التوكل على الله: نور القلب وراحة الروح

التوكُّلُ على الله: نورُ القلب وراحة الرُّوح

أحمد يوسف علي

التوكل على الله، ذلكم المقام العظيم، والمنزلة الرفيعة التي يسعى إليها كلُّ مؤمن صادق، ويتطلَّع إليها كل قلب سليم، إنه مِفتاح السعادة، وباب الطمأنينة، وسبيل النجاة في الدنيا والآخرة، إنه شعور عميق باليقين، وثقة راسخة بالله، واعتماد كامل عليه في كل أمر، صغيرِهِ وكبيره، دقيقِهِ وجليلِهِ.


التوكل ليس كلمةً تُقال باللسان، أو شعارًا يُرفع في المناسبات، بل هو حالة قلبية، ومنهج حياة، يُترجَم إلى أفعال وسلوكيات، ويظهر في كل جوانب حياة المؤمن، إنه الاستسلام التام لمشيئة الله، والرضا بقضائه وقدره، مع بذل الأسباب المشروعة، والسعي الجاد لتحقيق الأهداف، مع الإيمان بأن النتائج بيد الله وحده.


التوكل في القرآن الكريم والسُّنَّة النبوية:
لقد حثَّ القرآن الكريم على التوكل في آيات كثيرة، وأشاد بأهل التوكل، ووعدهم بالخير العظيم، والأجر الجزيل؛ قال تعالى: ﴿ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [المائدة: 23]، وقال: ﴿ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ﴾ [الطلاق: 3]، وقال: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِي نَ ﴾ [آل عمران: 159].


وفي السُّنَّة النبوية المطهرة، نجد أروع الأمثلة وأصدق النماذج للتوكل على الله في أقوال النبي صلى الله عليه وسلم وأفعاله؛ فقد كان صلى الله عليه وسلم أعظمَ المتوكلين على الله، وقدوة المؤمنين في هذا المقام الجليل؛ كان يدعو ربه قائلًا: ((اللهم لك أسلمتُ، وبك آمنت، وعليك توكلت، وإليك أنَبْتُ، وبك خاصمت، وإليك حاكمت، فاغفر لي ما قدَّمتُ وما أخَّرتُ، وما أسررتُ وما أعلنت، أنت المقدِّم وأنت المؤخِّر، لا إله إلا أنت)).


وروى الترمذي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لو أنكم تتوكلون على الله حقَّ توكله، لَرزقكم كما يرزُق الطير؛ تغدو خِماصًا وتروح بِطانًا)).


حقيقة التوكل ومفهومه:
التوكل ليس تواكلًا، ولا يعني ترك الأسباب، والإخلاد إلى الراحة والدَّعَة، بل هو كما قال العلماء: "الاعتماد على الله في جلب المنافع، ودفع المضارِّ، مع فِعْلِ الأسباب المشروعة"، فالمؤمن المتوكل يسعى ويكدَح، ويأخذ بالأسباب، ويبذل قُصارى جهده، ثم يفوض أمره إلى الله، ويثق بأن الله سيختار له الخير، ويقدِّر له الأصلح.


قال الإمام ابن القيم رحمه الله: "التوكل نصف الدين، والنصف الثاني الإنابة؛ فإن الدين استعانة وعبادة، فالتوكل هو الاستعانة، والإنابة هي العبادة".


درجات التوكل ومقاماته:
للتوكل درجات ومقامات، يتفاوت فيها المؤمنون، بحسب قوة إيمانهم، وصدق يقينهم، وعمق معرفتهم بالله؛ فمنهم من يتوكل على الله في أمور الرزق، ومنهم من يتوكل عليه في الشفاء من الأمراض، ومنهم من يتوكل عليه في النصر على الأعداء، ومنهم من يتوكل عليه في جميع أموره؛ صغيرها وكبيرها.


وأعلى درجات التوكل هي: توكل الأنبياء والصِّدِّيقين، والشهداء والصالحين، الذين استسلموا لله استسلامًا كاملًا، وفوَّضوا إليه أمورهم تفويضًا مطلقًا، ولم يتعلقوا بغيره، ولم يرجوا سواه.


آثار التوكل وثمراته:
للتوكل على الله آثار عظيمة، وثمرات جليلة، تظهر في حياة المؤمن في الدنيا والآخرة؛ فمن هذه الآثار:
· قوة القلب وثباته: فالمتوكل على الله لا يخاف ولا يحزن، ولا يضعُف ولا يستكين، بل يظل قويًّا ثابتًا، مهما اشتدت الخُطُوبُ، وتعاظمت الكُرُوبُ؛ لأنه يعلم أن الله معه، ولن يخذله.

· راحة البال وطمأنينة النفس: فالمتوكل على الله يعيش في سَكِينة وهدوء، وطمأنينة ورضًا؛ لأنه يعلم أن الله كافيه، وحسبه، ووكيله، وأنه لن يصيبه إلا ما كتبه الله له.

· تيسير الأمور وتذليل الصعاب: فالمتوكل على الله يجد أن الله يُيَسِّر له أموره، ويفتح له أبواب الخير، ويهيئ له الأسباب، ويذلِّل له الصِّعاب؛ لأنه اعتمد عليه، وفوَّض أمره إليه.

· الرزق الواسع والخير العميم: فالمتوكل على الله يرزقه الله من حيث لا يحتسب، ويوسِّع عليه رزقه، ويكثُر خيره؛ لأنه آمن بالله، وتوكل عليه، وأحسن الظن به.

· النصر على الأعداء والظَّفَر بالمطلوب: فالمتوكل على الله ينصره الله على أعدائه، ويُظفِره بمطلوبه، ويحقق له ما يريد؛ لأنه استعان بالله، واعتصم به، وتوكل عليه.

· الفوز بالجنة والنجاة من النار: فالمتوكل على الله يفوز برضا الله وجنَّتِهِ، وينجو من سخطه وناره؛ لأنه أطاع الله، وتوكل عليه، وأخلص له العبادة.


نماذج من المتوكلين:
لقد ضرب لنا القرآن الكريم والسنة النبوية أروعَ الأمثلة وأصدق النماذج للمتوكلين على الله، لنتعلم منهم، ونسير على دربهم.
· إبراهيم عليه السلام: عندما أُلقي في النار، قال: "حسبي الله ونعم الوكيل"، فكانت النار بردًا وسلامًا عليه، بأمر الله.

· موسى عليه السلام: عندما أدركه فرعون وجنوده؛ قال أصحابه: ﴿ إِنَّا لَمُدْرَكُونَ ﴾ [الشعراء: 61]، فقال موسى: ﴿ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ ﴾ [الشعراء: 62]، فنجَّاه الله وأغرق فرعون وجنوده.

· النبي محمد صلى الله عليه وسلم: عندما هاجر من مكة إلى المدينة، واختبأ في الغار؛ قال لصاحبه أبي بكر: ﴿ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ﴾ [التوبة: 40]، فأنزل الله سَكِينته عليه، وأيَّده بجنود من عنده.

· أم موسى عليه السلام: عندما ألقت ولدها في اليم؛ خوفًا عليه من فرعون، توكلت على الله، وأيقنت بأن الله سيحفظه ويرده إليها، فكان كما ظنَّت، وردَّه الله إليها، وجعله من المرسلين.


كيف نُحقِّق التوكل؟
تحقيق التوكل على الله يتطلب منا عدة أمور:
معرفة الله حقَّ المعرفة: فكلما ازددنا معرفة بالله، وبأسمائه وصفاته، وأفعاله، ازددنا توكلًا عليه، وثقة به.

الإيمان بقضاء الله وقدره: فالمؤمن المتوكل يؤمن بأن كل شيء بقضاء الله وقدره، وأن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه.

بذل الأسباب المشروعة: فالتوكل لا يعني ترك الأسباب، بل يعني الأخذ بها، مع الاعتماد على الله في تحقيق النتائج.

الدعاء والتضرع إلى الله: فالدعاء سلاح المؤمن، ومفتاح الفَرَجِ، وسبيل تحقيق المطلوب، فالمتوكل يدعو ربه ويتضرع إليه، ويسأله من فضله، ويستعين به في كل أمره.

حسن الظن بالله: فالمتوكل يُحسِن الظن بربه، ويَثِقُ بأنه لن يخذله، وأنه سيختار له الخير، ويقدِّر له الأصلح.

قطع العلائق بغير الله: فالمتوكل لا يتعلق بغير الله، ولا يرجو سواه، ولا يخشى إلا الله، فهو يعلم أن النفع والضر بيد الله وحده.


التوكل في مواجهة التحديات:
نحن نعيش في عالم مليء بالتحديات والصِّعاب، والمؤمن المتوكل هو الأقدر على مواجهة هذه التحديات، والتغلب على هذه الصعاب؛ لأنه يملِكُ سلاحًا قويًّا، وعُدَّة متينة؛ وهي التوكل على الله.


فعندما يواجه المؤمن مشكلة أو أزمة، فإنه يلجأ إلى الله، ويتوكل عليه، ويسأله العون والمدد، ويستعين به في إيجاد الحلول، ويُوقِن بأن الله معه، ولن يخذله، وعندما يُصاب بمرض أو بلاء، فإنه يصبر ويحتسب، ويتوكل على الله في الشفاء، ويُوقن بأن الله أرحم به من نفسه، وأنه سيشفيه ويعافيه، وعندما يتعرض لظلمٍ أو عدوان، فإنه يفوض أمره إلى الله، ويتوكل عليه في رد الظلم، ودفع العدوان، ويُوقن بأن الله سينصره ويؤيده.


التوكل في الحياة اليومية:
التوكل ليس قاصرًا على الأمور الكبيرة والمهمة، بل هو مطلوب في كل شؤون الحياة، صغيرها وكبيرها؛ فالمؤمن يتوكل على الله في طعامه وشرابه، وفي نومه ويقظته، وفي عمله وكسبه، وفي زواجه وتربيته لأولاده، وفي كل حركة وسكنة من حركات وسكنات حياته.


فإذا خرج من بيته، توكل على الله وقال: ((بسم الله، توكلت على الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله))، وإذا بدأ عمله، توكل على الله وسأله التوفيق والبركة، وإذا واجه صعوبة، توكل على الله واستعان به في تجاوزها، وإذا أصابه خير، شَكَرَ الله وتوكل عليه في حفظه وزيادته.


التوكل واليقين:
التوكل واليقين صِنوان متلازمان، لا ينفصلان، فكلما قَوِيَ اليقين في القلب، قَوِيَ التوكل على الله، واليقين هو الإيمان الجازم بالله، وبأسمائه وصفاته، وأفعاله، وبوعده ووعيده، وبأنه لا إله إلا هو، ولا رب سواه.


فالمؤمن الْمُوقِنُ يعلم أن الله هو الخالق الرازق، المحيي المميت، النافع الضار، المعطي المانع، وأنه بيده ملكوت كل شيء، وأنه على كل شيء قدير، ويعلم أن الله أرحم به من أمه وأبيه، وأنه ألطف به من نفسه، وأنه لا يريد به إلا الخير، وأنه لا يقضي له إلا ما هو أصلح له، ويعلم أن الله لا يُخلِف الميعاد، وأنه سينصره ويؤيده، ويحفظه ويرعاه، ويكفيه ويُغنيه، ويشفيه ويُعافيه.


فإذا رسَخ هذا اليقين في القلب، اطمأنَّ القلب وسكن، وزال عنه القلق والاضطراب، والخوف والوجَل، وحلَّ محله الأمن والسَّكِينة، والطمأنينة والرضا، وأصبح صاحبه من المتوكلين حقًّا.


التوكل والتفاؤل:
التوكل يُورِث التفاؤل، ويبعث الأمل في النفس، ويشرح الصدر، وينير القلب؛ فالمتوكل على الله لا ييأس ولا يقنَط، ولا يستسلم للصعاب، بل يظل متفائلًا، واثقًا بنصر الله، مؤمِّلًا في فَرَجِهِ، راجيًا رحمته.


وذلك لأن التوكل يعكس حسن الظن بالله، والثقة به، والاعتماد عليه، والمتوكل يعلم أن الله لا يضيع أجر من أحسن عملًا، وأنه مع الصابرين، وأنه ينصر المظلومين، وأنه يفرِّج عن المكروبين، وأنه يُرزَق من حيث لا يحتسب.


فإذا كان المؤمن متوكلًا على الله، فإنه يكون دائمًا متفائلًا، ينظر إلى الحياة بعين الرضا والأمل، ويتوقع الخير في كل أمر، ويسعى إلى تحقيق أهدافه وطموحاته، بعزيمة وإصرار، وثقة ويقين.


التوكل والرضا:
التوكل يؤدي إلى الرضا بقضاء الله وقدره، والتسليم لمشيئته، والاطمئنان إلى حكمته؛ فالمتوكل يعلم أن الله لا يقضي إلا بالحق، ولا يفعل إلا الخير، وأنه أرحم بعباده من أنفسهم، وأنه أعلم بمصالحهم منهم.


فإذا أصاب المتوكل خيرٌ، شَكَرَ الله وحَمِدَهُ، وازداد إيمانًا ويقينًا، ورجاءً في ربه، وإذا أصابه شرٌّ، صبر واحتسب، ورضِيَ بقضاء الله، وسأله العِوَضَ والأجر، وعلِم أن الله لا يظلم مثقال ذرة، وأنه سيجعل له من بعد عسر يسرًا.


فالرضا ثمرة من ثمرات التوكل، وعلامة من علامات الإيمان الصادق، ودليل على قوة اليقين بالله، وكمال التسليم له.


التوكل والاستقامة:
التوكل يدعو إلى الاستقامة على أمر الله، والالتزام بشرعه، والتمسك بهَدْيِهِ، والبعد عن معصيته، فالمتوكل يعلم أن الله هو الحق، وأن دينه هو الحق، وأن طريقه هو الحق، وأنه لا نجاة ولا فلاح إلا بالاستقامة على هذا الحق.


فإذا كان المؤمن متوكلًا على الله، فإنه يسعى جاهدًا إلى تحقيق الاستقامة في أقواله وأفعاله، وفي نيته وعمله، وفي سره وعلانيته، ويجعل الله نُصبَ عينيه، ومراقبًا له، في كل لحظة من لحظات حياته.


فالتوكل والاستقامة متلازمان، لا ينفصلان، فكلما قَوِيَ التوكل في القلب، قَوِيَتِ الاستقامة في السلوك، وكلما ضعُفت الاستقامة، ضعُف التوكل.


التوكل والتوحيد:
التوكل هو من صميم التوحيد، وجزء لا يتجزأ منه، بل هو حقيقة التوحيد ولُبُّه؛ فالمتوكل لا يتوكل إلا على الله، ولا يرجو إلا الله، ولا يخاف إلا الله، ولا يعبد إلا الله، ولا يستعين إلا بالله.


فالتوكل هو إفراد الله بالاعتماد، وتجريده من الشركاء والأنداد، وإخلاص العبادة له وحده، دون سواه، فمن توكل على غير الله، فقد أشرك، ومن استعان بغير الله، فقد أشرك، ومن رجا غير الله، فقد أشرك.


فالتوحيد والتوكل هما وجهان لعملة واحدة، لا ينفصلان، ولا يستقيم أحدهما إلا بالآخر.


الخاتمة:
التوكل على الله هو نور القلب، وراحة الروح، وسعادة الدنيا، ونجاة الآخرة، إنه المقام العظيم، والمنزلة الرفيعة، التي يسعى إليها كل مؤمن صادق، ويتطلع إليها كل قلب سليم، إنه مفتاح الفرج، وسبيل النصر، وطريق العزة، ومنهج السعادة.


فلنجعل التوكل على الله شعارَنا، ومنهجَ حياتنا، ودليلنا في كل أمر، صغيره وكبيره، دقيقه وجليله، ولنُحْسِنِ الظن بالله، ونثِق به، ونعتمد عليه، ونسأله العون والتوفيق، والسداد والهداية، والرشاد والتأييد، والنصر والتمكين.


اللهم اجعلنا من المتوكلين عليك حق التوكل، والمفوِّضين إليك حق التفويض، والراضين بقضائك وقدرك، والصابرين على بلائك، والشاکرين لنعمائك، والمستقيمين على أمرك، والمخلصين في عبادتك، والفائزين برضاك وجنتك، والناجين من سخطك ونارك.


اللهم آمين، وصلِّ اللهم وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

اقتباس:

---

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة Abu Walid Al-Buhairi

Trust in Allah: Light of the Heart and Comfort of the Soul

Ahmed Youssef Ali

Trust in Allah, that great position and lofty status that every sincere believer seeks and every sound heart aspires to. It is the key to happiness, the door to reassurance, and the path to salvation in this world and the hereafter. It is a deep feeling of certainty, a firm trust in Allah, and complete reliance on Him in every matter, small and large, minute and great.Trust is not a word said by the tongue, or a slogan raised on occasions, but rather a state of the heart, and a way of life, translated into actions and behaviors, and appears in all aspects of the believer's life. It is complete surrender to the will of Allah, and contentment with His judgment and destiny, while exerting legitimate means, and striving hard to achieve goals, with the belief that the results are in the hands of Allah alone.Trust in the Holy Quran and the Sunnah:The Holy Quran has urged trust in Allah in many verses, and praised those who trust in Him, and promised them great goodness and abundant reward. Allah the Almighty said:{And upon Allah rely, if you should be believers}[Al-Ma’idah: 23], and He said:{And whoever relies upon Allah - then He is sufficient for him}[At-Talaq: 3], and He said:{Indeed, Allah loves those who rely]}[Al-Imran: 159].In the pure Sunnah of the Prophet, we find the most wonderful examples and truest models of trust in Allah in the sayings and actions of the Prophet, may Allah’s prayers and peace be upon him. He, may Allah’s prayers and peace be upon him, was the greatest of those who relied on Allah, and the role model for the believers in this noble position. He used to supplicate to his Lord, saying: “O Allah, to You I submit, in You I believe, in You I rely, to You I turn, with You I contend, and to You I seek judgment. So forgive me for what I have done in the past and what I will do in the future, what I have kept secret and what I have declared. You are the First and the Last. There is no god but You.”Al-Tirmidhi narrated on the authority of Umar ibn al-Khattab, may Allah be pleased with him, that the Prophet, may Allah bless him and grant him peace, said: “If you were to put your trust in Allah as He should be put, He would provide for you as He provides for the birds; they go out in the morning hungry and return in the evening with full crops.”The reality of trust and its concept:Trust is not indolence, nor does it mean abandoning the causes and devoting oneself to comfort and ease. Rather, it is as the scholars said: “Relying on Allah to bring benefits and repel harm, while doing the legitimate causes.” The trusting believer strives and toils, takes the causes, and does his utmost, then entrusts his matter to Allah, and trusts that Allah will choose what is best for him and decree what is best for him.Imam Ibn al-Qayyim, may Allah have mercy on him, said: “Trust is half of religion, and the other half is repentance; for religion is seeking assistance and worship, so trust is seeking assistance, and repentance is worship.”Degrees and stations of trust:Trust has degrees and stations, in which believers vary, according to the strength of their faith, the sincerity of their certainty, and the depth of their knowledge of Allah. Some of them trust in Allah in matters of livelihood, some of them trust in Him to heal from illnesses, some of them trust in Him to grant victory over enemies, and some of them trust in Him in all of their affairs, small and large.The highest degree of trust is: the trust of the prophets, the truthful ones, the martyrs, and the righteous, who surrendered to God completely, entrusted their affairs to Him absolutely, and did not depend on anyone other than Him, and did not hope for anyone other than Him.The effects and fruits of trust:






























Trusting in Allah has great effects and sublime fruits that appear in the life of the believer in this world and the hereafter. Among these effects are:
Strength and steadfastness of the heart: The one who trusts in Allah does not fear or grieve, nor does he weaken or submit, but rather remains strong and steadfast, no matter how severe the calamities and how great the distresses; because he knows that Allah is with him and will not let him down. Peace of mind and tranquility of the soul:

The one who trusts in Allah lives in tranquility and calm, tranquility and contentment; because he knows that Allah is sufficient for him, and is his trustee, and that nothing will befall him except what Allah has written for him. Facilitating matters and overcoming difficulties: The one who trusts in Allah finds that Allah facilitates his affairs for him, opens the doors of goodness for him, prepares the means for him, and makes difficulties easy for him; because he relied on Him and entrusted his affairs to Him. · Abundant provision and abundant good: Whoever relies on Allah, Allah will provide for him from where he does not expect, and will expand his provision and increase his goodness; because he believed in Allah, relied on Him, and had good thoughts about Him. · Victory over enemies and attainment of what he wants: Whoever relies on Allah, Allah will grant him victory over his enemies, grant him what he wants, and fulfill what he wants; because he sought Allah’s help, held fast to Him, and relied on Him. · Winning Paradise and escaping Hell: Whoever relies on Allah wins Allah’s pleasure and Paradise, and is saved from His wrath and Hell; because he obeyed Allah, relied on Him, and was sincere in his worship of Him. Examples of those who rely on Allah: The Holy Quran and the Sunnah of the Prophet have given us the most wonderful examples and truest examples of those who rely on Allah, so that we may learn from them and follow in their footsteps. · Abraham, peace be upon him: When he was thrown into the fire, he said: “Allah is sufficient for me, and He is the best Disposer of affairs.” So the fire was cool and peaceful for him, by Allah’s command. · Moses, peace be upon him: When Pharaoh and his soldiers caught up with him, he said: His companions said: “ Indeed, we will be overtaken ” [Ash-Shu’ara’: 61]. Moses said: “ No! Indeed, my Lord is with me; He will guide me ” [Ash-Shu’ara’: 62]. So God saved him and drowned Pharaoh and his soldiers. · Prophet Muhammad (PBUH): When he migrated from Mecca to Medina and hid in the cave, he said to his companion Abu Bakr: “ Do not grieve. Indeed, Allah is with us ” [At-Tawbah: 40]. So God sent down His tranquility upon him and supported him with soldiers from Him. · The mother of Moses (PBUH): When she threw her son into the river, fearing for him from Pharaoh, she put her trust in God and was certain that God would protect him and return him to her. So it was as she thought, and God returned him to her and made him one of the messengers. How do we achieve trust? Achieving trust in Allah requires several things from us: Knowing Allah truly: The more we know Allah, His names, attributes, and actions, the more we trust and rely on Him. Belief in Allah’s will and destiny: The trusting believer believes that everything is by Allah’s will and destiny, and that what befell him could not have missed him, and what missed him could not have befallen him. Taking legitimate measures: Trust does not mean abandoning the means, but rather taking them, while relying on Allah to achieve the results.





























الدعاء والتضرع إلى الله: فالدعاء سلاح المؤمن، ومفتاح الفَرَجِ، وسبيل تحقيق المطلوب، فالمتوكل يدعو ربه ويتضرع إليه، ويسأله من فضله، ويستعين به في كل أمره.

حسن الظن بالله: فالمتوكل يُحسِن الظن بربه، ويَثِقُ بأنه لن يخذله، وأنه سيختار له الخير، ويقدِّر له الأصلح.

قطع العلائق بغير الله: فالمتوكل لا يتعلق بغير الله، ولا يرجو سواه، ولا يخشى إلا الله، فهو يعلم أن النفع والضر بيد الله وحده.


التوكل في مواجهة التحديات:
نحن نعيش في عالم مليء بالتحديات والصِّعاب، والمؤمن المتوكل هو الأقدر على مواجهة هذه التحديات، والتغلب على هذه الصعاب؛ لأنه يملِكُ سلاحًا قويًّا، وعُدَّة متينة؛ وهي التوكل على الله.


فعندما يواجه المؤمن مشكلة أو أزمة، فإنه يلجأ إلى الله، ويتوكل عليه، ويسأله العون والمدد، ويستعين به في إيجاد الحلول، ويُوقِن بأن الله معه، ولن يخذله، وعندما يُصاب بمرض أو بلاء، فإنه يصبر ويحتسب، ويتوكل على الله في الشفاء، ويُوقن بأن الله أرحم به من نفسه، وأنه سيشفيه ويعافيه، وعندما يتعرض لظلمٍ أو عدوان، فإنه يفوض أمره إلى الله، ويتوكل عليه في رد الظلم، ودفع العدوان، ويُوقن بأن الله سينصره ويؤيده.


التوكل في الحياة اليومية:
التوكل ليس قاصرًا على الأمور الكبيرة والمهمة، بل هو مطلوب في كل شؤون الحياة، صغيرها وكبيرها؛ فالمؤمن يتوكل على الله في طعامه وشرابه، وفي نومه ويقظته، وفي عمله وكسبه، وفي زواجه وتربيته لأولاده، وفي كل حركة وسكنة من حركات وسكنات حياته.


فإذا خرج من بيته، توكل على الله وقال: ((بسم الله، توكلت على الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله))، وإذا بدأ عمله، توكل على الله وسأله التوفيق والبركة، وإذا واجه صعوبة، توكل على الله واستعان به في تجاوزها، وإذا أصابه خير، شَكَرَ الله وتوكل عليه في حفظه وزيادته.


التوكل واليقين:
التوكل واليقين صِنوان متلازمان، لا ينفصلان، فكلما قَوِيَ اليقين في القلب، قَوِيَ التوكل على الله، واليقين هو الإيمان الجازم بالله، وبأسمائه وصفاته، وأفعاله، وبوعده ووعيده، وبأنه لا إله إلا هو، ولا رب سواه.


فالمؤمن الْمُوقِنُ يعلم أن الله هو الخالق الرازق، المحيي المميت، النافع الضار، المعطي المانع، وأنه بيده ملكوت كل شيء، وأنه على كل شيء قدير، ويعلم أن الله أرحم به من أمه وأبيه، وأنه ألطف به من نفسه، وأنه لا يريد به إلا الخير، وأنه لا يقضي له إلا ما هو أصلح له، ويعلم أن الله لا يُخلِف الميعاد، وأنه سينصره ويؤيده، ويحفظه ويرعاه، ويكفيه ويُغنيه، ويشفيه ويُعافيه.


فإذا رسَخ هذا اليقين في القلب، اطمأنَّ القلب وسكن، وزال عنه القلق والاضطراب، والخوف والوجَل، وحلَّ محله الأمن والسَّكِينة، والطمأنينة والرضا، وأصبح صاحبه من المتوكلين حقًّا.


التوكل والتفاؤل:
التوكل يُورِث التفاؤل، ويبعث الأمل في النفس، ويشرح الصدر، وينير القلب؛ فالمتوكل على الله لا ييأس ولا يقنَط، ولا يستسلم للصعاب، بل يظل متفائلًا، واثقًا بنصر الله، مؤمِّلًا في فَرَجِهِ، راجيًا رحمته.


وذلك لأن التوكل يعكس حسن الظن بالله، والثقة به، والاعتماد عليه، والمتوكل يعلم أن الله لا يضيع أجر من أحسن عملًا، وأنه مع الصابرين، وأنه ينصر المظلومين، وأنه يفرِّج عن المكروبين، وأنه يُرزَق من حيث لا يحتسب.


If the believer trusts in Allah, he will always be optimistic, look at life with satisfaction and hope, expect good in everything, and strive to achieve his goals and ambitions with determination, persistence, confidence and certainty. Trust and contentment: Trust leads to contentment with Allah’s decree and destiny, submission to His will, and reassurance in His wisdom. The trustful person knows that Allah only judges with truth and does only good, that He is more merciful to His servants than they are to themselves, and that He knows what is best for them more than they know what is in their best interests. If good befalls the trustful person, he thanks and praises Allah, and his faith, certainty, and hope in his Lord increase. If evil befalls him, he is patient and accepts Allah’s decree, asks Him for compensation and reward, and knows that Allah does not wrong by the weight of an atom, and that He will grant him ease after hardship. Contentment is a fruit of trust, a sign of true faith, and evidence of strong certainty in Allah and complete submission to Him. Trust and righteousness: Trust calls for righteousness in the command of Allah, commitment to His law, adherence to His guidance, and avoiding disobeying Him. The one who trusts knows that Allah is the Truth, that His religion is the Truth, that His path is the Truth, and that there is no salvation or success except by being righteous in this Truth. If the believer trusts in Allah, he strives hard to achieve righteousness in his words and actions, in his intention and work, in his secret and in public, and he makes Allah the focus of his eyes and the observer of him at every moment of his life. Trust and righteousness are intertwined and inseparable. The stronger trust is in the heart, the stronger righteousness in behavior, and the weaker righteousness is, the weaker trust is. Trust and monotheism: Trust is at the core of monotheism and an inseparable part of it. In fact, it is the reality and core of monotheism. The one who relies on Allah relies on none but Allah, hopes in none but Allah, fears none but Allah, worships none but Allah, and seeks help from none but Allah. Reliance is to single out Allah in reliance, to be free from partners and rivals, and to dedicate worship to Him alone, without anyone else. Whoever relies on other than Allah has committed shirk, whoever seeks help from other than Allah has committed shirk, and whoever hopes in other than Allah has committed shirk. Monotheism and reliance are two sides of the same coin; they are inseparable, and one cannot be right without the other. Conclusion: Reliance on Allah is the light of the heart, the comfort of the soul, the happiness of this world, and the salvation of the hereafter. It is the great station and the lofty position that every sincere believer seeks and every sound heart aspires to. It is the key to relief, the path to victory, the road to glory, and the method of happiness. Let us make trust in Allah our motto, our way of life, and our guide in every matter, small and large, minute and great. Let us have good thoughts about Allah, trust in Him, depend on Him, and ask Him for help, success, guidance, right direction, support, victory and empowerment. O Allah, make us among those who truly trust in You, entrust to You, are satisfied with Your judgment and destiny, are patient in Your trials, are grateful for Your blessings, are steadfast in Your command, are sincere in Your worship, are victorious in Your pleasure and Paradise, and are saved from Your wrath and Hell. O Allah, Amen. May Allah bless and grant peace to our Prophet Muhammad, his family and all his companions.

---

SubhanAllah, truly trusting in Allah brings peace and tranquility to the heart. As I mentioned, it is about relying on Allah while putting in the effort. To add to the comfort, reading Surah Yaseen can also bring comfort and remind us of Allah’s mercy, especially in times of doubt. May Allah strengthen our trust in Him in all aspects of our lives. Ameen.