الحكيم الخبير
ورد اسم الله (الحكيم) في القرآن الكريم حدى وتسعين مرة، واقترن بـ(الخبير) أربع مرات، وورد اسم الله (الخبير) في القرآن الكريم خمسا وأربعين مرة.. و(الخبير) يكون دائما الاسم الثاني عندما يقترن بالأسماء الحسنى، فهو -سبحانه- (العليم الخبير) و(اللطيف الخبير) و(خبير بصير») و(الحكيم الخبير) كما في موضعنا اليوم.
كنا في مجلس صغير في المسجد بين العشائين، طلب إليَّ بعض الإخوة أن نتحدث عن إحصاء أسماء الله الحسنى التي اقترنت في كتاب الله -عزوجل-، فدار حديثنا عن (الحكيم الخبير).
- والآيات التي اقترن فيها الاسمان هي:
{وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ ۚ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ} (الأنعام:18).
{وَهُوَ الَّذِيْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ وَيَوْمَ يَقُوْلُ كُنْ فَيَكُوْنُ قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّوْرِ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ وَهُوَ الْحَكِيْمُ الْخَبِيْرُ} (الأنعام:73).
{الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ} (سبأ:1).
- لنتحدث عن كل آية، ثم نجمعها إن أمكن.
كان المستفسر (أبو فيصل)، أكبرنا سنا، وأكثرنا حكمة.
- ليكن ذاك فقد سبق أن جمعت ما ورد في تفسير هذه الآيات، ولكن دعني أبين المعنى اللغوي أولا.
(الخبير): المطلع على السرائر والضمائر وخفايا الأمور.
(الحكيم): من (الحكمة) أو (الحكم)، وإذا اقترن بـ(الخبير) فهو من الحكمة؛ (فالحكيم) على وزن فعيل (والحكمة) هي معرفة أفضل الأشياء بأفضل العلوم ووضع الأمور في أفضل مواضعها، والآن إلى التفسير:
اعلم أن هذه السورة الكريمة (الأنعام) قد اشتملت على تقرير التوحيد، بكل دليل عقلي ونقلي، بل كادت أن تكون كلها في شأن التوحيد ومجادلة المشركين بالله المكذبين لرسوله. {وهو القاهر فوق عباده}، فلا يتصرف منهم متصرف، ولا يتحرك متحرك، ولا يسكن ساكن، إلا بمشيئته، وليس للملوك وغيره الخروج عن ملكه وسلطانه، بل هم مقهورون، فإذا كان هو القاهر وغيره مقهورا، كان هو المستحق للعبادة.
{وهو الحكيم} فيما أمر به ونهى، وأثاب، وعاقب، وفيما خلق وقدر. {الخبير} المطلع على السرائر والضمائر وخفايا الأمور، وهذا كله من أدلة التوحيد.
{عالم الغيب والشهادة وهو الحكيم الخبير} الذي له الحكمة التامة، والنعمة السابغة، والإحسان العظيم، والعلم المحيط بالسرائر والبواطن والخفايا، لا إله إلا هو، ولا رب سواه. هذا {كتاب} عظيم، {أحكمت آياته} أي: أتقنت وأحسنت، صادقة أخبارها، عادلة أوامرها ونواهيها، فصيحة ألفاظه بهية معانيه.
{ثم فصلت} أي: ميزت وبينت بيانا في أعلى أنواع البيان، {من لدن حكيم} يضع الأشياء مواضعها، وينزلها منازلها، لا يأمر ولا ينهى إلا بما تقتضيه حكمته، {خبير} مطلع على الظواهر والبواطن. فإذا كان إحكامه وتفصيله من عند الله الحكيم الخبير، فلا تسل عن عظمته وجلاله واشتماله على كمال الحكمة، وسعة الرحمة . وإنما أنزل الله كتابه لـ {أن لا تعبدوا إلا الله} أي: لأجل إخلاص الدين كله لله، وأن لا يشرك به أحد من خلقه.
{من لدن حكيم خبير}، ولذلك كان محكما مفصلا بالغا في ذلك الغاية؛ لأن الحكيم الخبير لا يخفى عليه ما يخل بنظم الكلام.
ثم قال: {من لدن حكيم} أي: بالإحكام للأحكام، {خبير} بالتفصيل للحلال والحرام. {ألا تعبدوا إلا الله}، هذا هو التوحيد الذي أحكمه.
كأنه يقول تعالى: أحكمت آياته من لدن حكيم، وفصلت من لدن خبير عالم بكيفيات الأمور، فبين آياته أكمل تبيين، وأتقنها أي إتقان، وفصلها بتبين الحق من الباطل والرشد من الضلال، تفصيلا كاشفا للبس، لكونه صادرا من حكيم خبير، فلا يخبر إلا بالصدق والحق واليقين، ولا يأمر إلا بالعدل والإحسان والبر، ولا ينهى إلا عن المضار الدينية والدنيوية.
{كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير} فهو مشتمل على غاية الإتقان والإحكام والعدل والإحسان. {وهو الحكيم} فيما أمر به ونهى، وأثاب، وعاقب، وفيما خلق وقدر .
وهو الحكيم، يقول والله الحكيم في علّوه على عباده، وقهره إياهم بقدرته، وفي سائر تدبيره (الخبير) بمصالح الأشياء ومضارّها، الذي لا يخفى عليه عواقب الأمور وبواديها، ولا يقع في تدبير خلل، ولا يدخل حكمه دخل (الفساد والعيب).
- إن اقتران {الحكيم الخبير} يزيد يقين المؤمن بكل ما شرع الله، وبكل ما يأتي من عند الله، سواء في القرآن أم السنة الصحيحة، فالذي حلل وحرم، وأباح وحظر، وأمر ونهى، {الحكيم الخبير}، شرع وفق حكمته وعلمه بخبايا الأمور، فلا أكمل ولا أحكم ولا أعدل من هذه الشريعة.
اعداد: د. أمير الحداد
