الأسرة العربية ورياح التغيير !!

الأسرة العربية ورياح التغيير !!


تعرضت المجتمعات العربية للعديد من التغيرات فأصبحت أكثر تعقيدا من ذي قبل ، وقد اقترن ذلك بظهور بعض الظواهر الاجتماعية التي لم تكن موجودة في السابق، ولعل أبرزها ظاهرة التفكك الأسري ، والتي لا يقصد بها معناها الضيق والمقتصر على الطلاق، بل بمعناها الشامل والذي يشمل الهجر والخلاف والإهمال، سواء على مستوى العلاقة الزوجية أو تنشئة الأبناء أو حتى في عملية التواصل العائلي والجيرة بين أبناء الحي الواحد .
الدكتور حمود فهد القشعان استشاري الإرشاد الأسري والزواج (جامعة الكويت أعد بحثا تحت عنوان" التوفيق بين الأزواج ودوره في حل المنازعات الأسرية المعاصرة " للوصول إلى " عملية واقعية " للتوفيق بين الأزواج وحل المنازعات الأسرية تحت مظلة المحاكم الشرعية ؛ مدعماً بحثه بشواهد علمية ، وأخرى دينية ، ومستعرضًا المسائل التالية :
· التغيرات التي تعايشها الأسرة العربية عمومًا والأسرة الخليجية بوجه خاص سواء بتغيرات سن الزواج وحجم الأسرة ودرجة تعليم الزوجين ومفهوم السعادة الزوجية ، والتغيرات في نسب الطلاق .
· المقومات والدعامات الأساسية الواجب توافرها لنمو واستمرار الزواج الصحيح ، والتي يتعين على القاضي إدراكها عند العمل والتشخيص للمشكلات الزواجية التي تعرض عليه .
· الدور المطلوب لحل النزاعات الأسرية المعاصرة ، خاصة ما يتعلق بخدمات الإرشاد الزواجي ، ثم النظر لمدى تقبل أفراد الشعب القطري لفكرة إنشاء مراكز إرشادية ، سواء قبل أو أثناء أو قبيل اتخاذ قرار الطلاق ، وذلك بإجراء مسح اجتماعي للوقوف على آراء وانطباعات الشعب القطري ، إضافة إلى محاولة إعطاء تصور تطبيقي وإجرائي لكيفية البدء بتنفيذ مشروع إصلاح ذات البين .
· تقديم التوصيات التي يجب على الباحث الاجتماعي أو القاضي الشرعي معرفتها والعمل على اتباعها عند التعامل مع الحالات المترددة على المحاكم الشرعية لطلب الطلاق .
· التغيرات التي أصابت الأسرة العربية :

· سن الزواج

يقول الباحث : إن الدراسات الحديثة تشير إلى حدوث ارتفاع في معدل العمر عند الزواج لكثير من الشعوب ؛ ففي الكويت مثلاً أصبح معدل سن الزواج للشباب 23 سنة ، وللفتيات 21 سنة ، وبمقارنة هذا المتوسط العمري للزواج بعقود سابقة نجد أن المتوسط كان 20 سنة للشاب و 18 سنة للفتاة ، ومن ثم فإن ارتفاع متوسط العمر للزواج سوف يزيد من ارتفاع نسبة غير المتزوجين من الجنسين .
وربط الباحث تأخر سن الزواج بعدة عوامل منها : ارتفاع المستوى التعليمي للأفراد ، والرغبة في تحقيق الطموحات الشخصية ، سواء على مستوى اجتماعي أو ثقافي ؛ فالتقدم العلمي الذي يشهده العالم عامة ، والدول الخليجية خاصة جراء التغيرات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية جعل الفرد يسعى لتأجيل بعض أولوياته الأساسية بغية تحقيق الأهم .
· معايير الاختيار الزواجي

يرى الباحث أن مدى التحولات والتغيرات في معايير الاختيار والتمايز الزواجي يعد دلالة على مدي التغير الثقافي والاجتماعي الذي تمر به المجتمعات ؛ ففي المجتمعات العربية وخاصة الخليجية توسع الاختيار الزواجي من ضيق الدائرة ومن الزواج المغلق المحدود ضمن إطار العائلة الممتدة أو القبيلة إلى مجال أكثر مرونة واتساعًا ، وكان للتعليم والتطور الاجتماعي والاقتصادي الأثر الكبير في بروز القرار الفردي في عملية الاختيار والخروج من هيمنة القرار الأبوي .
· مفهوم السعادة الزوجية

يعتبر قرار الزواج من أصعب القرارات ، وتكمن الصعوبة في كمية وحجم التوقعات التي يحملها الإنسان حول تلك الحياة الزوجية ، وهذا المفهوم يتولد من عدة مصادر هي :
1- ملاحظة طبيعة علاقة الوالدين.
2- سماع أخبار وقصص أصدقائنا وأقربائنا ومدى سعادتهم الأسرية وتوافقهم الأسري.
3- المواد الإعلامية ونوعية تصويرها لتلك العلاقة .
ويقول استنادا لما جاء في القرآن الكريم : إن مفهوم السعادة الزوجية الحقيقية هي تحقيق مفهوم المودة والرحمة ، وليس فقط الحب والغرام ، ذلك أن الحب الحقيقي يكمن في قدرة الزوجين علي رعاية وتحقيق مصالح بعضهما.


· حجم الأسرة

العمر عند الزواج ومستوى التعليم كان له الأثر الكبير في تقلص معدل أفراد الأسرة ؛ ففي الكويت مثلاً كان معدل عدد أفراد الأسرة الكويتية خلال النصف الأول من السبعينيات (8) أفراد عام 1975 ، أما عام 1995 فكان (4) أفراد أي بانخفاض قدره 50% ، لذلك فإن حجم الأسرة يجب ألا ينظر إليه بمعزل عن تغير دور المرأة في المجتمع ، خاصة حجم مشاركة المرأة في سوق العمل خارج الأسرة ،إضافة إلى ما حصل من تقدم علمي في مجال الطب وما صاحبه من عملية تنظيم ومنع الحمل.
· دور المرأة

إن تعليم المرأة وما صاحبه من حاجة الدولة لخدمات الجنسين ، وخاصة العنصر النسائي قد لعب دوراً كبيراً في دخول المرأة للعمل بدافع اقتصادي ، وآخر اجتماعي ، وثالث ذاتي شخصي . ذلك أن الحاجة الاقتصادية لم تعد تقتصر على الرجال دون النساء ، ولكن العمل كحاجة اقتصادية واجتماعية قد أعطى المرأة دوراً أكبر في عملية المشاركة واتخاذ القرارات الأسرية سواء على مستوى عدد الأبناء أو فيما يتعلق بخصوصيات الزوجين أنفسهم أو حتى مستقبل الأسرة وطريقة تربية أبنائها.
ولا يخفى على المتتبع لواقع المجتمع القطري، مدى التغيرات والتحولات الاجتماعية والثقافية التي حدثت منذ الاستقلال واكتشاف البترول ؛ إذ ظهر التحول نحو التعليم النظامي، ودخول المرأة للتعليم وما صاحبه من اتساع المجال لدخولها لسوق العمل.
فبالرغم من أن افتتاح أول مدرسة ابتدائية في قطر كانت للذكور عام 1951 ، إلا أن المرأة وبالرغم من دخولها للتعليم النظامي عام 1955 ، واجهت معارضة شديدة من بعض عامة الشعب ، إلى أن تدخل العلماء وقاموا بفصل العادات عن العبادات ؛ الأمر الذي جعل عدد مدارس البنات خلال خمسة أعوام يصل إلى 11 مدرسة بواقع 1397 طالبة مقارنة بـ 3252 طالباً موزعين على 29 مدرسة ، الأمر الذي أدى لانخفاض نسبة الأمية بالمجتمع القطري لنسبة 13% - فبراير 1999 مما أدى إلى وجود كيان واضح للمرأة في الكيان الأسري.


· معدلات الطلاق
شهدت الكويت ارتفاع نسب الطلاق في السنوات الأولى للزواج وخاصة السنوات الخمس الأولى - التي يطلق عليها مرحلة التعارف في الزواج – حيث بلغت67% ، وكانت النتائج تشير إلى ارتفاع نسب الطلاق بين قليلي التعليم ومنخفضي الدخل رغم وجود نسب وأعداد من الطلاق بين جميع الدرجات العلمية والتقسيمات الثقافية.
هذا وقد ارتفعت نسب الطلاق خلال العقد الماضي عما كانت عليه قبل عقدين فوصلت في الكويت إلى 2000 حالة طلاق مقابل كل 6020 حالة زواج !!
أما في السعودية فقد وصلت النسبة - وبالتحديد في الرياض - إلى 35.3% بواقع 3 آلاف حالة طلاق مقابل 8500 حالة زواج سنويا، وخاصة لحديثي الزواج وما فوق الأربعين الذين يقدمون على الزواج من زوجة ثانية .
وفي البحرين، بلغت نسبة الطلاق 20% بناء على إحصاءات المحاكم الخاصة بالأحوال الشخصية عام 1995 .
أما في دولة الإمارات العربية المتحدة، فقد أشارت الإحصاءات إلى زيادة سنوية تقدر بـ 12% في نسب الطلاق.
وقد أكدت الإحصاءات كذلك أن 30% من المواطنين الذين طلقوا زوجاتهم المواطنات قد اقترنوا بزوجات أخريات من غير الإمارات لعدة اعتبارات، ولعل الجانب الاقتصادي وما يصاحب عملية الزواج من مواطنة من حيث التكاليف الباهظة أدى بهم للزواج الخارجي.
وفي دولة قطر وجدت الدكتورة كلثم الغانم 1998 أن الطلاق أصبح ظاهرة اجتماعية في المجتمع القطري. وأنه يحدث بصورة أكبر بين فتاة السن الصغيرة، وكذلك بين منخفضي التعليم أو عند وجود اختلاف كبير في المستوى الاقتصادي بين الزوجين.
منقول