أحبك يا رب
كتبه/ مصطفى دياب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
"اللهم إني أحببتك حبًّا سَهَّل عليَّ كل مصيبة ورضَّانِي بكلِ قَضاء، فما أُبالي مع حُبي لك ما أصبحتُ عليه، وما أمسيتُ فيه"؛ بهذه الكلمات الرائعة أنهى عامر بن عبد الله التَّمِيمِيُّ مناجاته لربه!
فأولًا: ما أحوجنا إلى أن تكون لنا لحظات نناجي فيها ربنا، وننطرح فيها بين يديه في صفاءٍ ونقاءٍ وصدقٍ، نُعبِّرُ فيها عن حبنا وذُلِّنا، وحاجتنا وفقرنا بين يديه تبارك وتعالى "رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ".
وثانيًا: مع إطلالة رشيقة حول هذه الكلمات الرائعات نرى كيف أن حبَّ الله عز وجل يُسَهِّل كل شيء حتى المصائب؛ فإما أنك لا تراها مصيبة أصلًا، أو أنك تراها أيسر ما يكون "وأنت تجعل الحَزن إن شئت سهلًا"، "اللهم لا تجعل مصيبتنا في ديننا"، فإن مصيبة الدِّين هي أكبر المصائب.
لقد ترك الصحابة الأهل والمال والأوطان، ولم يرى أحدهم هذه من المصائب، بل هجرة لله، ودخل أحدهم ساحات القتال، وتمنى أن يُضرب بسهم في نحره فيموت فيدخل الجنة، فلم يرها مصيبة، بل كانت أمنية راقية!
إن حب الله يُغير المعايير والمفاهيم، فقد تترك ما تُحب من شهوة ولذة، وأقوال وأفعال وعلاقات؛ لأنها ليست في مرضاة الله، و تعمل في الدعوة إلى الله، وتجتهد وتتعب، وتشعر بالعناء الحقيقي، ولكن ترى ذلك سهلًا، وليس عناءً فقط، بل تقول: "ويزول الألم ويبقى الأجر إن شاء الله"، وقد تتذكر حديث النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها: "إن لك من الأجر على قدر نصَبِك ونفقتِك"، فيزيدك ذلك عملًا في خدمة الدين والتحرك لإعلاء كلمة الله في ربوع الأرض، وأنت لا ترى ذلك جهدًا ولا مشقة، ولا عناءً، بل تجد راحتُك في الحركة لله والبذل في سبيل الله، وغيرك يرى ذلك مشقة وعناءً وإرهاقًا، إلخ.
ولذا أقول: إن حبَّ الله يغير المعايير والمفاهيم، ويُورث العبد التسليم المطلق والتام لله عز وجل، مع الرضا بالقضاء، "وجهت وجهي إليك".
اللهم ارزقنا حبك وحب مَن يحبك، وحب كل عمل يقربنا إلى حبك، وصلِّ اللهم على نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه وسلم.
