السحر من عمل الشيطان

السحر من عمل الشيطان، ومنه ما لا يكون إلا باستخدام، ومعونة الشياطين وهو ما نعنيه في هذا البحث.

فعن جابر: "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سئل عن النُّشرة؟ فقال: هي من عمل الشيطان" رواه أحمد بسند جيد، وأبو داود ...
قال ابن القيم: النشرة حل السحر عن المسحور، وهي نوعان: أحدهما: حل بسحر مثله، وهو الذي من عمل الشيطان. وعليه يحمل قول الحسن، فيتقرب الناشر والمنتشر إلى الشيطان بما يحب، فيبطل عمله عن المسحور" (انظر ابن عبد الوهاب، كتاب التوحيد، ص 79)
و "من عمل الشيطان" أي الأكبر أو جنس الشياطين، وأل في النشرة للعهد أي النشرة المعهودة التي كان أهل الجاهلية يصنعونها، هي من عمل الشيطان أو بواسطته؛ لأنهم ينشرون عن المسحور بأسحار واستخدامات شيطانية، فهذه حرام بالاتفاق". (انظر ابن قاسم، حاشية كتاب التوحيد، الطبعة الثالثة، ص 209)

قال ابن جبرين -رحمه الله-:
" السِّحرُ هو عمل شيطاني، حيث يتقرب الساحر إلى الجنِّ بالذبح لهم، أو دعائهم من دون الله، أو ترك الصلاة، أو أكل النجاسات ونحو ذلك؛ حتى تخدمَه الشياطين ومرَدة الجنِّ، فيلابسون من يريده، ويقتلون ويعوقون ويعقدون الرجل عن امرأتِه، ويصرفون أحدهما عن الآخر ونحو ذلك، وعلى هذا فالساحر مشرك كافر؛ لأجل تقربه إلى غير الله بهذه الأعمال الكفرية..."
(سماحة الشيخ عبدالله بن جبرين - «الكنز الثمين» (1 / 224 - 227)
وقال ابن باز رحمه الله : " كما أن في هذه الأحاديث دليلا على كفر الكاهن والساحر؛ لأنهما يدعيان علم الغيب، وذلك كفر، ولأنهما لا يتوصلان إلى مقصدهما إلا بخدمة الجن وعبادتهم من دون الله"
(ابن باز، حكم السحر والكهانة وما يتعلق بها، موقعه الرسمي)

وقال -رحمه الله-: "أما أن يتعلم السحر؛ ليحل به السحر، أو لمقاصد أخرى فذلك لا يجوز، بل هو من نواقض الإسلام؛ لأنه لا يمكن تعلمه إلا بالوقوع في الشرك، وذلك بعبادة الشياطين من الذبح لهم، والنذر لهم، ونحو ذلك من أنواع العبادة، والذبح لهم والتقرب إليهم بما يحبون حتى يخدموه بما يحب، وهذا هو الاستمتاع"
(ابن باز، حكم تعلم حل وفك السحر عن المسحور، موقعه الرسمي)

قال الخطابي: السحر من عمل الشيطان يفعله في الإنسان بنفثه ونفخه، وهمزه ووسوسته، ويتلقاه بتعليمه إياه ومعونته عليه ، فإذاتلقاه عنه استعمله في غيره بالقول والنفث في العُقَد . انتهى

1 - ( يعلمون الناس السحر ) هل هذا كان و انتهى ؟ ام لا يزال تعليم الشياطين للسحر مستمرا ؟
2- دور الشياطين و الجن في عمل السحر هل هو من الغيب النسبي او المطلق ؟ و هل يمكن للساحر ان يعلم بعض ذلك دون غيره ؟
3- هل اذا تاب الساحر و حسنت سيرته يقبل منه ما يخبر به مما كان من حاله مع السحر ؟

وكما أن السحر من عمل الشياطين كما تقدم -في الكلام عن النشرة-
فالشياطين تعلم الناس السحر قال تعالى: { وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَٰكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ}
ومن جملة ما يعلمون الناس التفريق بين الزوجين قال تعالى: { فَيَتَعَلَّمُون َ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ ۚ }
قلت: والتفريق من عمل الشياطين، ومن أعظم ما يفرح به الشيطان
كما أخبر بذلك النبي -صلى الله عليه وسلم- فعن جابر: « قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن إبليس يضع عرشه على الماء، ثم يبعث سراياه، فأدناهم منه منزلة أعظمهم فتنة، يجيء أحدهم فيقول: فعلت كذا وكذا، فيقول: ما صنعت شيئا، قال ثم يجيء أحدهم فيقول: ما تركته حتى فرقت بينه وبين امرأته، قال: فيدنيه منه ويقول: نعم أنت " قال الأعمش: أراه قال: «فيلتزمه» رواه مسلم في صحيحه
فإذا ثبت ذلك فما المانع من قيام الشيطان بالتفريق عن طريق السحر ؟! تنفيذا لطلب من يتقرب إلي هذا الشيطان -الساحر-
سواءً قلنا بدخول بدن المراد إيذائه أو بغير دخول الجسد، ودخول الشيطان بدن الإنسان ثابت بالكتاب والسنة واتفاق أهل السنة والجماعة
السؤال: هل المهمة غير مقدور عليها؟!
الجواب: لا، كلها ثابتة بالأدلة عمل التفريق ودخول البدن! -وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله-
طبعا المهمة غير مقدور عليها من جانب الساحر فلن يذهب الساحر شخصيا ليفرق بين الرجل وزوجته!!
وعليه فالساحر يتقرب للشياطين بالدعاء والذبح وغيرها من الأقوال أو الأفعال الشركية لتقوم بخدمته الشياطين وهذا ما يقول به العلماء -كما تقدم-

اقتباس:

---

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الطيبوني

قال الخطابي: السحر من عمل الشيطان يفعله في الإنسان بنفثه ونفخه، وهمزه ووسوسته، ويتلقاه بتعليمه إياه ومعونته عليه ، فإذاتلقاه عنه استعمله في غيره بالقول والنفث في العُقَد . انتهى

1 - ( يعلمون الناس السحر ) هل هذا كان و انتهى ؟ ام لا يزال تعليم الشياطين للسحر مستمرا ؟
2- دور الشياطين و الجن في عمل السحر هل هو من الغيب النسبي او المطلق ؟ و هل يمكن للساحر ان يعلم بعض ذلك دون غيره ؟
3- هل اذا تاب الساحر و حسنت سيرته يقبل منه ما يخبر به مما كان من حاله مع السحر ؟

---

كل ذلك -وغيرها- في الطريق إن شاء الله -لعلي أنشط -

وقد ذكر هذا النوع العلماء في كتب العقيدة والفقه:
جاء في شرح الطحاوية:
"وَقَدْ تَنَازَعَ الْعُلَمَاءُ فِي حَقِيقَةِ السِّحْرِ وَأَنْوَاعِهِ... وَاتَّفَقُوا كُلُّهُمْ أَيْضًا عَلَى أَنَّ كُلَّ رُقْيَةٍ وَتَعْزِيمٍ أَوْ قَسَمٍ، فِيهِ شِرْكٌ بِاللَّهِ، فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّكَلُّمُ بِهِ، وَإِنْ أَطَاعَتْهُ بِهِ الْجِنُّ أَوْ غَيْرُهُمْ، وَكَذَلِكَ كُلُّ كَلَامٍ فِيهِ كُفْرٌ لَا يَجُوزُ التَّكَلُّمُ بِهِ، وَكَذَلِكَ الْكَلَامُ الَّذِي لَا يُعْرَفُ مَعْنَاهُ لَا يُتَكَلَّمُ بِهِ، لِإِمْكَانِ أَنْ يَكُونَ فِيهِ شِرْكٌ لَا يُعْرَفُ. وَلِهَذَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا بَأْسَ بِالرُّقَى مَا لَمْ تَكُنْ شِرْكًا». " (ابن أَبي العِزّ ،شرح الطحاوية، ط1،ص 519، تحقيق: أحمد شاكر)
قلت: فلا ينحصر دور الشياطين في تعليم السحر دون خدمة الساحر في إتمام عمل السحر، وعلمنا عدم استحالة ذلك من جهة النقل، والعقل. -والله أعلم-( انظر المشاركة رقم 3)
جاء في حاشية ابن قاسم "وقد يتساعد هو والروح الشيطانية على أذى المسحور فيصبه السحر بإذن الله القدري الكوني لا الشرعي"(ابن قاسم، حاشية كتاب التوحيد، ص 198)
قلت: أي في إتمام عمل السحر.
قال الألباني -رحمه الله- "فمن كان قد أصيب بشيء من السحر من نوع عمل الشياطين الجن المتعاونين معه بعض شياطين الإنس فليس له علاج مادي طبي معروف"
https://alathar.net/home/esound/inde...vi&coid=157529

وقال ابن باز -رحمه الله- "...فالشياطين تعلمه الناس ليكفروا...وهم أعني السحرة يستخدمون الشياطين في تنفيذ مرادهم من إيذاء أحد أو ظلم أحد أو قتل أحد أو غير هذا..." (ابن باز، باب التغليظ في تحريم السحر، موقعه الرسمي)

وقال الشيخ صالح الفوزان –حفظه الله- " أنه يحبِّب المرأة إلى زوجها، والرجل إلى امرأته" هذا يسمونه: الصّرف والعطف، وهو سحر، قال الله سبحانه وتعالى: (فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين الْمَرْءِ وزوجه) ، فهو سحر يفرِّق ويَجْمع، لأنه عمل شيطاني، يعمل أشياء تنفِّر الإنسان من الإنسان، أو الرجل من زوجته، أو الزوجة من زوجها، وهو من عمل الشياطين. فالسحرة لما تقرّبوا من الشياطين وخدموهم وأشركوا بالله، فالشياطين في مقابل ذلك ساعدتهم في هذه الأمور. وهذا كثير في الناس، خصوصاً إذا ضعف في الإيمان، وخصوصاً في البلاد التي لا يُعتنى فيها بأمر العقيدة، فإن السحر يُتخذ حِرْفَة ومهنة في بعض البلاد"(الفوزان، إعانة المستفيد بشرح كتاب التوحيد، ج1، ص 151)

فالقاعدة العامة لا تدل على أن دور الشياطين مجرد التعليم دون العمل في إتمام عملية السحر، وهذه القاعدة تلاحظ من كلام الفقهاء إجمالاً حول مسألة التعاون فيما بين الشياطين والسحرة، وخدمتهم للسحرة وبيان حكمها- بل هو ما نص عليه أكثرهم صراحة –
كما لا تدل على أن مثل هذا الأمر من الغيب المطلق، والمتقرر عند أهل السنة تقديم النص على العقل، ولهذا قالوا: "لا اجتهاد مع نص" ولا شك أن العقل مصدر من مصادر الاستدلال عند أهل السنة، وهم فيه وسط بين الغلاة والجفاة فأنزلوه منزلته فجعلوه تابعاً للنقل فالعقل تابع والنقل متبوع، والعقل الصريح لا يُعارض النقل الصحيح.

ومن المعلوم أن الغيب ينقسم إلى نوعين: غيب مطلق، وغيب نسبي.
قال البراك :فالغيب المطلق: لا يعلمه الا الله، فالسر القدري من الغيب المطلق الذي اختص الله به، لم يُطْلع عليه ملكا مقربا ولا نبيا مرسلا؛ لأنهم لا علم لهم إلا ما علمهم الله.
و الغيب النسبي: الذي يعلمه بعض الخلق دون بعض، فهو غيب بالنسبة لمن لم يعلمه.(البراك، شرح العقيدة الطحاوية ص170)
انظر، موقع الشيخ ناصر عبد الرحمن البراك
https://sh-albarrak.com/article/18814

قال الحافظ ابن حجر في الفتح : " ... وأن قوله تعالى ( إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم ) مخصوص بما إذا كان على صورته التي خلق عليها " اهـ
قال ابن باز –رحمه الله- "وقد يتصل بعض الناس بهم، وقد يكلمهم ويكلمونه، قد يراهم بعض الناس، لكن الأغلب أنهم لا يرون" (ابن باز، بيان القول في ظهور الجن للإنس، الموقع الرسمي للإمام ابن باز)
وقال الشيخ صالح الفوزان –حفظه الله-
"قد يراهم أو يرى بعض الناس شيئاً منهم أو أحدا منهم لكن هذا ليس بصفة دائمة؛ الغالب أنهم من عالم الغيب نؤمن بهم ولو لم نرهم" ( الفوزان، مقطع مرئي ، الجن وحقيقتهم وهل عليهم تأثير علي الانس ؟ الشيخ صالح الفوزان)

فدور الشياطين في خدمة السحرة، قد وصل وبلغ مبلغه في الشهرة والاستفاضة -عند العامة والخاصة-
وما قيل هنا يقال في إمكانية معرفة علامات وأعراض هذا المرض
فالسحر له علامات ودلالات -أعراض- يعرف بها بل له علامات وأعراض معلومة قد يتميز بها وردت في الكتاب والسنة.
– وهذا البحث إنما يتكلم عن بقية الأعراض التي قد تقع بسبب السحر ولم يرد في تسميتها نص كعقد الرجل عن امرأته أو ربط الرجل -
فعلامات السحر وأعراضه، والحكم على الحالة المرضية من قبل الثقات أهل الخبرة في هذا المجال، ليست من الخوض في الغيب فالتشخيص على غلبة الظن.
وقاعدة العمل بغلبة الظن؛ معمول بها في الشرع ، والعمل بها في أمور الدنيا من باب أولى
والسحر يؤثر في المسحور والأثر محسوس، وإنكار المحسوسات مذهب بعض الفلاسفة!
قال السفاريني في نظمه/
وكل معلوم بحس وحجى ، ، ، فنكره جهل قبيح في الهجا
قال ابن قدامة " وقد اشتهر بين الناس وجود عقد الرجل عن امرأته حين يتزوجها فلا يقدر على إتيانها، وحل عقده، فيقدر عليها بعد عجزه عنها، حتى صار متواترا لا يمكن جحده""(ابن قدامة، المغني، (9/ 29)

قال الألباني –رحمه الله-
"...أما كيف يمكن اكتشاف كون زيد أو زينب من الناس مسحور أو مسحورة فهذا أمر لا ندريه وربما يمكن اكتشافه بما يحيط بهذا المسحور من تصرفات هذه التصرفات هي التي تشعر ذويه الذين هم من حوله بأنه مصاب بشيء من السحر..."
https://alathar.net/home/esound/inde...vi&coid=157529

ومسألة الاحتجاج بعدم الدليل في هذا الموضع يجعل النافي مطالب بالدليل، وهو محجوج حتى يأتي بأدلة النفي.
وبهذا احتج ابن تيمية على من قال بعدم إمكانية صرع الجن بقوله: " علم بالدلائل الكثيرة أن الجن قد تصرع الإنس كما قال عبد الله بن أحمد بن حنبل قلت لأبي أن الأطباء يقولون أن الجني لا يدخل بدن الإنسي فقال يا بني يكذبون هو ذا يتكلم على لسانه، وهذا أمر قد باشرناه نحن وغيرنا غير مرة ولنا في ذلك من العلوم الحسيات رؤية وسماعا ما لا يمكن معه الشك لكن المقصود هنا أن نبين أنهم ينفون الشيء بلا علم والنافي عليه الدليل كما على المثبت الدليل" (ابن تيمية، الصفدية، ط2، ج1، ص181)
وقلت: وكذلك يقال لمن نفى إمكانية خدمة الجن للساحر، وعدم القدرة على معرفة أعراض السحر.
قال ابن تيمية: "عدم العلم ليس علما بالعدم وعدم الدليل ليس علما بعدم المدلول عليه فإن عدم ما يدل على الشيء المعين لا يقتضي انتفاؤه فكيف إذا علم بالدلائل الكثيرة أن الجن قد تصرع الإنس" (المصدر السابق)

أيضاً احتج ابن تيمية بنفس الاحتجاج السابق على الرافضي الذي قال أن تصديق الرسول لا يمكن إلا بطريق الاستدلال بالمعجزات فقال "ومن قال: إنه لا طريق إلا ذلك، كان عليه الدليل، فإن النافي عليه الدليل كما على المثبت الدليل، وهو لم يذكر دليلا على النفي" - (ابن تيمية، منهاج السنة، ط1 ج3، ص94). - أي الرافضي لم يذكر دليلاً على النفي-
قلت: إلا إن كان النافي يخبر عن جهله وشكه فالدليل ساقط عنه بالإجماع. -انظر في ذلك- (السمعاني، قواطع الأدلة في الأصول، ط1، ج 2، ص41)
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "أما التجربة، فإن كان المجرب له أصل، فإن التجربة تكون تصديقًا له، وإن لم يكن له أصل، فإن كانت هذه التجربة في أمور محسوسة، فلا شك أنها عمدة، وإن كانت في أمور شرعية فلا" (اللقاء الشهري، لقاء رقم: 37، سؤال رقم: 26)
وللموضوع بقية - إن شاء الله-

فالسحر له حقيقة وأثر، وقد خصصت موضوعا مستقلاً، ونقلتُ بحثاً في ذلك يُنظر الرابط التالي لا سيما مشاركة 33 وما بعدها:
https://majles.alukah.net/t139929/

والسحر معروف بآثاره السيئة، متعارف على ذم فاعله منذ القدم
ولذلك اتهم كفار قريش النبي -صلى الله عليه وسلم- بالسحر، وأنه ساحر يفرق بين الناس كما جاء في السير ، ولو لم يكن كذلك لما كان للاتهام به معنى.
بل قد نفوا عنه السحر فيما يدور بينهم:
فهذا عتبة بن ربيعة ينفي أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم-شاعراً أو كاهناً أو ساحراً . (انظر ابن هشام، السيرة النبوية ، ط2، ج1،ص 294)
قلت : فالسحر له من الأوصاف، والأعراض ما يمكن التوصل إليها؛ لذلك قالوا لعتبة عندما سمعوا قوله في النبي -صلى الله عليه وسلم-
"سحرك والله يا أبا الوليد بلسانه" (المصدر السابق، ج1،ص 294)
قلت: أرادوا حسن البيان، وذلك ردا عليه عندما نفى أن يكون النبي ساحرا لعلمهم أن عتبة بكامل عقله، وقد تيقن أن -النبي صلى الله عليه وسلم- ليس بساحر .
- ولا تقبل أذكياء العرب هذا النفي إن لم يكن لما نُفي حقيقة وأثر يعرف بها ويُفرق بينه وبين غيره –

ونفى النضر بن الحارث كون النبي -صلى الله عليه وسلم- ساحر في قوله لقريش" يا معشر قريش، إنه والله قد نزل بكم أمر ما أتيتم له بحيلة بعد، قد كان محمد فيكم غلاما حدثا أرضاكم فيكم، وأصدقكم حديثا، وأعظمكم أمانة، حتى إذا رأيتم في صدغيه الشيب، وجاءكم بما جاءكم به، قلتم ساحر، لا والله ما هو بساحر، لقد رأينا السحرة ونفثهم وعقدهم ، وقلتم كاهن، لا والله ما هو بكاهن، قد رأينا الكهنة وتخالجهم وسمعنا سجعهم، وقلتم شاعر، لا والله ما هو بشاعر، قد رأينا الشعر، وسمعنا أصنافه كلها:
هزجه ورجزه، وقلتم مجنون، لا والله ما هو بمجنون، لقد رأينا الجنون فما هو بخنقه، ولا وسوسته، ولا تخليطه، يا معشر قريش، فانظروا في شأنكم، فإنه والله لقد نزل بكم أمر عظيم" (ابن هشام، السيرة النبوية ، ط2، ج1،ص 300)

ونفى الوليد بن المغيرة كون النبي -صلى الله عليه وسلم- من السحرة، وذلك في مكيدته وسعيه لتشويه سمعة النبي -صلى الله عليه وسلم- والصد عن سبيل الله عز وجل في قوله" ... قال: ما هو بساحر، لقد رأينا السحار وسحرهم، فما هو بنفثهم ولا عقدهم ، قالوا: فما نقول يا أبا عبد شمس؟ قال: والله إن لقوله لحلاوة، وإن أصله لعذق ، وإن فرعه لجناة- قال ابن هشام: ويقال لغدق - وما أنتم بقائلين من هذا شيئا إلا عرف أنه باطل، وإن أقرب القول فيه لأن تقولوا ساحر، جاء بقول هو سحر يفرق به بين المرء وأبيه، وبين المرء وأخيه، وبين المرء وزوجته، وبين المرء وعشيرته..."( انظر ابن هشام، السيرة النبوية ، ط2، ج1، ص 271 / انظر القرطبي، الإعلام بما في دين النصارى، ص335)
قلت: فاختيار السحر هنا للتدليس والتضليل؛ لوقوع المفارقة بين المسلم والكافر، فاختيارهم لمعرفتهم إمكانية وقوع التفريق عن طريق السحر ؛ ومرادهم انطلاء هذه الفرية على كل من سمع بها؛ لاشتهارها كعرض من أعراض السحر.
فنفيهم -فيما يدور بينهم- أن يكون النبي -صلى الله عليه وسلم - من السحرة، واختيار السحر لأنه أقرب الأقوال لتشويه سمعة النبي صلى الله عليه وسلم، دليل على أن السحر معروف بأثره السيء، ومتعارف على ذم فاعله -كما تقدم-
وإلا كيف ستُقبل دعواهم -عند العرب- إن كان من الغيب المطلق، الذي لا يمكن الوصول إلى معرفته؟!
فما هكذا تورد -عند العرب- الإبل !
لذلك حرصوا على انتقاء دعواهم من أمر واقع معروف، لتصدقهم وفود العرب

قال الشيخ صالح الفوزان " أما التصديق بوقوع السحر وحقيقته فهذا لا بد منه؛ لأن السحر له حقيقة وهو أمر واقع وهو يقتل ويمرض، ويفرق بين المرء وزوجه، فهو حقيقة واقعة، لا يصح إنكاره أبدًا وهذا لا يدخل في الممنوع، فالتصديق بوقوعه وضرره لا يدخل في الممنوع؛ لأن الله أخبر عنه، وأخبر عن ضرره، فمن جحده وأنكره كان مكذبًا لله عز وجل الذي يجحد، ويقول: لا يوجد سحر، والسحر ليس له حقيقة، وما أشبه ذلك، هذا يكون مكذبًا لما جاء في القرآن والسنة"(مجموع فتاوى فضيلة الشيخ صالح بن فوزان، ج1، ص 43)
قلت: قوله "وما أشبه ذلك" قد يدخل فيه من قال لا يمكن معرفة أعراض السحر نهائياً لأنه من الغيب المطلق !-والله أعلم-
وقال –حفظه الله-: "إصابة الجن الإنس، وهذا شيء ثابت ومعروف بالتجربة والحس، الجن يخالطون الإنسي ويخبلونه ويصيبونه، إما لأن الإنسي قد ضرهم وهم يريدون الانتقام منه، وإما لأنهم يعبثون به، أو لغير ذلك من الأغراض التي يريدونها.
والحاصل: أن إصابة الجن للإنس بالصرع شيء ثابت، ويدل عليه القرآن، ويدل عليه واقع التجربة والمشاهدة ولا ينكر هذا إلا جاهل"(الفوزان ، المصدر السابق، ج1، ص 53)
جاء في ردود أهل العلم على الطاعنين في حديث السحر "ولقد شاع السحر وذاع في سابق الزمان، وتكلّم الناس فيه ولم يبد من الصحابة ولا من التابعين إنكار لأصله" (مقبل الوادعي، ردود أهل العلم على الطاعنين في حديث السحر وبيان بُعد محمد رشيد رضا عن السلفية، ط2، ص 6)