﴿٧٢﴾]
(قل) أي: يا محمد لهؤلاء: (أفأنبئكم بشر من ذلكم النار وعدها الله الذين كفروا) أي: النار وعذابها ونكالها أشد وأشق وأطم وأعظم مما تخوفون به أولياء الله المؤمنين في الدنيا، وعذاب الآخرة على صنيعكم هذا أعظم مما تنالون منهم. ابن كثير:5/396.
﴿ وَإِن جَٰدَلُوكَ فَقُلِ ٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ [سورة الحج آية:﴿٦٨﴾]
في هذه الآية أدب حسن علمه الله عباده في الرد على من جادل تعنتا ومراء: ألا يجاب، ولا يناظر، ويدفع بهذا القول الذي علمه الله لنبيه صلى الله عليه وسلم. القرطبي:14/445.
﴿ لِّكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ ۖ فَلَا يُنَٰزِعُنَّكَ فِى ٱلْأَمْرِ ۚ ﴾ [سورة الحج آية:﴿٦٧﴾]
أي: لا ينازعك المكذبون لك، ويعترضون على بعض ما جئتهم به بعقولهم الفاسدة؛ مثل منازعتهم في حل الميتة بقياسهم الفاسد... وكقولهم: (إنما البيع مثل الربا) [البقرة:275]، ونحو ذلك من اعتراضاتهم التي لا يلزم الجواب عن أعيانها وهم منكرون لأصل الرسالة... فصاحب هذا الاعتراض المنكر لرسالة الرسول إذا زعم أنه يجادل ليسترشد يقال له: الكلام معك في إثبات الرسالة وعدمها، وإلا فالاقتصار على هذه دليل أن مقصوده التعنت والتعجيز. السعدي:545.
﴿ إِنَّ ٱلْإِنسَٰنَ لَكَفُورٌ ﴾ [سورة الحج آية:﴿٦٦﴾]
أي: لجحود لما ظهر من الآيات الدالة على قدرته، ووحدانيته. وقيل: إنما قال ذلك لأن الغالب على الإنسان كفر النعم؛ كما قال تعالى: (وقليل من عبادي الشكور) [سبأ: 13]. القرطبي:14/442.
﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِى ٱلْأَرْضِ وَٱلْفُلْكَ تَجْرِى فِى ٱلْبَحْرِ بِأَمْرِهِۦ وَيُمْسِكُ ٱلسَّمَآءَ أَن تَقَعَ عَلَى ٱلْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِۦٓ ۗ إِنَّ ٱللَّهَ بِٱلنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ ﴾ [سورة الحج آية:﴿٦٥﴾]
(إن الله بالناس لرؤوف رحيم): أرحم بهم من والديهم، ومن أنفسهم؛ ولهذا يريد لهم الخير، ويريدون لها الشر والضر، ومن رحمته أن سخر لهم ما سخر من هذه الأشياء. السعدي:545.
﴿ وَيُمْسِكُ ٱلسَّمَآءَ أَن تَقَعَ عَلَى ٱلْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِۦٓ ۗ إِنَّ ٱللَّهَ بِٱلنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ ﴾ [سورة الحج آية:﴿٦٥﴾]
فيكون قوله: (ويمسك السماء) امتناناً على الناس بالسلامة مما يُفسد حياتهم، ويكون قوله: (إِلاَّ بِإِذْنِهِ) احتراساً؛ جمعاً بين الامتنان والتخويف. ابن عاشور:17/323.
﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِى ٱلْأَرْضِ وَٱلْفُلْكَ تَجْرِى فِى ٱلْبَحْرِ بِأَمْرِهِۦ ﴾ [سورة الحج آية:﴿٦٥﴾]
وإنما خصّ هذا بالذكر؛ لأن ذلك الجري في البحر هو مظهر التسخير؛ إذ لولا الإلهام إلى صنعها على الصفة المعلومة لكان حظها من البحر الغَرق. ابن عاشور:17/322.
﴿ هُوَ ٱجْتَبَىٰكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِى ٱلدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ۚ ﴾ [سورة الحج آية:﴿٧٨﴾]
أخبر أنه ما جعل علينا في الدين من حرج نفيا عاما مؤكدا، فمن اعتقد أن فيما أمر الله به مثقال ذرة من حرج فقد كذب الله ورسوله، فكيف بمن اعتقد أن المأمور به قد يكون فسادا وضررا لا منفعة فيه، ولا مصلحة لنا. ابن تيمية:4/ 448.
﴿ وَجَٰهِدُوا۟ فِى ٱللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِۦ ۚ ﴾ [سورة الحج آية:﴿٧٨﴾]
الجهاد: بذل الوسع في حصول الغرض المطلوب، فالجهاد في الله حق جهاده هو: القيام التام بأمر الله، ودعوة الخلق إلى سبيله بكل طريق موصل إلى ذلك؛ من: نصيحة، وتعليم، وقتال، وأدب، وزجر، ووعظ، وغير ذلك. السعدي:547.
﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ ٱرْكَعُوا۟ وَٱسْجُدُوا۟ وَٱعْبُدُوا۟ رَبَّكُمْ وَٱفْعَلُوا۟ ٱلْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [سورة الحج آية:﴿٧٧﴾]
(وَاعْبُدُواْ رَبَّكُمْ): عموم في العبادة بعد ذكر الصلاة التي عبر عنها بالركوع والسجود، وإنما قدمها لأنها أهم العبادات.
﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ ٱرْكَعُوا۟ وَٱسْجُدُوا۟ وَٱعْبُدُوا۟ رَبَّكُمْ وَٱفْعَلُوا۟ ٱلْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [سورة الحج آية:﴿٧٧﴾]
المراد بالركوع والسجود الصلوات، وتخصيصهما بالذكر من بين أعمال الصلاة لأنهما أعظم أركان الصلاة؛ إذ بهما إظهار الخضوع والعبودية. ابن عاشور:17/346.
﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ ٱرْكَعُوا۟ وَٱسْجُدُوا۟ وَٱعْبُدُوا۟ رَبَّكُمْ وَٱفْعَلُوا۟ ٱلْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [سورة الحج آية:﴿٧٧﴾]
فعند استيفاء ما سيق إلى المشركين من الحجج والقوارع والنداء على مساوي أعمالهم خُتمت السورة بالإقبال على خطاب المؤمنين بما يُصلح أعمالهم، وينوّه بشأنهم، وفي هذا الترتيب إيماء إلى أن الاشتغال بإصلاح الاعتقاد مقدم على الاشتغال بإصلاح الأعمال. ابن عاشور:17/345.
﴿ ٱللَّهُ يَصْطَفِى مِنَ ٱلْمَلَٰٓئِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ ٱلنَّاسِ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌۢ بَصِيرٌ ﴾ [سورة الحج آية:﴿٧٥﴾]
فاصطفى الله جبريل من الملائكة، واصطفى محمداً من البشر. ابن تيمية:4/444.
﴿ مَا قَدَرُوا۟ ٱللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِۦٓ ۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَقَوِىٌّ عَزِيزٌ ﴾ [سورة الحج آية:﴿٧٤﴾]
وقوله: (ما قدروا الله حق قدره) يقول: ما عظم هؤلاء الذين جعلوا الآلهة لله شريكا في العبادة حق عظمته حين أشركوا به غيره، فلم يخلصوا له العبادة، ولا عرفوه حق معرفته؛ من قولهم: ما عرفت لفلان قدره إذا خاطبوا بذلك من قصر بحقه، وهم يريدون تعظيمه. الطبري:18/686.