وَالْكَلامُ عَنْ هَذَا الْمَحْظورِ في وُجوهٍ:
الْوَجْهُ الْأَوَّلُ: حُكْمُ عَقْدِ النِّكاحِ لِلْمُحْرِمِ، وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَماءُ في هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى قَوْلَيْنِ:
الْقَوْلُ الْأَوَّلُ: أَنَّهُ يَحْرُمُ عَقْدُ النِّكاحِ لِلْمُحْرِمِ، وَهَذَا هُوَ قَوْلُ الْجُمْهورِ[40]؛ وَاسْتَدَلُّوا بِمَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ عُثْمانَ -رضي الله عنه- مَرْفوعًا: «لَا يَنْكِحُ الْمُحْرِمُ، وَلَا يُنْكِحُ، وَلَا يَخْطُبُ»[41]، وَلَهُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْأَصَمِّ: حَدَّثَتْنِي مَيْمُونَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَزَوَّجَهَا وَهُوَ حَلَالٌ. قَالَ: وَكَانَتْ خَالَتِي وَخَالَةَ ابْنِ عَبَّاسٍ»[42]. وَبِمَا رَواهُ أَحْمَدُ بِإِسْنادٍ صَحيحٍ عَنْ أَبِي رَافِعٍ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَزَوَّجَ مَيْمُونَةَ حَلَالًا وَبَنَى بِهَا حَلَالًا وَكُنْتُ الرَّسُولَ بَيْنَهُمَا»[43].
قالَ شَيْخُ الْإِسْلامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ -رحمه الله-: "الْمَشْهُورُ عِنْدَ أَكْثَرِ النَّاسِ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا حَلَالًا"[44].
الْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ عَقْدُ النِّكاحِ عَلَى الْمُحْرِمِ، وَلَكِنْ لَا يَطَأُ، وَهَذَا هُوَ مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ[45]، وَاحْتَجُّوا بِمَا أَخْرَجَهُ الشَّيْخانِ، وَأَصْحابُ السُّنَنِ، وَأَحْمَدُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما-: «أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَزَوَّجَ مَيْمُونَةَ وَهُوَ مُحْرِمٌ»[46]، وَلِلْبُخارِيِّ : «تَزَوَّجَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَيْمُونَةَ وَهُوَ مُحْرِمٌ، وَبَنَى بِهَا وَهُوَ حَلاَلٌ، وَمَاتَتْ بِسَرِفَ»[47].
وَلَعَلَّ الْأَقْرَبَ -وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللهِ سبحانه وتعالى-: ما ذَهَبَ إِلَيْهِ جُمْهورُ الْعُلَماءِ.
وَأَمَّا الْجَوابُ عَنْ حَديثِ ابْنِ عَبَّاسٍ فَمِنْ وُجوهٍ:
أَحَدُهَا: الْقاعِدَةُ: (أَنَّهُ إِذَا تَعارَضَتْ رِوايَةُ أَكابِرِ الصَّحابَةِ بِرِوايَةِ أَصاغِرِهِمْ: قُدِّمَتْ رِوايَةُ الْأَكابِرِ)[48]؛ وَالسَّبَبُ في هَذَا واضِحٌ، وَهُوَ: أَنَّ أَصاغِرَ الصَّحابَةِ فِي الْغالِبِ يَرْوُونَ بِواسِطَةٍ، وَأَكابِرُ الصَّحابَةِ في الْغالِبِ يَرْوُونَ مُباشَرَةً.
الثَّانِي: أَنَّ حَديثَ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- عارَضَهُ حَديثُ مَيْمونَة، وَمَيْمونَة أَعْلَمُ بِنَفْسِهَا؛ لِأَنَّهَا هِيَ صاحِبَةُ الْقِصِّةِ، وَهِيَ أَعْرَفُ بِحالِ نَفْسِهَا.
الثَّالِثُ: أَنَّهُ مُعارَضٌ أَيْضًا بِحَديثِ رافِعٍ -رضي الله عنه-؛ فَهُوَ مُباشِرٌ لِلْواقِعَةِ، وَكانَ السَّفيرُ بَيْنَهُمَا -رضي الله عن الجميع-.
الرَّابِعُ:أَنَّهُ مُعارَضٌ أَيْضًا بِمَا ذَكَرَهُ يَزيدُ بْنُ الْأَصَمِّ -رضي الله عنه-، وَهُوَ أَنَّهُ شَهِدَ «أَنَّ رسولَ الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تزوَّجَهَا حَلَالاً، قال: وَكَانَتْ خَالَتِي وَخَالَةَ ابْنِ عَبَّاْسٍ»[49]؛ وَلِهَذَا قالَ الْإِمامُ أَحْمَدُ -رحمه الله-: إِنَّ حَديثَ ابْنِ عَبَّاسٍ خَطَأٌ.
الْوَجْهُ الثَّانِي: هَلْ يَصِحُّ عَقْدُ الْمُحْرِمِ؟وَه َذَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ: (وَلَا يَصِحُّ)؛ أي: وَلَا يَصِحُّ الْعَقْدُ؛ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام: «لَا يَنْكِحُ الْمُحْرِمُ»[50]، وَهَذَا نَهْيٌ، وَالنَّهْيُ يَقْتَضِي الْفَسادَ، وَهَذَا هُوَ قَوْلُ أَكابِرِ الصَّحابَةِ -رضي الله عنهم-[51].
وَالْمَسْأَلَةُ لَهَا ثَلاثُ صُوَرٍ[52]:
الْأُولَى: عَقْدُ مُحِلٍّ عَلَى مُحْرِمَةٍ.
الثَّانِيَةُ: عَقْدُ مُحْرِمٍ عَلَى مُحِلَّةٍ.
الثَّالِثَةُ: عَقْدُ مُحْرِمٍ لْمُحِلٍّ وَمُحِلَّةٍ.
فَيَحْرُمُ وَلَا يَصِحُّ النِّكاحُ في هَذِهِ الصُّوَرِ الثَّلاثِ.
مَسْأَلَةٌ:
لَوْ عَقَدَ مُحْرِمٌ ثُمَّ تَزَوَّجَ وَرُزِقَ بِأَوْلادٍ: فَهَذَا نِكاحُ شُبْهَةٍ، وَنِكاحُ الشُّبْهَةِ تَجْرِي عَلَيْهِ أَحْكامُ النِّكاحِ الصَّحيحِ، وَلَكِنْ يُفْسَخُ ثُمَّ يُطالَبُ بِتَجْديدِهِ بَعْدَ ذَلِكَ.
الْوَجْهُ الثَّالِثُ: هَلْ تَلْزَمُ مَنْ نَكَحَ وَهُوَ مُحْرِمٌ فِدْيَةٌ؟
وَهَذَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ: (ولا فدية)؛ أي: لَا يَلْزَمُهُ في عَقْدِ النِّكاحِ فِدْيَةٌ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَراءَةُ الذِّمَّةِ.
مَسْأَلَةٌ:
الْجُمْهورُ يُفَرِّقونَ بَيْنَ عَقْدِ النِّكاحِ، وَالْخِطْبَةِ:
- فَعَقْدُ النِّكاحِ مُحَرَّمٌ وَلَا يَصِحُّ.
- وَأَمَّا الْخِطْبَةُ فَتُكْرَهُ، وَحَمَلُوا النَّهْيَ الْوارِدَ في حَديثِ عُثْمانَ عَلَى التَّنْزيهِ.
وَالْحَقيقَةُ: أَنَّ هَذَا التَّفْريقَ: ضعيفٌ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ بِحُرْمَةِ أَحَدِهِمَا دونَ الْآخَرِ يَحْتاجُ إِلَى دَليلٍ، وَلَا دَليلَ فيما أَعْلَمُ؛ وَلِذَا اخْتارَ شَيْخُ الْإِسْلامِ، وَغَيْرُهُ: التَّحْريمَ، والله أَعْلَمُ.
الْوَجْهُ الرَّابِعُ: هَلْ تَصِحُّ الرَّجْعَةُ لِلْمُحْرِمِ؟
وَهَذَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ: (وَتَصِحُّ الرَّجْعَةُ).
الرَّجْعَةُ: إِعادَةُ الْمُطَلَّقَةِ غَيْرِ الْبائِنِ إِلَى الْعِصْمَةِ[53].
وَصورَةُ الْمَسْأَلَةِ: رَجُلٌ قالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ طالِقٌ، ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ، وَكانَتِ الطَّلْقَةَ الْأُولَى أَوْ الثَّانِيَّةَ، وَهِيَ مَدْخولٌ بِهَا؛ فَأَرادَ أَنْ يُرْجِعَهَا إِلَيْهِ؛ فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يَصِحُّ بِلَا كَراهَةٍ.
وَفِي الْمَسْأَلَةِ خِلافٌ بَيْنَ الْعُلَماءِ عَلَى قَوْلَيْنِ:
الْقَوْلُ الْأَوَّلُ: صِحَّةُ الرَّجْعَةِ بِلَا كَراهَةٍ، وَهَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ، وَبِهِ قالَ الْجُمْهورُ[54]؛ لِأَنَّهُ إِمْساكٌ، وَالْإِمْساكُ أَقْوَى مِنَ الِابْتِداءِ؛ فَفَرْقٌ بَيْنَ ابْتِداءِ النِّكاحِ وَبَيْنَ اسْتِدامَةِ النِّكاحِ؛ فَالْحالُ الْأُولَى تُسَمَّى: عَقْدًا، وَالْحالُ الثَّانِيَّةُ لَا تُسَمَّى: عَقْدًا، وَاللهُ أَعْلَمُ.
الْقَوْلُ الثَّانِي: مَنْعُ الرَّجْعَةِ، وَهَذَا مَذْهَبُ بَعْضُ الْحَنابِلَةِ وَقَوْلٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ[55]؛ لِأَنَّهَا وَسيلَةٌ إِلَى الْوَطْءِ، كَالطِّيبِ.
وَالْأَقْرَبُ -وَاللهُ تعالى أَعْلَمُ-: قَوْلُ الْجُمْهورِ؛ لِعَدَمِ الدَّليلِ الصَّريحِ عَلَى الْمَنْعِ.
الْمَحْظورُ الثَّامِنُ: الْوَطْءُ.
وَهَذَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ: (وَإِنْ جامَعَ الْمُحْرِمُ قَبْلَ التَّحَلُّلِ الْأَوَّلِ: فَسُدَ نُسُكُهُمَا، وَيَمْضِيانِ فيهِ، وَيَقْضِيانِهِ ثانِيَ عامٍ).
هَذَا هُوَ الْمَحْظورُ الثَّامِنُ، وَهُوَ: الْوَطْءُ، وَهُوَ أَعْظَمُ الْمَحْظوراتِ، وَالْجِماعُ مُحَرَّمٌ بِنَصِّ الْقُرْآنِ، وَإِجْماعِ الْعُلَماءِ، أَمَّا الْقُرْآنُ فَقالَ تعالى:﴿ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ ﴾[البقرة: 197]،قالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هُوَ الْجِماعُ[56].
وَأَمَّا الْإِجْماعُ فَقَدْ نَقَلَهُ جَمْعٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ[57].
وَالْجِماعُ لَهُ ثَلاثُ حَالاتٍ:
الْحالُ الْأولَى: أَنْ يُجامِعَ الْمُحْرِمُ امْرَأَتَهُ قَبْلَ الْوُقوفِ بِعَرَفَةَ؛ فَيَفْسُدُ حَجُّهُ بِالْإِجْماعِ[58]، وَيَلْزَمُهُ أُمورٌ:
1) وُجوبُ الْمُضِيِّ فيهِ.
2) وَعَلَيْهِ الْقَضاءُ، وَاخْتَلَفَ الْعُلَماءُ في هَذَا الْقَضاءِ هَلْ هُوَ عَلَى الْفَوْرِ أَوْ التَّراخِي عَلَى قَوْلَيْنِ:
الْقَوْلُ الْأَوَّلُ: أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْفَوْرِ فِي الْعامِ الْقابِلِ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْحَنابِلَةِ والْمالِكِيَّةِ ، وَهَذَا هُوَ الصَّحيحُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّ ةِ[59]، وَرَجَّحَهُ الشَّنْقيطِيُّ[60].
الْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى التَّراخِي، وَهَذَا رِوايَةٌ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَقَوْلٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ[61].
3) عَلَيْهِ الْهَدْيُ، وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَماءُ في صِفَةِ الْهَدْيِ عَلَى قَوْلَيْنِ:
الْقَوْلُ الْأَوَّلُ: أَنَّهُ عَلَيْهِ بَدَنَةٌ، وَهَذَا قَوْلُ الْجُمْهورِ[62].
الْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ عَلَيْهِ شاةً، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنيفَةَ[63].
4) وَعَلَيْهِ التَّوْبَةُ، وَالْإِكْثارُ مِنَ الِاسْتِغْفارِ؛ لِوُقوعِهِ في الْإِثْمِ.
الْحالُ الثَّانِيَّةُ: أَنْ يُجامِعَ بَعْدَ الْوُقوفِ وَقَبْلَ رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ.
وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَماءُ في هَذِهِ الْحالِ عَلَى قَوْلَيْنِ:
الْقَوْلُ الْأَوَّلُ: أَنَّ حَجَّهُ فاسِدٌ، وَيَلْزَمُهُ مَا يَلْزَمُ مَنْ جامَعَ قَبْلَ الْوُقوفِ، وَهَذَا مَذْهَبُ الْجُمْهورِ[64].
الْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ حَجَّهُ صَحيحٌ، وَعَلَيْهِ أَنْ يُهْدِيَ بَدَنَةً، وَهَذَا مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ، وَقَوْلٌ لِلْمالِكِيَّةِ[65]، وَتَمَسَّكُوا بِظاهِرِ حَديثِ: «الْحَجُّ عَرَفَةُ؛ فَمَنْ أَدْرَكَ لَيْلَةَ عَرَفَةَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ لَيْلَةِ جَمْعٍ، فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ»[66]. وَهُوَ قَوْلٌ قَوِيٌّ في الْمَسْأَلَةِ، وَيَعْضُدُ هَذَا الْقَوْلَ: حَدِيثُ عُرْوَةَ بْنِ الْمُضَرِّسِ -وفيه-: «مَنْ شَهِدَ صَلَاتَنَا هَذِهِ -أي: صلاة الصبح-، وَوَقَفَ مَعَنَا حَتَّى نَدْفَعَ وَقَدْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ قَبْلَ ذَلِكَ لَيْلًا، أَوْ نَهَارًا، فَقَدْ أَتَمَّ حَجَّهُ، وَقَضَى تَفَثَهُ»[67].
لَكِنْ قَدْ يُقالُ: إِنَّ هَذَا الْحَديثَ لَيْسَ عَلَى إِطْلاقِهِ؛ فَطَوافُ الْإِفاضَةِ رُكْنٌ بِالْإِجْماعِ، وَلَا يَصِحُّ الْحَجُّ بِدونِهِ[68]، وَالْمَسْأَلَةُ تَحْتَاجُ إِلَى تَأَمُّلٍ، وَاللهُ أَعْلَمُ.
الْحالُ الثَّالِثَةُ: أَنْ يُجامِعَ بَعْدَ التَّحَلُّلِ الْأَوَّلِ، وَهَذَا حَجُّهُ صَحيحٌ عِنْدَ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ[69]، وَقَدْ نُقِلَ الْإِجْماعُ عَلَى هَذَا[70]؛ وَلَكِنْ يَلْزَمُهُ هَدْيٌ، وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَماءُ فِي نَوْعِ الْهَدْيِ:
الْقَوْلُ الْأَوَّلُ: أَنَّهُ عَلَيْهِ شاةٌ، وَهَذَا مَذْهَبُ الْحَنابِلَةِ، وَقَوْلٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ[71].
الْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ عَلَيْهِ بَدَنَةٌ، وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ ، وَرِوايَةٌ عِنْدَ الْحَنابِلَةِ[72].
الْمَحْظورُ التَّاسِعُ: الْمُباشَرَةُ فيما دونَ الْفَرْجِ.
وَهَذَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ: (وَتَحْرُمُ الْمُباشَرَةُ؛ فَإِنْ فَعَلَ فَأَنْزَلَ: لَمْ يَفْسُدْ حَجُّهُ، وَعَلَيْهِ بَدَنَةٌ؛ لَكِنْ يُحْرِمُ مِنَ الْحِلِّ لِطَوافِ الْفَرْضِ).
هَذَا هُوَ الْمَحْظورُ التَّاسِعُ، وَهُوَ: الْمُباشَرَةُ دونَ الْفَرْجِ؛ لِقَوْلِهِ تعالى:﴿ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ ﴾ [البقرة: 197]، قالَ الْعَلَّامَةُ الشَّنْقِيطِيُّ -رحمه الله- مَا نَصُّهُ: "وَالْأَظْهَر في مَعْنَى الرَّفَثِ في الْآيَةِ أَنَّهُ شامِلٌ لِأَمْرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: مُباشَرَةُ النِّساءِ بِالْجِماعِ وَمُقَدِّماتِهِ .
وَالثَّانِي: الْكَلامُ بِذَلِكَ، كَأَنْ يَقولَ الْمُحْرِمُ لِامْرَأَتِهِ: إِنْ أَحْلَلْنَا مِنْ إِحْرامِنَا فَعَلْنَا كَذَا وَكَذَا"[73].
الْحاصِلُ: أَنَّ الرَّفَثَ يَشْمَلُ الْجِماعَ وَمُقَدِّماتِهِ ، وَاخْتارَ هَذَا الْقَوْلَ ابْنُ جَريرٍ الطَّبَرِيُّ؛ وَلِأَنَّهُ إِذَا نُهِيَ عَنِ النِّكاحِ وَعَنِ الْخِطْبَةِ؛ فَالْمُباشَرَةُ مِنْ بابٍ أَوْلَى.
وَقالَ الشَّنْقيطِيُّ-رحمه الله-: "اعْلَمْ أَنَّ الْعُلَماءَ مُتَّفِقونَ عَلَى أَنَّ مُقَدِّماتِ الْجِماعِ كَالْقُبْلَةِ وَالْمُفاخَذَةِ وَاللَّمْسِ بِقَصْدِ اللَّذَّةِ: حَرامٌ عَلَى الْمُحْرِمِ، وَلَكِنَّهُمْ اخْتَلَفُوا فيمَا يَلْزَمُهُ لَوْ فَعَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ"[74].
يتبع