حديث وكلمة (1)
فادي نضال عمر
الحمد لله وحدَه، والصلاة والسلام على من لا نبيَّ بعدَه.
أما بعد:
قال عليه الصلاة والسلام: ((الحياء من الإيمان، والإيمان في الجَنَّة، والبذاء من الجَفاء، والجفاء في النار...))؛ رواه الترمذي، وصحَّحه الألباني.
وفي حديث آخرَ: قال عليه السلام: ((والحياء شُعبةٌ من الإيمان))؛ البخاري ومسلم، وفي الحديث الآخر يُروى أنَّه قال عليه الصلاة والسلام: ((الحياء والإيمان قُرِنَا جميعًا، فإذا رُفع أحدهما رُفِع الآخر))، وقد رواه بعضهم موقوفًا على ابن عمر رضي الله عنهما.
فيا سبحان الله!
اليومَ صِرْنا لا نرى حياءً، لا من رجل، ولا من امرأة، إلَّا مَا ندر، حتى إنَّ النساء اليوم بِتْنَ أكثر جرأة من الرِّجال، نسأل الله العافية!
أين هي المرأة العفيفةُ، التي لا تكلِّم الرجال، ولا تجلس في مجلس فيه ولو رجلٌ واحدٌ، ولا تتلفَّظ بالألفاظ الرديئة بيْنها وبين صديقاتها، فضلًا عنه أمامَ الرِجال الأجانب، ولا تخرج من البيت إلَّا لحاجة، وبلباس الطُّهْر، وحجاب العفاف، ولا تمشي إلَّا على استحياء، ونظرها في الأرض، وإذا سُـئِلتْ مِن قِبل رجلٍ ما رأيت لونَها يتغير، وتصفرُّ وتحمرّ، وقد تتعتع بالحديث، أين هي هذه الأنثى؟!
يا إخوان، ندر وجود مثلها، وللأسف أصبحتِ المرأة اليوم - إلَّا ما رحم ربي - لا تتجمَّل بخلق الحياء.
قرأتُ حِكمة لأحدهم، قال: "المرأة بحيائها أجملُ منها بجمالها"، وصَدَق فيما قاله ورافعِ السماء بلا عمد.
ولكن للأسف، أصبحتِ المرأة اليوم ضحيةَ الانفتاح، وحركاتِ تغريب المرأة والعولمة، فأصبحتْ تَرى في المرأة الغربية قدوةً لها، وصارتِ المعادلة كالتالي:
إما أن تكون جريئةً، وقحة في لباسها وحديثها مع الرِّجال، واختلاطها بهم وعملها، وخروجها ومجيئها وذهابها، والاحتفاظ ببعض الأصدقاء الرِّجال، حتى وإنْ كانتْ متزوِّجة!! وإلَّا فهي منغلقة ومتخلِّفة، ومظلومة وضعيفة، ومهانة في نظر المجتمع الذي يلفُّها!!
وللأسف كثيرٌ من نساء المسلمين تشرَّبْن هذه الدعاوى، وعمِلْنَ بها، فتراها لا تلبس الحجاب، أو تلبس حجابًا يحتاج إلى حجاب، وتراها تجالس الرِّجال، وتسامرهم وتضاحكهم، وتراها خرَّاجة من البيت، لا يمرُّ يوم عليها إلا وقضتْ أكثرَه خارجَ بيتها، وتراها إن خرجت استعطرتْ، ولبست ما يُصْدِر صوتًا، كالكعب العالي.
وتراها لا تُبالي في حديثها، وفي ضحكها، ومَن يسمعه.
وتراها تفعل من المنكرات ما يشمئِزُّ له أيُّ إنسان صالِح عاقل.
إيهٍ يا عمر! إيهٍ يا عمر! لو ترى حالَنا، إذًا لشاب شعرك، إنها حال تشيب لها الرؤوس، وتعوج منها ظهورُ الصبيان، إنَّا لله وإنا إليه راجعون، ولا حول ولا قوة إلا بالله الواحد الديَّان.
وصَدَق رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما قال: ((ما تركتُ فتنةً بعدي أضرَّ على الرِّجال من النساء)).
فقد عرف هذا أعداءُ الإسلام، فجعلوه بابًا يدخلون منه لهدْم الإسلام، ومعولًا يضربون به أعناقَ الملتزمين المستقيمين من المسلمين، فنشروا الاختلاطَ والرذيلة، وأصبح أمرًا معتادًا في بلاد المسلمين، وأخَّروا سِنَّ الزواج، ورفعوا تكاليفه، وتكاليف الحياة الباهظة، ونشروا الزِّنا، ورخَّصوه على نفوس الشباب المسلِم، وعلى جيوبهم، وسادتِ المعادلة السابق ذِكْرُها بين الأُسر والمجتمعات، حتى إنَّ بعض الرِّجال يسمح لعِرْضه بالخروج من البيت على شاكلة غير شرعيَّة، من زِينة وعطر وتبرج، وربَّما سمح لهن أيضًا بالحديث مع بعض الرِّجال تحت شِعار الأخوة، وزمالة العمل، والقرابة، وهذا كلُّه لكيلا يُقال: إنه متشدِّد، أو ظالم!
يا سبحان الله! وكأنَّ أحكام الله فيها ظُلم وتعسف.
وحتى يقال أيضًا بأنه متحضِّر، ومتمدِّن على الطريقة الغربية، وما دروا أنَّ المرأة في الغرب إذا قضتْ زهرة حياتها وشبابها، واستمتعت بها، دخلتْ في حياة الأموات، فبعد الثلاثين تراها وحيدةً لا لها أبٌ معيل، ولا أخ ناصح، ولا عمٌّ أو خال يسأل عنها، وإذا كَبِرتْ سِنُّها لا تجد الابن الحنون، الذي يرعاها، ولا الزَّوج الوفي، فتراهن قد استوحشنَ من الحياة، وجعلن يبحثن عن ونيس، حتى وإن كان هذا الونيس من بعض الأجانب الذين سوف يستغلونها لأخْذ جنسية، أو للحصول على إقامة، وبعدها يلفظونها كما تُلفظ البزقة من أفواه المرضى، وهي تعلم بذلك حَتْمًا، ولكن أجبرتْها على قَبوله حياتُها البائسة، فيا لها من حياة تعيسة ورخيصة تعيشها المرأة هناك في سجون المجتمع وقيوده في بلاد الحرية والتقدُّم، وستعيشها المسلِمات التافهات أيضًا إن سِرْنَ على درب أضرابهنَّ من الغربيات!!
فالحياءَ الحياءَ يا نساء المسلمين، ويا رجالَ المسلمين؛ فإنَّه من الإيمان، تمسَّكوا به، واجتنبوا ما قد يُزيله أو يمحوه.