إذا ضايقك زوجك فلا تترددي في التوجه إلى حبيبك
إذا ضايقك زوجك فلا تترددي في التوجه إلى حبيبك
محمد رشيد العويد
صارت تحدثني عن معاناتها التي استمرت سنوات طويلة من زواجها ، وكيف أنها تلوذ بالصبر على كل ما كانت تلقاه من زوجها ، زوجها الذي قالت إنه يدقق ويفتش ويتابع كل شيء ، ويسأل عن كل صغيرة وكبيرة ، فهو لا يتغاضى ، ولا يتسامح ، ولا يلين .
ذكرت أنها كثيراً ما كانت تشعر برغبة في ترك كل شيء : البيت والأولاد والزوج ، ولكن إلى أين ؟ لم تكن تدري ! كل ما كان يملأ نفسها شعور بأنها ما عادت قادرة على الصبر ، وأن الأعباء ما عادت محتملة لديها ، وأن طاقة الصبر عندها وصلت حدها .
سألتها أن تحدثني عن زوجها غيرَ ما ذكرتْه عنه من تدقيق وتفتيش ومتابعة وعدمِ مسامحة ؛ فقالت : إنه قاس ، لسانه حاد ، لا أسمع منه كلمةَ حب أو عطف أو حنان . لقد تعبت ، تعبت ، تعبت . لا أعني تعب الجسد فهذا تعبٌ أحتمله وأصبر عليه ؛ إنما أعني تعبَ النفس ، تعبَ الأعصاب ، تعبَ الوجدان .
قلت لها هل جربت أن تكلمي أحداً من أهلك أو أحداً من أهله ليراجعوه في ذلك وينصحوه ؟ قالت : فاتحه والدي فنفى كل شيء ، وقال إنه غير مقصر نحو بيته ، ويوفر لنا كل ما نحتاجه . أضافت : هل رأيت ؟ إنه ينظر إلى الجوانب المادية وأنا أريد الجوانبَ النفسية والعاطفية والروحية .
قلت لها : هل تريدين نصيحتي ؟
قالت : لهذا اتصلت بك .
قلت : أعلم أن نصيحتي قد لا تلقى قبولاً كبيراً في نفسك ، لكني أرى العمل بها هو الأجدى .
قالت : تفضل .
قلت : لو أراك الله ما أعدّه لك من أجر على صبرك واحتسابك لقلت : أهذا كله لي ؟ لو رأيت مقعدك في الجنة جزاء احتمالك ما تلقينه من عنتِ زوجِك وشدته وقسوته وجفافه ثم سئلت : ما رأيك لو جعلنا لك زوجك مثلما تريدين .. ولكننا سننقص من أجرك .. وننزلك إلى مرتبة أدنى في الجنة .. لربما قلت : لا ... بل أصبر على زوجي .. فأبقوا على منزلتي هذه في الجنة .
هنا سمعت صوت بكائها بسبب تأثرها مما سمعته من كلام فقلت لها : أيهما تفضلين ؟ أن يصلح الله لك زوجك ولكن منزلتك في الجنة ستكون أدنى .. أم تواصلين صبرك عليه مع علو منزلتك في الجنة ؟
صمتت ولم تجب . مازالت تبكي .
قلت لها : لا شك في أنـ تفضلين أن يكون زوجك كما تريدين وأن تبقى منزلتك في الجنة عالية ؛ أي أن تظفري بالأمرين معاً .
واصلت حديثي : هذا ما تتمناه كل زوجة . نعم . ولكن الله أقسم على أن يـبلونا في هذه الحياة الدنيا ، وفي الوقت نفسه بشرنا برحمته وصلاته علينا إذا صبرنا على هذا البـلاء . قال عز وجل : (( ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابريـن . الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا : إنا لله وإنا إليه راجعون . أولئك عليه صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون )) .
عدت إلى سؤالها من جديد : ماذا اخترت يا أختي ؟
قالت : لقد اخترت مواصلة الصبر . ولكني أرجوك أن ترشدني إلى ما يعينني على ذلك .
قلت لها : بارك الله فيك لاختيارك مواصلة الصبر على زوجك . أما ما يعينك على ذلك فهو التالي : كلما سمعت من زوجك ما يؤلمك ويحزنك ، وكلما وجدت من زوجك إعراضاً وصدوداً ، وكلما ضاقت الدنيا عليك من شدة زوجك وقسوته .. اذهبي إلى حبيبك واشتكي إليه زوجك !
قاطعتني مستنكرة : أنا ما لي حبيب ؟
قلت : أليس الله حبيبك ؟ ألا تحبين الله تعالى ؟
قالت : بلى أحبه .
قلت : إذن . الجأي إليه سبحانه وناجيه جل شأنه بمثل هذه الكلمات : اللهم إني أحبك ، وأحب أن أقوم بكل عمل يرضيك ، وأنا أعلم أن صبري على زوجي يرضيك عني ، اللهم فألهمني مزيداً من الصبر عليه ، وامنحني طاقة أكبر على احتماله ، وأعني على مقابلة إساءته بالإحسان ، أو على الأقل بالصمت والتغاضي . اللهم ولا تحرمني الأجر على هذا الصبر ، وأجزل لي ثوابك عليه ، وابنِ لي عندك بيتاً في الجنة .
قالت : جزاك الله خيراً على إرشادي إلى هذه المناجاة الجميلة لله سبحانه ، وسأحرص على أن أتوجه إلى حبيبي جل شأنه ؛ كلما قسا عليَّ زوجي أو أساء إلي ، لألقي همومي وأحزاني بين يديه تعالى وأنا أشكو بثي وحزني إليه وحده عز وجل .
قلت : وكوني واثقة أن الله سيشرح لك صدرك ، وينزل سكينته عليك ، وسيفرج عنك همك ، وسيزيد لك في ثوابك وأجرك .
قالت : وهل يمكن لزوجي أن يتغير ؟
قلت : نعم ، أنا متفائل بأن زوجك سيدرك يوماً أن عنده زوجة عظيمة رائعة لم يقدرها ؛ وعندها سيأتيك معتذراً مستسمحاً .