رد: مقومات الداعية الناجح
مقومات الداعية الناجح (2-5)
(الحلقة الثانية)
الفصل الثالث: مقومات النجاح في تكوين الداعية:
في هذا الفصل أسلط الضوء على المقومات الشخصية اللازمة في تكوين الداعية؛ ليتأهل للنجاح في دعوته؛ فالمقصود هو بيان ما يلزم الداعية أن يتحقق به في ذات نفسه، وأن يوجده ويكمله في سماته وصفاته، كأساس لا بد منه قبل أي مقومات خارجية تتصل بالمدعوين، أو بيئة الدعوة أو موضوعاتها.
وإن هذه المقومات كثيرة ويمكن أن يطول الحديث في سردها وعرضها، وتكون بمثابة استعراض لواجبات وآداب الإسلام، مما يفقدنا معرفة الأولويات، والأهمية الكامنة في بعض المقومات؛ ولذا اجتهدت بعد التأمل والتفكير، أن أسلط الضوء على أربعة مقومات، هي الأكثر أهمية وشمولية، ويندرج تحتها كثير من الصفات الأخرى.
المبحث الأول: التميز الإيماني والتفوق الروحاني:
إن التميز في مجال الإيمان عقيدةً صحيحةً، ومعرفةً جازمةً، وتأثيراً قوياً يعد-بلا نزاع- أهم المقومات، وأولى الأولويات بالنسبة للداعية؛ لكي يكون الداعية عظيم الإيمان بالله، شديد الخوف منه، صادق التوكل عليه، دائم المراقبة له، كثير الإنابة إليه، لسانه رطب بذكر الله، وعقله مفكر في ملكوت الله، وقلبه مستحضر للقاء الله، مجتهد في الطاعات، مسابق إلى الخيرات، صوام بالنهار قوّام بالليل، مع تحري الإخلاص التام، وحسن الظن بالله، وهذا هو عنوان الفلاح، وسمت الصلاح، ومفتاح النجاح؛ إذ هو تحقيق لمعنى العبودية الخالصة لله، وهي التي تجلب التوفيق من الله، فإذا بالداعية مسدد، إن عمل أجاد، وإن حكم أصاب، وإن تكلم أفاد .
وهذا الباب واسع الجوانب متعدد المستلزمات، وحسبي أن أبرز أهم هذه الجوانب:
أولاً: عظمة الإيمان بالله:
أساس كل أمر هو تجريد التوحيد، والبعد عن الشرك، ولا بد أن يكون الداعية صحيح الإيمان، خالص التوحيد، عنده من العلم ما يعرِّفه بالله وربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته، وأن تستقر هذه المعرفة في سويداء قلبه، وتملك عليه أقطار نفسه، وتجري مع الدماء في عروقه، وأن ينعكس ذلك على سائر أحواله فتنضبط به أفكاره وآراؤه، وتُحكم به كلماته وألفاظه، وتُقوَّم به أفعاله وأعماله، ويجمع ابن القيم هذا المعنى في عبارة أشمل وأعمق، حيث يقول في بيان المراد أنه (التزام عبوديته من الذل والخضوع والإنابة، وامتثال أمر سيده، واجتناب نهيه، ودوام الافتقار إليه، واللجوء إليه، والاستعانة به، والتوكل عليه، وعياذ العبد به ولياذه به، وألا يتعلق قلبه بغيره محبة وخوفاً ورجاء، وفيه أيضاً أنه عبد من جميع الوجوه: صغيراً وكبيراً، حياً وميتاً، مطيعاً وعاصياً، معافى ومبتلى، بالروح والقلب واللسان والجوارح.
وفيه أيضاً: أن مالي ونفسي ملك لك؛ فإن العبد وما يملك لسيده، وفيه أيضاً: أنك أنت الذي مننت علي بكل ما أنا فيه من نعمة؛ فذلك كله من إنعامك على عبدك، وفيه أيضاً: أني لا أتصرف فيما خولتني من مالي ونفسي إلا بأمرك، كما لا يتصرف العبد إلا بإذن سيده، وإني لا أملك لنفسي ضراً ولا نفعاً، ولا موتاً ولا حياة ولا نشوراً، فإن صح له شهود ذلك، فقد قال: إني عبدك حقيقة)[1].
ولا يتصور للداعية نجاح وتوفيق، أو تميز وقبول دون أن يكون حظه من الإيمان عظيماً (إذ كيف تدعو الناس إلى أحد، و صلاتك به واهية، ومعرفتك به قليلة)[2].
وهذه الغاية العظمى تتصل أكثر شيء بأعمال القلوب، التي تخفى على الناس، ولا يعلمها إلا علام الغيوب، إلا أن آثار ذلك تظهر بوضوح في الأقوال والأفعال؛ فإن (عكوف القلب على الله تعالى، وجمعيته عليه، والخلوة به، والانقطاع عن الاشتغال بالخلق، والاشتغال به وحده سبحانه، بحيث يصير ذكره وحبه، والإقبال عليه في محل هموم القلب وخطراته؛ فيستولي عليه بدلها، ويصير الهم كله به، والخطرات كلها بذكره، والتفكر في تحصيل مراضيه وما يقرب منه؛ فيصير أنسه بالله بدلاً عن أنسه بالخلق؛ فيعده بذلك لأنسه به يوم الوحشة في القبور، حين لا أنيس له، ولا ما يفرح به سواه)[3].
كل ذلك ينعكس على الداعية؛ فتظهر على شخصيته آثار الإيمان الصحيح المتحرك، ومن أبرزها:
1- التحرر من عبودية غير الله:
الإيمان قوة عظمى، يستعلي بها المؤمن على كل قوى الأرض، وكل شهوات الدنيا، ويصبح حراً لا سلطان لأحد عليه إلا لله، فلا يخاف إلا الله، ولا يذل إلا لله، ولا يطلب إلا من الله، ولا يأمل إلا من الله، ولا يتوكل إلا على الله، وللإيمان تأثير كبير في أعظم أمرين يسيطران على حياة البشر، وهما: الخوف على الرزق، والخوف على الحياة .
أما الأول: فلا يخفى كم أذل الحرص أعناق الرجال، وكم شغل الناس حبُّ المال، وكم باع أناس مبادئهم، وخانوا أمتهم، وتنكروا لماضيهم؛ لما ذهب الذَّهب بأبصارهم وسبى قلوبهم، أما المؤمن فحقائق الإيمان تملؤ قلبه؛ فلا يتأثر بشيء من هذا؛ لأن في قلبه قول الحق جل وعلا {وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ} [الذاريات:22] ولأنه يعلم من بيده الرزق { فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [العنكبوت:17] وأنه لا يملك أحد من البشر من ذلك شيئاً، {إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا} [العنكبوت:17].
وفوق ذلك يعلم حقيقة الرزق في الدنيا، وقيمته المحدودة، ويرتبط بقوله تعالى: {وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى}[طه:131] وقوله: {إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِنْ نَفَادٍ}[ص:54].
وحديث المصطفى صلى الله عليه وسلم: "لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة، ما سقى كافراً منها شربة ماء"[4].
ومن هذه المنطلقات الإيمانية قال الشافعي -رحمه الله-:
أنا إن عشت لست أعدم قوتاً....وإذا مت لست أعدم قبراً
همتي همـة الملوك ونفسي.... نفس حر ترى المذلة قهراً
وأما الثاني: فيقين المؤمن أن الموت والحياة بيد الله، وأنه لا ينجي حذر من قدر، وأن الأمة لو اجتمعت على أن يضروه بشيء، لم يضروه إلا بشيء قد كتبه الله عليه، وأن الموت ليس بالإقدام، وأن السلامة ليست بالإحجام، بل كما قال تعالى: {أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ}[النساء: 78].
ومن هنا يتميز المؤمن عن غيره، فبينما ترتجف القلوب، وتنسكب الدموع، وتعلو التوسلات، وتقدَّم التنازلات، حرصاً على الحياة، نجد المؤمن كالطود الشامخ، يهتف مع خبيب بن عدي قائلاً:
ولست أبالي حين أقتل مسلماً.....على أي جنب كان في الله مصرعي
ويتذكر قول علي بن أبي طالب –رضي الله عنه-:
أي يوميَّ من الموت أفر؟.... يوم لا يقـدر أو يوم قُـدر
يوم لا يقـدر لا أرهبـه.... ومن المقدور لا ينجو الحذر
ويتذكر المؤمن حال أنس بن النضر يوم شمَّ رائحة الجنة في أحُد، فمضى في شوق إلى عناق الموت، ويدرك عمق إيمان عمير بن الحمام، عندما استطال -لأجل أكل تمرات- هذه الحياة، ويقف على سرّ الإيمان العظيم، عندما يهتف الشهيد قائلاً: فزت ورب الكعبة، ولا ينسى خبر سحرة فرعون؛ لما آمنوا وهدَّودا بالموت، هتفوا قائلين: { فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} [طه: 72].
2- الخشية من الله:
وهي من أعظم آثار الإيمان، وأبرز أوصاف المؤمنين، {الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ}[الأنبياء:49]، {الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ} [الأحزاب: 39].
وقدوتهم في ذلك النبي صلى الله عليه وسلم حيث يقول: "إني لأخشاكم لله وأتقاكم له"[5]، (والخشية أخص من الخوف؛ فهي مقرونة بمعرفة)[6].
وعندما تعمر الخشية والخوف قلب الداعية المؤمن، يتميز عن الغافلين والعابثين؛ لأن الخوف يحول بين صاحبه وبين محارم الله، فقهُ ذلك أنطق إبراهيم بن سفيان بالحكمة فقال: "إذا سكن الخوف القلوب أحرق مواضع الشهوات منها، وطرد الدنيا عنها"[7]. وقال الفضيل بن عياض : "من خاف الله لم يضره أحد، ومن خاف غير الله لم ينفعه أحد"[8]. وهذه الخشية دافعة للطاعة (وما استعان عبد على دينه بمثل الخشية من الله)[9].
والداعية له رتبة عليا من الإيمان (تجعل خشيته لله أسرع إلى فؤاده من أي رهبة تخامر نفسه أمام ذي سلطان)[10].
والخشية أساس مراقبة الله، ترقي بالمؤمن إلى درجة الإحسان، وأن يعبد الله كأنه يراه فإن لم يكن يراه فإنه يراه .
ثانياً: الإخلاص لله:
(الإخلاص لله روح الدين ولباب العبادة، وأساس أي داع إلى الله)[11], وهو (في حقيقته قوة إيمانية، وصراع نفسي، يدفع صاحبه -بعد جذب وشد- إلى أن يتجرد من المصالح الشخصية، وأن يترفع عن الغايات الذاتية، وأن يقصد من عمله وجه الله، لا يبغي من ورائه جزاءً ولا شكوراً)[12]، فالمخلصون (أعمالهم كلها لله، وأقوالهم لله، وعطاؤهم لله، ومنعهم لله، وحبهم لله، وبغضهم لله، فمعاملتهم ظاهراً وباطناً لوجه الله وحده)[13].
والإخلاص للداعية ألزم له من كل أحد، وأهميته تفوق كل أمر، وهو استجابة لأمر الله {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ}[البينة:5]، وفي تركه خوف من الحرمان برد الأعمال ومنع التوفيق؛ لأن الله جل وعلا قال في الحديث القدسي: "أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه"[14]. وفيه وقاية من عذاب الآخرة الذي توعد به الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم من عمل بلا إخلاص، عندما ذكر أول ثلاثة تسعّر بهم النار، وهم قارئ وغني ومجاهد، لم يقصدوا بأعمالهم وجه الله[15].
فلا بد والأمر كذلك من تحري الإخلاص، والحذر مما يضاده؛ فإنه (لا يجتمع الإخلاص في القلب، ومحبة المدح والثناء والطمع فيما عند الناس، إلا كما يجتمع الماء والنار والضب والحوت)[16].
(والمفروض أن الداعية العارف بالله قد بلغ من منازل الإيمان، منزلة تجعل رجاءه في الله وحده، يسبق كل رغبة إلى مخلوق)[17].
والإخلاص يجعل للكلمات حيوية مؤثرة، وللدعوة قولاً سريعاً.
ثالثاً: حسن الصلة بالله:
والمقصود بها إقامة الفرائض، والاستكثار من النوافل، والاشتغال بالأذكار، والمداومة على الاستغفار، وكثرة التلاوة القرآنية، والحرص على المناجاة الربانية، وغير ذلك من القربات والطاعات؛ لأن العبادة زاد يتقوى به الداعية؛ فالصلاة صلة بينه وبين مولاه، ولا مناص من تميزه في حرصه عليها، وتبكيره إليها، وخشوعه فيها، وتطويله لها، وشهودها مع الجماعة، وله في ذلك قدوات سالفة؛ فسعيد بن المسيب (ما فاتته الصلاة في الجماعة أربعين سنة)[18]، (والربيع بن خثيم كان يقاد إلى الصلاة وبه الفالج، فلما روجع في ذلك قال: إني أسمع [حي على الصلاة] فإن استطعتم أن تأتوها ولو حبواً)[19].
ولست أدري كيف يكون داعية من يتخلف عن الصلوات في الجماعات، سيما في الفجر والعصر، مع ما ورد في أدائهما خصوصاً من تعظيم الأجر، وما جاء في فواتهما من التحذير من الإثم والوزر، وقد ترخص كثيرون في ذلك؛ فلا يهمهم التبكير، ولا يعنيهم إدراك التكبير، ولست أدري ما يقول هؤلاء إذا سمعوا مقالة إبراهيم بن زيد التيمي: "إذا رأيت الرجل يتهاون في التكبيرة الأولى؛ فاغسل يدك منه"[20].
وبماذا يعلقون إذا علموا أن سعيد بن عبد العزيز التنوخي (كان إذا فاتته صلاة الجماعة بكى)[21].
والحقيقة أن الأمر في هذا يطول، والتفريط فيه من بعض الدعاة كثير وخطير، ونصوص الكتاب والسنة أشهر من أن تذكر.
والذكر عظيم المنزلة فهو (منشور الولاية، الذي من أعطية اتصل، ومن منعه عُزل، وهو قوت قلوب القوم، الذي متى فارقها صارت الأجسام لها قبوراً، وعمارة ديارهم التي إذا تعطلت عنه صارت بوراً، وهو سلاحهم الذي يقاتلون به قطاع الطريق، وماؤهم الذي يطفئون به التهاب الحريق، ودواء أسقامهم الذي متى فارقهم انتكست منه القلوب)[22].
والذكر هو العبادة المطلوبة بلا حد يُنتهي إليه { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا} [الأحزاب:41]، وبلا وقت تختص به { وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى} [طه:130].
وبلا حال تستثني منه {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ}[آل عمران: 91]، والذاكرون هم السابقون، إشارة إلى حديث أبو هريرة : "سبق المفردون، قالوا: وما المفردون يا رسول الله؟ قال: الذاكرون الله كثيراً والذاكرات"[23].
في رياض الجنة يرتعون، إشارة إلى حديث أنس بن مالك: "إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا، قالوا: وما رياض الجنة؟ قال: حلق الذكر"[24].
وبوصية المصطفى صلى الله عليه وسلم يعلمون (إشارة إلى حديث عبد الله بن بشر، أن رجلاً قال: "يا رسول الله! إن شرائع الإسلام قد كثرت علي؛ فأخبرني بشيء أتشبث به؟ قال: "لا يزال لسانك رطباً من ذكر الله"[25].
وبمباهاة الملائكة يسعدون (إشارة إلى حديث النبي صلى الله عليه وسلم لمن جلسوا يذكرون الله، حيث قال: "ولكنه أتاني جبريل، وأخبرني أنَّ الله عز وجل يباهي بكم الملائكة"[26].
والاستغفار من أعظم الأذكار، وكان المصطفى عليه الصلاة السلام يستغفر في اليوم والليلة سبعين مرة[27]
وأخبر أمته أن (من لزم الاستغفار، جعل الله له من كل ضيق مخرجاً، ومن كل هم فرجاً، ورزقه من حيث لا يحتسب)[28].
ولذا فلا بد للداعية من الأذكار؛ ليحيي الله قلبه، ولا بد له من الاستغفار؛ ليمحو الله ذنبه .
وأعظم الذكر تلاوة القرآن، التي هي من أقوى الصلات بالله، التي يحتاجها الدعاة، ولها أثرها في واقع الدعوة والحياة.
(ومن الصلة بالله إعزاز كتابه، وإدمان تلاوته وتدبر معانيه، وعقد مقارنة مستمرة بين المثل التي يحدو العالم إليها، والواقع الذي ثوى الناس فيه؛ لتكون هذه المقارنة حافزاً على تذكير الناس بالحق، وقيادتهم إلى الله، وتأهيلهم.
وقرب الداعية من كتاب الله، يجب أن يكون متعة لروحه، وسكناً لفؤاده، وشعاعاً لعقله، ووقوداً لحركته ومرقاة لدرجته)[29].
والصلة بالقرآن موجبة للتميز، كما قال ابن مسعود -رضي الله عنه-:(ينبغي لحامل القرآن أن يعرف بليله إذا الناس نائمون، وبنهاره إذا الناس مفطرون، وبحزنه إذا الناس يفرحون، وببكائه إذا الناس يضحكون، وبصمته إذا الناس يخوضون، وبخشوعه إذا الناس يختالون، وينبغي لحامل القرآن أن يكون باكياً محزوناً، حكيماً حليماً سكيناً، ولا ينبغي لحامل القرآن أن يكون جافياً ولا غافلاً، ولا سخاباً ولا صياحاً، ولا حديداً)[30].
والخلاصة: أن التميز الإيماني من أعظم أسباب نجاح الداعية؛ إذ ليس النجاح بفصاحة اللسان، ولا قوة البرهان، ولا كثرة الأعوان، بل هو مع ذلك وقبل ذلك بتوفيق الله، الذي يخص به أولياءه، ولا شك (أن الدعاة الذين يكرسون أوقاتهم لله؛ لدفع الناس إلى سبيله، لا بد أن يكون شعورهم بالله أعمق، وارتباطهم به أوثق، وشغلهم به أدوم، ورقابتهم له أوضح)[31].
ونحن نريد روحانية إيجابية، لا انعزالية ترتكز على العبادات والأوراد، بعيداً عن التفاعل مع الحياة، وما فيها من هموم ومعاناة، نريد (روحانية إيجابية، تحفزه للتضحية، وتستهدف الشهادة، وتعمق الحاجة إلى رضا الله؛ لتغدو هاجساً يومياً، يلاحق كل مواطن رضاه، في عملية تدقيق ومعاناة، تجعله يعيش مع عقيدته في أفكاره ومشاعره، وفي علاقاته ومطامحه؛ فتتحول في داخل ذاته إلى هم يومي متحرك، يراقب الأشياء من خلاله، ويحدد موفقه منها على أساسه)[32].
وهناك تقصير ظاهر لدى بعض الدعاة والجماعات الإسلامية في العناية بهذا الجانب المهم، وكثيراً ما يكون ذلك بسبب تضخم العناية بالجوانب الفكرية والسياسية وغيرها، ولذا صار يرى بعض من ينتسبون إلى الدعوة وهم مقصرون في معرفتهم وصلتهم بالله.
[1]الفوائد (ص:35،34).
[2]مع الله (ص: 188) .
[3]زاد المعاد (2/87).
[4]أخرجه الترمذي كتاب الزهد، باب ما جاء في هوان الدنيا على الله ، حديث رقم (2320).
[5]أخرجه البخاري في كتاب النكاح ، كتاب الترغيب للنكاح (الفتح :9/104).
[6]تهذيب مدارج السالكين (ص:269).
[7] تهذيب مدارج السالكين (ص:270).
[8] نزهة الفضلاء (2/661).
[9]نزهة الفضلاء (1/513).
[10]مع الله (ص:190).
[11]مع الله (ص:201).
[12]صفات الداعية النفسية (ص:12).
[13]تهذيب مدارج السالكين (ص: 68).
[14]أخرجه مسلم ، كتاب الزهد ، باب الرياء (النووي)(18/115).
[15]أخرجه مسلم، كتاب الإمارة، باب من قاتل للرياء والسمعة واستحق النار (عبد الباقي)(3/1514،1513).
[16]الفوائد (ص:195).
[17]مع الله (ص:190).
[18]نزهة الفضلاء (1/370).
[19]نزهة الفضلاء (1/381).
[20]نزهة الفضلاء (1/468).
[21]نزهة الفضلاء (2/611).
[22]تهذيب مدارج السالكين (ص:463).
[23]أخرجه مسلم، في كتاب الذكر والدعاء ، باب الحث على ذكر الله تعالى (النووي)(17/4).
[24]أخرجه الترمذي ، وقال حديث حسن غريب . (انظر الترغيب والترهيب 2/ 408،407).
[25]رواه الترمذي وقال حديث حسن غريب (انظر الترغيب والترهيب 2/394).
[26]أخرجه مسلم، في كتاب الذكر، باب فضل الاجتماع على تلاوة القرآن والذكر (النووي)(17/23).
[27]أخرجه البخاري في كتاب الدعوات ، باب استغفار النبي صلى الله عليه وسلم في اليوم والليلة (الفتح11/101).
[28]أخرجه أبو دواد في كتاب الصلاة ، باب الاستغفار (1518)(2/178).
[29]مع الله (ص:191).
[30] الفوائد (ص:192) .
[31]مع الله (ص:190).
[32]الحركة الإسلامية هموم وقضايا (ص: 14) .