رد: من وصايا السلف للشباب
من وصايا السـلـف للشـبـاب ( 3)
الشيخ عبدالرزاق بن عبدالمحسن البدر
ومن جملة وصايا السلف للشباب: ما جاء عن محمد بن سوقة، قال: «لقيني ميمون بن مهران؛ فقلت: حياك الله؛ فقال: هذه تحية الشباب، قل بالسلام» أي: سلم.
وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم : «من بدأ بالكلام قبل السلام فلا تجيبوه».
وقوله -رحمه الله-: «هذه تحية الشباب». أي: أن بعض الشباب تستطيب نفوسهم نوعا من التحية، ويرى أنها أجمل ما يكون عندما يلقى إخوانه أو زملاءه؛ فيترك السلام ويهجره، ويبدأ ببعض التحيات التي رغب فيها ومال إليها؛ فربما اقتصر عليها وترك السلام، وربما أتى بالسلام بعدها.
قوتكم اجعلوها في شبابكم
ومن جملة وصايا السلف -رحمهم الله- للشباب أيضا ما جاء عن أبي المليح، قال: قال لنا ميمون بن مهران ونحن حوله: «يا معشر الشباب، قوتكم اجعلوها في شبابكم، ونشاطكم في طاعة الله، يا معشر الشيوخ، حتى متى»؟. أوصى -رحمه الله- باستغلال قوة الشباب ونشاطه في طاعة الله -عز وجل- وما يقرب إليه.
ثم قال: «يا معشر الشيوخ، حتى متى؟»، يعني: حتى متى تنتظرون ولا تستغلون حياتكم في طاعة الله -عز وجل؟
إذا لم تصلوا اليوم فمتى؟
عن الفريابي، قال: «كان سفيان الثوري -رحمه الله- يصلي ثم يلتفت إلى الشباب؛ فيقول: إذا لم تصلوا اليوم فمتى؟».
أوصى سفيان الثوري -رحمه الله- الشباب وصية عظيمة باستغلال شبابهم في طاعة الله؛ فالشباب إذا لم يستغل مرحلة شبابه في السجود لله -عز وجل- فقد يضعف ويدخل في مرحلة من حياته يود فيها أن يسجد، ولكن لا يستطيع؛ بسبب ضعف قواه، ومرض بدنه؛ فلا يتمكن من السجود؛ ولهذا قال: «إذا لم تصلوا اليوم فمتى؟».
أتشتاقون إلى الحور العين؟
ما جاء عن ربيعة بن كلثوم أنه قال: نظر إلينا الحسن ونحن حوله شباب؛ فقال: «يا معشر الشباب، أما تشتاقون إلى الحور العين؟».
هذا التفات بديع من الإمام الحسن البصري -رحمه الله- يذكر فيها الشباب بنعيم الجنة، وما فيها من ملذات ومسرات، التي منها الحور العين الحسان، ليتجدد بذلك النشاط والشوق إلى الجنة ونعيمها، وإذا قام هذا في قلب الشباب دفعه -بعد توفيق الله تعالى- إلى الاجتهاد في أعمال الآخرة والسعي لها، والله -تعالى- يقول: {ومن أراد الآخرة وسعى لها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكورا}.
إياكم والتسويف
ما جاء عن الحسن البصري أيضاً -رحمه الله- أنه قال: «يا معشر الشباب، إياكم والتسويف: سوف أفعل، سوف أفعل».
قوله: «إياكم والتسويف»: التسويف هو الآفة التي أهلكت كثيرا من الشباب، كقول بعضهم: «سوف أتوب، وسوف أحافظ على الصلاة، وسوف أبر والدي»؛ فلا يفعل ولا يبادر ولا يغتنم، بل يؤجل ويسوف؛ فنفسه إذا حدثته بالتوبة، أو بالمحافظة على الصلاة، وغير ذلك، جاءته هذه الآفة وصرفته عن هذا الخير، ولايزال يسوف ويؤجل حتى تفوته بركة الشباب، واغتنام وقته بالخير.
وربما أجل بعضهم التوبة إلى أن يصل إلى عمر ما من حياته؛ فتأتيه المنية قبل أن يصل إلى ذلك العمر.
خذوا من أنفسكم
ما جاء عن حفصة بنت سيرين أنها قالت: «يا معشر الشباب، خذوا من أنفسكم وأنتم شباب؛ فإني والله ما رأيت العمل إلا في الشباب».
قولها: «ما رأيت العمل إلا في الشباب» أي: أن مرحلة الشباب من أعظم المراحل التي هي مرحلة الخير إن وفق الشباب بإذن الله -سبحانه وتعالى- لاغتنامها، بينما إذا لها عن اغتنام مرحلته، واستهلك وقت شبابه في تتبع الملاذ والشهوات ومآرب النفس وحظوظها، ولاسيما المحرمات -والعياذ بالله- واستعذبها؛ فقد جنى على شبابه ومستقبله، كما قال القائل:
مآرب كانت في الشباب لأهلها
عذابا فصارت في المشيب عذابا
فالمآرب كانت في الشباب عذابا ويراها فاعلها حلوة؛ فلما كبر في السن وجدها عذابا عليه؛ وذلك بسبب ما ترتب عليها من العواقب الوخيمة. فالشباب مرحلة عظيمة جدا في حياة المرء، ينبغي عليه أن يحسن اغتنامها، وأن يجاهد نفسه مجاهدة تامة على عدم تفويت خيرها وبركتها، مستعينا بالله -عز وجل- طالبا مده وعونه وتوفيقه، وأن يذكر نفسه بأن الله -سبحانه وتعالى- سائله عن هذه المرحلة يوم يلقاه.
هذا ما تيسر جمعه في هذا الباب، وأسأل الله الكريم رب العرش العظيم بأسمائه الحسنى وصفاته العليا أن يوفقنا لما يحبه ويرضاه من سديد الأقوال وصالح الأعمال، وأن يصلح لنا شأننا كله، وألا يكلنا إلى أنفسنا طرفة عين، وأن يهدينا إليه صراطا مستقيما.