رد: من أعظم أسباب ظهور الدين
وقال رحمه الله
فالقرآن لما كذب به المشركون ، واجتهدوا على إبطاله بكل طريق مع أنه تحداهم بالإتيان بمثله ، ثم بالإتيان بعشر سور ، ثم بالإتيان بسورة واحدة ، كان ذلك مما دل ذوي الألباب على عجزهم عن المعارضة ، مع شدة الاجتهاد ، وقوة الأسباب ، ولو اتبعوه من غير معارضة وإصرار على التبطيل ، لم يظهر عجزهم عن معارضته التي بها يتم الدليل .
وكذلك السحرة لما عارضوا موسى عليه السلام ، وأبطل الله ما جاءوا به ، كان ذلك مما بين الله تبارك وتعالى به صدق ما جاء به موسى عليه السلام ، وهذا من الفروق بين آيات الأنبياء وبراهينهم التي تسمى بالمعجزات ، وبين ما قد يشتبه بها من خوارق السحرة ، وما للشيطان من التصرفات ، فإن بين هذين فروقا متعددة ، منها ما ذكره الله تعالى في قوله : هل أنبئكم على من تنزل الشياطين تنزل على كل أفاك أثيم .
ومنها ما بينه في آيات التحدي ، من أن آيات الأنبياء عليهم السلام لا يمكن أن تعارض بالمثل فضلا عن الأقوى ، ولا يمكن أحدا إبطالها بخلاف خوارق السحرة والشياطين ; فإنه يمكن معارضتها بمثلها وأقوى منها ويمكن إبطالها .
وكذلك سائر أعداء الأنبياء من المجرمين شياطين الإنس والجن ، الذين يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا إذا أظهروا من حججهم ما يحتجون به على دينهم المخالف لدين الرسول ، ويموهون في ذلك بما يلفقونه من منقول ومعقول - كان ذلك من أسباب ظهور الإيمان الذي وعد بظهوره على الدين كله بالبيان والحجة والبرهان ثم بالسيف واليد والسنان .
قال الله تعالى : لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب إن الله قوي عزيز .
وذلك بما يقيمه الله تبارك وتعالى من الآيات والدلائل التي يظهر بها الحق من الباطل ، والخالي من العاطل ، والهدى من الضلال ، والصدق من المحال ، والغي من الرشاد ، والصلاح من الفساد ، والخطأ من السداد ، وهذا كالمحنة للرجال التي تميز بين الخبيث والطيب . قال تعالى : ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب .
وقال تعالى : الم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين أم حسب الذين يعملون السيئات أن يسبقونا ساء ما يحكمون .