كنا نبايع رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة يقول لنا فيما استطعتم
6662 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ
كُنَّا إِذَا بَايَعْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ يَقُولُ لَنَا فِيمَا اسْتَطَعْتُمْ.
أخرجه الإمام البخارى 9/ 96 كتاب (البيعة)، باب: كيف يبايع الإمام الناس، عن ابن عمر - رضي الله عنهما - بمثل لفظ أبي داود.
والإمام مسلم في صحيحه 3/ 1490 كتاب (الإمارة). باب: البيعة على السمع والطاعة فيما استطاع - حديث 90/ 1867 عن ابن عمر - رضي الله عنهما
رد: كنا نبايع رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة يقول لنا فيما استطعتم
الشيخ محمد بن صالح العثيمين / صحيح البخاري
شرح كتاب الفتن والأحكام-11a
فوائد حديث : كنا إذا بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة يقول لنا ( فيما استطعتم ) . حفظ
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم
في هذا دليل على أنه لا ينبغي للإنسان أن يعتمد على ما في قلبه من الجزم عند فعل الأشياء بل يقيد ذلك بما أشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم : ( فيما استطعت ) لأن الإنسان ربما يكون في نفسه شيء من القوة والحماس في أول الأمر ثم يتقاعس فيما بعد فإذا قال فيما استطعت صار معه فسحة نعم.
رد: كنا نبايع رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة يقول لنا فيما استطعتم
الشيخ محمد بن صالح العثيمين / رياض الصالحين
شرح رياض الصالحين-48b
شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... باب وجوب طاعة ولاة الأمر في غير معصية وتحريم طاعتهم في المعصية . قال الله تعالى: (( يا أيها اللذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم )) . وعن ابن عمر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره إلا أن يؤمر بمعصية فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة ) متفق عليه . وعنه قال: كنا إذا بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة يقول لنا: ( فيما استطعتم ) متفق عليه . وعنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( من خلع يدا من طاعة لقى الله يوم القيامة ولا حجة له ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية رواه مسلم وفي رواية له: ( ومن مات وهو مفارق للجماعة فإنه يموت ميتة جاهلية ) ... " . حفظ
القارئ : بسم الله الرحمن الرحيم .
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين :
قال -رحمه الله تعالى- : " باب وجوب طاعة ولاة الأمر في غير معصية وتحريم طاعتهم في المعصية :
قال الله تعالى: (( يا أيها اللذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم )).
ومن الأحاديث : عن ابن عمر رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره، إلا أن يؤمر بمعصية، فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة ) متفق عليه.
وعنه رضي الله عنه قال: ( كنا إذا بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة يقول لنا: فيما استطعتم ) متفق عليه.
وعنه رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( من خلع يدًا من طاعة لقي الله يوم القيامة ولا حجة له، ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتةً جاهلية ) رواه مسلم.
وفي رواية له: ( ومَن مات وهو مفارق للجماعة فإنه يموت ميتة جاهلية ) " .
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم :
قال المؤلف -رحمه الله تعالى- في كتاب *رياض الصّالحين : " باب وجوب طاعة ولاة الأمور في غير معصية وتحريم طاعتهم في معصية الله " : ثمّ استدل لذلك بقوله تعالى: (( يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم )) .
ولاة الأمور : ذكر أهل العلم أنهم قسمان : العلماء، والأمراء .
أما العلماء : فهم ولاة أمور المسلمين في بيان الشّرع وتعليم الشّرع وهداية الخلق إلى الحقّ ، فهم ولاّة أمور .
وأما الأمراء : فهم ولاّة الأمور في ضبط الأمن وحماية الشّريعة وإلزام الناس بها فصار هؤلاء وجهة ولهؤلاء وجهة ، والأصل العلماء ، لأن العلماء هم الذين يبيّنون الشّرع ويقولون للأمراء هذا شرع الله فاعملوا به، ويلزم الأمراء ذلك ، لكن الأمراء إذا عَلِموا الشّرع ولا طريق لهم إلى علم الشّرع إلاّ عن طريق العلماء، إذا علموا الشّرع نفّذوه على الخلق .
والعلماء يؤثّرون فيمن في قلبه إيمان ودين، لأن الذي في قلبه إيمان ودين ينصاع للعلماء، ويأخذ بتوجيهاتهم وأمرهم، والأمراء ينصاع لهم من خاف من سطوتهم وكان عنده ضعف إيمان، يخاف من الأمير أكثر مما يخاف من العالم، بعضهم أكثر مما يخاف من الله والعياذ بالله، فلذلك كان لابدّ للأمّة الإسلامية من علماء وأمراء، وكان واجبًا على الأمّة الإسلامية أن يطيعوا العلماء وأن يطيعوا الأمراء، ولكن طاعة هؤلاء وهؤلاء تابعة لطاعة الله، لقوله تعالى: (( أطيعوا الله وأطيعوا الرّسول وأولي الأمر منكم )): ولم يقل: أطيعوا أولي الأمر منكم، لأن طاعة ولاّة الأمر تابعة لا مستقلّة، أما طاعة الله ورسوله فهي مستقلّة ولهذا أعاد فيها الفعل، قال: أطيعوا وأطيعوا، وأما طاعة ولاة الأمور فإنها تابعة وليست مستقلّة وعلى هذا فإذا أمر ولاة الأمور بمعصية الله، فإنه لا سمع لهم ولا طاعة، لأنّ ولاة الأمور فوقهم ولي الأمر الأعلى جلّ وعلا وهو الله، فإذا أمروا بمخالفته فلا سمع له ولا طاعة، ثمّ ذكر المؤلف رحمه الله أحاديث في هذا المعنى يأتي الكلام عليها إن شاء الله في المستقبل.
القارئ : بسم الله الرحمن الرحيم .
الحمد لله ربّ العالمين، والصّلاة والسّلام على نبيّنا محمّد وعلى آله وصحبه أجمعين :
قال -رحمه الله تعالى- : "باب وجوب طاعة ولاة الأمر في غير معصية وتحريم طاعتهم في المعصية :
قال الله تعالى: (( يا أيها اللذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم )).
وأما الأحاديث :
عن ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره، إلا أن يؤمر بمعصية، فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة ) متفق عليه.
وعنه رضي الله عنه قال: ( كنا إذا بايَعْنَا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة يقول لنا: فيما استطعتم ) متفق عليه.
وعنه رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( من خلع يدًا من طاعة لقي الله يوم القيامة ولا حجة له، ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية ) رواه مسلم .
وفي رواية له: ( ومَن مات وهو مُفارق للجماعة فإنه يموت ميتة جاهلية ) " .
رد: كنا نبايع رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة يقول لنا فيما استطعتم
تتمة شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... باب وجوب طاعة ولاة الأمر في غير معصية وتحريم طاعتهم في المعصية ..وعن ابن عمر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره إلا أن يؤمر بمعصية فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة ) متفق عليه . وعنه قال: كنا إذا بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة يقول لنا: ( فيما استطعتم ) متفق عليه . وعنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( من خلع يدا من طاعة لقى الله يوم القيامة ولا حجة له ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية رواه مسلم وفي رواية له: ( ومن مات وهو مفارق للجماعة فإنه يموت ميتة جاهلية ) ... " .
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم :
تقدّم الكلام على قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم : وأنها تدل على وجوب طاعة ولاة الأمور العلماء والأمراء لكن في غير المعصية.
أما الأحاديث : فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وفيما كره، إلا أن يؤمر بمعصية فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة .
على المرء : هذه كلمة تدلّ على الوجوب، وأنه يجب على المرء المسلم بمقتضى إسلامه أن يسمع ويطيع لولاة الأمور فيما أحبّ وفيما كره، حتى لو أمر بشيء يكرهه، فإنه يجب عليه أن يقوم به ولو كان لا يراه، ولو كان يرى خلافه، ولو كان يكره أن ينفّذه، فالواجب عليه أن ينفّذه، إلاّ إذا أُمر بمعصية، فإذا أُمر بمعصية الله فطاعة الله تعالى فوق كلّ طاعة ، ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق .
وفي هذا دليل على بطلان مسلك من يقول: " لا نطيع ولاة الأمور إلاّ فيما أمر الله به " : يعني إذا أمرونا نصلي صلّينا، إذا أمرونا نزكّي زكّينا، إذا أمرونا بشيء ما فيه أمر شرعي فإنه لا يجب علينا طاعتهم، لأننا لو وجبت علينا طاعتهم لكانوا مشرّعين، فإن هذه نظرة باطلة مخالفة للقرآن والسّنّة، لأننا لو قلنا: لا نطيعهم إلاّ في ما أمرنا الله به لم يكن بينهم وبين غيرهم فرق، كلّ إنسان يأمر بمعورف وينهى عن منكر فإنه يُطاع، ثم نقول: بل نحن قد أُمرنا بطاعتهم في ما لم يأمرنا الله عزّ وجلّ إذا لم يكن ذلك منهيّا عنه أو محرّما فإننا نطيعهمم، حتى في التّنظيم، إذا نظّموا شيئًا من الأعمال يجب علينا أن نطيعهم، وذلك أن بطاعتهم امتثال أمر الله عزّ وجلّ، وامتثال أمرِ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم، وحفظ الأمن، والبعد عن التّمرّد عن ولاة الأمور وعن التّفرق، فإذا قلنا: لا نطيعهم إلا في شيء أمرنا به، فهذا معناه أنه لا طاعة لهم .
يأتي بعض الأنظمة مثلا تنظّم فيها الحكومة شيئًا، نظامًا لا يخالف الشّرع لكن لم يأت به الشّرع بعينه، فيأتي بعض الناس ويقول: لا نطيعه في هذا فيقال: بل عليك أن تطيع، فإن عصيت فإنك آثم مستحقّ لعقوبة الله ومستحقّ لعقوبة ولاة الأمور، وعلى ولاة الأمور أن يعزّروا مثل هؤلاء الذين يعصون أوامرهم التي يلزمهم أن يقوموا بها، لأنهم إذا عصوا أوامر ولاة الأمور وقد أمرهم الله بطاعتهم فيها، فهذا معصية لله وكل إنسان يعصي الله فإنّه يستحقّ التّعزير، يعني التأديب بما يراه وليّ الأمر، من ذلك مثلا أنظمة المرور، أنظمة المرور هذه مما نظّمه وليّ الأمر وليس فيها معصية، فإذا خالفها الإنسان فهو عاصٍ وآثم، مثلا السير يكون على اليسار، السير يكون على اليمين، السّير في الإتّجاه الفلاني، السّير يجب أن يقف إذا صارت الإشارة حمراء، وما أشبه ذلك، كلّ ذلك يجب أن ينفّذ وجوبا، فمثلا إذا ضربت الإشارة الحمراء وجب عليك الوقوف لا تقل الله ما أمرني! نظّموا لك هذا التنظيم وقالوا لك امش عليه، فإذا تجاوزت فإنّك عاصٍ آثم، لأنك قلت: لربك لا سمع ولا طاعة والعياذ بالله فإن الله يقول: يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم .
كذلك أيضا في التّقاطع، معروف أن الذي في الخطّ العامّ هو الذي له الحقّ أن يتجاوز، إذا كنت في الخطّ الفرعي ووجدت إنسان مقبل من الخطّ العامّ فلا تتجاوز لأن النظام يقتضي منع ذلك، وهكذا أيضا الأنظمة في الإمارة، الأنظمة في القضاء، كلّ الأنظمة التي لا تخالف الشّرع، فإنه يجب علينا أن نطيع ولاة الأمور فيها، وإلاّ أصبحت المسألة فوضى وكلّ إنسان له رأي وكل إنسان يحكم على ما يريد، وأصبحت ولاة الأمور لا قيمة لهم، بل هم أمراء بلا أمر وقضاة بلا قضاء، فالواجب أن الإنسان يمتثل أمر ولاة الأمور إلاّ في ما كان في معصية الله، لو قالوا لنا مثلا: لا تخرجوا إلى المساجد تصلون الجمعة و الجماعة، قلنا لهم: لا سمع ولا طاعة. لو قالوا: اظلموا الناس بشيء قلنا: لا سمع ولا طاعة، كل شيء حرّمه الله فإنه لا طاعة لهم فيه أبدًا، لو قالوا مثلا احلقوا اللحى، مثل بعض الدّول يقولون لرعاياهم ولا سيما جنودهم الذين عندهم لو قالوا: احلقوا اللحى قلنا: لا، لا سمع لكم ولا طاعة، وهم آثمون بقولهم لجنودهم مثلا احلقوا اللحى، هم آثمون مضادّون لله ورسوله، منابذون لله ورسوله، كذلك لو قالوا مثلا : انزلوا ثيابكم إلى أسفل من الكعبين فإننا نقول: لا، لا سمع ولا طاعة لأن هذا مما حرّمه الله وتوعّد عليه، فإذا آمرتمونا بمعصية فإننا لا نسمع لكم ولا طاعة، ولنا ولكم ربّا حكمه فوق حكمنا وحكمكم.
فإذن أوامر ولاة الأمور تنقسم إلى ثلاثة أقسام:
أن يأمروا بما أمر الله به، فهنا تجب طاعتهم لوجهين: الوجه الأول: أنه مما أمر الله به، والوجه الثاني: أنّه مما أَمروا به كغيرهم من الناس إذا أمرك شخص بمعروف وهو واجب وجب عليك أن تقوم به.
الثاني: أن يأمروا بمعصية الله فهنا لا سمع لهم ولا طاعة مهما كان وأنت إذا نالك عذاب منهم بسبب هذا فسيعقابون عليه هم يوم القيامة أولا: لحق الله وثانيا: لحقّك، لحقّ الله، لأن أمرهم بمعصية الله منابذة لله عزّ وجلّ، ولحقّك أنت، لأنهم اعتدوا عليك، أنت وهم كلّكم عبيد لله لا تعصون الله ولا يحلّ لكم أن تعصوا الله.
القسم الثالث: إذا أمروا بشيء ليس فيه أمر ولا نهي فيجب عليك أن تطيعهم وجوبا فإن لم تفعل فأنت آثم ولهم الحقّ أنهم يعزّروك ويأدّبوك بما يرون من تعزير وتأديب، لأنك خالفت أمر الله في طاعتهم، ولهذا قال النبي عليه الصّلاة والسلام: على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحبّ وكره، إلا أن يؤمر بمعصية، فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة .
ثمّ أشدّ من ذلك من لا يعتقد للإمام بيعة، من يقول: أنا ما بايعت الإمام ولا له بيعة عليّ، لأن مضمون هذا الكلام أنه لا سمع له ولا طاعة ولا ولاية، وهذا أيضًا من الأمر المنكر العظيم، فإن الرسوله عليه الصّلاة والسّلام: أخبر أن من مات من غير بيعة وليس له إمام فإنه يموت ميتة جاهليّة : يعني ليست ميتة إسلاميّة، بل ميتة أهل الجهل والعياذ بالله، وسيجد جزاءه عند الله عزّ وجلّ.
فالواجب أن يعتقد الإنسان أنه له إمامًا أن له أميرًا يدين له بالطاعة في غير معصية الله، فإذا قال: أنا لم أبايع، قلنا: البيعة لا تكون في رَعاع الناس وعوام النّاس، إنما تكون لأهل الحلّ والعقد، ولهذا نقول: هل بايع الناس أبا بكر وعمر وعثمان وعليّ؟ هل بايعه كلّ الناس حتى العجوز والمرأة في خِدرها؟ أبدًا ما بايعوه، لم يأت أهل مكّة يبايعون أبا بكر ولا أهل الطائف ولا غيرهم، بايعه أهل الحلّ والعقد في المدينة وتمّت البيعة، وليست البيعة لازمة لكلّ واحد من الناس لازم يجي يبايع مهو بصحيح هذا ولا يمكن، عوام الناس ورعاع الناس تابعون لأهل الحلّ والعقد، فإذا تمّت البيعة من أهل الحلّ والعقد صار المبايَع إمامًا وصار ولي الأمر تجب طاعته في غير معصية الله، فمن مات وهو يعتقد أنه ليس له وليّ أمر، وأنه ليس له بيعة، فإنه يموت ميتة جاهليّة نسأل الله العافية والحماية، والله الموفّق.
رد: كنا نبايع رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة يقول لنا فيما استطعتم
شرح حديث (كنا إذا بايعنا رسول الله ﷺعلى السمع والطاعة يقول لنا فيما استطعتم)
فتح الباري شرح صحيح البخاري: ابن حجر العسقلاني - أحمد بن علي بن حجر العسقلاني
حَدِيث اِبْن عُمَر فِي الْبَيْعَة عَلَى السَّمْع وَالطَّاعَة وَفِيهِ يَقُول لَنَا " فِيمَا اِسْتَطَعْتُمْ " وَوَقَعَ فِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِيّ وَالسَّرَخْسِيّ " فِيمَا اِسْتَطَعْت " بِالْإِفْرَادِ , وَالْأَوَّل هُوَ الَّذِي فِي الْمُوَطَّأ وَهُوَ يُقَيِّد مَا أُطْلِقَ فِي الْحَدِيثَيْنِ قَبْلَهُ وَكَذَلِكَ حَدِيث جَرِير وَهُوَ الرَّابِع , وَسَيَّار فِي السَّنَد بِفَتْحِ الْمُهْمَلَة وَتَشْدِيد التَّحْتَانِيَّ ة هُوَ اِبْن وَرْدَانَ , وَأَمَّا حَدِيث اِبْن عُمَر فَذَكَرَ لَهُ طَرِيقًا قَبْلَ حَدِيث جَرِير وَآخَر بَعْدَهُ وَفِيهِمَا مَعًا " أَقَرَّ بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَة عَلَى سُنَّة اللَّه وَسُنَّة رَسُوله مَا اِسْتَطَعْت " وَهُوَ مُنْتَزَع مِنْ حَدِيثه الْأَوَّل , فَالثَّلَاثَة فِي حُكْم حَدِيث وَاحِد , وَقَوْله فِي رِوَايَة مُسَدَّد عَنْ يَحْيَى هُوَ الْقَطَّان , أَنَّ اِبْن عُمَر قَالَ " إِنِّي أُقِرّ " إِلَخْ بَيَّنَ فِي رِوَايَة عَمْرو بْن عَلِيّ أَنَّهُ كَتَبَ بِذَلِكَ إِلَى عَبْد الْمَلِك وَمِنْ ثَمَّ قَالَ فِي آخِره " وَإِنَّ بَنِيَّ قَدْ أَقَرُّوا بِمِثْلِ ذَلِكَ " فَهُوَ إِخْبَار مِنْ اِبْن عُمَر عَنْ بَنِيهِ بِأَنَّهُ سَبَقَ مِنْهُمْ الْإِقْرَار الْمَذْكُور بِحَضْرَتِهِ ; كَتَبَ بِهِ اِبْن عُمَر إِلَى عَبْد الْمَلِك وَقَوْله " قَدْ أَقَرُّوا بِمِثْلِ ذَلِكَ " زَادَ الْإِسْمَاعِيلِ يّ مِنْ طَرِيق بِنْدَار عَنْ يَحْيَى بْن سَعِيد وَعَبْد الرَّحْمَن بْن مَهْدِيّ كِلَاهُمَا عَنْ سُفْيَان فِي آخِره " وَالسَّلَام " وَقَوْله فِي الرِّوَايَة الثَّانِيَة كَتَبَ إِلَيْهِ عَبْد اللَّه بْن عُمَر إِلَى عَبْد اللَّه عَبْد الْمَلِك أَمِير الْمُؤْمِنِينَ " إِنِّي أُقِرّ بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَة " إِلَخْ , وَوَقَعَ فِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِ يّ مِنْ وَجْه آخَر عَنْ سُفْيَان بِلَفْظِ " رَأَيْت اِبْن عُمَر يَكْتُب , وَكَانَ إِذَا كَتَبَ يَكْتُب : بِسْمِ اللَّه الرَّحْمَن الرَّحِيم.
أَمَّا بَعْدُ ; فَإِنِّي أُقِرّ بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَة لِعَبْدِ اللَّه عَبْد الْمَلِك " وَقَالَ فِي آخِره أَيْضًا " وَالسَّلَام " قَالَ الْكَرْمَانِيُّ : قَالَ أَوَّلًا " إِلَيْهِ " وَثَانِيًا " إِلَى عَبْد الْمَلِك " ثُمَّ بِالْعَكْسِ وَلَيْسَ تَكْرَارًا , وَالثَّانِي هُوَ الْمَكْتُوب لَا الْمَكْتُوب إِلَيْهِ أَيْ كَتَبَ هَذَا , وَهُوَ إِلَى عَبْد الْمَلِك , وَتَقْدِيره " مِنْ اِبْن عُمَر إِلَى عَبْد الْمَلِك " وَقَوْله " حَيْثُ اِجْتَمَعَ النَّاس عَلَى عَبْد الْمَلِك " يُرِيد اِبْن مَرْوَان بْن الْحَكَم , وَالْمُرَاد بِالِاجْتِمَاعِ اِجْتِمَاع الْكَلِمَة وَكَانَتْ قَبْلَ ذَلِكَ مُفَرَّقَة , وَكَانَ فِي الْأَرْض قَبْلَ ذَلِكَ اِثْنَانِ كُلّ مِنْهُمَا يُدَّعَى لَهُ بِالْخِلَافَةِ , وَهُمَا عَبْد الْمَلِك بْن مَرْوَان وَعَبْد اللَّه اِبْن الزُّبَيْر , فَأَمَّا اِبْن الزُّبَيْر فَكَانَ أَقَامَ بِمَكَّةَ وَعَاذَ بِالْبَيْتِ بَعْدَ مَوْت مُعَاوِيَة , وَامْتَنَعَ مِنْ الْمُبَايَعَة لِيَزِيدَ بْن مُعَاوِيَة , فَجَهَّزَ إِلَيْهِ يَزِيد الْجُيُوش مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى فَمَاتَ يَزِيد وَجُيُوشه مُحَاصِرُونَ اِبْن الزُّبَيْر , وَلَمْ يَكُنْ اِبْن الزُّبَيْر اِدَّعَى الْخِلَافَة حَتَّى مَاتَ يَزِيد فِي رَبِيع الْأَوَّل سَنَة أَرْبَع وَسِتِّينَ , فَبَايَعَهُ النَّاس بِالْخِلَافَةِ بِالْحِجَازِ , وَبَايَعَ أَهْل الْآفَاق لِمُعَاوِيَةَ بْن يَزِيد بْن مُعَاوِيَة فَلَمْ يَعِشْ إِلَّا نَحْو أَرْبَعِينَ يَوْمًا وَمَاتَ , فَبَايَعَ مُعْظَم الْآفَاق لِعَبْدِ اللَّه بْن الزُّبَيْر وَانْتَظَمَ لَهُ مُلْك الْحِجَاز وَالْيَمَن وَمِصْر وَالْعِرَاق وَالْمَشْرِق كُلّه وَجَمِيع بِلَاد الشَّام حَتَّى دِمَشْق , وَلَمْ يَتَخَلَّف عَنْ بَيْعَته إِلَّا جَمِيع بَنِي أُمَيَّة وَمَنْ يَهْوَى هَوَاهُمْ وَكَانُوا بِفِلَسْطِينَ , فَاجْتَمَعُوا عَلَى مَرْوَان بْن الْحَكَم فَبَايَعُوهُ بِالْخِلَافَةِ , وَخَرَجَ بِمَنْ أَطَاعَهُ إِلَى جِهَة دِمَشْق وَالضَّحَّاك بْن قَيْس قَدْ بَايَعَ فِيهَا لِابْنِ الزُّبَيْر , فَاقْتَتَلُوا " بِمَرْجِ رَاهِط " فَقُتِلَ الضَّحَّاك وَذَلِكَ فِي ذِي الْحِجَّة مِنْهَا وَغَلَبَ مَرْوَان عَلَى الشَّام , ثُمَّ لَمَّا اِنْتَظَمَ لَهُ مُلْك الشَّام كُلّه تَوَجَّهَ إِلَى مِصْر فَحَاصَرَ بِهَا عَبْد الرَّحْمَن بْن جَحْدَر عَامِل اِبْن الزُّبَيْر حَتَّى غَلَبَ عَلَيْهَا فِي رَبِيع الْآخِر سَنَة خَمْس وَسِتِّينَ ثُمَّ مَاتَ فِي سَنَته , فَكَانَتْ مُدَّة مُلْكه سِتَّة أَشْهُر ; وَعَهِدَ إِلَى اِبْنه عَبْد الْمَلِك بْن مَرْوَان فَقَامَ مَقَامه وَكَمُلَ لَهُ مُلْك الشَّام وَمِصْر وَالْمَغْرِب , وَلِابْنِ الزُّبَيْر مُلْك الْحِجَاز وَالْعِرَاق وَالْمَشْرِق إِلَّا أَنَّ الْمُخْتَار بْن أَبِي عُبَيْد غَلَبَ عَلَى الْكُوفَة , وَكَانَ يَدْعُو إِلَى الْمَهْدِيّ مِنْ أَهْل الْبَيْت فَأَقَامَ عَلَى ذَلِكَ نَحْو السَّنَتَيْنِ , ثُمَّ سَارَ إِلَيْهِ مُصْعَب بْن الزُّبَيْر أَمِير الْبَصْرَة لِأَخِيهِ فَحَاصَرَهُ حَتَّى قُتِلَ فِي شَهْر رَمَضَان سَنَة سَبْع وَسِتِّينَ , وَانْتَظَمَ أَمْر الْعِرَاق كُلّه لِابْنِ الزُّبَيْر فَدَامَ ذَلِكَ إِلَى سَنَة إِحْدَى وَسَبْعِينَ , فَسَارَ عَبْد الْمَلِك إِلَى مُصْعَب فَقَاتَلَهُ حَتَّى قَتَلَهُ فِي جُمَادَى الْآخِرَة مِنْهَا وَمَلَكَ الْعِرَاق كُلّه , وَلَمْ يَبْقَ مَعَ اِبْن الزُّبَيْر إِلَّا الْحِجَاز وَالْيَمَن فَقَطْ , فَجَهَّزَ إِلَيْهِ عَبْد الْمَلِك الْحَجَّاج فَحَاصَرَهُ فِي سَنَة اِثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ إِلَى أَنْ قُتِلَ عَبْد اللَّه بْن الزُّبَيْر فِي جُمَادَى الْأُولَى سَنَة ثَلَاث وَسَبْعِينَ , وَكَانَ عَبْد اللَّه بْن عُمَر فِي تِلْكَ الْمُدَّة اِمْتَنَعَ أَنْ يُبَايِع لِابْنِ الزُّبَيْر أَوْ لِعَبْدِ الْمَلِك كَمَا كَانَ اِمْتَنَعَ أَنْ يُبَايِع لِعَلِيٍّ أَوْ مُعَاوِيَة , ثُمَّ بَايَعَ لِمُعَاوِيَةَ لَمَّا اِصْطَلَحَ مَعَ الْحَسَن بْن عَلِيّ وَاجْتَمَعَ عَلَيْهِ النَّاس , وَبَايَعَ لِابْنِهِ يَزِيد بَعْدَ مَوْت مُعَاوِيَة لِاجْتِمَاعِ النَّاس عَلَيْهِ , ثُمَّ اِمْتَنَعَ مِنْ الْمُبَايَعَة لِأَحَدٍ حَالَ الِاخْتِلَاف إِلَى أَنْ قُتِلَ اِبْن الزُّبَيْر وَانْتَظَمَ الْمُلْك كُلّه لِعَبْدِ الْمَلِك فَبَايَعَ لَهُ حِينَئِذٍ , فَهَذَا مَعْنَى قَوْله " لَمَّا اِجْتَمَعَ النَّاس عَلَى عَبْد الْمَلِك " وَأَخْرَجَ يَعْقُوب بْن سُفْيَان فِي تَارِيخه مِنْ طَرِيق سَعِيد بْن حَرْب الْعَبْدِيِّ قَالَ " بَعَثُوا إِلَى اِبْن عُمَر لَمَّا بُويِعَ اِبْن الزُّبَيْر فَمَدَّ يَدَهُ وَهِيَ تَرْعُدُ فَقَالَ : وَاَللَّه مَا كُنْت لِأُعْطِيَ بَيْعَتِي فِي فُرْقَة , وَلَا أَمْنَعهَا مِنْ جَمَاعَة " ثُمَّ لَمْ يَلْبَث اِبْن عُمَر أَنْ تُوُفِّيَ فِي تِلْكَ السَّنَة بِمَكَّةَ , وَكَانَ عَبْد الْمَلِك وَصَّى الْحَجَّاج أَنْ يَقْتَدِيَ بِهِ فِي مَنَاسِك الْحَجّ كَمَا تَقَدَّمَ فِي " كِتَاب الْحَجّ " فَدَسَّ الْحَجَّاج عَلَيْهِ الْحَرْبَة الْمَسْمُومَة , كَمَا تَقَدَّمَ بَيَان ذَلِكَ فِي " كِتَاب الْعِيدَيْنِ " فَكَانَ ذَلِكَ سَبَب مَوْتِهِ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ.