أربعون وصية في الطريق إلى المدينة المنورة

أربعون وصية في الطريق إلى المدينة المنورة




كتبها الفقير إلى عفو ربه

أكرم محمد زكي




كثيراً من المسلمين يزورون المدينة المنورة سواء في زيارة خاصة أو أثناء رحلتهم إلى الحج والعمرة فيزورنها قبيل ذلك أو بعده، اقتداءً بقوله عليه الصلاة والسلام: «لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إلى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ: مَسْجِدِي هذا، وَمَسْجِدِ الحَرَامِ، وَمَسْجِدِ الأقْصَى» (صحيح مسلم).
أضع بين يدي القارئ وصايا أبوية لمن يبدأ رحلته لزيارة المدينة المنورة، وهي وصايا محب لمن يريد له الخير والفلاح، وهذه الوصايا ليست من قبيل الحلال والحرام (كلا) بل هي خواطر، فالحلال بين والحرام بين، لكنها من باب الأدب والتزكية وحسن السمت الذي نرجوه لكل مسلم، والله الهادي إلى سواء السبيل.

يا بني، اذا هممت يا بني بزيارة المدينة المنورة فتقبل مني الوصايا الآتية:
يا بني اوصيك اولاً بوصية الله لخلقه ألا وهي تقوى الله والامتثال لأمره والانتهاء عما نهى عنه. يا بني أخلص النية لوجهه الكريم فإنه لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصاً لوجهه الكريم. وأكثر من العمل الصالح والطاعات قبل زيارتك للمدينة فهذه مقدمات وبذرات لما بعدها.
إذا بدأت رحلتك إلى المدينة فأكثر من الصلاة والسلام عليه وزد كلما اقتربت من المدينة.

لا تنس الصدقة، وتذكر قوله تعالى: {إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً} (المجادلة: 12).
حاول أن يكون أول شيء تفعله عند وصولك المدينة هو زيارة قبره الشريف والسلام عليه واخر ما تفعله قبل رحيلك هو زيارة قبره الشريف والسلام عليه.
حاول في زيارتك أن لا تفوتنك صلاة فريضة وأنت في المدينة بغير المسجد النبوي واحرص على أداء السنن أيضا في المسجد لما فيه من مضاعفة الأعمال.
طوال مكوثك في المدينة فأكثر من الصلاة والسلام عليه فأنت في مدينته، وطوال بقاءك في مسجده فزد من الصلاة والسلام عليه فأنت قريب منه.
إن استطعت أن تبدأ كل أيامك بزيارته وأن تختمها بزيارته فافعل، بل إن استطعت كلما ذهبت لمسجده أن تبدأ بزيارته وكلما خرجت أن تنتهي بزيارته فافعل.
عند زيارتك لقبره ومسجده فاكثر من الاستغفار وتذكر قوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا ْ اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللّهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا } (النساء: 64).
اذا جلست في مسجد الرسول عليه الصلاة والسلام فتأدب ولا تتكلم بصوت مرتفع. وتذكر قوله تعالى: {لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ} (الحجرات: 2).
حاول عدم الرد على المكالمات الهاتفية في المسجد خاصة ان لم تتمكن من الالتزام بالآداب وإن فعلت فاغضض من صوتك وتذكر قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى } (الحجرات: 3).
حاول عدم فتح الإنترنت داخل المسجد فلا تدري ماذا قد يظهر لك من إعلانات وتذكر حرمة المكان.
حاول عدم الإكثار من وسائل الاتصال الاجتماعية وغير الإجتماعية فمن العيب عند جلوس الحبيب مع حبيبه الانشغال بغيره.
أعلم أن هذا المكان حساس تتضاعف فيه السيئات... {أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ} (الحجرات: 2) وتتضاعف فيه الحسنات: { أُوْلَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ} (الحجرات: 3).
عند دخولك المسجد النبوي ضع حذاءك في كيس فإن ذلك أدعى للنظافة وخير من حمله فوق رؤوس المصلين وفوق المصاحف وهو في غير مخبئه.
حاول عدم اصطحاب النعال معك أثناء سلامك على الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، وإن اضطررت فضعه في مخبئه.
تصرف عند زيارتك له كأنك تزور ملكا من ملوك الدنيا فحاول التادب والخشوع والسكينة ولا تؤذي أحدا ولا تتدافع ولا تنشغل بما دونه من كلام او صور او التفاتات.
عند السلام عليه انقل له سلام من اوصاك من المحبين وحاول قبل ذلك تسجيل اسماء من يوصيك اولاً بأول.
حافظ على نظافة المسجد وارفع الأذى بيدك ولا يغرنك كثرة العاملين فتظنن عدم الحاجة او تظن ان النظافة من واجبهم.
إذا جلست على كرسي فلا تضع رجلك فوق الأخرى فإنها جلسة تكبر لا تليق بهذا المكان.
لا تكثر من الكلام بما لا ينفع او الانشغال بالهاتف وغيره من الملهيات ونسيان وقارة المكان.
إذا قرأت القرآن من المصحف فلا تضعه على الأرض واحرص على جعله مرتفعاً عن الأقدام.
لا تمش أمام المصلين في مسجده وفي غيره ولا يغرنك من يفعل ذلك فيقل اهتمامك بالأمر.
افسح لغيرك المجلس ووسع لهم أماكن الصلاة ووسع صدرك للآخرين واصبر على ازعاجهم. واعلم ان زوار المسجد النبوي هم جيران وظيوف المصطفى عليه الصلاة والسلام فاحرص على إكرامهم.
إذا أخذت صور فاحرص على عدم ظهور وجوه الناس فيها دون اذنهم. وحاول أن لا يشغلنك التصوير عن العبادات وخاصة عند أماكن العبر والانكسار فلا يليق الإنشغال بالصورة في تلك المواضع.
حاول عدم الأكل في المسجد إلا عند الحاجة فللمسجد حرمته وتذكر قوله تعالى: {وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ} (الحج: 30).
ستجد من اهل الخير من يوزع الأطعمة يومياً في مسجده وخارج مسجده فلا تشغلنك هذه الاعطيات عن الطاعات، وإن كنت لا بد فاعل فاحرص على عدم الإكثار.
اعلم أن الأعطيات التي توزع هي من قبيل الصدقة فلا تكثر من أكل الصدقة وكن انت صاحب اليد العليا الذي يطعم غيره ويكسو غيره.
حاول الالتزام بالسنن في المدينة قدر المستطاع كالسواك وإفشاء السلام وغيرها، ولا تنس الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
عليك بالسكينة والتزام الأدب وانت في المدينة وتذكر قوله تعالى: {أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} (المائدة: 54).
وأنت في المدينة حاول أن لا تشرب غير ماء زمزم واحرص على الدعاء أثناء شربك له.
احرص على ماء زمزم من الضياع ولا تغرنك كثرته او عدم حرص بعض الناس عليه.
أطل مقامك في المدينة قدر المستطاع بدل اليوم يومان وبدل اليومان ثلاثة وتذكر قوله عليه الصلاة والسلام: «لا يَصْبِرُ علَى لَأْوَائِهَا وَشِدَّتِهَا أَحَدٌ، إلَّا كُنْتُ له شَهِيدًا، أَوْ شَفِيعًا يَومَ القِيَامَةِ» (صحيح مسلم). تذكر أن قوله أيضاً: «تَنْفِيَ المَدِينَةُ شِرَارَهَا، كما يَنْفِي الكِيرُ خَبَثَ الحَدِيدِ» (صحيح مسلم).
عند تاجيرك سكناً في المدينة فحاول الاقتراب من قبره الشريف قدر المستطاع واعلم أن الجوار جوار من العذاب ولا يقدر عليه المنافقون وتذكر قوله تعالى: {ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلً} ا (الأحزاب: 60).
اذهب لزيارة البقيع وأحد وقباء فإن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يزورها واحرص إن ذهبت لزيارة مكان ما أن تذهب وتعود بين الصلوات المكتوبة حتى لا تفوتنك صلاة في غير مسجده.
حاول عدم التواصل مع الأصدقاء والمعارف في المدينة فقد تضطر إلى الإلتزام بموعد يشغلك عن ما جئت من أجله.
اعلم أن الذهاب إلى مسجده هو اختيار من الله فكن لذلك من الشاكرين.
اعلم أن هؤلاء المقيمين في المدينة المنورة من خيرة الناس وقد اختارهم الله سبحانه لجوار حبيبه وهم أول من يشفع لهم الحبيب المصطفى عليه الصلاة والسلام، فكن لهم مقدراً وكريماً.
اعلم أنك في أرض محرمة فاحرص كل الحرص على عدم فعل الحرام ومنها فضول النظر حيث أنه ميسر بسبب كثرة الزائرين من بقاع عديدة.
إعلم انك في مدينة يحبها الرسول عليه الصلاة والسلام فاحبها، وأحب أهلها وجبالها وهوائها وزوارها.
اعلم أن المدينة المنورة مدينة مباركة بدعوة دعوة الرسول عليه الصلاة والسلام لها في البركة فاغتنم هذه البركة لعلك تنالك من بركتها في عملك وحسناتك ورزقك وذريتك.
اعلم ان الرسول عليه الصلاة والسلام قد دعا على من أراد المدينة بسوء فاحرص على أن لا ترمي فيها زبالة ولا تتلف فيها نباتاً ولا تكسر فيها غصناً من غير حاجة.
في الختام أسأل الله تعالى أن ينفع بهذه الخواطر وأن يجعلها خالصة لوجهه الكريم، وأود التأكيد على أنها من قبيل الآداب العامة وليست من قبيل الحلال والحرام، وهي تمثل وجهة نظري الشخصية كمعلم يتحدث مع طلابه وليست من قبيل التعليمات والإجراءات. وما كان منها من صواب فهو منه سبحانه وتعالى، وما ورد من خطأ فهو مني ومن الشيطان، والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.