سمية:حفظ القرآن كان حلم طفولتي

سمية:حفظ القرآن كان حلم طفولتي


هناء الحمراني






إذا كنت ذا رأي فكن ذا عزيمة

فإنّ فساد الرأي أن تتردّدا

عندما تحملين همّا..فلتكن الهِمّة عونك لتحقيق ما يزيل عنك هذا الهمّ..والهمّ عادّة لا يكون ممّا يكدّر خاطرنا التفكير به، بل قد يكون أمنية نتمنّى تحقيقها..وإذا ما فكّرنا فيها بجديّة، بحثاً عن الطريقة المثلى لتحقيقها، فإنّنا نجد حلولاً قد تكون صائبة..قد تكون خاطئة، فنحتاج إلى من يقدّم لنا المشورة الطيّبة بخصوص ذلك الحلّ، وأيضا التشجيع اللازم لشقّ الطريق باتجاه الحلم..

لا يمكن التوقّف على حلم..فالتوقّف يعني الخمول..والعودة إلى الوراء، ولا يمكن أن نتجاوز أحلامنا دون تحقيق شيء منها، خاصّة إذا كانت تلك الأحلام خليقة بأن تكون واقعاً تبنى عليه بقيّة أحلامنا..

إذا كنتِ ذات فكر طموح، فعليك أن تنظري إلى أحلامك..وهل استطعت تحقيق شيء منها؟ أم أنّكِ وضعت رأسكِ على الوسادة واستمرأتِ الأحلام وحسب..فصارت هي رأس مالك..وهي تجارتك الكاسدة..

سميّة..فتاة من أولئك اللواتي اشتركن مع الناس في ممارسة هواية الأحلام..وتميّزت كقلّة منهم في تحقيق أحلامها..

إذا سألنا عن سموّ الحلم..من حيث الاختيار، وإذا سألنا عن كيفيّة تحقيق حلمها من حيث المحاولة والتضحية والإصرار..فسنجد أنّنا أمام إجابات شيّقة تستحقّ أن نتوقّف لبضع دقائق نستطلع معاً..ونتساءل..ما الذي فعلتِه يا سميّة؟

***

ما الذي جعلك تفكرين في حفظ القرآن..وبهذا الشكل الملح؟
كنت منذ صغري أحلم بأن أحفظ القرآن الكريم، وكثيرا ما أمسك بالمصحف وأقول لأمي وهي تحفظني القرآن:" ماما، متى أنتهي من حفظ القرآن كلّه؟"
بعد أن كبرت، وعندما نجحت من الصفّ الثاني المتوسّط تحديداً، التحقت بدورة لمدّة شهر في حفظ سورة البقرة بدار الرحمة بأبي شعيب، وكانت تُقام هناك أيضاً دورة لحفظ القرآن في عشرة أشهر، فتحمّست جداً للدخول فيها، وأخبرت أمي وأبي أنّني أودّ الالتحاق بها، حتّى أصبحت أحلم
وأعدّ الأيام التي ستجمعني بكتاب الله وتجعله محفوظا في صدري .
في الصفّ الأوّل الثانوي درست سميّة كطالبة منتسبة في المدرسة لتفرّغ نفسها من أجل تحقيق حلمها..وسألناها:
كيف توصّلت إلى فكرة الانتساب..لمدّة سنة في الثانويّة..من أجل الحفظ؟
- في بداية الأمر كنت سأتوقّف عن الدراسة لمدة سنة لأجل حفظ القرآن، وقد كنت قد تعرّفت على إحدى الطالبات التي كانت تدرس بالدورة في العام السابق، فأخبرتها بنيّتي فشجعتني، و أخبرتني أنّها كانت تدرس انتساباً وهي في الصفّ الثاني أدبي، وتحفظ القرآن في نفس السنة. فقلت: لماذا لا أكون منازل وانا في الصفّ الأوّل الثانوي؟
فأخذت بإقناع والديّ بالأمر، استصعب الكلّ كوني منازل، وفي مرحلة تحتاج الكثير من الوقت والجهد، ولكن مع إلحاحي الشديد وإصراري على دخول منازل حتّى أكون مع صديقاتي في كلّ المراحل، وأخبرتهم بأنّي بإذن الله لن أحزن أو أتأثّر إذا لم أنجح في هذه المرحلة، والحمد لله اقتنع أهلي، والتحقت في المدرسة انتساباً، وفي التحفيظ منتظمة.
كيف حفظت القرآن في هذه السنة؟
- كنت أحفظ كلّ يوم ثلاثة أوجه ونصف، وأراجع يوميّاً ربعين، وبعد خمسة عشرة جزءاً،أصبحت أراجع حزباً كاملاً يوميّاً وأحيانا جزءاً.
يهمّنا أن نعرف الطريقة التي تمكّنت بها من التوفيق بين دراستك..والحفظ..فهلاّ..أخبرتنا بجدولك اليوميّ؟
اختلفت طريقتي في الفصل الدراسيّ الأوّل عن الثاني، ففي الفصل الدراسيّ الأوّل كنت أراجع دروسي كلّ يوم بعد ما أنتهي من الحفظ والمراجعة، وأسأل البنات في المدرسة أوّلأً بأوّل، وأكتب في الدفاتر كلّ درس، أمّا في الفصل الدراسيّ الثاني ومع الحاجة الشديدة لمراجعة القرآن أوّلاً بأوّل، والتفريق بين الآيات والمتشابهات، لم يكن لديّ الوقت الكافي لاستذكار دروسي بانتظام، فقد كنت أطالع الكتب كلّما سنحت لي الفرصة كلّ أسبوعين أو شهر، فقد كنت أحظر من التحفيظ الساعة الثانية والنصف، وأجلس قليلاً مع والدتي، ثمّ أبدأ بالحفظ، وأنتهي منه الساعة الرابعة، أو الخامسة، وبعد ذلك أبدأ بالمراجعة، ثمّ حلّ الواجبات والتحضير لحفظ الغد، أنتهي من ذلك كلّه الساعة العاشرة وقد نفذت كلّ طاقة من جسدي، وقبل الاختبارات أخذت إجازة لمدّة أسبوع، وصرت أذاكر دروسي، والحمد لله، أحرزت تفوّقاً في التحفيظ والمدرسة.
ما الفوائد التي تعلمتها في تلك الفترة؟
يمكن اعتبار تلك الفترة هي الفاصل التي قلبت حياتي رأساً على عقب، بصراحة، لم تكن سهلة، كانت تحمل كلّ المصاعب والعقبات، استفدت منها الكثير، فأصبحت أنظر للحياة بمنظار مختلف، تغيّر فكري ونما عقلي، واكتسبت شخصيّتي أشياء عدّة، علمتني ألا أمرّ على موقف أنساه وأقول له سلاماً، بل أتعلّم منه، وأجعله عبرة لي، علّمتني أن لا يأس مع الحياة، وضيق مع القرب بالله، علّمتني أنّ الأخوّة الحقّة هي المبنيّة على حبّ الله ولله، علّمتني أنّ السعادة هي بمعرفة الطرق الموصلة إليها، وأوّلها طاعة الله.
لديك هوايات أخرى..أيمكنك إخبارنا بها؟
أحب القراءة جداً، وهذا أكسبني مهارات كثيرة منها :
أوّلاً: كتابة الخواطر، وقد شاركت بها في عدد من المنتديات وفى مجلة حياة..
ثانياً: كتابة القصّة، وقد كتبت أربع قصص إلى الآن، ولكني لم أشارك بها في وسط عامّ .
أحب أيضاً مجال الحاسب الآلي، وأحب أن أعمل عروض بوربوينت، والفيتشوب، والفلاش، وأسعى الآن لأطوّر مهاراتي أكثر عن الفوتيشوب والفلاش .
ما الأنشطة التي مارستها في المجال الدعوي؟وغيره من المجالات؟
في المجال الدعوي: ألقيت مرّة كلمة في التحفيظ، ومرّة في مصلى المدرسة بين طالبات الفصل فقط .
واشتركت في المخيّمات الدعوية بالإلقاء وعمل العروضات الدعوية.
أمّا في مجال الإلقاء: اشتركت في حفلتين على مستوى المدارس في المنطقة، وفي برامج وحفلات عدّة مع المدرسة .
ما الذي تطمحين إليه في المستقبل؟
- الطموحات كثيرة، وكلّ إنسان يطمح دائماً بالأكثر، فأنا سأختصرها بثلاث أمنيات أطمح في الحصول عليها:
أوّلاً: أتمنى من أعماقي أن أكون داعية لله، قويّة في الحقّ، لا يأخذني في الله لومة لائم.
ثانياً: أتمنى أن أكون أخصّائية اجتماعيّة؛ أمسح عن اليتامى دمعتهم، وأخفّف عن المرضى آلامهم بتصبيري لهم وسؤالي الدائم عنهم، وأساعد المحتاجين لنيل ما يفرحهم .
ثالثاً: كوني الآن في ثاني علمي فقد أحببت مادّة الأحياء، وخاصّة علم الوراثة، لذا، فأنا أتمنى أن أتخصّص في علم الوراثة، ولكن للأسف، لا يوجد هنا قسم خاص بعلم الوراثة .

كلمة أخيرة :
أقدّم شكري الجزيل لوالديّ - حفظهما الله- فقد ساعداني، وأخذا بيدي، وسهّلا لي المصاعب،
وكان لهم الجزء الكبير في ما أنا عليه الآن، والشكر أوّلاً وأخيراً لله الذي كرّمني
بحفظ كتابه .
***
ولما للوالدين من دور لا يمكن إغفاله، خاصّة وأنّهما اقتنعا بفكرة تحوّل ابنتهم للدراسة من طالبة منتظمة إلى طالبة منازل..كان لنا هذا اللقاء مع أمّ سميّة:
كيف اكتشفت مواهب ابنتك؟
منذ نعومة أظافرها وأنا ألاحظ أنّ ابنتي تحب أن تقرأ وتستمع إلى القرآن، وخاصّة قصص الأنبياء التي تُذكر فيه، وتحب أن تحفظها، حتّى بلغت السادسة وهى تحفظ سورة يوسف .

فكرة الانتساب..كيف استطعت أنت ووالد سميّة أن تتقبلاها..خاصّة وأنّ الأمر يبدو مجازفة بسنة من عمرها إذا فشلت فيما كانت تطمح إليه؟
في باديء الأمر كنت أحسّه أمراً في غاية الصعوبة، ولكن مع إقناع سميّة وإلحاحها أخذت أفكّر وكأيّ أمّ تريد ابنتها أن تعيش في جوّ الصديقات ومواصلة دراستها مع رفيقات الطفولة، ولكن مع الاستخارة والاستشارة أحسست أنّ الأمر سوف ييسّره الله تعالى .

طريقة المتابعة..لابنتك ما..كيف كانت في هذه الفترة؟
كنت أتابع ابنتي دراسيّاً بمساعدتها في إكمال الدفاتر والتسميع الدائم مني ومن والدها مع الاعتماد على النفس .

هل تنصحين الآباء بتشجيع أبنائهم وبناتهم على نفس الفكرة؟
نعم، إذا كانت الأم تستطيع أن تصبر وتساعد ابنتها على هذه الفكرة وتعلم وتتيقّن أنّ الله معهما في كل شيء، لأنّ تلك الفترة حتماً ستكون مليئة بالضغوطات؛ فيجب عندها التحلّي بالصبر. وأسأل الله التوفيق وتيسير حفظ كتاب الله لكل إنسان لديه عزيمة .

ابنتك الآن موهوبة..وقد أحرزت تقدّماً جيّداً في سن مبكرة- ما شاء الله، تبارك الله- ما هو دورك في تقديمها إلى المجتمع، وهل تظهرين افتخارك بها أمام الآخرين، أم أنّك تخشين عليها من الغرور والتكبّر؟
أشجعها على المشاركة في المخيّمات الدعويّة التي تقيمها منطقتنا، والتحاقها في هذه الإجازة بدور التحفيظ لمراجعة حفظها وتدريسها للطالبات حتى تستفيد ممّا درسته وتعلّمته، لأنّ النبيّ- صلّى الله عليه وسلّم- قال:" خيركم من تعلّم القرآن وعلّمه"، وأفتخر بها و بكونها ابنة بارة ـ ما شاء الله ـ ولم أعلم أحداً سوى المقرّبين فقط، ليس خوفاً عليها من الكبر؛ لأنّها ليست من النوع هذا، فقد غرست فيها من الصغر عدم الكبر والتعالي والغرور.

برأيك ما الذي يحتاج إليه أبناؤنا الموهوبون في أسرتهم؟
- يحتاجون إلى التشجيع المستمرّ لتنمية مواهبهم وإظهارها، وأوّلا وقبل كلّ شيء تعلّقهم بالخالق جلّ وعلا .

بالطبع هناك فروق فرديّة بين الأبناء..فمنهم من يبدع في مجال معين..في حين يفشل الآخر في ذات المجال..ممّا يسبّب إحساسا بالنقص لديه ..
هل فكرت في كيفيّة التعامل مع الصنف الآخر من الأبناء..ومحاولة اكتشاف المواهب الكامنة لديهم؟
- بالطبع فكرت، فقد تابعتهم، وأوضحت لهم أنّ الموهبة تأتي بالعمل والفطرة، فأختهم قد أبدعت في مجال وهم بالطبع سيبدعون في مجال آخر.