هل من دليل على نجاسة ميتة مأكول اللحم؟
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قد يكون حديث الفأرة إذا وقعت في السمن دليلا على نجاسة ميتة غير مأكول اللحم، فهل من دليل على نجاسة ميتة مأكول اللحم؟
نقل بعضهم الإجماع على نجاسة عموم الميتة، ولكن الخلاف مازال قائما..
فهل ثبت الإجماع أصلا أم غير ثابت؟
ولا أسال هنا عمن نقل الإجماع؛ بل عن صحة ثبوته.
وجزاكم الله خيرا
رد: هل من دليل على نجاسة ميتة مأكول اللحم؟
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
لحمُ المَيتةِ نَجِسٌ في الجملةِ.
الأدلَّة:
أوَّلًا: من الكتاب
قَولُ اللهِ تعالى: قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِه [الأنعام: 145]
وجه الدَّلالة:
أنَّه نصَّ على أنَّ المَيتةَ رِجسٌ، والرِّجسُ بمعنى النَّجِسِ، فتكونُ المَيتةُ نجِسةً، ومن ذلك لَحمُها
ثانيًا: من الإجماع
نقل الإجماعَ على ذلك: ابنُ حَزمٍ، وابنُ رُشدٍ، وابنُ قدامةَ، والنوويُّ
ثالثًا: إذا مات الحيوان حتْفَ أنفِه، احتبَسَ الدَّمُ في عروقِه وتعفَّنَ وفَسَد، وحصَل من أكلِه مضارُّ عظيمةٌ
رابعًا: أنَّ الله سبحانه حرَّم علينا الخبائِثَ، والخَبَث الموجِبُ للتحريمِ قد يَظهَرُ لنا وقد يَخفَى، فما كان ظاهرًا لم يَنصِب عليه الشَّارِعُ علامةً غير وَصفِه، وما كان خفيًّا نصَب عليه علامةً تدلُّ على خُبثِه، فاحتقانُ الدَّمِ في المَيتةِ سَببٌ ظاهِرٌ، وأمَّا ذبيحةُ المجوسيِّ والمرتدِّ وتاركِ التسميَّةِ، ومَن أهَلَّ بذبيحَتِه لغير الله، فنَفْسُ ذبيحةِ هؤلاء أكسَبَت المذبوحَ خُبثًا أوجَبَ تحريمَه، ولا يُنكِرُ أن يكونَ اسمُ الأوثانِ والكواكِبِ والجنِّ على الذبيحةِ يُكسِبُها خبثًا، وذِكرُ اسْمِ الله وَحْدَه يُكسِبُها طيبًا، إلَّا مَن قلَّ نصيبُه مِن حقائِقِ العِلمِ والإيمانِ وذَوقِ الشَّريعةِ.
....................
ما أُبينَ من حيٍّ وفيه دَمٌ، كاليَدِ والأذُنِ والأنفِ ونحوها، فهو نَجِسٌ.
الدَّليلُ من الإجماع:
نقَل الإجماعَ على ذلك: ابنُ المُنذِر والكاسانيُّ، وابنُ رشد، والنوويُّ وابنُ تيميَّة.
......................
https://dorar.net/feqhia/180/%D8%A7%...AC%D8%B3%D8%A9
رد: هل من دليل على نجاسة ميتة مأكول اللحم؟
غفر الله لنا ولك
ما عن هذا سألت، فهو معلوم للكل..
وإنما سؤالي عن مدى ثبوت هذا الإجماع من عدمه، لأنه قد يكون من نوعية (لا نعلم فيه خلافا) فقط.
ولذلك كان التنازع موجودا إلى الآن.
رد: هل من دليل على نجاسة ميتة مأكول اللحم؟
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة يحيى صالح
فهل من دليل على نجاسة ميتة مأكول اللحم؟
أنت قلت هذا سائلا عن الدليل، وقد ذكر الجواب على ذلك:
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عبد الرحمن هاشم بيومي
قَولُ اللهِ تعالى: قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِه [الأنعام: 145]
وجه الدَّلالة:
أنَّه نصَّ على أنَّ المَيتةَ رِجسٌ، والرِّجسُ بمعنى النَّجِسِ، فتكونُ المَيتةُ نجِسةً، ومن ذلك لَحمُها
.............................. ...........
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة يحيى صالح
نقل بعضهم الإجماع على نجاسة عموم الميتة، ولكن الخلاف مازال قائما..
فهل ثبت الإجماع أصلا أم غير ثابت؟
نقل هؤلاء العلماء الجهابذة الإجماع أصحاب المذاهب الأربعة وغيرهم، بم هو مخروق؟ أو ما وجه طعنك فيه؟ بارك الله فيك.
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عبد الرحمن هاشم بيومي
ثانيًا: من الإجماع
نقل الإجماعَ على ذلك: ابنُ حَزمٍ، وابنُ رُشدٍ، وابنُ قدامةَ، والنوويُّ.
....................
ما أُبينَ من حيٍّ وفيه دَمٌ، كاليَدِ والأذُنِ والأنفِ ونحوها، فهو نَجِسٌ.
نقَل الإجماعَ على ذلك: ابنُ المُنذِر والكاسانيُّ، وابنُ رشد، والنوويُّ وابنُ تيميَّة.
رد: هل من دليل على نجاسة ميتة مأكول اللحم؟
أولا: ما ذكر أنه دليل من الآية ١٤٥ من سورة الأنعام متنازع فيه من جهتين:
الأولي: هل يعود الضمير إلى الكل أم أقرب مذكور؟
الثانية: كلمة (رجس) ليست نصا في النجاسة، وإنما محتملة النجاسة وغيرها.
ثانيا: من نقل الإجماع من هؤلاء الأعلام هل قال إنهم أجمعوا باللفظ الصريح فيما يخص (ميتة مأكول اللحم) أم أن كلامه في نقله الإجماع محتمل غير مأكول اللحم؟
وهل نقله الإجماع الشامل الحقيقي أم الذي لا يعلم فيه خلافا؟
وهل نقل الإجماع كل واحد منهم مستقلا برأسه أم نقله أحدهم وأخذ عنه غيره؟
ولا تؤاخذني يا غالي لأنني أريد التثبت في هذه المسألة وليس مجرد اعتماد نقل.
وجزاك الله خيرا وبارك فيك
رد: هل من دليل على نجاسة ميتة مأكول اللحم؟
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة يحيى صالح
أولا: ما ذكر أنه دليل من الآية ١٤٥ من سورة الأنعام متنازع فيه من جهتين:
الأولي: هل يعود الضمير إلى الكل أم أقرب مذكور؟
ما المانع أن يعود الضمير على الكل؟
فإنه ذكر المحرمات معطوفة بـ{أو}، والتي تفيد هنا التفصيل.
فقد قال الله سبحانه وتعالى قبلها بآيات: {وقد فصل لكم ما حرم عليكم}.
والفاء في {فإنه رجس} حرف تعليل للحكم بالتحريم وهو نجاسته.
وقد قال ابن خزيمة في معرض كلامه عن أبوال الإبل في صحيحه:
وَلَوْ كَانَ نَجِسًا كَانَ مُحَرَّمًا، كَانَ دَاءًا لا دَوَاءًا، وَمَا كَانَ فِيهِ مِنْ شِفَاءٍ،
كَمَا أَعْلَمَ صلى الله عليه وسلم لِمَا سُئِلَ: أَيُتَدَاوَى بِالْخَمْرِ؟ فَقَالَ: إِنَّمَا هِيَ دَاءٌ لَيْسَتْ بِدَوَاءٍ. اهـ.
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة يحيى صالح
الثانية: كلمة (رجس) ليست نصا في النجاسة، وإنما محتملة النجاسة وغيرها.
قال الشيخ ابن عثمين رحمه الله في الشرح الممتع على زاد المستقنع: فإن قيل: إن الميتة حرام، ولا يلزم من التَّحريم النَّجاسة؟
فالجواب: أنَّ القاعدة صحيحة، ولهذا فالسُّمُ حرام، وليس بنجس، والخمر حرام وليس بنجس على القول الرَّاجح، ولكن الله لما قال: ﴿قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ﴾ [الأنعام: ١٤٥]، علَّل ذلك بقوله: «رِجْسٌ» والرِّجس النَّجس، وهذا واضح في أن الميتة نجسة. اهـ.
حكى الطبري أنهما لغتان، فقال: وَكَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِلُغَاتِ الْعَرَبِ مِنَ الْكُوفِيِّينَ، يَقُولُ: الرِّجْسُ وَالنِّجْسُ لُغَتَانِ. اهـ.
قلتُ: والحديث يفسر بعضه بعضا.
ففي صحيح مسلم من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أَمَرَ أَبَا طَلْحَةَ، فَنَادَى:
" إِنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يَنْهَيَانِكُمْ عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ، فَإِنَّهَا رِجْسٌ أَوْ نَجِسٌ، قَالَ: فَأُكْفِئَتِ الْقُدُورُ بِمَا فِيهَا ". اهـ.
وروى ابن خزيمة في صحيحه وأحمد في مسنده والطبري في تهذيب الآثار من حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أنه قال:
أَرَادَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَتَوَضَّأَ مِنْ سِقَاءٍ، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّهُ مَيْتَةٌ. قَالَ: " دِبَاغُهُ يُذْهِبُ خَبَثَهُ، أَوْ رِجْسَهُ، أَوْ نَجَسَهُ ". اهـ.
وقال الطبري في تفسير آية:فففكذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنونققق:
وَالصَّوَابُ فِي ذَلِكَ مِنَ الْقَوْلِ، عِنْدِي، مَا قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَمَنْ قَالَ: إِنَّ الرِّجْسَ وَالنَّجِسَ وَاحِدٌ.
لِلْخَبَرِ الَّذِي رُوِيَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ إِذَا دَخَلَ الْخَلاءَ: " اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الرِّجْسِ النِّجْسِ، الْخَبِيثِ الْمُخْبِثِ، الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ".
ثم أسنده، وقال: وَقَدْ بَيَّنَ هَذَا الْخَبَرُ أَنَّ الرِّجْسَ هُوَ النِّجْسُ الْقَذِرُ، الَّذِي لا خَيْرَ فِيهِ، وَأَنَّهُ مِنْ صِفَةِ الشَّيْطَانِ. اهـ.
وروى أبو يعلى كما في تعليقة على العلل من حديث أبي قتادة رضي الله عنه:
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عن السنور: " إِنَّهَا لَيْسَتْ بِرَجَسٍ أَوْ قَالَ: نَجَسٍ، إِنَّهَا مِنَ الطَّوَّافِينَ عَلَيْكُمْ ". اهـ.
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة يحيى صالح
ثانيا: من نقل الإجماع من هؤلاء الأعلام هل قال إنهم أجمعوا باللفظ الصريح فيما يخص (ميتة مأكول اللحم) أم أن كلامه في نقله الإجماع محتمل غير مأكول اللحم؟
وهل نقله الإجماع الشامل الحقيقي أم الذي لا يعلم فيه خلافا؟
قد ذكرت وجود خلاف، فمن قال من العلماء بأن ميتة مأكول اللحم لحمه ليس بنجس؟
قال الإمام النوويُّ الشافعي رحمه الله: (أمَّا باقي المَيتاتِ- أي: ما سوى ميتةِ الآدميِّ والسَّمَكِ والجَرادِ- فنَجِسةٌ، ودليلُها الإجماعُ). ((المجموع)) (2/562).
وقال الإمام ابنُ قُدامَة الحنبلي رحمه الله: (لا يختلفُ المذهَبُ في نجاسةِ المَيتة قَبلَ الدَّبغِ، ولا نعلم أحدًا خالف فيه). ((المغني)) (1/49).
وقال الإمام ابن رشد المالكي رحمه الله: (وأمَّا أنواعُ النَّجاسات، فإنَّ العلماءَ اتَّفقوا مِن أعيانِها على أربعةٍ: ميتةِ الحيوانِ ذِي الدَّمِ الذي ليس بمائي...). ((بداية المجتهد)) (1/76).
وقال الإمام الكاسانيُّ الحنفي رحمه الله: (إنْ كان الْمُبانُ- أي: من الحيِّ- جزءًا فيه دمٌ، كاليَدِ والأذن والأنف ونحوها، فهو نجِس بالإجماع). ((بدائع الصنائع)) (1/63).
وقال الإمام ابنُ المُنذِر رحمه الله: (وأجمَعوا على أنَّ الشاة والبعير والبقر، إذا قُطِع منها عضوٌ وهو حيٌّ، أنَّ المقطوعَ منه نجسٌ). ((الإجماع)) (ص: 37).
وقال الإمام ابن حزم رحمه الله: (اتَّفقوا أنَّ لحمَ المَيتةِ وشَحمَها ووَدَكَها وغُضروفَها ومخَّها، وأنَّ لحمَ الخِنزيرِ وشحمَه وودَكَه وغُضروفَه ومخَّه وعصَبَه؛ حرامٌ كلُّه، وكلُّ ذلك نَجِسٌ). ((مراتب الإجماع)) (ص: 23).
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة يحيى صالح
ولا تؤاخذني يا غالي لأنني أريد التثبت في هذه المسألة وليس مجرد اعتماد نقل.
وجزاك الله خيرا وبارك فيك
منكم نستفيد، بارك الله فيك.
رد: هل من دليل على نجاسة ميتة مأكول اللحم؟
جزاك الله خيرا وبارك فيك ونفع بك
الذي يمنع من عودة الضمير على الكل هو التنازع المعروف في نجاسة الدم المسفوح، ومعنا قول عائشة رضي الله عنها: كنا نأكل اللحم والدم خطوط على القدر.
كما أن النبي صلى الله عليه وسلم مر على جدي ميت فأخذ بأذنه، ولم نعلم أنه غسل يده منه.
وقول الإمام الزهري في عظم الميتة وعاج الفيل وغيرها معروف.
مما يدل على عدم صحة الإجماع، وأنه من نوعية: لا نعلم فيه خلافا، أو أنه اتفاق المذاهب الأربعة وليس إجماع الأمة.
والكلام في أن ما أبين من مأكول اللحم فهو نجس، فهو عند قائله محمول على فهم الرجس بمعنى النجس، وهذا ليس عليه اتفاق، وإنما النزاع فيه قائم وليس محسوما وإن قال به أكثر العلماء فليس بإجماع على هذا المعنى.
شكر الله لك
رد: هل من دليل على نجاسة ميتة مأكول اللحم؟
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة يحيى صالح
ومعنا قول عائشة رضي الله عنها: كنا نأكل اللحم والدم خطوط على القدر.
ذكره ابن القيم على المعنى في كتابه إغاثة اللهفان في مصايد الشيطان (1/152).
أخرجه الطبري في تفسيره [9 : 635] من طريق:
حماد بن سلمة، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَائِشَةَ:
" أَنَّهَا كَانَتْ لا تَرَى بِلُحُومِ السِّبَاعِ بَأْسًا، وَالْحُمْرَةِ وَالدَّمِ يَكُونَانِ عَلَى الْقِدْرِ بَأْسًا، وَقَرَأَتْ هَذِهِ الآيَةَ: {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ} الآيَةَ ". اهـ.
وانظر تقييدها على القدر مما لا يحترز منه، وأخرجه عبد الرزاق في مصنفه [8708]، فقال:
عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، قَالَ: سُئِلَتْ عَائِشَةُ عَنْ أَكْلِ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ، فَتَلَتْ:
{ قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا}، فَقَالَتْ: قَدْ نَرَى فِي الْقِدْرِ صُفْرَةَ الدَّمِ ". اهـ.
توبع ابن عيينة فيما أخرجه الطبري في تفسيره [9 : 635] من طريق ابْن الْمُبَارَكِ، قال:
عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: ثني الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَائِشَةَ، فذكر نحوه بلفظ: " وَإِنَّ الْبُرْمَةَ لِيُرَى فِي مَائِهَا الصُّفْرَةُ ". اهـ.
وأخرج أبو بكر الشافعي في الغيلانيات (1006)، من طريق مُسَدَّد، قال:
ثنا يَحْيَى، يَعْنِي ابْنَ سَعِيدٍ الْقَطَّانَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ ، قَالَ: سَمِعْتُ الْقَاسِمَ، يَقُولُ:
كَانَتْ عَائِشَةُ إِذَا سَمِعَتِ النَّاسَ، يَقُولُونَ: حُرِّمَ كُلُّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ، تَلَتْ {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ} الْآيَةَ،
إِلَّا أَنَّ الْبُرْمَةَ لَيَكُونُ فِي مَائِهَا الصُّفْرَةُ، فَلَا يُحَرِّمْهَا ذَلِكَ. اهـ.قال الجصاص الحنفي –رحمه الله-:
(ولا خلاف بين الفقهاء في جواز أكل اللحم مع بقاء أجزاء الدم في العروق;
لأنه غير مسفوح، ألا ترى أنه متى صب عليه الماء ظهرت تلك الأجزاء فيه؟ وليس هو بمحرم; إذ ليس هو مسفوحًا). اهـ.
وقال شيخ الإسلام –رحمه الله-:
(وقد ثبت أنهم كانوا يضعون اللحم بالقدر فيبقى الدم في الماء خطوطًا، وهذا لا أعلم بين العلماء خلافًا في العفو عنه، وأنه لا ينجس باتفاقهم). اهـ.
وقال أبو حيان –رحمه الله-:
(وأجمعوا على جواز أكل الدم المتحلل بالعروق).
وقد تتابعت كثير من كتب الفقه لاسيما كتب المالكية، والشافعية، وبعض كتب التفسير وشروح الحديث على ذكر أثر عائشة الدال على الاستثناء لكنهم يذكرونه بلفظ:
"كنا نطبخ البرمة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم تعلوها الصفرة من الدم فنأكل ولا ننكره".
ووجه استدلال عائشة رضي الله عنها من الآية هو أنَّ الدم الباقي في العروق بعد الذبح ليس من الدم المسفوح التي نصت الآية على تحريمه.
فما يبقى في العروق والرغوة التي تعلو اللحم عند طبخه معفو عنه بمقتضى ما جاءت بها الشريعة من وضع الحرج في الشريعة.
قال القرطبي:
(لأنَّ التحفظ من هذا إصرٌ وفيه مشقةٌ، والإصر والمشقة في الدين موضوع. وهذا أصلٌ
في الشرع، أن كل ما حرجت الأمة في أداء العبادة فيه، وثقُل عليها سقطت العبادةُ عنها
فيه، ألا ترى أنَّ المضطرَّ يأكل الميتة، وأنَّ المريض يُفطر ويتيمَّم في نحو ذلك). اهـ.
والله أعلم.
رد: هل من دليل على نجاسة ميتة مأكول اللحم؟
بارك الله فيكم ، وغفر لنا ولكم ، ورزقنا الله وإياكم العلم النافع والعمل الصالح ، والصبر على مدارسته، والنصح في فهمه.
من باب إثراء الموضوع ، أرشدكم للنظر في أقوال الحنفية في مسألة نجاسة ميتة مأكول اللحم.
رد: هل من دليل على نجاسة ميتة مأكول اللحم؟
قال ابن قدامة: (عظام الميتة نجسة ، سواء كانت ميتة ما يؤكل لحمه ، أو ما لا يؤكل لحمه ، ولا يطهر بحال ، وهذا مذهب مالك ، والشافعي ، وإسحاق...
وذهب الثوري ، وأبو حنيفة ، إلى طهارتها ; لأن الموت لا يَحُلها فلا تنجس به ، كالشعر .
ولأن علة التنجيس في اللحم والجلد اتصال الدماء والرطوبات به ، ولا يوجد ذلك في العظام .
ولنا : قول الله تعالى )قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ ) سورة يس : 79 ، وما يحيا فهو يموت .
ولأن دليل الحياة الإحساس والألم ، والألم في العظم أشد من الألم في اللحم والجلد ...
وما تحله الحياة يحله الموت ; إذ كان الموت مفارقة الحياة ، وما يحله الموت ينجس به كاللحم). [المغني: (1/54)].
ورجح هذا القول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله ، ينظر الشرح الممتع (1/93) .
واختار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله قول الحنفية ، وقال : (عَظْمُ الْمَيْتَةِ، وَقَرْنُهَا وَظُفُرُهَا، وَمَا هُوَ مِنْ جِنْسِ ذَلِكَ: كَالْحَافِرِ، وَنَحْوِهِ، وَشَعْرُهَا، وَرِيشُهَا وَوَبَرُهَا... الْجَمِيعَ : طَاهِرٌ ؛ كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَهُوَ قَوْلٌ فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ، وَأَحْمَدَ .
وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الصَّوَابُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِيهَا الطَّهَارَةُ، وَلَا دَلِيلَ عَلَى النَّجَاسَةِ.
وَأَيْضًا فَإِنَّ هَذِهِ الْأَعْيَانَ هِيَ مِنْ الطَّيِّبَاتِ، لَيْسَتْ مِنْ الْخَبَائِثِ، فَتَدْخُلُ فِي آيَةِ التَّحْلِيلِ؛ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَدْخُلْ فِيمَا حَرَّمَهُ اللَّهُ مِنْ الْخَبَائِثِ ؛ لَا لَفْظًا، وَلَا مَعْنًى.
أَمَّا اللَّفْظُ فَكَقَوْلِهِ تَعَالَى : ( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ ) لَا يَدْخُلُ فِيهَا الشُّعُورُ وَمَا أَشْبَهَهَا؛ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ ضِدُّ الْحَيِّ، وَالْحَيَاةُ نَوْعَانِ: حَيَاةُ الْحَيَوَانِ وَحَيَاةُ النَّبَاتِ، فَحَيَاةُ الْحَيَوَانِ خَاصَّتُهَا الْحِسُّ، وَالْحَرَكَةُ الْإِرَادِيَّةُ ، وَحَيَاةُ النَّبَاتِ النُّمُوُّ وَالِاغْتِذَاءُ ...
وَإِنَّمَا الْمَيْتَةُ الْمُحَرَّمَةُ: مَا كَانَ فِيهَا الْحِسُّ وَالْحَرَكَةُ الْإِرَادِيَّةُ ، وَأَمَّا الشَّعْرُ فَإِنَّهُ يَنْمُو، وَيَغْتَذِي، وَيَطُولُ كَالزَّرْعِ، وَالزَّرْعُ لَيْسَ فِيهِ حِسٌّ وَلَا يَتَحَرَّكُ بِإِرَادَةٍ، وَلَا تَحُلُّهُ الْحَيَاةُ الْحَيَوَانِيَّ ةُ حَتَّى يَمُوتَ بِمُفَارَقَتِهَ ا، وَلَا وَجْهَ لِتَنْجِيسِهِ.
وَأَمَّا الْعِظَامُ وَنَحْوُهَا: فَإِذَا قِيلَ: إنَّهَا دَاخِلَةٌ فِي الْمَيْتَةِ؛ لِأَنَّهَا تَنْجُسُ .
قِيلَ لِمَنْ قَالَ ذَلِكَ: أَنْتُمْ لَمْ تَأْخُذُوا بِعُمُومِ اللَّفْظِ، فَإِنَّ مَا لَا نَفْسَ لَهُ سَائِلَةٌ كَالذُّبَابِ، وَالْعَقْرَبِ، وَالْخُنْفُسَاء ِ لَا يَنْجُسُ عِنْدَكُمْ وَعِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ، مَعَ أَنَّهَا مَيْتَةٌ مَوْتًا حَيَوَانِيًّا...
وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ عُلِمَ أَنَّ عِلَّةَ نَجَاسَةِ الْمَيْتَةِ إنَّمَا هُوَ احْتِبَاسُ الدَّمِ فِيهَا، فَمَا لَا نَفْسَ لَهُ سَائِلَةٌ، لَيْسَ فِيهِ دَمٌ سَائِلٌ، فَإِذَا مَاتَ لَمْ يَحْتَبِسْ فِيهِ الدَّمُ، فَلَا يَنْجُسُ .
فَالْعَظْمُ وَنَحْوُهُ أَوْلَى بِعَدَمِ التَّنْجِيسِ مِنْ هَذَا، فَإِنَّ الْعَظْمَ لَيْسَ فِيهِ دَمٌ سَائِلٌ، وَلَا كَانَ مُتَحَرِّكًا بِالْإِرَادَةِ إلَّا عَلَى وَجْهِ التَّبَعِ.
فَإِذَا كَانَ الْحَيَوَانُ الْكَامِلُ الْحَسَّاسُ الْمُتَحَرِّكُ بِالْإِرَادَةِ : لَا يَنْجُسُ، لِكَوْنِهِ لَيْسَ فِيهِ دَمٌ سَائِلٌ، فَكَيْفَ يَنْجُسُ الْعَظْمُ الَّذِي لَيْسَ فِيهِ دَمٌ سَائِلٌ...
فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ: فَالْعَظْمُ وَالظُّفُرُ، وَالْقَرْنُ وَالظِّلْفُ، وَغَيْرُ ذَلِكَ، لَيْسَ فِيهِ دَمٌ مَسْفُوحٌ، فَلَا وَجْهَ لِتَنْجِيسِهِ، وَهَذَا قَوْلُ جُمْهُورِ السَّلَفِ.
قَالَ الزُّهْرِيُّ: كَانَ خِيَارُ هَذِهِ الْأُمَّةِ يَتَمَشَّطُونَ بِأَمْشَاطٍ مِنْ عِظَامِ الْفِيلِ .
وَقَدْ رُوِيَ فِي الْعَاجِ حَدِيثٌ مَعْرُوفٌ، لَكِنْ فِيهِ نَظَرٌ لَيْسَ هَذَا مَوْضِعَهُ، فَإِنَّا لَا نَحْتَاجُ إلَى الِاسْتِدْلَالِ بِذَلِكَ.
ثم إن الْجِلْدَ جُزْءٌ مِنْ الْمَيْتَةِ، فِيهِ الدَّمُ، كَمَا فِي سَائِرِ أَجْزَائِهِ، وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَعَلَ ذَكَاتَهُ دِبَاغَهُ؛ لِأَنَّ الدَّبْغَ يُنَشِّفُ رُطُوبَاتِهِ .
فَدَلَّ عَلَى أَنَّ سَبَبَ التَّنْجِيسِ هُوَ الرُّطُوبَاتُ، وَالْعَظْمُ لَيْسَ فِيهِ نَفْسٌ سَائِلَةٌ، وَمَا كَانَ فِيهِ مِنْهَا فَإِنَّهُ يَجِفُّ وَيَيْبَسُ، وَهِيَ تَبْقَى وَتُحْفَظُ أَكْثَرَ مِنْ الْجِلْدِ، فَهِيَ أَوْلَى بِالطَّهَارَةِ مِنْ الْجِلْدِ . [ملخصًا من الفتاوى الكبرى: (1/ 266-271)].
رد: هل من دليل على نجاسة ميتة مأكول اللحم؟
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو البراء محمد علاوة
بارك الله فيكم ، وغفر لنا ولكم ، ورزقنا الله وإياكم العلم النافع والعمل الصالح ، والصبر على مدارسته، والنصح في فهمه.
من باب إثراء الموضوع ، أرشدكم للنظر في أقوال الحنفية في مسألة نجاسة ميتة مأكول اللحم.
جزاكم الله خيرا على الإرشاد وبارك فيكم ونفع بكم، شيخنا الفاضل.
رد: هل من دليل على نجاسة ميتة مأكول اللحم؟