عصر وسائل التواصل الاجتماعي
عصر وسائل التواصل الاجتماعي
أحمد قوشتي عبد الرحيم
قبل عصر وسائل التواصل الاجتماعي كان الغالب على كل صاحب مذهب أو اتجاه عقدي أو فكري أنه يعيش منعزلا داخل اتجاهه ، يشعر بوثوقية تامة ، ويبيت مطمئنا بما هو عليه ، ولا يسمع إلا صوتا واحدا ، وقلة قليلة فقط هي التي كانت تسعى للخروج إلى آفاق أوسع ، لتختبر ما تتبناه ، ولتتعرف على انتقادات الآخرين .
ثم كان ماذا ؟!!
جاءت وسائل التواصل ، فانفتح على الناس طوفان هائل من الخير والشر ، والحق والباطل ، و خليط عجيب من الأشخاص والأفكار والاتجاهات والردود ، والقيل والقال ، فاهتزت لدى البعض ثوابت ، وتهاوت يقينيات ، وأصيب من أصيب بالتخبط أو الإحباط ، وتفاوتت ردود الأفعال :
- فالذكي الناصح انتهزها فرصة ليستفيد من كل متميز في ميدانه ، ويلتقط الخير والفائدة من كل ناصح ، وكل ذلك بانضباط وتعقل لا يورثه التوهان أو التخبط ، أو التشويش على مشاريعه وخططه التي هو ماض فيه .
- والآخر المسكين صرف همه للقيل والقال ، والأخذ والرد ، وانضم بعضهم إلى " ألتراس " ما ، يصيح كالديكة بغير فهم ولا تمييز ، فضيع وقته وعمره ، أو صار مذبذبا ، تارة إلى هؤلاء وتارة إلى أولئك ، وربما وقف حائرا لا يدري أي طريق يسلك.
- والثالث المفتون : هاله التفرق والاختلاف وأورثه الحيرة والاضطراب ، وظن أن كل هؤلاء المختلفين على باطل ، فهجرهم جميعا ، وانصرف إما إلى الشهوات يرتع فيها ، وإما إلى الشبهات يصطلي بنيرانها ، ويقاسي من أهوالها ، وربما انسلخ انسلاخا تاما من كل دين وإيمان .
وتبقى نصيحة أذكر بها نفسي وكل من يقرأ هذه السطور ، وهو أحد رجلين :
فإن كنت طالب علم في أول الطريق فلا تدخل نفسك في هذه المتاهات ، واقتصر على عدد محدود تتابعه ، فتستفيد ، ويزداد إيمانك ويقينك وترتقي علميا وقلبيا ومعرفة بالواقع .
أما ذاك المتبوع الذي يقرأ له الناس : فليتق الله فيمن يتابعونه ، وليختر ما يطرحه عليهم من مسائل وإشكالات ، فليس كل ما يعلم يقال ، وليس كل ما يقال حان وقته أو يصلح لكل الناس ، وطعام الكبار سم للصغار ، وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال " «حَدِّثُوا النَّاسَ بِمَا يَعْرِفُونَ ، أَتُحِبُّونَ أَنْ يُكَذَّبَ اللهُ وَرَسُولُهُ» " وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه " مَا أَنْتَ بِمُحَدِّثٍ قَوْمًا حَدِيثًا لَا تَبْلُغُهُ عُقُولُهُمْ إِلَّا كَانَ لِبَعْضِهِمْ فِتْنَةً "