حكم قراءة الفاتحة للمأموم
حكم قراءة الفاتحة للمأموم
مختصر كلام ابن تيمية في حكم القراءة خلف الإمام
إسلام منصور عبد الحميد
هل يقراء المأموم الفاتحة[1]
كلمة مهمة قبل عرض المسألة
لَا سَبِيلَ إلَى الِاحْتِيَاطِ فِي الْخُرُوجِ مِنْ الْخِلَافِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ كَمَا لَا سَبِيلَ إلَى الْخُرُوجِ مِنْ الْخِلَافِ فِي وَقْتِ الْعَصْرِ وَفِي فَسْخِ الْحَجِّ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ الْمَسَائِلِ ، يَتَعَيَّنُ فِي مِثْلِ ذَلِكَ النَّظَرُ فِيمَا يُوجِبُهُ الدَّلِيلُ الشَّرْعِيُّ .
وَالْمَقْصُودُ هُنَا أَنَّ مِنْ الْمَسَائِلِ مَسَائِلَ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُعْمَلَ فِيهَا بِقَوْلِ يُجْمَعُ عَلَيْهِ لَكِنْ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ الْقَوْلُ الصَّحِيحُ عَلَيْهِ دَلَائِلُ شَرْعِيَّةٌ تُبَيِّنُ الْحَقَّ .
اختلف العلماء في هذه المسألة على ثلاثة أقول[2]
القَولُ الأول ومن قال به : إذَا سَمِعَ قِرَاءَةَ الْإِمَامِ أَنْصَتَ وَلَمْ يَقْرَأْ فَإِنَّ اسْتِمَاعَهُ لِقِرَاءَةِ الْإِمَامِ خَيْرٌ مِنْ قِرَاءَتِهِ وَإِذَا لَمْ يَسْمَعْ قِرَاءَتَهُ قَرَأَ لِنَفْسِهِ فَإِنَّ قِرَاءَتَهُ خَيْرٌ مِنْ سُكُوتِهِ فَالِاسْتِمَاعُ لِقِرَاءَةِ الْإِمَامِ أَفْضَلُ مِنْ الْقِرَاءَةِ وَالْقِرَاءَةُ أَفْضَلُ مِنْ السُّكُوتِ .
وهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ السَّلَفِ ، وهو قَوْلُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ كَمَالِكِ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَجُمْهُورِ أَصْحَابِهِمَا وَطَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ الْقَوْلُ الْقَدِيمُ لِلشَّافِعِيِّ وَقَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ .
إذَا جَهَرَ الْإِمَامُ اسْتَمَعَ لِقِرَاءَتِهِ فَإِنْ كَانَ لَا يَسْمَعُ لِبُعْدِهِ فَإِنَّهُ يَقْرَأُ فِي أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ وَإِنْ كَانَ لَا يَسْمَعُ لِصَمَمِهِ أَوْ كَانَ يَسْمَعُ هَمْهَمَةَ الْإِمَامِ وَلَا يَفْقَهُ مَا يَقُولُ : فَفِيهِ قَوْلَانِ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ . وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ يَقْرَأُ ; لِأَنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ يَكُونَ إمَّا مُسْتَمِعًا وَإِمَّا قَارِئًا وَهَذَا لَيْسَ بِمُسْتَمِعِ وَلَا يَحْصُلُ لَهُ مَقْصُودُ السَّمَاعِ فَقِرَاءَتُهُ أَفْضَلُ مِنْ سُكُوتِهِ فَنَذْكُرُ الدَّلِيلَ عَلَى الْفَصْلَيْنِ ، وهما : أَنَّهُ فِي حَالِ الْجَهْرِ يَسْتَمِعُ ، وَأَنَّهُ فِي حَالِ الْمُخَافَتَةِ يَقْرَأُ ، وهو الراجح يدل على ذلك الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالِاعْتِبَارُ .
أولاً : الأدلة على أنه إذا سَمِعَ قِرَاءَةَ الْإِمَامِ أَنْصَتَ وَلَمْ يَقْرَأْ وأنَّ اسْتِمَاعَهُ لِقِرَاءَةِ الْإِمَامِ خَيْرٌ مِنْ قِرَاءَتِهِ .
الدليل من القرآن
فَإِنَّهُ تَعَالَى قَالَ : { وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } .
· الشاهد
1- قَدْ اسْتَفَاضَ عَنْ السَّلَفِ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي الْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ فِي الْخُطْبَةِ. قال الإمام أحمد : قوله تعالى : { وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } لَفْظٌ عَامٌّ فَإِمَّا أَنْ يَخْتَصَّ الْقِرَاءَةَ فِي الصَّلَاةِ أَوْ فِي الْقِرَاءَةِ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ أَوْ يَعُمُّهُمَا . وَالثَّانِي بَاطِلٌ قَطْعًا ; لِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَنَّهُ يَجِبُ الِاسْتِمَاعُ خَارِجَ الصَّلَاةِ وَلَا يَجِبُ فِي الصَّلَاةِ وَلِأَنَّ اسْتِمَاعَ الْمُسْتَمِعِ إلَى قِرَاءَةِ الْإِمَامِ الَّذِي يَأْتَمُّ بِهِ وَيَجِبُ عَلَيْهِ مُتَابَعَتُهُ أَوْلَى مِنْ اسْتِمَاعِهِ إلَى قِرَاءَةِ مَنْ يَقْرَأُ خَارِجَ الصَّلَاةِ دَاخِلَةٌ فِي الْآيَةِ إمَّا عَلَى سَبِيلِ الْخُصُوصِ وَإِمَّا عَلَى سَبِيلِ الْعُمُومِ وَعَلَى التَّقْدِيرَيْن ِ فَالْآيَةُ دَالَّةٌ عَلَى أَمْرِ الْمَأْمُومِ بِالْإِنْصَاتِ لِقِرَاءَةِ الْإِمَامِ وَسَوَاءٌ كَانَ أَمْرَ إيجَابٍ أَوْ اسْتِحْبَابٍ . فَالْمَقْصُودُ حَاصِلٌ ، فَإِنَّ الْمُرَادَ أَنَّ الِاسْتِمَاعَ أَوْلَى مِنْ الْقِرَاءَةِ وَهَذَا صَرِيحٌ فِي دَلَالَةِ الْآيَةِ عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ .
2- وَالْمُنَازِعُ يُسَلِّمُ أَنَّ الِاسْتِمَاعَ مَأْمُورٌ بِهِ دُونَ الْقِرَاءَةِ فِيمَا زَادَ عَلَى الْفَاتِحَةِ . وَالْآيَةُ أَمَرَتْ بِالْإِنْصَاتِ إذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ . وَالْفَاتِحَةُ أُمُّ الْقُرْآنِ وَهِيَ الَّتِي لَا بُدَّ مِنْ قِرَاءَتِهَا فِي كُلِّ صَلَاةٍ وَالْفَاتِحَةُ أَفْضَلُ سُوَرِ الْقُرْآنِ . وَهِيَ الَّتِي لَمْ يَنْزِلْ فِي التَّوْرَاةِ وَلَا فِي الْإِنْجِيلِ وَلَا فِي الزَّبُورِ وَلَا فِي الْقُرْآنِ مِثْلُهَا فَيَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْآيَةِ الِاسْتِمَاعَ إلَى غَيْرِهَا دُونَهَا مَعَ إطْلَاقِ لَفْظِ الْآيَةِ وَعُمُومِهَا مَعَ أَنَّ قِرَاءَتَهَا أَكْثَرُ وَأَشْهَرُ وَهِيَ أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِهَا . فَإِنَّ قَوْلَهُ : { وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ } يَتَنَاوَلُهَا كَمَا يَتَنَاوَلُ غَيْرَهَا وَشُمُولُهُ لَهَا أَظْهَرُ لَفْظًا وَمَعْنًى .
3- الْعَادِلُ عَنْ اسْتِمَاعِهَا إلَى قِرَاءَتِهَا إنَّمَا يَعْدِلُ لِأَنَّ قِرَاءَتَهَا عِنْدَهُ أَفْضَلُ مِنْ الِاسْتِمَاعِ وَهَذَا غَلَطٌ يُخَالِفُ النَّصَّ وَالْإِجْمَاعَ فَإِنَّ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ أَمَرَتْ الْمُؤْتَمَّ بِالِاسْتِمَاعِ دُونَ الْقِرَاءَةِ وَالْأُمَّةُ مُتَّفِقَةٌ عَلَى أَنَّ اسْتِمَاعَهُ لِمَا زَادَ عَلَى الْفَاتِحَةِ أَفْضَلُ مِنْ قِرَاءَتِهِ لِمَا زَادَ عَلَيْهَا . فَلَوْ كَانَتْ الْقِرَاءَةُ لِمَا يَقْرَأْهُ الْإِمَامُ أَفْضَلَ مِنْ الِاسْتِمَاعِ لِقِرَاءَتِهِ لَكَانَ قِرَاءَةُ الْمَأْمُومِ أَفْضَلَ مِنْ قِرَاءَتِهِ لِمَا زَادَ عَلَى الْفَاتِحَةِ وَهَذَا لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ .
4- إِنَّمَا نَازَعَ مَنْ نَازَعَ فِي الْفَاتِحَةِ لِظَنِّهِ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ عَلَى الْمَأْمُومِ مَعَ الْجَهْرِ أَوْ مُسْتَحَبَّةٌ لَهُ حِينَئِذٍ . وَجَوَابُهُ أَنَّ الْمَصْلَحَةَ الْحَاصِلَةَ لَهُ بِالْقِرَاءَةِ يَحْصُلُ بِالِاسْتِمَاعِ مَا هُوَ أَفْضَلُ مِنْهَا بِدَلِيلِ اسْتِمَاعِهِ لِمَا زَادَ عَلَى الْفَاتِحَةِ فَلَوْلَا أَنَّهُ يَحْصُلُ لَهُ بِالِاسْتِمَاعِ مَا هُوَ أَفْضَلُ مِنْ الْقِرَاءَةِ لَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَفْعَلَ أَفْضَلَ الْأَمْرَيْنِ وَهُوَ الْقِرَاءَةُ فَلَمَّا دَلَّ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّ الِاسْتِمَاعَ أَفْضَلُ لَهُ مِنْ الْقِرَاءَةِ عُلِمَ أَنَّ الْمُسْتَمِعَ يَحْصُلُ لَهُ أَفْضَلُ مِمَّا يَحْصُلُ لِلْقَارِئِ وَهَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ فِي الْفَاتِحَةِ وَغَيْرِهَا فَالْمُسْتَمِعُ لِقِرَاءَةِ الْإِمَامِ يَحْصُلُ لَهُ أَفْضَلُ مِمَّا يَحْصُلُ بِالْقِرَاءَةِ وَحِينَئِذٍ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُؤْمَرَ بِالْأَدْنَى وَيُنْهَى عَنْ الْأَعْلَى . وَثَبَتَ أَنَّهُ فِي هَذِهِ الْحَالِ قِرَاءَةُ الْإِمَامِ لَهُ قِرَاءَةٌ كَمَا قَالَ ذَلِكَ جَمَاهِيرُ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانِ . وَفِي ذَلِكَ الْحَدِيثِ الْمَعْرُوفِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ : { مَنْ كَانَ لَهُ إمَامٌ فَقِرَاءَةُ الْإِمَامِ لَهُ قِرَاءَةٌ }[3] . فَتَبَيَّنَ أَنَّ الِاسْتِمَاعَ إلَى قِرَاءَةِ الْإِمَامِ أَمْرٌ دَلَّ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ دَلَالَةً قَاطِعَةً ; لِأَنَّ هَذَا مِنْ الْأُمُورِ الظَّاهِرَةِ الَّتِي يَحْتَاجُ إلَيْهَا جَمِيعُ الْأُمَّةِ فَكَانَ بَيَانُهَا فِي الْقُرْآنِ مِمَّا يَحْصُلُ بِهِ مَقْصُودُ الْبَيَانِ وَجَاءَتْ السُّنَّةُ مُوَافِقَةً لِلْقُرْآنِ .
الدليل من السنة
1- فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ قَالَ : { إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَطَبَنَا فَبَيَّنَ لَنَا سُنَّتَنَا وَعَلَّمَنَا صَلَاتَنَا فَقَالَ : أَقِيمُوا صُفُوفَكُمْ ثُمَّ لِيَؤُمّكُمْ أَحَدُكُمْ فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا وَإِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا }[4] .
· الشاهد
فَإِنَّ الْإِنْصَاتَ إلَى قِرَاءَةِ الْقَارِئِ مِنْ تَمَامِ الِائْتِمَامِ بِهِ فَإِنَّ مَنْ قَرَأَ عَلَى قَوْمٍ لَا يَسْتَمِعُونَ لِقِرَاءَتِهِ لَمْ يَكُونُوا مُؤْتَمِّينَ بِهِ وَهَذَا مِمَّا يُبَيِّنُ حِكْمَةَ سُقُوطِ الْقِرَاءَةِ عَلَى الْمَأْمُومِ فَإِنَّ مُتَابَعَتَهُ لِإِمَامِهِ مُقَدَّمَةٌ عَلَى غَيْرِهَا حَتَّى فِي الْأَفْعَالِ فَإِذَا أَدْرَكَهُ سَاجِدًا سَجَدَ مَعَهُ وَإِذَا أَدْرَكَهُ فِي وِتْرٍ مِنْ صَلَاتِهِ تَشَهَّدَ عَقِبَ الْوِتْرِ وَهَذَا لَوْ فَعَلَهُ مُنْفَرِدًا لَمْ يَجُزْ وَإِنَّمَا فَعَلَهُ لِأَجْلِ الِائْتِمَامِ فَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ الِائْتِمَامَ يَجِبُ بِهِ مَا لَا يَجِبُ عَلَى الْمُنْفَرِدِ وَيَسْقُطُ بِهِ مَا يَجِبُ عَلَى الْمُنْفَرِدِ .
2- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : { إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا وَإِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا }[5] .
3- رَوَى الزُّهْرِيُّ عَنْ ابْنِ أكيمة الليثي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ . { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم انْصَرَفَ مِنْ صَلَاةٍ جَهَرَ فِيهَا فَقَالَ : هَلْ قَرَأَ مَعِي أَحَدٌ مِنْكُمْ آنِفًا ؟ فَقَالَ رَجُلٌ : نَعَمْ . يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ : إنِّي أَقُولُ مَا لِي أُنَازَعُ الْقُرْآنَ } . قَالَ الزهري : فَانْتَهَى النَّاسُ عَنْ الْقِرَاءَةِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِيمَا جَهَرَ فِيهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِالْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَوَاتِ حِينَ سَمِعُوا ذَلِكَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم .[6]
· الشاهد
1- وَهَذَا إذَا كَانَ مِنْ كَلَامِ الزُّهْرِيِّ فَهُوَ مِنْ أَدَلِّ الدَّلَائِلِ عَلَى أَنَّ الصَّحَابَةَ لَمْ يَكُونُوا يَقْرَءُونَ فِي الْجَهْرِ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَإِنَّ الزُّهْرِيَّ مِنْ أَعْلَمِ أَهْلِ زَمَانِهِ أَوْ أَعْلَمُ أَهْلِ زَمَانِهِ بِالسُّنَّةِ .
2- قِرَاءَةُ الصَّحَابَةِ خَلْفَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إذَا كَانَتْ مَشْرُوعَةً وَاجِبَةً أَوْ مُسْتَحَبَّةً تَكُونُ مِنْ الْأَحْكَامِ الْعَامَّةِ الَّتِي يَعْرِفُهَا عَامَّةُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانِ فَيَكُونُ الزُّهْرِيُّ مِنْ أَعْلَمِ النَّاسِ بِهَا فَلَوْ لَمْ يُبَيِّنْهَا لَاسْتَدَلَّ بِذَلِكَ عَلَى انْتِفَائِهَا فَكَيْفَ إذَا قَطَعَ الزُّهْرِيُّ بِأَنَّ الصَّحَابَةَ لَمْ يَكُونُوا يَقْرَءُونَ خَلْفَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الْجَهْرِ .
الدليل من أقول الصحابة وأفعالهم
1- رَوَى مَالِكٌ فِي مُوَطَّئِهِ عَنْ وَهْبِ بْنِ كيسان أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ : " مَنْ صَلَّى رَكْعَةً لَمْ يَقْرَأْ فِيهَا لَمْ يُصَلِّ إلَّا وَرَاءَ الْإِمَامِ " .
2- وَرَوَى أَيْضًا عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ إذَا سُئِلَ : هَلْ يُقْرَأُ خَلْفَ الْإِمَامِ ؟ يَقُولُ : إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ خَلْفَ الْإِمَامِ تُجْزِئُهُ قِرَاءَةُ الْإِمَامِ وَإِذَا صَلَّى وَحْدَهُ فَلْيَقْرَأْ . قَالَ : وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ لَا يَقْرَأُ خَلْفَ الْإِمَامِ.
3- وَرَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّهُ سَأَلَ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ عَنْ الْقِرَاءَةِ مَعَ الْإِمَامِ فَقَالَ : لَا قِرَاءَةَ مَعَ الْإِمَامِ فِي شَيْءٍ .
4- وَرَوَى البيهقي عَنْ أَبِي وَائِلٍ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ ابْنَ مَسْعُودٍ عَنْ الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ فَقَالَ : أَنْصِتْ لِلْقُرْآنِ فَإِنَّ فِي الصَّلَاةِ شُغْلًا وَسَيَكْفِيك ذَلِكَ الْإِمَامُ
وَابْنُ مَسْعُودٍ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ هُمَا فَقِيهَا أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَأَهْلِ الْكُوفَةِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَفِي كَلَامِهِمَا تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ الْمَانِعَ إنْصَاتُهُ لِقِرَاءَةِ الْإِمَامِ .
5- وَكَذَلِكَ الْبُخَارِيُّ فِي " كِتَابِ الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ " عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ: إذَا لَمْ يَجْهَرْ الْإِمَامُ فِي الصَّلَوَاتِ فَاقْرَأْ بِأُمِّ الْكِتَابِ وَسُورَةٍ أُخْرَى فِي الْأُولَيَيْنِ مِنْ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَفَاتِحَةِ الْكِتَابِ فِي الْأُخْرَيَيْنِ مِنْ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَفِي الْآخِرَةِ مِنْ الْمَغْرِبِ وَفِي الْأُخْرَيَيْنِ مِنْ الْعِشَاءِ .
الدليل من الاعتبار
1- فَفِي إجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَنَّهُ فِيمَا زَادَ عَلَى الْفَاتِحَةِ يُؤْمَرُ بِالِاسْتِمَاعِ دُونَ الْقِرَاءَةِ : دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ اسْتِمَاعَهُ لِقِرَاءَةِ الْإِمَامِ خَيْرٌ لَهُ مِنْ قِرَاءَتِهِ مَعَهُ بَلْ عَلَى أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالِاسْتِمَاعِ دُونَ الْقِرَاءَةِ مَعَ الْإِمَامِ .
2- وَأَيْضًا : فَلَوْ كَانَتْ الْقِرَاءَةُ فِي الْجَهْرِ وَاجِبَةً عَلَى الْمَأْمُومِ لَلَزِمَ أَحَدُ أَمْرَيْنِ ، إمَّا أَنْ يَقْرَأَ مَعَ الْإِمَامِ وَإِمَّا أَنْ يَجِبَ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَسْكُتَ لَهُ حَتَّى يَقْرَأَ ، وَلَمْ نَعْلَمْ نِزَاعًا بَيْنَ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَسْكُتَ لِقِرَاءَةِ الْمَأْمُومِ بِالْفَاتِحَةِ وَلَا غَيْرِهَا وَقِرَاءَتُهُ مَعَهُ مَنْهِيٌّ عَنْهَا بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ . فَثَبَتَ أَنَّهُ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْقِرَاءَةُ مَعَهُ فِي حَالِ الْجَهْرِ .
3- لَوْ كَانَتْ قِرَاءَةُ الْمَأْمُومِ فِي حَالِ الْجَهْرِ وَالِاسْتِمَاعِ مُسْتَحَبَّةً لَاسْتُحِبَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَسْكُتَ لِقِرَاءَةِ الْمَأْمُومِ وَلَا يُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ السُّكُوتُ لِيَقْرَأَ الْمَأْمُومُ عِنْدَ جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ[7] . وَحُجَّتُهُمْ فِي ذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَكُنْ يَسْكُتُ لِيَقْرَأَ الْمَأْمُومُونَ وَلَا نَقَلَ هَذَا أَحَدٌ عَنْهُ بَلْ ثَبَتَ عَنْهُ فِي الصَّحِيحِ سُكُوتُهُ بَعْدَ التَّكْبِيرِ لِلِاسْتِفْتَاح ِ وَفِي السُّنَنِ { أَنَّهُ كَانَ لَهُ سَكْتَتَانِ : سَكْتَةٌ فِي أَوَّلِ الْقِرَاءَةِ وَسَكْتَةٌ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْقِرَاءَةِ } وَهِيَ سَكْتَةٌ لَطِيفَةٌ لِلْفَصْلِ لَا تَتَّسِعُ لِقِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ .
وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ هَذِهِ السَّكْتَةَ كَانَتْ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ إنَّهُ كَانَ لَهُ ثَلَاثُ سَكَتَاتٍ وَلَا أَرْبَعُ سَكَتَاتٍ فَمَنْ نَقَلَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ثَلَاثَ سَكَتَاتٍ أَوْ أَرْبَعَ فَقَدْ قَالَ قَوْلًا لَمْ يَنْقُلْهُ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَالسَّكْتَةُ الَّتِي عَقِبَ قَوْلِهِ : { وَلَا الضَّالِّينَ } مِنْ جِنْسِ السَّكَتَاتِ الَّتِي عِنْدَ رُءُوسِ الْآيِ . وَمِثْلُ هَذَا لَا يُسَمَّى سُكُوتًا ; وَلِهَذَا لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ إنَّهُ يَقْرَأُ فِي مِثْلِ هَذَا .[8]
وَكَانَ بَعْضُ مَنْ أَدْرَكْنَا مِنْ أَصْحَابِنَا يَقْرَأُ عَقِبَ السُّكُوتِ عِنْدَ رُءُوسِ الْآيِ . فَإِذَا قَالَ الْإِمَامُ : { الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } قَالَ : { الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } وَإِذَا قَالَ : { إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } قَالَ : { إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } وَهَذَا لَمْ يَقُلْهُ أَحَدٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ .
وَمَعْلُومٌ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَوْ كَانَ يَسْكُتُ سَكْتَةً تَتَّسِعُ لِقِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ لَكَانَ هَذَا مِمَّا تَتَوَفَّرُ الْهِمَمُ وَالدَّوَاعِي عَلَى نَقْلِهِ فَلَمَّا لَمْ يَنْقُلْ هَذَا أَحَدٌ عَلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ .
وَالسَّكْتَةُ الثَّانِيَةُ فِي حَدِيثِ سَمُرَةَ قَدْ نَفَاهَا عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ وَذَلِكَ أَنَّهَا سَكْتَةٌ يَسِيرَةٌ قَدْ لَا يَنْضَبِطُ مِثْلُهَا وَقَدْ رُوِيَ أَنَّهَا بَعْدَ الْفَاتِحَةِ .
وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَمْ يَسْكُتْ إلَّا سَكْتَتَيْنِ فَعُلِمَ أَنَّ إحْدَاهُمَا طَوِيلَةٌ وَالْأُخْرَى بِكُلِّ حَالٍ لَمْ تَكُنْ طَوِيلَةً مُتَّسِعَةً لِقِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ .
4- وَأَيْضًا فَلَوْ كَانَ الصَّحَابَةُ كُلُّهُمْ يَقْرَءُونَ الْفَاتِحَةَ خَلْفَهُ إمَّا فِي السَّكْتَةِ الْأُولَى وَإِمَّا فِي الثَّانِيَةِ لَكَانَ هَذَا مِمَّا تَتَوَفَّرُ الْهِمَمُ وَالدَّوَاعِي عَلَى نَقْلِهِ فَكَيْفَ وَلَمْ يَنْقُلْ هَذَا أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ أَنَّهُمْ كَانُوا فِي السَّكْتَةِ الثَّانِيَةِ خَلْفَهُ يَقْرَءُونَ الْفَاتِحَةَ مَعَ أَنَّ ذَلِكَ لَوْ كَانَ مَشْرُوعًا لَكَانَ الصَّحَابَةُ أَحَقَّ النَّاسِ بِعِلْمِهِ وَعَمَلِهِ فَعُلِمَ أَنَّهُ بِدْعَةٌ .
5- وَأَيْضًا فَالْمَقْصُودُ بِالْجَهْرِ اسْتِمَاعُ الْمَأْمُومِينَ وَلِهَذَا يُؤَمِّنُونَ عَلَى قِرَاءَةِ الْإِمَامِ فِي الْجَهْرِ دُونَ السِّرِّ فَإِذَا كَانُوا مَشْغُولِينَ عَنْهُ بِالْقِرَاءَةِ فَقَدْ أَمَرَ أَنْ يَقْرَأَ عَلَى قَوْمٍ لَا يَسْتَمِعُونَ لِقِرَاءَتِهِ وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ أَنْ يُحَدِّثَ مَنْ لَمْ يَسْتَمِعْ لِحَدِيثِهِ وَيَخْطُبَ مَنْ لَمْ يَسْتَمِعْ لِخُطْبَتِهِ وَهَذَا سَفَهٌ تُنَزِّهُ عَنْهُ الشَّرِيعَةُ . وَلِهَذَا رُوِيَ فِي الْحَدِيثِ : { مَثَلُ الَّذِي يَتَكَلَّمُ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا } فَهَكَذَا إذَا كَانَ يَقْرَأُ وَالْإِمَامُ يَقْرَأُ عَلَيْهِ .
ثانيا : الأدلة على أنه إِذَا لَمْ يَسْمَعْ قِرَاءَةَ الإمام قَرَأَ لِنَفْسِهِ ، وأنَّ قِرَاءَتَهُ خَيْرٌ مِنْ سُكُوتِهِ.
1- إِنَّ الْأَمْرَ بِالْقِرَاءَةِ وَالتَّرْغِيبِ فِيهَا يَتَنَاوَلُ الْمُصَلِّيَ أَعْظَمَ مِمَّا يَتَنَاوَلُ غَيْرَهُ فَإِنَّ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ فِي الصَّلَاةِ أَفْضَلُ مِنْهَا خَارِجَ الصَّلَاةِ وَمَا وَرَدَ مِنْ الْفَضْلِ لِقَارِئِ الْقُرْآنِ يَتَنَاوَلُ الْمُصَلِّيَ أَعْظَمَ مِمَّا يَتَنَاوَلُ غَيْرَهُ ; لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم : { مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ فَلَهُ بِكُلِّ حَرْفٍ عَشْرُ حَسَنَاتٍ أَمَا إنِّي لَا أَقُولُ : الم حَرْفٌ وَلَكِنْ أَلِفٌ حَرْفٌ وَلَامٌ حَرْفٌ وَمِيمٌ حَرْفٌ }[9] .
2- وَقَدْ ثَبَتَ فِي خُصُوصِ الصَّلَاةِ قَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ الَّذِي رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : { مَنْ صَلَّى صَلَاةً لَمْ يَقْرَأْ فِيهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ فَهِيَ خِدَاجٌ ثَلَاثًا } أَيْ : غَيْرُ تَمَامٍ فَقِيلَ لِأَبِي هُرَيْرَةَ : إنِّي أَكُونُ وَرَاءَ الْإِمَامِ . فَقَالَ : اقْرَأْ بِهَا فِي نَفْسِك فَإِنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : { قَالَ اللَّهُ : قَسَمْت الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ فَنِصْفُهَا لِي وَنِصْفُهَا لِعَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ . فَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ : { الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } قَالَ اللَّهُ : حَمِدَنِي عَبْدِي فَإِذَا قَالَ : { الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ } قَالَ اللَّهُ : أَثْنَى عَلَيَّ عَبْدِي فَإِذَا قَالَ { مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ } قَالَ : مَجَّدَنِي عَبْدِي وَقَالَ مَرَّةً : فَوَّضَ إلَيَّ عَبْدِي فَإِذَا قَالَ : { إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } قَالَ : هَذَا بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ فَإِذَا قَالَ : { اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ } قَالَ : هَذَا لِعَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ } .
· الشاهد
أَبُو هُرَيْرَةَ وَغَيْرُهُ مِنْ الصَّحَابَةِ فَهِمُوا مِنْ قَوْلِهِ : { قَسَمْت الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ فَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ : { الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } } أَنَّ ذَلِكَ يَعُمُّ الْإِمَامَ وَالْمَأْمُومَ .
3- رَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ عِمْرَانَ بْن حُصَيْنٍ : { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَلَّى الظُّهْرَ فَجَعَلَ رَجُلٌ يَقْرَأُ خَلْفَهُ : بسبح اسْمَ رَبِّك الْأَعْلَى فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ : أَيّكُمْ قَرَأَ ؟ أَوْ أَيُّكُمْ الْقَارِئُ قَالَ رَجُلٌ : أَنَا قَالَ : قَدْ ظَنَنْت أَنَّ بَعْضَكُمْ خالجنيها } رَوَاهُ مُسْلِمٌ .
· الشاهد
فَهَذَا قَدْ قَرَأَ خَلْفَهُ فِي صَلَاةِ الظُّهْرِ وَلَمْ يَنْهَهُ وَلَا غَيْرَهُ عَنْ الْقِرَاءَةِ لَكِنْ قَالَ : { قَدْ ظَنَنْتُ أَنَّ بَعْضَكُمْ خالجنيها } أَيْ نَازَعَنِيهَا . كَمَا قَالَ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ : { إنِّي أَقُولُ مَا لِي أُنَازَعُ الْقُرْآنَ } .
4- وَفِي الْمُسْنَدِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ : { كَانُوا يَقْرَءُونَ خَلْفَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ : خَلَطْتُمْ عَلَيَّ الْقُرْآنَ } .
· الشاهد
فَهَذَا كَرَاهَةٌ مِنْهُ لِمَنْ نَازَعَهُ وَخَالَجَهُ وَخَلَطَ عَلَيْهِ الْقُرْآنَ وَهَذَا لَا يَكُونُ مِمَّنْ قَرَأَ فِي نَفْسِهِ بِحَيْثُ لَا يَسْمَعُهُ غَيْرُهُ وَإِنَّمَا يَكُونُ مِمَّنْ أَسْمَعَ غَيْرَهُ وَهَذَا مَكْرُوهٌ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمُنَازَعَةِ لِغَيْرِهِ لَا لِأَجْلِ كَوْنِهِ قَارِئًا خَلْفَ الْإِمَامِ ، وَأَمَّا مَعَ مُخَافَتَةِ الْإِمَامِ فَإِنَّ هَذَا لَمْ يَرِدْ حَدِيثٌ بِالنَّهْيِ عَنْهُ وَلِهَذَا قَالَ : " أَيُّكُمْ الْقَارِئُ ؟ " . أَيْ الْقَارِئُ الَّذِي نَازَعَنِي لَمْ يُرِدْ بِذَلِكَ الْقَارِئَ فِي نَفْسِهِ فَإِنَّ هَذَا لَا يُنَازِعُ وَلَا يُعْرَفُ أَنَّهُ خَالَجَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَكَرَاهَةُ الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ إنَّمَا هِيَ إذَا امْتَنَعَ مِنْ الْإِنْصَاتِ الْمَأْمُورِ بِهِ أَوْ إذَا نَازَعَ غَيْرَهُ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ إنْصَاتٌ مَأْمُورٌ بِهِ وَلَا مُنَازَعَةٌ فَلَا وَجْهَ لِلْمَنْعِ مِنْ تِلَاوَةِ الْقُرْآنِ فِي الصَّلَاةِ .
وَالْقَارِئُ هُنَا لَمْ يَعْتَضْ عَنْ الْقِرَاءَةِ بِاسْتِمَاعِ فَيَفُوتُهُ الِاسْتِمَاعُ وَالْقِرَاءَةُ جَمِيعًا .[10]
5- وَأَيْضًا فَجَمِيعُ الْأَذْكَارِ الَّتِي يُشْرَعُ لِلْإِمَامِ أَنْ يَقُولَهَا سِرًّا يُشْرَعُ لِلْمَأْمُومِ أَنْ يَقُولَهَا سِرًّا كَالتَّسْبِيحِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَكَالتَّشَهُّد ِ وَالدُّعَاءِ .
وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْقِرَاءَةَ أَفْضَلُ مِنْ الذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ فَلِأَيِّ مَعْنًى لَا تُشْرَعُ لَهُ الْقِرَاءَةُ فِي السِّرِّ وَهُوَ لَا يَسْمَعُ قِرَاءَةَ السِّرِّ وَلَا يُؤَمِّنُ عَلَى قِرَاءَةِ الْإِمَامِ فِي السِّرِّ .
6- وَأَيْضًا فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ لَمَّا قَالَ : { وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } وَقَالَ : { وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ } وَهَذَا أَمْرٌ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَلِأُمَّتِهِ فَإِنَّهُ مَا خُوطِبَ بِهِ خُوطِبَتْ بِهِ الْأُمَّةُ مَا لَمْ يَرِدْ نَصٌّ بِالتَّخْصِيصِ .
وَهَذَا أَمْرٌ يَتَنَاوَلُ الْإِمَامَ وَالْمَأْمُومَ وَالْمُنْفَرِدَ بِأَنْ يَذْكُرَ اللَّهَ فِي نَفْسِهِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَهُوَ يَتَنَاوَلُ صَلَاةَ الْفَجْرِ وَالظُّهْرِ وَالْعَصْرِ فَيَكُونُ الْمَأْمُومُ مَأْمُورًا بِذِكْرِ رَبِّهِ فِي نَفْسِهِ لَكِنْ إذَا كَانَ مُسْتَمِعًا كَانَ مَأْمُورًا بِالِاسْتِمَاعِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَمِعًا كَانَ مَأْمُورًا بِذِكْرِ رَبِّهِ فِي نَفْسِهِ .
وَالْقُرْآنُ أَفْضَلُ الذِّكْرِ كَمَا قَالَ تَعَالَى : { وَهَذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ أَنْزَلْنَاهُ } وَقَالَ تَعَالَى : { وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْرًا } وَقَالَ تَعَالَى : { وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى } وَقَالَ : { مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ } .
7- وَأَيْضًا : فَالسُّكُوتُ بِلَا قِرَاءَةٍ وَلَا ذِكْرٍ وَلَا دُعَاءٍ لَيْسَ عِبَادَةً وَلَا مَأْمُورًا بِهِ ; بَلْ يَفْتَحُ بَابَ الْوَسْوَسَةِ فَالِاشْتِغَالُ بِذِكْرِ اللَّهِ أَفْضَلُ مِنْ السُّكُوتِ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ مِنْ أَفْضَلِ الْخَيْرِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَالذِّكْرُ بِالْقُرْآنِ أَفْضَلُ مَنْ غَيْرِهِ كَمَا ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ : { أَفْضَلُ الْكَلَامِ بَعْدَ الْقُرْآنِ أَرْبَعٌ وَهُنَّ مِنْ الْقُرْآنِ سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ } . رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ .
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى قَالَ : { جَاءَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ : إنِّي لَا أَسْتَطِيعُ أَنْ آخُذَ مِنْ الْقُرْآنِ شَيْئًا فَعَلِّمْنِي مَا يُجْزِئُنِي مِنْهُ فَقَالَ : قُلْ سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا لِلَّهِ فَمَا لِي قَالَ : قُلْ : اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي وَارْزُقْنِي وَعَافِنِي وَاهْدِنِي فَلَمَّا قَامَ قَالَ : هَكَذَا بِيَدَيْهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : أَمَّا هَذَا فَقَدَ مَلَأَ يَدَيْهِ مِنْ الْخَيْرِ }[11]
يتبع
رد: حكم قراءة الفاتحة للمأموم
القول الثاني ومن قال به : يجب علي المأموم قراءة الفاتحة في الجهر والسر
قال بذلك البخاري ، وابن الحزم ، والشافعي في الجديد .
الدليل الأول
احْتَجُّوا بِالْحَدِيثِ الَّذِي فِي السُّنَنِ عَنْ عبادة أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : { إذَا كُنْتُمْ وَرَائِي فَلَا تَقْرَءُوا إلَّا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ فَإِنَّهُ لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِهَا } .
الرد عليه
ضعف الحديث : وَهَذَا الْحَدِيثُ مُعَلَّلٌ عِنْدَ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ بِأُمُورِ كَثِيرَةٍ ضَعَّفَهُ أَحْمَد وَغَيْرُهُ مِنْ الْأَئِمَّةِ . وأَنَّ الْحَدِيثَ الصَّحِيحَ قَوْلُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم : { لَا صَلَاةَ إلَّا بِأُمِّ الْقُرْآنِ } فَهَذَا هُوَ الَّذِي أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ . وَأَمَّا هَذَا الْحَدِيثُ فَغَلِطَ فِيهِ بَعْضُ الشَّامِيِّينَ وَأَصْلُهُ أَنَّ عبادة كَانَ يَؤُمُّ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ فَقَالَ هَذَا فَاشْتَبَهَ عَلَيْهِمْ الْمَرْفُوعُ بِالْمَوْقُوفِ عَلَى عبادة .
الدليل الثاني
قول النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : { لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ }[12] وَعَلَيْهِ اعْتَمَدَ الْبُخَارِيُّ فِي مُصَنَّفِهِ . فَقَالَ : ( بَابُ وُجُوبِ الْقِرَاءَةِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ
الرد عليه
1- ( زيادة " فصاعدا " في رواية "معمر" وهو ثقة ، وقد توبع ، ولها شاهد عند البخاري )[13] .
رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ طُرُقٍ :
قَالَ الْبُخَارِيُّ : وَقَالَ مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ : { لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ فَصَاعِدًا } وَعَامَّةُ الثقاة . لَمْ يُتَابِعْ مَعْمَرًا فِي قَوْلِهِ : " فَصَاعِدًا " مَعَ أَنَّهُ قَدْ أَثْبَتَ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ .
قَالَ الْبُخَارِيُّ : وَيُقَالُ : إنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ إسْحَاقَ تَابَعَ مَعْمَرًا وَأَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ رُبَّمَا رَوَى عَنْ الزُّهْرِيِّ ثُمَّ أَدْخَلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الزُّهْرِيِّ غَيْرَهُ وَلَا يُعْلَمُ أَنَّ هَذَا مِنْ صَحِيحِ حَدِيثِهِ أَمْ لَا . اهـ
قُلْت – ابن تيمية - : مَعْنَى هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ كَمَا رَوَاهُ أَهْلُ السُّنَنِ وَقَدْ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ { عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَهُ فَنَادَى أَنْ لَا صَلَاةَ إلَّا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَمَا زَادَ } .
وَأسند أَيْضًا – البخاري - : عَنْ عَطَاءٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : { تُجْزِئُ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ فَإِنْ زَادَ فَهُوَ خَيْرٌ } .
وَأسند أَيْضًا عَنْ أَبِي نَضْرَةَ قَالَ : { أَمَرَنَا نَبِيُّنَا صلى الله عليه وسلم أَنْ نَقْرَأَ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَمَا تَيَسَّرَ } .
وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ قِرَاءَةَ الْمَأْمُومِ حَالَ سَمَاعِهِ لِجَهْرِ الْإِمَامِ فَإِنَّ أَحَدًا لَا يَقُولُ إنَّ زِيَادَتَهُ عَلَى الْفَاتِحَةِ وَتَرْكَ إنْصَاتِهِ لِقِرَاءَةِ الْإِمَامِ فِي هَذِهِ الْحَالِ خَيْرٌ .
وَلَا أَنَّ الْمَأْمُومَ مَأْمُورٌ حَالَ الْجَهْرِ بِقِرَاءَةِ زَائِدَةٍ عَلَى الْفَاتِحَةِ ، فَإِنَّهَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَأْمُومَ الْمُسْتَمِعَ لَمْ يَدْخُلْ فِي الْحَدِيثِ .
وَلَكِنْ هَبْ أَنَّهَا لَيْسَتْ فِي حَدِيثِ عبادة فَهِيَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ .
2- إنْصَاتَ الْمَأْمُومِ لِقِرَاءَةِ إمَامِهِ يَتَضَمَّنُ مَعْنَى الْقِرَاءَةِ مَعَهُ وَزِيَادَةً .
قَدْ ثَبَتَ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَبِالْإِجْمَاع ِ أَنَّ إنْصَاتَ الْمَأْمُومِ لِقِرَاءَةِ إمَامِهِ يَتَضَمَّنُ مَعْنَى الْقِرَاءَةِ مَعَهُ وَزِيَادَةً ; فَإِنَّ اسْتِمَاعَهُ فِيمَا زَادَ عَلَى الْفَاتِحَةِ أَوْلَى بِهِ بِالْقِرَاءَةِ بِاتِّفَاقِهِمْ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ الْمَأْمُومُ الْمُسْتَمِعُ لِقِرَاءَةِ إمَامِهِ أَفْضَلَ مِنْ الْقَارِئِ لَكَانَ قِرَاءَتُهُ أَفْضَلَ لَهُ.
وَلِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ الْأَمْرُ بِالْإِنْصَاتِ لِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَلَا يُمْكِنُهُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْإِنْصَاتِ وَالْقِرَاءَةِ وَلَوْلَا أَنَّ الْإِنْصَاتَ يَحْصُلُ بِهِ مَقْصُودُ الْقِرَاءَةِ وَزِيَادَةٌ لَمْ يَأْمُرْ اللَّهُ بِتَرْكِ الْأَفْضَلِ لِأَجْلِ الْمَفْضُولِ .
3- ( إذا تعارض نص عام لم يُخَصَص مع نص عام قد خُصِص ، قُدِم الأول )[14].
الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ يَأْمُرُ بِإِنْصَاتِ الْمَأْمُومِ لِقِرَاءَةِ الْإِمَامِ ، وَحِينَئِذٍ يُقَالُ تَعَارَضَ عُمُومُ قَوْلِهِ : { لَا صَلَاةَ إلَّا بِأُمِّ الْقُرْآنِ } ، وَعُمُومُ الْأَمْرِ بِالْإِنْصَاتِ .
ولكنَّ الأمر بقراءة أم القرآن عُمُومٌ قَدْ خَصَّ مِنْهُ الْمَسْبُوقَ بِحَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ[15] ، وَخَصَّ مِنْهُ الصَّلَاةَ بِإِمَامَيْنِ فَإِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمَّا صَلَّى بِالنَّاسِ وَقَدْ سَبَقَهُ أَبُو بَكْرٍ بِبَعْضِ الصَّلَاةِ قَرَأَ مِنْ حَيْثُ انْتَهَى أَبُو بَكْرٍ وَلَمْ يَسْتَأْنِفْ قِرَاءَةَ الْفَاتِحَةِ لِأَنَّهُ بَنَى عَلَى صَلَاةِ أَبِي بَكْرٍ[16] فَإِذَا سَقَطَتْ عَنْهُ الْفَاتِحَةُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ فَعَنْ الْمَأْمُومِ أَوْلَى .
وَخَصَّ مِنْهُ حَالَ الْعُذْرِ ، وَحَالُ اسْتِمَاعِ الْإِمَامِ حَالُ عُذْرٍ فَهُوَ مَخْصُوصٌ .
وَأَمْرُ الْمَأْمُومِ بِالْإِنْصَاتِ لِقِرَاءَةِ الْإِمَامِ لَمْ يُخَصّ مَعَهُ شَيْءٌ لَا بِنَصِّ خَاصٍّ وَلَا إجْمَاعٍ ، وَإِذَا تَعَارَضَ عمومان أَحَدُهُمَا مَحْفُوظٌ وَالْآخَرُ مَخْصُوصٌ وَجَبَ تَقْدِيمُ الْمَحْفُوظِ .
4- الْأَمْرَ بِالْإِنْصَاتِ دَاخِلٌ فِي مَعْنَى اتِّبَاعِ الْمَأْمُومِ وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمُنْصِتَ يَحْصُلُ لَهُ بِإِنْصَاتِهِ وَاسْتِمَاعِهِ مَا هُوَ أَوْلَى بِهِ مِنْ قِرَاءَتِهِ وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فِي الْخُطْبَةِ وَفِي الْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ فِي غَيْرِ مَحَلِّ النِّزَاعِ ، فَالْمَعْنَى الْمُوجِبُ لِلْإِنْصَاتِ يَتَنَاوَلُ الْإِنْصَاتَ عَنْ الْفَاتِحَةِ وَغَيْرِهَا .
وَأَمَّا وُجُوبُ قِرَاءَتِهَا فِي كُلِّ صَلَاةٍ فَإِذَا أَنْصَتَ إلَى الْإِمَامِ الَّذِي يَقْرَؤُهَا كَانَ خَيْرًا مِمَّا يَقْرَأُ لِنَفْسِهِ .
فَهُوَ لَوْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ فِي الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى لَكَانَ صَلَاتُهُ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَسْجِدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم تُجْزِئُهُ ; بَلْ هُوَ أَفْضَلُ لَهُ كَمَا دَلَّتْ عَلَى ذَلِكَ السُّنَّةُ وَهُوَ لَمْ يُوجِبْ عَلَى نَفْسِهِ إلَّا الصَّلَاةَ فِي الْبَيْتِ الْمُقَدَّسِ ; لَكِنَّ هَذَا أَفْضَلُ مِنْهُ .
فَإِذَا كَانَ هَذَا فِي إيجَابِهِ عَلَى نَفْسِهِ جَعَلَ الشَّارِعُ الْأَفْضَلَ يَقُومُ مَقَامَ الْمَنْذُورِ وَإِلْغَاءُ تَعْيِينِهِ هُوَ بِالنَّذْرِ .
فَكَيْفَ يُوجِبُ الشَّارِعُ شَيْئًا وَلَا يَجْعَلُ أَفْضَلَ مِنْهُ يَقُومُ مَقَامَهُ وَالشَّارِعُ حَكِيمٌ لَا يُعَيِّنُ شَيْئًا قَطُّ وَغَيْرُهُ أَوْلَى بِالْفِعْلِ مِنْهُ .
وَقَدْ أَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْمُصَلِّيَ إذَا سَهَا بِسُجُودِ السَّهْوِ فِي غَيْرِ حَدِيثٍ .
ثُمَّ الْمَأْمُومُ إذَا سَهَا يَتَحَمَّلُ إمَامُهُ عَنْهُ سَهْوَهُ ; لِأَجْلِ مُتَابَعَتِهِ لَهُ مَعَ إمْكَانِهِ أَنْ يَسْجُدَ بَعْدَ سَلَامِهِ .
وَإِنْصَاتُهُ لِقِرَاءَتِهِ أَدْخَلُ فِي الْمُتَابَعَةِ فَإِنَّ الْإِمَامَ إنَّمَا يَجْهَرُ لِمَنْ يَسْتَمِعُ قِرَاءَتَهُ ، فَإِذَا اشْتَغَلَ أَحَدٌ مِنْ الْمُصَلِّينَ بِالْقِرَاءَةِ لِنَفْسِهِ كَانَ كَالْمُخَاطِبِ لِمَنْ لَا يَسْتَمِعُ إلَيْهِ كَالْخَطِيبِ الَّذِي يَخْطُبُ النَّاسَ وَكُلُّهُمْ يَتَحَدَّثُونَ وَمَنْ فَعَلَ هَذَا فَهُوَ كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ { كَحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا } ، فَإِنَّهُ لَمْ يَفْقَهْ مَعْنَى الْمُتَابَعَةِ ، كَاَلَّذِي يَرْفَعُ رَأْسَهُ قَبْلَ الْإِمَامِ فَإِنَّهُ كَالْحِمَارِ وَلِهَذَا قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : { أَمَا يَخْشَى الَّذِي يَرْفَعُ رَأْسَهُ قَبْلَ الْإِمَامِ أَنْ يُحَوَّلَ رَأْسُهُ رَأْسَ حِمَارٍ } فَإِنَّهُ مُتَّبِعٌ لِلْإِمَامِ فَكَيْفَ يُسَابِقُهُ وَلِهَذَا ضَرَبَ عُمَرُ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ وَقَالَ : لَا وَحْدَك صَلَّيْت وَلَا بِإِمَامِك اقْتَدَيْت .
وَأُمِرَ إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ سَهْوًا أَنْ يَعُودَ فَيَتَخَلَّفَ بِقَدْرِ مَا سَبَقَ بِهِ الْإِمَامَ وَقَدْ نَصَّ أَحْمَد وَغَيْرُهُ عَلَى ذَلِكَ وَذَكَرَ هُوَ وَغَيْرُهُ الْآثَارَ فِي ذَلِكَ عَنْ الصَّحَابَةِ .
الدليل الثالث
قَوْلُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم : { مَنْ صَلَّى صَلَاةً فَلَمْ يَقْرَأْ فِيهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ فَهِيَ خِدَاجٌ } وَفِي تَمَامِهِ فَقُلْت : يَا أَبَا هُرَيْرَةَ إنِّي أَكُونُ أَحْيَانًا وَرَاءَ الْإِمَامِ قَالَ : اقْرَأْ بِهَا فِي نَفْسِك يَا فَارِسِيُّ فَإِنِّي سَمِعْت النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : { قَالَ اللَّهُ : قَسَمْت الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ } الْحَدِيثَ إلَى آخِرِهِ .[17]
الرد عليه
1- وَهَذاِ الحديث بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ { لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ } فَإِنَّ الْمُسْتَمِعَ الْمُنْصِتَ قَارِئٌ بَلْ أَفْضَلُ مِنْ الْقَارِئِ لِنَفْسِهِ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ { لَا صَلَاةَ إلَّا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَمَا زَادَ } وَقَوْلُهُ : { أُمِرْنَا أَنْ نَقْرَأَ بِهَا وَمَا تَيَسَّرَ } فَإِنَّ الْمُسْتَمِعَ الْمُنْصِتَ لَيْسَ مَأْمُورًا بِقِرَاءَةِ الزِّيَادَةِ .
2- لَوْ كَانَتْ قِرَاءَةُ الْإِمَامِ لَا تُغْنِي عَنْ الْمَأْمُومِ شَيْئًا بَلْ كُلٌّ يَقْرَأُ لِنَفْسِهِ : لَمْ يَكُنْ فَرْقٌ بَيْنَ عَجْزِهِ عَنْ الْقِرَاءَةِ وَعَجْزِهِ عَنْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْوَاجِبَاتِ ; وَلِأَنَّ الْإِمَامَ مَأْمُورٌ بِاسْتِمَاعِ مَا زَادَ عَلَى الْفَاتِحَةِ وَلَيْسَتْ قِرَاءَةً وَاجِبَةً . فَكَيْفَ لَا يُؤْمَرُ بِالِاسْتِمَاعِ لِقِرَاءَةِ الْإِمَامِ الْفَاتِحَةَ وَهِيَ الْفَرْضُ وَكَيْفَ يُؤْمَرُ بِاسْتِمَاعِ التَّطَوُّعِ دُونَ اسْتِمَاعِ الْفَرْضِ .
3- إِذَا كَانَ الِاسْتِمَاعُ لِلْقِرَاءَةِ الزَّائِدَةِ عَلَى الْفَاتِحَةِ وَاجِبًا بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ فَالِاسْتِمَاعُ لِقِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ أَوْجَبُ .
وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي هُرَيْرَةَ : اقْرَأْ بِهَا فِي نَفْسِك يَا فَارِسِيُّ فَإِنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : { قَالَ اللَّهُ : قَسَمْت الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ } إلَى آخِرِهِ .
فَقَدْ يُقَالُ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ إنَّمَا أَمَرَهُ بِالْقِرَاءَةِ ; لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْفَضِيلَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي حَدِيثِ الْقِسْمَةِ لَا لِقَوْلِهِ : { مَنْ صَلَّى صَلَاةً لَمْ يَقْرَأْ فِيهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ فَهِيَ خِدَاجٌ } فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ صَلَاةُ الْمَأْمُومِ خِدَاجًا إذَا لَمْ يَقْرَأْ لَأَمَرَهُ بِذَلِكَ ; لِأَجْلِ ذَلِكَ الْحَدِيثِ . وَلَمْ يُعَلِّلْ الْأَمْرَ بِحَدِيثِ الْقِسْمَةِ . اللَّهُمَّ .
إلَّا أَنْ يُقَالَ : ذَكَرَهُ تَوْكِيدًا أَوْ لِأَنَّهُ لَمَّا قَسَمَ الْقِرَاءَةَ قَسَمَ الصَّلَاةَ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْهَا فِي الصَّلَاةِ إذْ لَوْ خَلَتْ عَنْهَا لَمْ تَكُنْ الْقِسْمَةُ مَوْجُودَةً . وَعَلَى هَذَا يَبْقَى الْحَدِيثَانِ مَدْلُولُهُمَا وَاحِدٌ .
4- وَقَوْلُهُ : اقْرَأْ بِهَا فِي نَفْسِك . مُجْمَلٌ فَإِنْ أَرَادَ مَا أَرَادَ غَيْرُهُ مِنْ الْقِرَاءَةِ فِي حَالِ الْمُخَافَتَةِ أَوْ سُكُوتِ الْإِمَامِ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مُخَالِفًا ; لِقَوْلِ أُولَئِكَ يُؤَيِّدُ هَذَا أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ مِمَّنْ رَوَى قَوْلَهُ : { وَإِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا } وَرَوَى قَوْلَهُ : { لَا صَلَاةَ إلَّا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ . وَمَا زَادَ } وَقَالَ : { تُجْزِئُ فَاتِحَةُ الْكِتَابِ وَإِذَا زَادَ فَهُوَ خَيْرٌ } وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا لَمْ يَتَنَاوَلْ الْمَأْمُومَ الْمُسْتَمِعَ لِقِرَاءَةِ الْإِمَامِ فَإِنَّ هَذَا لَا تَكُونُ الزِّيَادَةُ عَلَى الْفَاتِحَةِ خَيْرًا لَهُ بَلْ الِاسْتِمَاعُ وَالْإِنْصَاتُ خَيْرًا لَهُ فَلَا يَجْزِمُ حِينَئِذٍ بِأَنَّهُ أَمَرَهُ أَنْ يَقْرَأَ حَالَ اسْتِمَاعِهِ لِقِرَاءَةِ الْإِمَامِ بِلَفْظِ مُجْمَلٍ .
الدليل الرابع
احْتِجَاجُك بِقَوْلِ اللَّهِ : { وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا } نَقُولُ : يَقْرَأُ خَلْفَ الْإِمَامِ عِنْدَ السَّكَتَاتِ .
وَقَالَ ابْنُ خثيم : قُلْت لِسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ : أَقْرَأُ خَلْفَ الْإِمَامِ ؟ قَالَ : نَعَمْ وَإِنْ سَمِعْت قِرَاءَتَهُ ، فَإِنَّهُمْ قَدْ أَحْدَثُوا مَا لَمْ يَكُونُوا يَصْنَعُونَهُ ، إنَّ السَّلَفَ كَانَ إذَا أَمَّ أَحَدُهُمْ النَّاسَ كَبَّرَ ثُمَّ أَنْصَتَ حَتَّى يَظُنَّ أَنَّ مَنْ خَلْفَهُ قَرَأَ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ ثُمَّ قَرَأَ وَأَنْصَتَ .
الرد عليه
أَمَّا سَكْتَةُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حِينَ يُكَبِّرُ فَقَدْ بَيَّنَ أَبُو هُرَيْرَةَ فِي حَدِيثِهِ الْمُتَّفَقِ عَلَى صِحَّتِهِ أَنَّهُ كَانَ يَذْكُرُ فِيهَا دُعَاءَ الِاسْتِفْتَاحِ لَمْ يَكُنْ سُكُوتًا مَحْضًا ; لِأَجْلِ قِرَاءَةِ الْمَأْمُومِينَ .
وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذَا أَرَادَ أَنْ يَقْرَأَ سَكَتَ سَكْتَةً .
وَكَانَ أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَمَيْمُونُ بْنُ مهران وَغَيْرُهُمْ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ يَرَوْنَ الْقِرَاءَةَ عِنْدَ سُكُوتِ الْإِمَامِ لِيَكُونَ مُقْتَدِيًا بِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم : { لَا صَلَاةَ إلَّا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ } فَتَكُونُ قِرَاءَتُهُ فِي السَّكْتَةِ .
وقد تقدم ما رواه مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّهُ سَأَلَ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ عَنْ الْقِرَاءَةِ مَعَ الْإِمَامِ فَقَالَ : لَا قِرَاءَةَ مَعَ الْإِمَامِ فِي شَيْءٍ .
قلت : - إسلام –
ويرد على أثر سعيد بن جبير أيضاً مع فرض صحته ، أنه ليس فيه دليل أصلا ، فإن هذا كله في حالة عدم جهر الإمام بالقراءة ، وقوله ( وإن سمعت قراءته ) يعني جهر بها ، كما كان يجهر عمر بدعاء الاستفتاح ، وكما كان يجهر النبي – صلى الله عليه وسلم – بالآية والآيتين أحيانا في صلاة السر ، وهذا كله إن لم يصلح ، فإن هذا الأثر لا يقوم بنفسه بالرد على كل ما تقدم . والله أعلم .
مسألة :
الْقِرَاءَةُ إذَا سَمِعَ قِرَاءَةَ الْإِمَامِ هَلْ هِيَ مُحَرَّمَةٌ أَوْ مَكْرُوهَةٌ ؟ وَهَلْ تَبْطُلُ الصَّلَاةُ إذَا قَرَأَ ؟
عَلَى قَوْلَيْنِ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ :
أَحَدُهُمَا : أَنَّ الْقِرَاءَةَ حِينَئِذٍ مُحَرَّمَةٌ وَإِذَا قَرَأَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَهَذَا أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ اللَّذَيْنِ حَكَاهُمَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ابْنُ حَامِدٍ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ .
وَالثَّانِي : أَنَّ الصَّلَاةَ لَا تَبْطُلُ بِذَلِكَ وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ وَهُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ أَحْمَدَ .
وَنَظِيرُ هَذَا إذَا قَرَأَ حَالَ رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ : هَلْ تَبْطُلُ الصَّلَاةُ ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ ; لِأَنَّ { النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى أَنْ يُقْرَأَ الْقُرْآنُ رَاكِعًا أَوْ سَاجِدًا } .
إسلام منصور عبد الحميد
[1] هذا البحث كتبته على عجالة ملخصا ومرتبا فيه كلام ابن تيمية – رحمه الله – وذلك ؛ لضيق الوقت ، وأني لم أجد من تكلم في هذه المسألة بهذا التفصيل البديع من العلماء مما وقفت عليه إلا غيره ، وأسأل الله سبحانه أن يبارك في الوقت لإعداده بصورة أفضل من ذلك ، فما لا يدرك كله لا يترك كله .
[2] وقد ذكرت قولين فقط ، وأعرضت عن الثالث ، وهو عدم القراءة مطلقاً ، لأن في ذكر هاذين القولين كفاية للرد عليه .
[3] وَهَذَا الْحَدِيثُ رُوِيَ مُرْسَلًا وَمُسْنَدًا لَكِنْ أَكْثَرُ الْأَئِمَّةِ الثقاة رَوَوْهُ مُرْسَلًا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَسْنَدَهُ بَعْضُهُمْ وَرَوَاهُ ابْنُ ماجه مُسْنَدًا وَهَذَا الْمُرْسَلُ قَدْ عَضَّدَهُ ظَاهِرُ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ وَقَالَ بِهِ جَمَاهِيرُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمُرْسِلُهُ مِنْ أَكَابِرِ التَّابِعِينَ وَمِثْلُ هَذَا الْمُرْسَلِ يُحْتَجُّ بِهِ بِاتِّفَاقِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى جَوَازِ الِاحْتِجَاجِ بِمِثْلِ هَذَا الْمُرْسَلِ .
[4] وَهَذَا مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى الطَّوِيلِ الْمَشْهُورِ . لَكِنَّ بَعْضَ الرُّوَاةِ زَادَ فِيهِ عَلَى بَعْضٍ فَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يَذْكُرْ قَوْلَهُ : { وَإِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا } وَمِنْهُمْ مَنْ ذَكَرَهَا وَهِيَ زِيَادَةٌ مِنْ الثِّقَةِ لَا تُخَالِفُ الْمَزِيدَ بَلْ تُوَافِقُ مَعْنَاهُ وَلِهَذَا رَوَاهَا مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ .
[5] رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو داود والنسائي وَابْنُ ماجه . قِيلَ لِمُسْلِمِ بْنِ الْحَجَّاجِ : حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ صَحِيحٌ يَعْنِي { وَإِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا } قَالَ هُوَ عِنْدِي صَحِيحٌ . فَقِيلَ لَهُ : لِمَا لَا تَضَعُهُ هَاهُنَا ؟ يَعْنِي فِي كِتَابِهِ فَقَالَ : لَيْسَ كُلُّ شَيْءٍ عِنْدِي صَحِيحٍ وَضَعْته هَاهُنَا إنَّمَا وَضَعْت هَاهُنَا مَا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ .
[6] رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو داود وَابْنُ ماجه والنسائي والترمذي وَقَالَ : حَدِيثٌ حَسَنٌ . قَالَ أَبُو داود : سَمِعْت مُحَمَّدَ بْنَ يَحْيَى بْنِ فَارِسٍ يَقُولُ : قَوْلُهُ : " فَانْتَهَى النَّاسُ " مِنْ كَلَامِ الزُّهْرِيِّ . وَرُوِيَ عَنْ الْبُخَارِيِّ نَحْوُ ذَلِكَ فَقَالَ : فِي الْكُنَى مِنْ التَّارِيخِ وَقَالَ أَبُو صَالِحٍ حَدَّثَنِي اللَّيْثُ حَدَّثَنِي يُوسُفُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ سَمِعْت ابْنَ أكيمة الليثي يُحَدِّثُ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ : { صَلَّى لَنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم صَلَاةً جَهَرَ فِيهَا بِالْقِرَاءَةِ ثُمَّ قَالَ : هَلْ قَرَأَ مِنْكُمْ أَحَدٌ مَعِي ؟ قُلْنَا : نَعَمْ قَالَ : إنِّي أَقُولُ مَا لِي أُنَازَعُ الْقُرْآنَ } قَالَ : فَانْتَهَى النَّاسُ عَنْ الْقِرَاءَةِ فِيمَا جَهَرَ الْإِمَامُ قَالَ اللَّيْثُ : حَدَّثَنِي ابْنُ شِهَابٍ وَلَمْ يَقُلْ : فَانْتَهَى النَّاسُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ : هُوَ قَوْلُ الزُّهْرِيِّ وَقَالَ بَعْضُهُمْ : هُوَ قَوْلُ ابْنِ أكيمة وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ قَوْلُ الزُّهْرِيِّ .
فَإِنْ قِيلَ : قَالَ البيهقي : ابْنُ أكيمة رَجُلٌ مَجْهُولٌ لَمْ يُحَدِّثْ إلَّا بِهَذَا الْحَدِيثِ وَحْدَهُ وَلَمْ يُحَدِّثْ عَنْهُ غَيْرُ الزُّهْرِيِّ . قِيلَ : لَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ قَدْ قَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرازي فِيهِ : صَحِيحُ الْحَدِيثِ حَدِيثُهُ مَقْبُولٌ . وَحُكِيَ عَنْ أَبِي حَاتِمٍ البستي أَنَّهُ قَالَ : رَوَى عَنْهُ الزُّهْرِيُّ وَسَعِيدُ بْنُ أَبِي هِلَالٍ وَابْنُ أَبِيهِ عُمَرُ وَسَالِمُ بْنُ عَمَّارٍ ابْنُ أكيمة بْنِ عُمَرَ .
[7] وَهَذَا مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَغَيْرِهِمْ .
[8] وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي سُكُوتِ الْإِمَامِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ :
فَقِيلَ : لَا سُكُوتَ فِي الصَّلَاةِ بِحَالِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ .
وَقِيلَ : فِيهَا سَكْتَةٌ وَاحِدَةٌ لِلِاسْتِفْتَاح ِ كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ .
وَقِيلَ فِيهَا : سَكْتَتَانِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَغَيْرِهِمَا لِحَدِيثِ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ : { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ لَهُ سَكْتَتَانِ : سَكْتَةٌ حِينَ يَفْتَتِحُ الصَّلَاةَ وَسَكْتَةٌ إذَا فَرَغَ مِنْ السُّورَةِ الثَّانِيَةِ . قَبْلَ أَنْ يَرْكَعَ } فَذَكَرَ ذَلِكَ لِعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ فَقَالَ : كَذَبَ سَمُرَةُ . فَكَتَبَ فِي ذَلِكَ إلَى الْمَدِينَةِ إلَى أبي بْنِ كَعْبٍ فَقَالَ : صَدَقَ سَمُرَةُ رَوَاهُ أَحْمَدُ . وَاللَّفْظُ لَهُ وَأَبُو داود وَابْنُ ماجه والترمذي وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ .
وَفِي رِوَايَةِ أَبِي داود : { سَكْتَةٌ إذَا كَبَّرَ . وَسَكْتَةٌ إذَا فَرَغَ مِنْ { غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ } } .
وَأَحْمَدُ رَجَّحَ الرِّوَايَةَ الْأُولَى وَاسْتَحَبَّ السَّكْتَةَ الثَّانِيَةَ ; لِأَجْلِ الْفَصْلِ . وَلَمْ يَسْتَحِبَّ أَحْمَدُ أَنْ يَسْكُتَ الْإِمَامُ لِقِرَاءَةِ الْمَأْمُومِ وَلَكِنْ بَعْضُ أَصْحَابِهِ اسْتَحَبَّ ذَلِكَ .
[9] قَالَ التِّرْمِذِيُّ : حَدِيثٌ صَحِيحٌ .
[10] مَعَ الْخِلَافِ الْمَشْهُورِ فِي وُجُوبِ الْقِرَاءَةِ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْحَالِ بِخِلَافِ وُجُوبِهَا فِي حَالِ الْجَهْرِ فَإِنَّهُ شَاذٌّ حَتَّى نَقَلَ أَحْمَد الْإِجْمَاعَ عَلَى خِلَافِهِ .
[11] رَوَاهُ أَحْمَد وَأَبُو داود والنسائي .
[12] وَهَذَا أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ الصَّحِيحِ كَالْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ فِي صَحِيحَيْهِمَا .
[13] هذه الجملة من كلام إسلام للتسهيل .
[14] هذه الجملة من كلام إسلام للتسهيل .
[15] رواه البخاري بسنده عَنْأَبِيبَكْرَ ةَأَنَّهُانْتَه َىإِلَىالنَّبِي ِّصَلَّىاللَّهُ عَلَيْهِوَسَلَّ مَوَهُوَرَاكِعٌ فَرَكَعَقَبْلَأ َنْيَصِلَإِلَىا لصَّفِّفَذَكَرَ ذَلِكَلِلنَّبِي ِّصَلَّىاللَّهُ عَلَيْهِوَسَلَّ مَفَقَالَزَادَك َاللَّهُحِرْصًا وَلَاتَعُدْ .
[16] رواه البخاري ومسلم عَنْسَهْلِبْنِس َعْدٍالسَّاعِدِ يِّأَنَّرَسُولَ اللَّهِصَلَّىال لَّهُعَلَيْهِوَ سَلَّمَذَهَبَإِ لَىبَنِيعَمْرِو بْنِعَوْفٍلِيُص ْلِحَبَيْنَهُمْ فَحَانَتْالصَّل َاةُفَجَاءَالْم ُؤَذِّنُإِلَىأَ بِيبَكْرٍفَقَال َأَتُصَلِّيبِال نَّاسِفَأُقِيمُ قَالَنَعَمْقَال َفَصَلَّىأَبُوب َكْرٍفَجَاءَرَس ُولُاللَّهِصَلّ َىاللَّهُعَلَيْ هِوَسَلَّمَوَال نَّاسُفِيالصَّل َاةِفَتَخَلَّصَ حَتَّىوَقَفَفِي الصَّفِّفَصَفَّ قَالنَّاسُوَكَا نَأَبُوبَكْرٍلَ ايَلْتَفِتُفِيا لصَّلَاةِفَلَمّ َاأَكْثَرَالنَّ اسُالتَّصْفِيقَ الْتَفَتَفَرَأَ ىرَسُولَاللَّهِ صَلَّىاللَّهُعَ لَيْهِوَسَلَّمَ فَأَشَارَإِلَيْ هِرَسُولُاللَّه ِصَلَّىاللَّهُع َلَيْهِوَسَلَّم َأَنْامْكُثْمَك َانَكَفَرَفَعَأ َبُوبَكْرٍيَدَي ْهِفَحَمِدَاللّ َهَعَزَّوَجَلَّ عَلَىمَاأَمَرَه ُبِهِرَسُولُالل َّهِصَلَّىاللَّ هُعَلَيْهِوَسَل َّمَمِنْذَلِكَث ُمَّاسْتَأْخَرَ أَبُوبَكْرٍحَتّ َىاسْتَوَىفِيال صَّفِّوَتَقَدَّ مَالنَّبِيُّصَل َّىاللَّهُعَلَي ْهِوَسَلَّمَفَص َلَّىثُمَّانْصَ رَفَفَقَالَيَاأ َبَابَكْرٍمَامَ نَعَكَأَنْتَثْب ُتَإِذْأَمَرْتُ كَقَالَأَبُوبَك ْرٍمَاكَانَلِاب ْنِأَبِيقُحَافَ ةَأَنْيُصَلِّيَ بَيْنَيَدَيْرَس ُولِاللَّهِصَلّ َىاللَّهُعَلَيْ هِوَسَلَّمَفَقَ الَرَسُولُاللَّ هِصَلَّىاللَّهُ عَلَيْهِوَسَلَّ مَمَالِيرَأَيْت ُكُمْأَكْثَرْتُ مْالتَّصْفِيقَ.. . الحديث .
[17] وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ ، وهو يُروى عن عائشة ، وأبي الدرداء ، وغيرهم .