من مدرسة التفسير المحوري للقرآن الكريم : التحقيق في كلمات القرآن الكريم العلامة اللغوي حسن مصطفوي

كتاب " التحقيق في كلمات القرآن الكريم " للعلامة اللغوي حسن مصطفوي، وهو كتاب بحق فريد من نوعه، فقد إعتمد فيه الدلالة المعنوية المحوية لألفاظ القرآن الكريم، وهو المنهج الذي صرح المؤلف أنه سيعتمده في التفسير.
1 - مدرسة التفسير المحوري للقرآن الكريم:
و فكرة تفسير القرآن بالدلالة المحورية، هي مدرسة بدأت فكرتها مع الإمام أحمد بن الفارس في مقاييس اللغة، ثم بدأت منهجا مع الإمام حميد الله الفراهي رحمه الله، الذي إرتأى أن فهم القرآن على الوجه الصحيح، لا يتم إلا بمعرفة معنى المحوري للألفاظ التي يتركب منها القرآن، أي " جرثومة المعنى" على حد تعبيره، التي يأخذ منه اللفظ ذلك المعنى في كل مواضعه في القرآن الكريم، إذ أن معنى الإصطلاحي يذهب الذهن لفهمه بمستند الشرع، لكن معظم ألفاظ القرآن السند فيه إلى اللغة، فيقول في مقدمة تفسيره " فأما في سائر الألفاظ وأساليب حقيقتها ومجازها فالمأخذ فيه كلام العرب القديم والقرآن نفسه. وأما كتب اللغة فمقصرة فإنها كثيراً ما لا تأتي بحد تام، ولا تميز بين العربي القح والمولد، ولا تهديك إلى جرثومة المعنى، فلا يدرى ما الأصل وما الفرع، وما الحقيقة وما المجاز. "فمن لم يمارس كلام العرب، واقتصر على كتب اللغة ربما لم يهتد لفهم بعض المعاني من كتاب الله ".
وقد طبق الإمام الفراهي هذا المنهج، من خلال كتابه مفردات القرآن و لم يقصد الإستيعاب كما ذكر هو نفسه، و فسر به بضعة سور من القرآن الكريم، و توفي رحمه الله سنة 1349 ه الموافق لسنة 1930 م، و لم يرى منيته و أمله في تفسير القرآن كاملا بهذا المنهج،
ثم جاء جاء بعد ذلك العلامة اللغوي حسن مصطفوي، فألف " التحقيق في كلمات القرآن الكريم " مستوعبا للألفاظ القرآنية على منهج فريد يراعي فيه الدلالة الإشتقاقية للمعنى، و يطبق ذلك بأمثلة قرآنية تبين صحة أخذ اللفاظ من تلك اللطيفة المعنوية التي دل عليها الإشتقاق، وقد صرح العلامة اللغوي حسن مصطفوي عفى الله عنه أن كتابه " التحقيق في كلمات القرآن الكريم هو مقدمة لتفسيره، لكنه لم يتمه و توفي رحمه الله سنة 2005 و ولد رحمه الله مابين سنة 1917 و 1918 أي في حياة الإمام الفراهي رحمه الله.
ثم بعد ذلك جاء العلامة الشيخ الدكتور محمد حسن حسن جبل رحمه الله، الذي هو بحق مرحلة متقدمة في هذه المدرسة من خلال معجمه " المعجم الإشتقاقي المؤصل لألفاظ القرآن الكريم " أي المؤصل ببيان العلاقات بين ألفاظ القرآن الكريم بأصواتها و بين معانيها، و أسس معجمه على فكرتين الأولى المعنى المحوري الذي أخذ به الإمام الفراهي و العلامة المحقق حسن مصطفوي و الثاني ما سماه المؤلف بالفصل المعجمي، و حتى يتبين الإنسان قيمة هذا المعجم لابد من فهم الفكرتين:
-الأولى: المقصود من المعنى المحوري " "الدلالة المحورية في معجم مقاييس اللغة يشرح فكرة الدلالة المحورية بتفصيل نسبي فيقول: "المقصود بالدلالة المحورية لجذر ما، هو المعنى الذي يتحقق تحققاً علمياً في كل الاستعمالات (= التراكيب) المصوغة من هذا الجذر" "ومن الواضح، بعد، أن هذا المعنى المحوري، يتميز بما يلي:
1 - أنه تجريديّ، بمعنى أنه يُسْتخلَص مِنْ كل استعمالات الجذر- أو من أكثرها - استخلاصاً ينهض على لَمْح صور هذا المعنى في تلك الاستعمالات.
2 - أنه من صُنع اللغويّ، أو الباحث، بمعنى أنه بصورته المحورية قد لا يكون مصرّحاً به في المعاجم اللغوية التي تُفسر المفردات.
3 - أن هذا المعنى قد يتحقَّق في بعض الاستعمالات بصورة صريحة مباشرة، وقد يتحقق في بعضها الآخر بصورة تحتاج إلى تأويل بدرجات مختلفة" (أهـ). عن كتاب الدكتور محيي الدين عبد الغني في كتابه " عن المعجم المؤصل الإشتقاقي لألفاظ القرآن الكريم "
- الثاني: المقصود بالفصل المعجمي " أن كل التراكيب المُبتدأه بحرفين بعينيهما وترتيبهما يكون في معنى كل منها قدر مشترك مع معاني سائرها. مثلا تراكيب (بتت، بتر، بتع، بتك، بتل) فيها كلها معنى القطع، وقد ثبتت هذه الخصيصة بنحو 350 فصلا معجميا، فهي خصيصة مطردة في اللغة العربية لا تجحد" وهذا الشيء جديد في ميدان التفسير اللغوي للقرآني الكريم فضلا عن الإشتقاق كما هو عند علماء العربية، و الفصل المعجمي تأثيل و تأصيل و إشتقاق يراعي فيه الدلالة الصوتية و إرتباطها بالمعنى.
وقد توفي الشيخ رحمه الله سنة 2015 م وولد في سنة 1931 م و عاصر الشيخ العلامة اللغوي حسن المصطفوي عفا الله عنه.
فسبحان الله العظيم، كيف أخدم الله هؤلاء الثلاثة، في تعاقب واحد تلو واحد، على فكرة واحدة، رحمهم الله رحمة واسعة، و جزاهم الله خير جزاء على ما قدموه و خدموا به كتاب الله تعالى.
و هذا المدرسة القرآنية، أي مدرسة التفسير المحوري للقرآن الكريم هي مدرسة كاملة منهجا و مادة، من خلال مؤلفات الشيخ الفراهي، كفاتحة نظام القرآن. مقدمة تفسيره (نظام القرآن وتأويل الفرقان بالفرقان نظام القرآن)، و نظام القرآن وتأويل الفرقان بالفرقان و مفردات القرآن و دلائل النظام، و كتاب التحقيق في كلمات القرآن الكريم للعلامة المصطفوي، و كتاب المعجم الإشتقاقي المؤصل لألفاظ القرآن الكريم للعالم و الشيخ و الدكتور محمد حسن حسن جبل و كتبه الأخرى في الإشتقاق اللغوي، رحمهم الله جميعا، فلماذا لا يظهر تفسير على منهج مدرسة التفسير المحوري للقرآن الكريم، و من خلال المادة العلمية التي قدمها هؤلاء الأعلام، جامعا لدقائق ما توصلوا إليه، و مهذبا و محققا و محررا ذلك كله في موضع كل آية و سورة من القرآن الكريم، ولذلك فائدة عظيمة جدا، و الله الموفق لفضله من يشاء.
2 - التعريف بالكتاب:
كتاب " التحقيق في كلمات القرآن الكريم "، بدأ تأليفه العلامة حسن المصطفوي سنة 1393 ه و إنتهى من تأليفه سنة 1408 ه، و نشره على مراحل، أول جزء مطبوع منه كان سنة 1393 ه، و لم تظهر طبعة كاملة للكتاب في 14 مجلدا إلا سنة 1410 ه، و هي الطبعة الأولى لوزارة الثقافة و الإرشاد الإسلامي الإيرانية و كان طبعه بطهران، ثم طبع المرة الثانية، و طبع المرة الثالثة في بيروت لبنان، و صدر عن دار الكتب العلمية ببيروت، لبنان، سنة 1430 ه، بالتعاون مع مركز نشر آثار العلامة المصطفوي بلندن، و جاءت الطبعة الثالثة بطباعة محققة، و فاخرة على ورق شمواه أصفر، مريح للقارئ.
3 - منهج الكتاب:
بين المؤلف عفا الله عنه منهجه في كتابه قائلا في مقدمته:
و بعد: فلمّا كانت الاستفادة من الحقائق و المعارف و الأحكام و الآداب من القرآن المجيد، متوقّفةً على فهم مفردات كلماته على وجه التدقيق و التحقيق:
فيلزم علينا أن نجهد في إدراك حقائق تلك الكلمات و اللغات، و التمييز بين مفاهيمها الحقيقيّة و المجازيّة.
و كانت الكتب المؤلّفة في لغات العرب مختلفة، و أكثرها ما ألّفت و الغرض فيها جمع الأقوال و الاشارة الى مطلق موارد الاستعمال بأيّ وجه كان، فهذه الكتب لا تغني من الحقّ شيئاً، و لا تزيد إلّا ضلالًا و تحيّرا في كلمات اللّه تعالى.
و من فضل اللّه المتعال و تأييده: أن وفّقنى لتأليف هذا الكتاب الشريف بهذا المنظور، و على هذه الخصوصيّات:
1 - اعتمدنا في نقل اللّغات على كتب الّفت على مبنى الدقّة و تمييز الحقيقة و التكنّه و التحقيق و إيراد الصحيح، كالصحاح و المقاييس و الاشتقاق و المصباح و التهذيب و الجمهرة و العين و أمثالها.
2 - و نقلنا عمّا يقرب منها في الدقّة و التحقيق، تأييدا و توضيحا، كالأساس و الفائق و المفردات و اللسان.
3 - رمزنا عن الكتب الّتى ننقل عنها كثيرا، للاختصار، و أشرنا اليها في آخر الكتاب.
4 - و كان نقلنا عن الكتب بمقدار حاجتنا من دون تغيير و زيادة، و أسقطنا منها ما لم تمسّ الحاجة اليه.
5 - و كتبنا ما ننقل من كلمات القوم بخطّ النسخ: و ما يضاف إليها و يلحق بها من التوضيح و التحقيق و التفسير بخطّ النستعليق. في الطبعة الاولى، و ميزّنا بينهما بعلامات في الطبعة الثانية.
6 - و احترزنا في التعليق و البيان عن التطويل، و عن نقل ما هو خارج عن موضوع بحثنا، و عن المكرّرات.
7 - و كان اعتمادنا في تعيين الآيات على كتاب المعجم المفهرس، في أكثر الموارد، و قد نقلنا عن سائر، المصاحف المصريّة في بعض الموارد.
8 - و لم يكن غرضنا من تأليف هذا الكتاب: إلّا التحقيق و الكشف عن المعاني الحقيقيّة للكلمات، و اجتهدنا غاية الاجتهاد و بذلنا نهاية وسعنا و استمددنا من الآيات الكريمة، و تعرّضنا للفيوضات الإلهيّة و الإلهامات الربّانيّة فيها، فنحمد اللّه تعالى على ما هدانا و ألهمنا. وَ ما تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ العزيز الحكيم.
9 - و لمّا تبيّن الحقّ في كلمة: طبقناه على موارد استعمال تلك الكلمة في الآيات الكريمة، ليظهر الحقّ و يزهق الباطل.
10 - و إذا ظهر الأصل الواحد في مادّة: أرجعنا سائر المعاني المجازيّة و المستعملة اليه، و بيّنا وجه المناسبة بينها.
11 - و حيث تبيّن الحقّ: لم نتعرّض لما في كتب اللغة و التفسير و الأدب من جهات الضعف و الوهن و الانحراف.
12 - و في إثر هذه الدقّة و التحقيق: قد اتّضحت حقائق لامعة و معارف حقّة و لطائف شريفة و أسرار مكنونة قد خفيت على اكثر المفسّرين و اشتبهت عليهم.
وهو كتاب قيم جدير بالمدارسة، و لقد حاول و إجتهد مؤلفه على قدر وسعه.
نسأل الله برحمته أن ينفع به قارئه، و ينفع به مؤلفه، و ينفع به أمة الإسلام، آمين.