المخطوطات الإسلامية في فلسطين.. جهود مضنية لحمايتها من التلف والسرقة!!

المخطوطات الإسلامية في فلسطين.. جهود مضنية لحمايتها من التلف والسرقة!!

تعد المخطوطات الإسلامية من أهم روافد الذاكرة في التاريخ العربي والإسلامي، ولا شك أن خصوصية تلك المخطوطات وأهميتها تزداد بخصوصية الأوضاع التي تعانيها الدول العربية والإسلامية ولا سيما المحتلة منها كون تاريخها لم يكتب بعد.

ويزخر التراث الفلسطيني بالعديد من المخطوطات التي لم يطلع عليها أحد وتنتظر التحقيق، ويقول المعنيون إن هناك أكثر من مليون وثيقة فلسطينية لم تنشر بعد وما زالت موجودة في أقبية الخزائن سواء في المدينة المقدسة أم في معهد إحياء التراث الإسلامي أم في أقبية خزائن قسم المخطوطات.

وتكمن الخطورة أمام تلك المخطوطات في جهود الاحتلال الإسرائيلي الساعي دوما إلى سرقتها وتدميرها؛ لذا هناك حاجة ماسة لتضافر الجهود التي تأخذ على عاتقها البحث والتنقيب في مكنونات تلك المخطوطات لإبراز التاريخ العربي والإسلامي للعالم وحمايتها من عمليات الطمس والتدليس والتزييف التي تقوم بها دولة الكيان الصهيوني .

«الفرقان» في سياق السطور الآتية تفتح ملف المخطوطات الإسلامية في فلسطين، وتتعرف على محاولات الاحتلال لسرقة المخطوطات، ونلتقي بعدد من المسؤولين المعنيين بالمخطوطات لمعرفة السبيل لمواجهة ذلك الخطر المحدق بالتاريخ الإسلامي في فلسطين.
تحتفظ الأوقاف الفلسطينية منذ 1400 عام بأربعة آلاف مخطوط من الكنوز الثمينة داخل المسجد الأقصى، وتسعى عبر مشاريع الترميم والحفظ إلى نفض غبار التعتيم عنها وحمايتها من عمليات السرقة التي تحيكها دولة الاحتلال في كل حين. رئيس قسم المخطوطات بالمسجد الأقصى د. ناجح بكيرات يقول: «المخطوطات ثروة عالمية نحاول عبر مشاريع الترميم أن نخرجها إلى العالم العربي والإسلامي إلا أن قوات الاحتلال تقف بالمرصاد».
أخطر ما يقف أمام هذه الكنوز هو إصرار دولة الاحتلال الإسرائيلي على سرقتها أو إتلافها على الأقل، يقول بكيرات في حديث خاص لـ»الفرقان»: يعمد الاحتلال إلى منع إدخال مواد الترميم في المدينة المقدسة، كما أنه يحاول سرقتها منذ العام 48 أي مع بداية ضعف الدولة الإسلامية وذلك عبر تسريبها إلى الغرب نظراً لغياب السلطة التي تدافع عنها، ويؤكد د. بكيرات أن الضياع الأكبر للمخطوطات الفلسطينية كان بعد أن سيطرت دولة الاحتلال على المحاكم الشرعية في حيفا ويافا وبيسان وطبرية حيث نقلت أعدادا كبيرة جداً من أرشيف المخطوطات وهو محفوظ حتى الآن في جامعة حيفا وجامعة بار إيلان في تل أبيب وبعضها خُزن، لافتاً إلى أن دولة الاحتلال على مدار سنوات احتلالها للمدينة المقدسة عمدت إلى استهداف تاريخ المدينة وكل ما يدل عليه كالمخطوطات، وأضاف قائلاً: «لقد حرص الاحتلال على محو جذورنا من خلال سرقة المخطوطات والوثائق كونها تثبت تاريخنا وجذورنا وهويتنا العربية الإسلامية المقدسية».
فيما يقول مدير دائرة التوثيق والمخطوطات والآثار – بوزارة الأوقاف د. عبد اللطيف أبوهاشم: إن اليهود جزء من الغرب عمدوا منذ 600 عام إلى سرقة المخطوطات كونها تحتوي على التاريخ وتحمل الهوية الثقافية للوطن، وبيَّن أنهم أنشؤوا علم الاستشراق في جامعات أوروبا من أجل الإجابة عن تساؤل واحد فقط هو «هل من الممكن أن يعود الإسلام ليسيطر على العالم؟» وحين كانت الإجابة بالإيجاب سددوا ضرباتهم للمخطوطات فعمدوا من جهة إلى سرقتها ليأمنوا عدم عودة الإسلام إلى مجده وانتصاره، ومن جهة أخرى وفق قول د. أبو هاشم في حديثه لـ «الفرقان»: إلى دراسة الإسلام المتمثل في الدول العربية والإسلامية لأجل السيطرة؛ لذلك عمدوا إلى تشويهنا كما هو الحال في الاستشراق البريطاني والأمريكي.
الحفاظ على الذاكرة
واحدة من أشهر المؤسسات المعنية بأمور المخطوطات الإسلامية كانت مؤسسة «إحياء التراث والبحوث الإسلامية» بالقدس، هذه المؤسسة تقوم بجمع المخطوطات الفلسطينية كونها جزءا مهما جداً من التاريخ والثقافة والهوية الفلسطينية، ولاسيما في ظل ممارسات الاحتلال بسرقة التاريخ وتهويد الثقافة.
عميد المؤسسة والباحث المقدسي أ. محمد الصفدي يوضح لنا أن المؤسسة قامت على مدار سنوات عملها منذ العام 1983 بجمع كافة المخطوطات بمدينة القدس والضفة الغربية والأراضي المحتلة عام 48، ودأبت على حفظها وترميمها وصيانتها وتحقيقها وأرشفتها وأخيراً نشرها لتكون بين أيدي الباحثين، وأضاف في حديث خاص لـ»الفرقان» أن تلك المخطوطات تنوعت بين تاريخ فلسطين فضلاً عن مخطوطات في علوم الفقه والشريعة وعلوم القرآن وكذلك الرياضيات والطب والفلك ووصل عددها إلى حوالي 4000 مخطوط، ونجحت المؤسسة في الحفاظ عليها وعملت على حفظها ضمن نظام حفظ وفهرسة وتصنيف خاص بالمؤسسة، كما عمدت أيضاً إلى حمايتها من التلف بترميمها قدر المستطاع ووفقاً للإمكانيات المتاحة في ظل منع دولة الاحتلال إدخال مواد الترميم.
يقول الصفدي: «حاولنا تخطي عقبات الاحتلال وممارساته الحثيثة في طمس تاريخنا وهويتنا التي تحتويها المخطوطات» مؤكداً أن المؤسسة استطاعت أن تصدر أربعة أجزاء من فهارس المخطوطات، والجزء الأول منها مخطوطات أصول الفقه، فيما اشتمل الجزء الثاني على فهرس الفقه الشافعي، ثم الفقه الحنبلي والحنفي، ونعد حالياً لإصدار الجزء الخامس عن مخطوطات القرآن الكريم وعلومه، ويشير الصفدي إلى أن آلية الحفظ تكون وفق سجلات مفهرسة تسبقها عمليات الترميم والصيانة في إطار المحافظة على جزء هام من الموروث الحضاري لفلسطين والأمة الإسلامية بأكملها، وذلك ضمن الإمكانيات المتاحة.
وتقف عملية توفير المادة الخام لترميم المخطوطات حجر عثرة أمام عمل المؤسسة، حيث تمنع دولة الاحتلال إدخالها بشكل دائم، ولعل من أهم تلك المواد كما يشير الصفدي الورق الياباني أو مواد كيماوية ليست متوافرة في السوق المحلية إلا عبر الاستيراد من الخارج، يقول: «لا يمكننا استيرادها بشكل فردي كون الاستيراد يتم فقط عن طريق الإسرائيليين»، ويوضح أن الاستيراد بهذه الطريقة يجعل كلفة عملية ترميم المخطوطات عالية جداً، وأضاف أن عدم وجود الأجهزة والمعدات الخاصة بالترميم من ماكينات وغيرها يشكل عقبة أخرى في عملية الترميم والصيانة وكشف أن المؤسسة لم تستطع منذ عامين إدخال بعض الأجهزة والسبب تلكؤ الاحتلال في إصدار تصاريح وموافقات أمنية لإدخالها إلى الأراضي الفلسطينية، مؤكداً أنه في كل مرة يتذرع بحجج مختلفة عن سابقتها كطلب شهادة المنشأ للمادة المصنعة أو شهادة سلامة للمواد المستوردة أو شهادات شرح تكوين الأجهزة وتقنياتها.
جهود متواضعة
ولأن التراث الإسلامي والفلسطيني تحديداً بُعثر في مكتبات العالم، وسرق من قبل الاحتلال فقد عمدت وزارة الأوقاف والشئون الدينية إلى الاهتمام بجمع المخطوطات وأرشفتها لتمكين الباحثين من الوصول إليها وتحقيقها وثبرها.
ويشير د. أبوهاشم إلى أن جهود الأوقاف كانت متوافقة بين قطاع غزة والقدس ففي القدس قام أ. حمد يوسف -رحمه الله- بمبادرات مميزة لجمع الوثائق والمخطوطات الفلسطينية، لافتاً إلى أنه تمكن من جمع مليون وثيقة ضمنها معهد إحياء التراث في أبو ديس فضلاً عن مئات المخطوطات التي قاموا بتصويرها من مكتبات العالم، ويضيف د.أبوهاشم أن مكتبة المسجد الأقصى نشرت مخطوطات عدة وتسعى إلى ترميم ما لديها وحفظه من التلف إلا أن دولة الاحتلال تضع العقبات أمامها وتمنعها من ترميم المخطوطات، واستكمل قائلاً: «على صعيد غزة الجهود متواضعة حيث يجري إحياء المكتبة الخالدية لتقوم برسالتها في نشر المخطوطات»، وبيَّن أن وزارته على الصعيد الحكومي عمدت بمبادرة منه إلى إحياء دائرة المخطوطات والآثار وتمكنت بعد الحرب الصهيونية على قطاع غزة نهاية 2008 مطلع 2009 من أرشفة العديد من الوثائق والمخطوطات في إطار المحافظة عليها وتوفيرها بين أيدي المتخصصين لسبر أغوارها وتدقيقها وتطوير ما جاء فيها، ويضيف: «الأمر يحتاج إلى جهود متضافرة ووعي أكاديمي واهتمام كبير يوازي الاهتمام الذي يوليه المستشرقون لمخطوطاتنا من أجل الانتصار علينا».
بينما انصب الجهد في المدينة المقدسة على إيجاد مركز يهتم بعملية ترميم المخطوطات وحفظها، فأكد د. بكيرات أنهم حرصوا على الحصول على التراخيص الكاملة من دولة الاحتلال عبر مؤسسات دولية كاليونسكو والبعثات الدولية في القدس سواء الإيطالية أو الأمريكية فقط من أجل إدخال مواد الترميم اللازمة، يقول د. بكيرات: «وعلى الرغم من ذلك فمواد الترميم ما تزال عالقة في الميناء سواء أجهزة التعقيم أم المواد الخام أم الأوراق المطلوبة للترميم.
سبل المواجهة
وفي ظل زيادة الشراسة الصهيونية للحصول على كل ما هو إسلامي ودال على تاريخ الوطن الفلسطيني وحضارته وثقافته يُشدد د. عبد اللطيف أبو هاشم على ضرورة نشر المخطوطات المكدسة في أدارج الخزائن والمكاتب لإظهار الوجه الإسلامي والحضاري لفلسطين وذلك عبر اتباع إستراتيجيات تتحدى حالة الطمس والتشويه والاندثار التي يواجهها الفلسطينيون من قبل الصهاينة، وأكد على ضرورة الاهتمام والتفكير بالناحية الثقافية ودعم الباحثين للكشف عن أسرار المخطوطات وما تحمله من علوم من شأنها أن تعيد مكانة فلسطين التاريخية.
ودعا إلى ضرورة تكاثف الجهود الداخلية أولاً للاهتمام بالمخطوطات وما تحويه من علوم ودرر مكنونة بين أسطرها والسبب وفق قوله: «إن أحداً غيرنا لن يستطيع القيام بهذا العمل» وأضاف: من ثمَّ تكون مطالبة الجهود العربية والإسلامية بتمويل مشاريع مختلفة للمخطوطات الخاصة بفلسطين سواء على صعيد جمعها من مكتبات العالم العربي والإسلامي والأوروبي في مكان واحد ومن ثمَّ تدقيقها والأخذ بما فيها لنتمكن من التقدم والارتقاء بين مصاف الأمم.
بينما يؤكد بكيرات على ضرورة الاهتمام أولاً على المستوى المحلي بتكثيف الجهود والاهتمام بالقضايا الثقافية والتاريخية ومن ثمَّ تضافر الجهود العربية وتقديم الدعم المادي لتنفيذ مشاريع المخطوطات سواء بالبحث والتنقيب عنها وجمعها أو ترميمها وأرشفتها في نسخ إلكترونية للحفاظ عليها من الضياع أو التزييف والسرقة.



اعداد: فلسطين - ميرفت عوف