أخبار الأنبياء في السنة النبوية(متجدد إن شاء الله)
أخبار الأنبياء في السنة النبوية
أ. د. فالح بن محمد بن فالح الصغيِّر
المقدمة
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد
فقد حث رب العزة عز وجل على الاعتبار بآثار الأمم السابقة وأحوالهم، فذكر في كتابه الكريم كثيرًا من أخبار الأنبياء والأمم والملوك الذين أخذت قصصهم شريحة كبيرة من آيات القرآن الكريم، مما يدل على الأهمية الكبيرة، والأثر العظيم لهذا القصص، وهذه الأخبار:
- قص الله على رسوله قصص السابقين في القرآن:
قال تعالى: (كَذَلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ مَا قَدْ سَبَقَ وَقَدْ آَتَيْنَاكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْرًا) [طه، آية: 99].
- وعقب على قصص الأقوام السابقين وما جرى لهم:
(ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْقُرَى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْهَا قَائِمٌ وَحَصِيدٌ ) [هود، آية: 100].
(تِلْكَ الْقُرَى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَائِهَا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ ) [الأعراف، آية: 101].
- وقد أمر الله تعالى نبيه بأن يقص على الناس القصص ليدفعهم إلى التفكر والاعتبار، فقال: (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آَتَيْنَاهُ آَيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ *سَاءَ مَثَلًا الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَأَنْفُسَهُمْ كَانُوا يَظْلِمُونَ )[الأعراف، آية: 175 – 177].
- وعقب على قصص الأقوام المعذبين الذين أصابهم العذاب نتيجة عصيانهم، محذرًا الذين يأتون بعدهم أن يفعلوا كفعلهم، فيصيبهم ما أصابهم فقال:
(أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ كَانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآَثَارًا فِي الْأَرْضِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ ) [غافر، آية: 21].
(وَقَالَ الَّذِي آَمَنَ يَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزَابِ * مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعِبَادِ ) [غافر، آية: 30- 31].
(هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ ) [الحشر، آية: 2].
- وعقب على قصص الأنبياء الكرام صلوات الله عليهم بأنها تثبت الفؤاد، وتبعث الهمة، وتشد العزيمة؛ فقال: (وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ ) [هود، آية: 120].
- وجعل في سماع قصص السابقين من الأنبياء وغيرهم عبرة وعظة، وفي ذلك يقول سبحانه: (لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ) [يوسف، آية: 111].
يقول العلامة ابن خلدون في مقدمته:
«اعلم أن فن التاريخ فن غزير المذهب، جم الفوائد، شريف الغاية، إذ هو يوقفنا على أحوال الماضين من الأمم في أخلاقهم، والأنبياء في سيرهم، والملوك في دولهم وسياستهم، حتى تتم فائدة الاقتداء في ذلك لمن يرومه في أحوال الدين والدنيا»(1).
ولقد ذكر الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز طائفة من الرسل والأنبياء ، وعددهم خمسة وعشرون نبياً ، منهم ثمانية عشر نبياً في أربع آيات متتاليات من سورة الأنعام وهي قوله تعالى:( وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آَتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ * وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ * وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ) (2) والسبعة الآخرون هم آدم وإدريس وهود وصالح وشعيب وذو الكفل ومحمد عليهم صلوات الله وسلامه أجمعين.اهـ . ولا يعني ذكر هؤلاء الأنبياء في القرآن أنهم هم الذين نُبئوا أو أُرسل إليهم فقط من دون الناس . لا. ليس هذا المراد ، بل إن هناك كثير من الأنبياء والرسل لا نعلمهم ولم يرد ذكرهم في القرآن قال تعالى:( وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ )(3) وتلك لحكمةٍ الله أعلم بها . وينصر ذلك قوله عليه الصلاة والسلام في حديث أبي سعيد الخدري ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:( إني خاتم ألف نبي وأكثر مابعث نبيٌ يتبع إلا وقد حذر أمته الدجال...الحديث ) (4) وفي حديث أبي ذر قال: قلت يارسول الله كم المرسلون ؟ قال: ثلاث مائة وبضعة عشر جماً غفيراً ،وقال مرة خمسة عشر ..الحديث (5) .
قال القاسمي : ثم اعلم أن قصص القرآن الكريم لا يراد بها سرد تاريخ الأمم أو الأشخاص ، وإنما هي عبرة للناس، كما قال تعالى في سورة هود ، بعدما ذكر موجزاً من سيرة الأنبياء عليهم السلام مع أقوامهم : (وكلاً نقص عليك من أنباء الرسل ...) إلخ ... وقال : وفي تلك القصص فوائد عظيمة، وأفضل الفوائد وأهم العبر فيها التنبيه على سنن الله تعالى في الاجتماع البشري، وتأثير أعمال الخير والشر في الحياة الإنسانية... إلخ (6).
(1) مقدمة ابن خلدون (ص9).
(2) الأنعام (83-86)
(3) النساء 164
(4) رواه أحمد في مسنده في باقي مسند المكثرين (11343 ترقيم إحياء التراث) ، والحديث رواه البخاري في كتاب الحج ،ومسلم في الفتن وأشراط الساعة، والترمذي في الفتن ولكنهم لم يذكر قوله صلى الله عليه وسلم إني خاتم ألف نبي. الحديث.
(5) رواه الإمام أحمد في مسند الأنصار برقم 21036
(6) تفسير القاسمي (1/74)
رد: أخبار الأنبياء في السنة النبوية(متجدد إن شاء الله)
أخبار الأنبياء في السنة النبوية
أ. د. فالح بن محمد بن فالح الصغيِّر
الحلقة (10):
قصة نوح عليه السلام (2)
·وصية نوح عليه السلام لابنه عند الموت:
عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء رجل من أهل البادية، عليه جبة سيجان مزرورة بالديباج فقال: «ألا إن صاحبكم هذا قد وضع كل فارس ابن فارس، أو قال: يرى أن يضع كل فارس ابن فارس، ورفع كل راع ابن راع».
قال: فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمجامع جبته وقال: «ألا أرى عليك لباس من لا يعقل!؟».
ثم قال:
«إن نبي الله نوحًا عليه السلام لما حضرته الوفاة قال لابنه: إني قاص عليك الوصية، آمرك باثنتين، وأنهاك عن اثنتين: آمرك بلا إله إلا الله فإن السماوات السبع والأرضين السبع لو وضعت في كفة، ووضعت لا إله إلا الله في كفة، رجحت بهن لا إله إلا الله، ولو أن السموات السبع والأرضين السبع كن حلقة مبهمة قصمتهن لا إله إلا الله.
وسبحان الله وبحمده، فإن بها صلاة كل شيء، وبها يرزق الخلق، وأنهاك عن الشرك والكبر».
قال: قلت – أو قيل – يا رسول الله هذا الشرك قد عرفناه، فما الكبر؟ أن يكون لأحدنا نعلان حسنتان لهما شراكان حسنان؟ قال: لا، قال: هو أن يكون لأحدنا حلة يلبسها؟ قال: لا. قال: هو أن يكون لأحدنا دابة يركبها؟ قال: لا. قال: هو أن يكون لأحدنا أصحاب يجلسون إليه؟ قال: لا، قلت – أو قيل – يا رسول الله فما الكبر؟قال: «سفه الحق وغمط الناس»(1).
* السيجان: قال ابن الأثير: جمع ساج وهو الطيلسان الأخضر، وقيل: «هو الطيلسان المقور».
* مزرورة بالديباج: الزر وهو معروف قال أبو عبيد: أزرت القميص إذا جعلت له أزرارًا.
* في كفة: كفة الميزان وهي معروفة.
* كن حلقة مبهمة: الأمر المبهم: الخفي الذي لا يستبين، أي مسمتة الجوانب غير مقطوعة.
* سفه الحق: الاستخفاف بالحق وأن لا يراه على ما هو عليه من الرجحان والرزانة.
* غمط الناس: بالصاد وهو احتقارهم وأن لا يراهم شيئًا. وقال الزمخشري(2) :«الغمز والغمص والغمط، أخوات في معنى العيب والازدراء».
ويستفاد مما سبق ما يلي:
1-حرص نبي الله نوح عليه السلام على هداية الناس والأقربين حتى في آخر لحظات العمر
2-فضل كلمة التوحيد (لا إله إلا الله).
فضل التسبيح قوله صلى الله عليه وسلم : (وَسُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ ، فَإِنَّهَا صَلَاةُ كُلِّ شَيْءٍ) في معنى قوله تعالى : ( وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ) الإسراء/ 44 ؛ يعني : يسبح بحمده سبحانه كل شيء ، قال ابن كثير رحمه الله
أَيْ : وَمَا مِنْ شَيْءٍ مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِ اللَّهِ وَلكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ: أَيْ لَا تَفْقَهُونَ تسبيحهم أيها الناس، لأنها بخلاف لغاتكم ، وهذا عام في الحيوانات والجمادات والنباتات " انتهى من " تفسير ابن كثير" (5/ 73) .
وقال السعدي رحمه الله: ) وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ ) من حيوان ناطق وغير ناطق ومن أشجار ونبات وجامد وحي وميت إِلا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ بلسان الحال ولسان المقال . ( وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ) أي: تسبيح باقي المخلوقات التي على غير لغتكم بل يحيط بها علام الغيوب " انتهى من " تفسير السعدي " (ص 459) .
ولذلك فإن العلماء يروون هذا الحديث عند تفسير هذه الآية.
وقوله : ( وَبِها يُرْزَقُ الخَلْقُ ) : أي : إنّ التّسبيح من مفاتيح الرزق على العباد ، وذلك باعتبارين :
الاعتبار الأول : أن التسبيح تنزيه الله أن يكون معه نظير يخلق معه الخلق أو يرزقهم ، قال تعالى : ( اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ) ]الروم/ [40، فالتسبيح شهادة من العبد أنه لا رازق إلا الله ، كما أنه لا خالق إلا هو ، ولا محيي ولا مميت إلا هو سبحانه ، وهذه الشهادة أول مفاتح الرزق.
الاعتبار الثاني : الحمد في قوله : ( سبحان الله وبحمده ) ومعلوم أن الحمد والشكر يفتح أبواب الرزق ويزيد النعمة ، كما قال تعالى : ( وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُم ْ ) ]إبراهيم/ 7 [، قال ابن كثير رحمه الله :
" أَيْ : لَئِنْ شَكَرْتُمْ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ لِأَزِيدَنَّكُم ْ مِنْهَا
انتهى من "تفسير ابن كثير" (4/ 479) .
ثالثا :
قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للأعرابي : ( أَلَا أَرَى عَلَيْكَ لِبَاسَ مَنْ لَا يَعْقِلُ ) لأنه يرتدي جبة من سيجان ، وهو جمع ساج ، وهو الطيلسان الأخضر ، مزرورة بالديباج ، وهو من الحرير الطبيعي ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : (إِنَّمَا يَلْبَسُ الحَرِيرَ مَنْ لاَ خَلاَقَ لَهُ) متفق عليه.
والطيلسان من لباس العجم ، وليس من لباس العرب ، قال في " تاج العروس " 16/ 204
" يُقَال فِي الشَّتْمِ : يَا ابْن الطَّيْلَسَانِ، أَي إِنَّك أَعْجَمِيُّ ، لأَنَّ العَجَمَ هم الَّذين يَتَطَيْلَسُون ، نَقَله الزَّمَخْشَرِيّ ُ والصّاغَانِيُّ " انتهى.
وتشبه العربي بالعجمي من السفه وقلة العقل ، ولذلك قال له : ( أَلَا أَرَى عَلَيْكَ لِبَاسَ مَنْ لَا يَعْقِلُ)
وهذا من فطنته صلى الله عليه وسلم وفراسته ومعرفته بأحوال الناس ، بما تدل عليه أقوالهم ، وأحوالهم
3-ذم الشرك فهو أعظم المحرمات وكذلك الكبر
(1)رواه الإمام أحمد(6583) ط.الرسالة.قال شعيب الأرنؤوط: إسناده صحيح، الصقعب بن زهير روى عنه جمع، ووثقه أبو زرعة، وذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال أبو حاتم: شيخ ليس بالمشهور، وباقي رجاله ثقات رجال الشيخين.
وأخرجه البخاري في "الأدب المفرد" (548) عن سليمان بن حرب، شيخ أحمد، عن حماد، به. وفيه: قال حماد: لا أعلمه إلا عن عطاء بن يسار. وهذا الشك من حماد لا تؤثر في صحة الإسناد، لأن الحديث سيرد برقم (7101) بإسناد آخر إلى الصقعب بن زهير، وليس فيه شك برواية زيد عن عطاء.
ونقله الحافظ ابنُ كثير في "تاريخه" 1/119 عن هذا الموضع من "المسند"، وقال: وهذا إسناد صحيح، ولم يخرجوه.
وأخرجه البزار (2998) من طريق وهب بن جرير، عن أبيه، عن الصقعب بن زهير، به.
ثم أخرجه البزار (3069) من طريق محمد بن إسحاق، عن عمرو بن دينار، عن عبد الله بن عمر بن
الخطاب. فقال ابنُ كثير في "تاريخه" 1/119 -بعد أن ساقه من رواية الطبراني من طريق محمد بن إسحاق، بإسناد البزار المذكور، لكن من حديث ابن عمرو بن العاص-: والظاهر أنه عن عبد الله بن عمرو بن العاص كما رواه أحمد والطبراني.
وأورده الهيثمي بطوله في "المجمع" 4/219-220، وقال: رواه كله أحمدُ، ورواه الطبراني بنحوه، وزاد في روايته: وأوصيك بالتسبيح، فإنها عبادةُ الخلق، وبالتكبير، رواه البزار من حديث ابن عمر ... ورجال أحمد ثقات.
ثم أورده الهيثمي مقطعاً في موضعين 5/133 و142. وقال في الموضع الأول: رواه البزار وأحمد في حديث طويل تقدم في وصية نوح عليه السلام في الوصايا، ورجالُ أحمد ثقات. وقال مثله في الموضع الآخر دون أن ينسبه إلى البزار
ثم أورده الهيثمي أيضاً من حديث عبد الله بن عمر بن الخطاب 10/84، وقال: رواه البزار، وفيه محمدُ بنُ إسحاق، وهو مدلس، وهو ثقة، وبقية رجاله رجال الصحيح. ثم قال الهيثمي: وقد تقدم هذا من حديث عبد الله بن عمرو في الوصايا في وصية نوح.
قلنا: كأن الهيثمي لم يطلع على ما رجحه ابنُ كثير من أن الحديث حديث عبد الله بن عمرو.
وأخرجه البخاري في "الأدب المفرد" بإثر الحديث (548) عن عبد الله بن مسلمة -وهو القعنبي-، عن عبد العزيز -وهو الدراوردي-، عن زيد بن أسلم، عن عبد الله بن عمرو، أنه قال: يا رسول الله، أمن الكبر؟ ... نحوه. قلنا: وهذا إسناد منقطع.
وقوله: وآمرك بـ"لا إله إلا الله"، فإن السماوات السبع ... الخ، سيرد على أنه من كلام نوف البكالي في الحديث (6750) من المسند ط الرسالة
والحديث صححه ابن كثير في البدية والنهاية(1/119) وأحمد شاكر في تعليقه على المسند(6583)كذا صححه الشيخ الألباني في "الأدب المفرد"(548) ، وفي "الصحيحة"(134(
(2) انظر: الفائق (1/598).
رد: أخبار الأنبياء في السنة النبوية(متجدد إن شاء الله)
أخبار الأنبياء في السنة النبوية
أ. د. فالح بن محمد بن فالح الصغيِّر
الحلقة (11):
قصة نوح عليه السلام (3)
استشفاع الناس بنوح عليه السلام يوم القيامة لتخفيف طوله عليهم:
- عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث الشفاعة قال: (... فيأتون نوحًا فيقولون: يا نوح، أنت أول الرسل إلى أهل الأرض، وسماك الله عبدًا شكورًا، ألا ترى إلى ما نحن فيه؟ ألا ترى إلى ما بلغنا؟ ألا تشفع لنا إلى ربك عزَّ وجلَّ؟
فيقول: ربي قد غضب اليوم غضبًا لم يغضب قبله مثله، ولا يغضب بعده مثله، نفسي نفسي...)(1)الحديث.
- وعن أنس بن مالك رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يجتمع المؤمنون يوم القيامة... فيقول: لست هناكم – ويذكر ذنبه فيستحيي – ائتوا نوحًا فإنه أول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض، فيأتونه فيقول: لست هناكم – ويذكر سؤاله ربه ما ليس له به علم، فيستحي فيقول: ائتوا خليل الرحمن...)(2) الحديث.
حالة نوح عليه السلام مع قومه يوم القيامة:
- عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يجيء نوح وأمته، فيقول الله: هل بلغت؟ فيقول: نعم أي رب! فيقول لأُمته: هل بلغكم؟ فيقولون: لا، ما جاء لنا من نبي، فيقول لنوح: من يشهد لك؟ فيقول: محمد وأمته،وهو قوله تعالى: ( وكذلك جعلناكم أمة وسطًا لتكونوا شهداء على الناس ) والوسط: العدل، فيدعون، فيشهدون له بالبلاغ، ثم أشهد عليكم)(3).
- وفي لفظ أحمد والنسائي عدم تعيين النبي وفيه: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يجيء النبي يوم القيامة معه الرجل، ويجيء النبي معه الرجلان، ويجيء النبي معه أكثر من ذلك. فيقال له: هل بلغت قومك؟ فيقول: نعم، فيدعون، فيقال: هل بلغكم؟ فيقولون: لا، فيقال: من يشهد لك؟ فيقول: أمة محمد صلى الله عليه وسلم، فتدعى أمة محمد صلى الله عليه وسلم فيقال: هل بلغ هذا؟ فيقولون: نعم، فيقال: وما علمكم بذلك، فيقولون: أخبرنا نبينا صلى الله عليه وسلم أن الرسل قد بلغوا فصدقناه، فذلك قوله: (وكذلك جعلناكم أمة وسطًا) [البقرة: 143]قال: عدلًا لتكونوا شهداء على الناس»(4).
جعل النبي صلى الله عليه وسلم قصة نوح عبرة:
أورد الإمام البخاري في صحيحه في كتاب التفسير في تفسير سورة القمر (8/617) ما يلي:
باب (تجري بأعيننا جزاءً لمن كان كفر، ولقد تركناها آية فهل من مدكر). قال قتادة: «أبقى الله سفينة نوح حتى أدركها أوائل هذه الأمة».
ثم قال البخاري:
- حدثنا حفص بن عمر حدثنا شعبة عن أبي إسحاق عن الأسود عن عبد الله قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ: (فهل من مُدَّكِر)(5).
ويستفاد مما سبق:
1- خيرية هذه الأمة وفضلها على الأمم.
قال ابن جرير الطبري في تفسير قوله تعالى( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لتكونوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ) : فمعنى ذلك : وكذلك جعلناكم أمة وسطاً عدولاً شهداء لأنبيائي ورسلي على أممها بالبلاغ أنها قد بلغت ما أمرت ببلاغه من رسالاتي إلى أممها , ويكون رسولي محمد صلى الله عليه وسلم شهيداً عليكم بإيمانكم به , وبما جاءكم به من عندي "(6) انتهى .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله " ومن فوائد الآية : فضل هذه الأمة على جميع الأمم ؛ لقوله تعالى : ( وسطاً)
ومنها : عدالة هذه الأمة ؛ لقوله تعالى : ( لتكونواشهداء على الناس ) ؛ والشهيد قوله مقبول .
ومنها : أن هذه الأمة تشهد على الأمم يوم القيامة ؛ لقوله تعالى : ( لتكونوا شهداء على الناس ) ؛ والشهادة تكون في الدنيا ، والآخرة ؛ فإذا حشر الناس ، وسئل الرسل : هل بلغتم ؟ فيقولون : نعم ؛ ثم تسأل الأمم : هل بُلِّغتم ؟ فيقولون : ما جاءنا من بشير ولا نذير ؛ ما جاءنا من أحد ؛ فيقال للرسول : من يشهد لك ؟ فيقول : ( محمد وأمته ) ؛ يُستشهدون يوم القيامة ، ويَشهدون ؛ فيكونون شهداء على الناس .
فإذا قال قائل : كيف تشهد وهي لم تر ؟
نقول : لكنها سمعت عمن خبره أصدق من المعاينة ، صلوات الله وسلامه عليه . (7)
2- أن في قصة نوح عليه السلام ودعوته وإنجاء الله له في السفينة عظة لكل متذكر متدبر متأمل وأخرج ابن أبي حاتم من طريق سعيد عن قتادة قال: أبقى الله السفينة في أرض الجزيرة عبرة وآية حتى نظر إليها أوائل هذه الأمة نظراً، وكم من سفينة بعدها فصارت رمادا (8)
قال ابن كثير رحمه الله في تفسير قوله تعالى : ( وَلَقَدْ تَرَكْنَاهَا آيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ ) : يريد هذه الفعلة عبرة . وقيل : أراد السفينة تركها آية لمن بعد قوم نوح يعتبرون بها فلا يكذبون الرسل. قال قتادة : أبقاها الله بباقردى من أرض الجزيرة ( مكان في بلاد العراق ) عبرة وآية , حتى نظرت إليها أوائل هذه الأمة , وكم من سفينة كانت بعدها فصارت رمادا .
والظاهر أنّ المراد بذلك جنس السفن كقوله تعالى : ( وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ * وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ) سورة يس ، وقال : ( إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ * لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ)سورة الحاقة ، ولهذا قال هاهنا فهل من مدّكر أي : فهل من يتذكّر ويتعّظ . انتهى (9)فضمير (ها) في (تركناها) يحتمل أن يعود إلى ثلاثة معانٍ:
الأول : أن يكون المراد تركنا هذه القصة عبرة لمن بعدهم.
الثاني : أن يكون المراد تركنا سفينة نوح لتراها الأمم من بعده فيعتبرون ويتعظون بإنجاء الله للمؤمنين وإهلاك الكافرين .
الثالث : أن يكون المراد تركنا جنس السفن في الأرض وعلّمناه للإنسان ليعتبر بنعمة الله عليه وكيف أبقى ذريّة نوح بعد إنجائه والمؤمنين بمثل هذه السفن الموجودة المعروفة .
وعلى كل حال فليس مما يُخالف الشّرع أو العقل أن يتمّ العثور على سفينة نوح وأن تراها أجيال من البشرية بعد نوح لتكون لهم آية وعبرة ولكن القضيّة في كيفية إثبات أن هذه السّفينة التي عُثِر عليها هي سفينة نوح ، فإنّه ليس كلّ من يجد سفينة قديمة ويدّعي أنّها سفينة نوح تُصدّق دعواه والله تعالى أعلم .
___________________
(1) أخرجه البخاري برقم (3340، 3361، 4712) ، ومسلم(194)
(2) أخرجه البخاري برقم (4476، 6565، 4710) ، ومسلم(193)
(3) أخرجه البخاري برقم (3339، 4487، 7349).
(4) أخرجه أحمد (1164) والنسائي في الكبرى (11007) وصححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (2448)
(5) أخرجه البخاري، برقم(4869)وأخرجه عبد الرزاق 2/258 به سندا ومتنا.فتح الباري 8/618.
(6) جامع البيان (2/8)
(7) تفسير سورة البقرة (2/115، 116) باختصار
(8) أخرجه ابن أبي حاتم كما في تغليق التعليق 4/328 ثنا أبي، ثنا هشام بن خالد، ثنا شعيب بن إسحاق، ثنا سعيد، به. ولفظه "ألقى" بدل "أبقى".
(9) تفسير ابن كثير(7/442).
رد: أخبار الأنبياء في السنة النبوية(متجدد إن شاء الله)
أخبار الأنبياء في السنة النبوية
أ. د. فالح بن محمد بن فالح الصغيِّر
الحلقة (12):
قصة هود عليه السلام (1)
أرسل الله هوداً عليه السلام إلى قبيلة من القبائل العربية البائدة، المتفرعة من أولاد سام بن نوح، وهي قبيلة عاد، يدعوهم إلى عبادة الله الواحد الصمد.
وسميت بذلك نسبةً إلى عاد بن إرم بن سام.
وأورد ابن كثير نسبه كالآتي:
هو هود بن شالخ بن أرفحشذ بن سام بن نوح، ويقال إن هودًا هو: عابر بن شالخ بن أرفحشذ بن سام بن نوح، ويقال هود بن عبدالله بنرباحبن لجلود بن عاد بن عوص بن إرم بن سام بن نوح بن لامك بن متوشالح بن آخنوخ (إدريس) بن يارد بن مهلئيل بن قينان بن آنوش بن شيث بن آدم (1).
وقد طلب هودٌ عليه السلام ، من قومه نبذ عبادة غيره من الأوثان والآلهة، فاستخفّ به قومه، وسخروا منه، واستمروا في طغيانهم يعمهون، فعاقبهم الله على موقفهم، بأن أرسل عليهم ريحاً قوية، استأصلت شأفتهم، وجعلتهم حصيداً، ونجَّا الله هوداً والذين معه من المؤمنين.
وقد سميت سورة كاملة بسورة هود، تضّمنت قصص عدد من الرسل عليهم السلام، وكان من بينها قصة هود مع قومه. قال ابن كثير: "وقد ذكر الله قصتهم في القرآن في غير ما موضع؛ ليعتبر بمصرعهم المؤمنون".
وذُكرت قصة هود عليه السلام في سور متعددة من سور القرآن الكريم، تارة بصورة فيها بعض التفصيل، كما في سور: الأعراف، المؤمنون، الشعراء، الأحقاف. وتارة بصورة موجزة، كما في سور: فصلت، الذاريات، القمر، الحاقة، الفجر.
دعاء النبي صلى الله عليه وسلم بالرحمة لهود عليه السلام :
عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :(( يرحمنا الله ، وأخاه عاد )) (2)
وعن أبي كعب رضي الله عنه قال :( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا ذكر الأنبياء بدأ بنفسه فقال :(رحمة الله علينا وعلى هود وعلى صالح )(3)
وافد عاد :
عن الحارث بن حسان ويقال ابن يزيد البكري قال : خرجت أشكو العلاء بن الحضرمي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فمررت بالربذة ، فإذا عجوز من بني تميم منقطع بها ، فقالت لي : يا عبد الله إن لي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلمحاجة ، فهل أنت مبلغي إليه ؟
قال : فحملتها فأتيت المدينة فإذا المسجد غاص بأهله ، وإذا راية سوداء تخفق ، وإذا يبعث عمرو بن العاص وجهاً ؟
قالت : فجلست . قال فدخل منزله - أو قال رحله - فاستأذنت عليه فأذن لي فدخلت فسلمت فقال : " هل كان بينكم وبين بني تميم شيء " ؟ فقلت : " نعم ، وكانت لنا الدائرة عليهم ، ومررت بعجوز من بني تميم منقطع بها فسألتني أن أحملها إليك وها هي بالباب " فأذن لها فدخلت ، فقلت " يا رسول الله : إن رأيت أن تجعل بيننا وبين بني تميم حاجزاً " فاجعل الدهناء فإنها كانت لنا " قال : فحميت العجوز واستوفزت وقالت : يا رسول الله فإلى أين يضطر مضطرك ؟
قال : فقلت : إن مثلي ما قال الأول : معزى حملت حتفها ، حملت هذه الأمة ولا أشعر أنها كانت لي خصماً ، أعوذ بالله ورسوله ، أن أكون كوافد عاد .
قال : " هيه وما وافد عاد وهو أعلم بالحديث مني ولكن ولكن يستطعمه ، قلت : إن عادا قحطوا فبعثوا وافدا يقال له قيل ، فمر بمعاوية بن بكر فأقام عنده شهراً يسقيه الخمر ، وتغنيه جاريتان يقال لهما : الجرادتان ، فلما مضى الشهر خرج إلى جبال تهامة ، فقال اللهم إنك تعلم أني لم أجىء إلى مريض فأداويه ، ولا إلى أسير فأفاديه اللهم اسق عاداً ما كنت تسقيه ، فمرت به سحابات سود فنودي منها : اختر فأومأ إلى سحابة منها سوداء فنودي منها :
خذها رمادا رمددا ، لا تبقى من عاد أحداً ، قال : فما بلغني أنه بعث عليهم من الريح إلا كقدر ما يجري في خاتمي هذا من الريح حتى هلكوا .
قال أبو وائل : وصدق ، وكانت المرأة والرجل إذا بعثوا وافداً لهم قالوا : " لا تكن كوافد عاد " (4).
ويستفاد مما سبق
1-دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لإخوانه الأنبياء يؤكد لدينا أن الرسل إخوة في الدين وأن الإيمان بهم واجب فهو ركن من أركان الإيمان.
2-الخائن ليس له جزاء إلا أن يقع فريسة لخيانته، والمخادع ليس له إلا أن يكون ضحية لخديعته، والماكر ليس له إلا نتيجة مكره، فالنبي صلى الله عليه وسلم أقر الصحابي الذي تعوذ بالله من وافد عاد
___________________________
(1) البداية والنهاية(1/282)
(2) أخرجه ابن ماجه برقم ( 3852 ) وقال البوصيري في الزوائد : إسناد صحيح ، رجاله ثقات ويشهد له حديث أبي الذي بأتي بعده
(3) أخرجه أحمد في المسند ( 5 / 122 ) وهو جزء من حديث أبي كعب الذي ذكر فيه قصة موسى والخضر عليهما السلام وهذا الجزء من الحديث أخرجه أيضاً عبد بن حميد كما في المنتخب رقم ( 169 ).
(4) أخرجه أحمد في المسند بطوله ( 3 / 482 ) والترمذي ( 3273 ، 3274 ) وأخرج منه مقطع إرسال عمرو بن العاص ورايته ابن ماجه برقم ( 2816 ) ، والنسائي في السنن الكبرى باختصار ( 8607 ) ( 5 / 181 ) وحسن إسناده ابن حجر في فتح الباري ( 8 / 578 - 579 ) وحسنه الألباني في الضعيفة تحت الحديث (1228) والأرنؤوط في تحقيق المسند(15996)
رد: أخبار الأنبياء في السنة النبوية(متجدد إن شاء الله)
أخبار الأنبياء في السنة النبوية
أ. د. فالح بن محمد بن فالح الصغيِّر
الحلقة (13):
قصة هود عليه السلام (2)
قول قوم عاد " هذا عارض ممطرنا "
عن عائشة رضي الله عنهما قالت :كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا عصفت الريح قال : ( اللهم إني اسألك خيرها وخير ما فيها وخير ما أرسلت به ، وأعوذ بك من شرها ، وشر ما فيها ، وشر ما أرسلت به ) .
قالت : ( وإذا تخيلت السماء تغير لونه وخرج ودخل ، وأقبل وأدبر ، فإذا أمطرت سري عنه ، فعرفت ذلك عائشة فسألته فقال :
( لعله يا عائشة كما قال قوم عاد :فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضاً مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا ) (1)[ الأحقاف : 24 ]
وعن حديث عائشة رضي الله عنهما قالت :
ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مستجمعا ضاحكا قط حتى أرى منه لهواته ، إنما كان يبتسم . وقالت : كان إذا رأى غيماً أو ريحاً عرف ذلك في وجهه ، قالت : يا رسول الله ، إن الناس إذا رأوا الغيم فرحوا رجاء أن يكون فيه المطر ، وأراك إذا رأيته عرف في وجهك الكراهية ؟
فقال :يا عائشة ما يؤمنني أن يكون فيه عذاب ! قد عذب قوم نوح بالريح وقد رأى قوم العذاب فقالوا : هذا عارض ممطرنا " . (2)
كيف أُهلكت عاد
عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( إني نصرت بالصبا ، وإن عادا أهلكت بالدبور )(3)
الدَّبور : رِيحٌ عاصِفةٌ تَهُبُّ من المغرِب ، وتقابِلُها الصَّبا وهي الرِّيح الشَّرقيَّة.
التعجب من طريقة إهلاك عاد وجعلها نموذجا صارما للعقاب :
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال :" بعثعلي رضي الله عنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم بذهبية فقسمها بين الأربعة ، الأقرع بن حابس الحنظلي ثم المجاشعي وعيينة بن حصن الفزازي ، وزيد الطائي ثم أحد بني نبهان ، وعلقمة بن علاثة العامري أحد بني كلاب ، فغضبت قريش والأنصار وقالوا : يعطي صناديد أهل نجد ويدعنا .
قال : " إنما أتألفهم "
فأقبل رجل غائر العينين مشرف الوجنتين ناتيء الجبين ، كث اللحية محلوق فقال : اتق الله يا محمد !
فقال : : من يطع الله إذا عصيت ! أيأمنني الله على أهل الأرض ولا تأمنوني ؟ فسأله رجل قتله - أحسبه خالد بن الوليد- فمنعه ، فلما ولى : قال : " إن من ضئضي هذا - أو في عقب هذا - قوم يقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم ، يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية ، يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان . لئن أنا أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد " . وفي رواية : ( لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل ثمود ).(4)
أتألفهم : استميل قلوبهم .
صناديد : جمع صنديد وهو الرئيس .
غائر العينين : المراد أن عينيه داخلتان في محاجرهما لاصقتان بقمر الحدقة ، وهو ضد الجحوظ .
مشرف : بارز ، والوجنتان : العظمان المشرفان على الخدين .
ناتئ الجبين : النتوء أي ارتفع على من حوله
من ضئضي : المراد به النسل والعقب .
ويستفاد مما سبق
1- شفقة النبي صلى الله عليه وسلم ورحمته بأمته. لأن الرياح لا يُدرى ما فيها؛ هل هي محمَّلة بالخير والبركة والرحمة؟ وهذا ما يتمناه المؤمنون.
أو هي محمَّلة بدمارٍ وتدمير، وأعاصيرَ ونارٍ وإغراق.
2- (وأهلكت عاد بالدبور) قال ابن حجر: وورد في صفة إهلاكهم بالريح ما أخرجه ابن أبي حاتم من حديث ابن عمر والطبراني من حديث ابن عباس رفعاه "ما فتح الله على عاد من الريح إلا موضع الخاتم، فمرت بأهل البادية فحملتهم ومواشيهم وأموالهم بين السماء والأرض، فرآهم الحاضرة فقالوا: هذا عارض ممطرنا، فألقتهم عليهم فهلكوا جميعا" (5)
3- معنى(لأقتلنهم قتل عاد) قال ابن حجر: أي قتلا لا يبقي منهم أحدا، إشارة إلى قوله تعالى: ( فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ ) ولم يُرد أنه يقتلهم بالآلة التي قتلت بها عاد بعينها، ويحتمل أن يكون من الإضافة إلى الفاعل ويراد به القتل الشديد القوي، إشارة إلى أنهم موصوفون بالشدة والقوة، ويؤيده أنه وقع في طريق أخرى "قتل ثمود"(6)
__________________
(1) اخرجه البخاري ( برقم 3206 ، 4828 ، 4829 ، 6092 ) ، ومسلم برقم ( 899 ).
(2) أخرجه البخاري برقم : ( 3206 ، 4828 ، 4829 ، 6092 ) ، ومسلم برقم ( 899 )
(3) البخاري ( 1035 ، 3205 ، 3343 ، 4105 )، ومسلم(900) .
(4) أخرجه البخاري ( 3344 ، 3660 ، 4351 ، 4667 ، 5058 ، 6163 ، 6931 ، 6933 ، 7432 ، 7562 ) ، ومسلم برقم ( 1064 ).
(5) فتح الباري(3/376).
(6) فتح الباري(3/376).
رد: أخبار الأنبياء في السنة النبوية(متجدد إن شاء الله)
أخبار الأنبياء في السنة النبوية
أ. د. فالح بن محمد بن فالح الصغيِّر
الحلقة (14):
قصة صالح عليه السلام (1)
كانت ثمود بعد قوم عاد وهم قبيلة مشهورة يقال ثمود باسم جدهم ثمود أخي جديس، وهما ابنا عابر بن ارم بن سام بن نوح، وكانوا عربًا من العاربة يسكنون الحِجر الذي بين الحجاز وتبوك، وقد مرَّ به رسول الله وهو ذاهب إلى تبوك بمن معه من المسلمين، كما سيأتي بيانه
وكانوا يعبدون الأصنام كأولئك، فبعث الله فيهم رجلًا منهم، وهو عبد الله ورسوله: صالح بن عبد بن ماسح بن عبيد بن حاجر بن ثمود بن عابر بن إرم بن سام بن نوح، فدعاهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له، وأن يخلعوا الأصنام والأنداد، ولا يشركوا به شيئًا، فآمنت به طائفة منهم، وكفر جمهورهم، ونالوا منه بالمقال والفعال وهموا بقتله، وقتلوا الناقة التي جعلها الله حجة عليهم، فأخذهم الله أخذ عزيز مقتدر(1).
ناقة صالح عليه السلام :
- عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما :( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نزل الحجر قام فخطب الناس فقال :" يا أيها الناس لا تسألوا نبيكم عن الآيات ، فإن قوم صالح سألوا نبيهم أن يبعث إليهم آية ، فبعث الله إليهم الناقة ، فكانت ترد من هذا الفج ، فتشرب ماءهم يوم وردها ، ويحتلبون من لبنها مثل الذي كانوا يأخذون من مائها يوم غبها ، وتصدر من هذا الفج فعتوا من أمر ربهم ، فعقروا فوعدهم الله العذاب بعد ثلاثة الأيام . وكان وعدا من الله غير مكذوب ، ثم جاءتهم الصيحة فأهلك الله من كان منهم تحت مشارق الأرض ومغاربها ، إلا رجلا كان في حرم الله فمنعه حرم الله من عذاب الله "فقيل يا رسول الله من هو ؟
قال : " أبو رغال ، فلما خرج من الحرم أصابه من أصاب قومه )(2)
حج صالح عليه السلام بيت الله الحرام :
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : لما مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بوادي عسفان حين حج ، قال : " يا أبا بكر أي واد وهذا " ؟
قال : وادي عسفان .
قال: " لقد مر به هود وصالح على بكرات حمر ، خطهما الليف ، أزرهم العباء ، وأرديتهم النمار يلبون يحجون البيت العتيق "(3)
عسفان : اسم موضع بين الجحفة ومكة على طريق المدينة إلى مكة المكرمة .
بكرات : جمع بكرة : وهي الفتية من الإبل .
الخطم : جمع خطام وهو الحب الذي تقاد به الناقة .
النمار :جمع نمرة ، وهي الشملة المخططة من مآزر الأعراب كأنها أخذت من لون النمر .
ويستفاد مما سبق
1- تأييد الله لأنبيائه بالآيات الباهرة الدالة على وحدانية الله سبحانه ومنها ناقة صالح عليه السلام حيث ذكرها في كتابه فقد ورد ذكر القصة في مواضع عدة من القرآن وهي سورة الأعراف - هود - الحجر - النمل - السجدة -إبراهيم - الإسراء - القمر - التوبة - الفرقان - سورة ص - سورة ق - النجم - الفجر - الشعراء .
2- من الشرائع التي كانت في الأمم السابقة الحج فقد حج صالح عليه السلام.
__________________
(1) ينظر تفسير ابن كثير(2/301).
(2) أخرجه أحمد في المسند ( 3 / 296 ) والطبري في التفسير ( 14817 ) والبزار ( 1844 ) والحاكم ( 2/ 340 - 341 ) وابن حبان ( 6197 ) وقال الهيثمي في المجمع ( 6 / 194 ) رواه احمد والبزار والطبراني في الأوسط ورجال أحمد رجال الصحيح .
وقال ابن كثير في تفسيره ( 2 / 237 ) والبداية ( 1 / 129 ) من طريق احمد وقال : هذا الحديث ليس في شيء من الكتب الستة وهو على شرط مسلم .
وزاد السيوطي عزوه في الدر ( 3 / 99 ) لابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه .
(3) أخرجه أحمد في المسند ( 1 / 232 ) ، وقال ابن كثير في ثصص الأنبياء ( 1 / 114 ) : إسناد حسن . وزاد السيوطي عزوه في الدر ( 3 / 97 ) لأبي يعلى وابن عساكر .
رد: أخبار الأنبياء في السنة النبوية(متجدد إن شاء الله)
أخبار الأنبياء في السنة النبوية
أ. د. فالح بن محمد بن فالح الصغيِّر
الحلقة (15):
قصة صالح عليه السلام (2)
أشقى الناس الذيقتل ناقة صالح عليه السلام :
عن عمار بن ياسر رضي الله عنهما قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي رضي الله عنه :" ألا أحدثكم بأشقى الناس رجلين ؟ أحيمر ثمود الذي عقر الناقة ، والذي يضربك يا علي على هذه ، حتى يبل منها هذه "(1)
- وعن عبد الله بن زمعة رضي الله عنه قال :خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر الناقة وذكر الذي عقرها فقال :إذ انبعث أشقاها ، وأنبعث له رجل عارم عزيز منيع في رهطة مثل أبي زمعة "(2)
قال ابن حجر: قوله : ( عزيز ) أي قليل المثل .
قوله : (عارم) بمهملتين أي صعب على من يرومه كثير الشهامة والشر.
قوله : ( منيع ) أي: قوي ذو منعة أي : رهط يمنعونه من الضيم ، وقد تقدم في أحاديث الأنبياء بلفظ :" ذو منعة "وتقدم بيان اسمه وسبب عقره الناقة(3) .
قال القرطبي: يحتمل أن المراد بأبي زمعة الصحابي الذي بايع تحت الشجرة يعني وهو عبيد البلوي قال ووجه تشبيهه به إن كان كذلك أنه كان في عزة ومنعة في قومه كما كان ذلك الكافر قال ويحتمل أن يريد غيره ممن يكنى أبا زمعة من الكفار(4)
قال ابن حجر: والثاني هو المعتمد(5)
سرعة المرور بالقوم المعذبين والنهي عن الدخول عليهم :
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال :لما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس على تبوك ، نزل بهم الحجر عند بيوت ثمود ، فاستقى الناس من الآبار التي كانت تشرب منها ثمود ، فعجنوا منها ونصبوا القدور ، فأمرهم رسول الله فأهرقوا القدور ، وعلفوا العجين الإبل ، ثم ارتحل بهم حتى نزل بهم على البئر التي كانت تشرب منها الناقة ، ونهاهم أن يدخلوا على القوم الذين عذبوا فقال :" إني أخشى أن يصيبكم مثل ما أصابهم فلا تدخلوا عليهم "(6)
- وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بالحجر :" لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين إلا أن تكونوا باكين ، فإن لم تكونوا باكين فلا تدخلوا عليهم ، أن يصيبكم مثل ما أصابهم "
عن عمرو بن سعد وقيل عامر بن سعد رضي الله عنه قال :لما كان في غزوة تبوك تسارع النا إلى أهل الحجر يدخلون عليهم ، فبلغ ذلك رسول الله فنادى في الناس( الصلاة جامعة )
قال : فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو ممسك بعيره وهو يقول :" ما تدخلون على قوم غضب الله عليهم ! "فناداه رجل : نعجب منهم يا رسول الله ؟قال : " أفلا أنبئكم بأعجب من ذلك ؟ رجل من أنفسكم ينبئكم بما كان قبلكم وما هو كائن بعدكم ، فاستقيموا وسسدوا ، فإن الله لا يعبأ بعذابكم شيئاً ، وسيأتيقوم لا يدفعون عن أنفسهم شيئاً "(7)
ويستفاد مما سبق:
1- أن أشد قبيلة ثمود شقاء، هو عاقرُ الناقة واسمه في قول عامة المفسرين المؤرخين كابن جرير وابن كثير قُدَار بن سالف.
2- أنه لا يجوز دخول أماكن القوم المعذبين إلا لأخذ العظة والعبرة
قال العثيمين: نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن دخول تلك الأماكن، واستثنى حالة الخوف والخشوع، وزيارتها للسياحة والمتعة مخالف للهيئة التي أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بها، لأن الزائر على هذه الصفة سوف يمكث فيها، وربما وقع في نفسه تعظيم لما يراه من أحكام البناء وشدته، وفي ذلك خطر عظيم على المسلم. (8)
____________________
(1) أخرجه أحمد ( 4 / 263 ) والنسائي في الخصائص (ص 28) والطحاري في مشكل الاثار ( 1/ 351 - 352 ) وصححه الحاكم ( 3 / 140 - 141 ) على شرط مسلم ووافقه الذهبي والألباني(الصحي ة: 1743)
وله شاهد من حديث علي اسناده حسن كما قال الهيثمي في المجمع ( 9 / 136 - 137 ) الأحيمر: الأكيلف الوجه. لسان العرب - (ج 3 / ص 369) العقر: ضرب قوائم البعير أو الشاة بالسيف وهو قائم.
(2) أخرجه البخاري برقم ( 3377 ، 4942 ، 5204 ، 6042 ) ، ومسلم برقم ( 2855 ).
(3) فتح الباري(8/706).
(4) المفهم (7/429).
(5) فتح الباري(8/706).
(6) أخرجه البخاري برقم ( 3378 ، 3379 ) ، ومسلم برقم ( 2855 ).
(7) أخرجه البخاري برقم ( 433 ، 3381 ، 4702 ، 4420 ) ومسلم برقم ( 2980 )
(8) لقاء الباب المفتوح للشيخ ابن عثيمين 8/82
رد: أخبار الأنبياء في السنة النبوية(متجدد إن شاء الله)
أخبار الأنبياء في السنة النبوية
أ. د. فالح بن محمد بن فالح الصغيِّر
الحلقة (16):
قصة إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام(1)
هيئة إبراهيم عليه السلام .
- عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" عُرض علي الأنبياء ، فإذا موسى ضرب من الرجال ، كأنه من رجال شنوءة ، ورأيت عيسى ابن مريم عليه السلام فإذا أقرب من رأيت به شبهاً عروة بن مسعود ،ورأيت إبراهيم صلوات الله عليه فإذا أقرب من رأيت به شبهاً صاحبكم " يعني نفسه " ورأيت جبريل عليه السلام فإذا أقرب من رأيت به شبها دحية " اللفظ لمسلم (1)
- وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
" أما إبراهيم فانظروا إلى صاحبكم ، وأما موسى فرجل آدم جعد على جمل أحمر مخطوم . بخلبه ، كأني أنظر إليه انحدر في الوادي يلبي " (2) واللفظ لمسلم .
وفي لفظ للإمام أحمد قال :" ونظرت إلى إبراهيم فلا نظر إلى إرب من آرابه إلا نظرت إليه مني ، كأنه صاحبكم"
متى أنزلت صحف إبراهيم عليه السلام :
- عن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " أنزلت صحف إبراهيم أول ليلة من شهر رمضان وأنزلت التوراة لست مضت من رمضان وأنزل الإنجيل لثلاث عشرة مضت من رمضان وأنزل الزبور لثمان عشرة خلت من رمضان وأنزل القرآن لأربع وعشرين خلت من رمضان " (3)
ويستفاد مما سبق.
1- مشابهة نبينا محمد لإبراهيم الخليل عليهما الصلاة والسلام في الخلقة والهيئة.
2- نزول صحف إبراهيم عليه السلام أول ليلة من رمضان وقد حكاها الله في سورتي النجم والأعلى وهي جمع صحيفة.
قال الزمخشري: قطعة من جلد أو قرطاس كتب فيه، وفي الصحاح الصحيفة الذهب. (أول ليلة من شهر رمضان) كأنها أنزلت دفعة واحدة(4)
_____________________
(1) أخرجه مسلم برقم ( 167 ).
(2) أخرجه البخاري ( 3438 ) ( 3355 ) ( 5913 ) ومسلم برقم ( 165 ).
(3) أخرجه الطبراني في الكبير ( 22 / 75 ) رقم ( 185 ) ( 186 ) والبهيقي في السنن ( 9 / 188 ) والطيالسي برقم : ( 1918 ) وفي الأسماء والصفات ( 1 / 367 ) وأحمد في المسند ( 4 / 107 ) وإسناده حسن ورجاله ثقات . وحسنه الألباني في "صحيح الجامع" رقم (1509).
وقال الهشيمي في المجمع ( 7 / 46 ) فيه عمران القطان ضعفه يحيى ووثقه ابن حبان وبقية رجال ثقات .
(4) الفائق (2/ 287)
رد: أخبار الأنبياء في السنة النبوية(متجدد إن شاء الله)
أخبار الأنبياء في السنة النبوية
أ. د. فالح بن محمد بن فالح الصغيِّر
الحلقة (17):
قصة إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام(2)
قول إبراهيم عليه السلام ( رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِـي الْمَوْتَى....)
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( نحن أحق بالشك من إبراهيم ، إذ قال : (رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِـي الْمَوْتَى ) .(1)
كان إبراهيم عليه السلام حنيفاً
وعن ابن عمر رضي الله عنهما :" أن زيد بن عمرو بن نفيل خرج إلى الشام يسأل عن الدين ويتبعه ، فلقى عالماً من اليهود فسأله عن دينهم فقال : إنَي لعلي أن أدين دينكم فأخبرني ، فقال : لا تكون على ديننا حتى تأخذ نصيبك من غضب الله .
قال: ما أعلمه إلا أن يكون حنيفاً .قال زيد : وما الحنيف ؟ قال : دين إبراهيم ، لم يكن يهوديا ولا نصرانيا ولا يعبد إلا الله .
فخرج زيد فلقى عالما من النصارى فذكر مثله ، فقال : لن تكون على ديننا حتى تأخذ نصيبك من لعنة الله .
قال : ما أفر من لعنة الله ولا أحمل من لعنة الله ولا من غضبه شيئاً وإني أستطيع ؟ فهل تدلني على غيره ؟
قال : ما أعلمه إلا أن يكون حنيفاً
قال : وما الحنيف ؟ قال : دين إبراهيم ، لم يكن يهوديا ولا نصرانيا ولا يعبد إلا الله
فلما رأى زيد قولهم في إبراهيم عليه السلام خرج فلما برز رفع يديه
فقال : اللهم إني اشهد أني على دين إبراهيم (2)
ويستفاد مما سبق
1- تواضع النبي صلى لله عليه وسلم حيث قال نحن أولى بالشك من إبراهيم ومعنى ذلك ما قاله القاضي عياض: أي نحن موقنون بالبعث وإحياء الموتى، فلو شك إبراهيم في ذلك لكنَّا أولى بالشك - على طريق الأدب - وكلاهما لا يجوز عليه الشك. (3)
2- وصف الله خليله إبراهيم عليه السلام أنه كان حنيفا في آيات عدة منها قوله تعالى(قُلْ صَدَقَ اللَّهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) آل عمران/95
يقول العلامة السعدي رحمه الله :
" أي : مقبلا على الله ، معرضا عما سواه ، قائما بالتوحيد ، تاركا للشرك والتنديد ، فهذا الذي في اتباعه الهداية ، وفي الإعراض عن ملته الكفر والغواية "(4)انتهى.
ويقول العلامة ابن عاشور رحمه الله :
" المراد الميل في المذهب ، أن الذي به حنف يميل في مشيه عن الطريق المعتاد ، وإنما كان هذا مدحا للملة لأن الناس يوم ظهور ملة إبراهيم كانوا في ضلالة عمياء ، فجاء دين إبراهيم مائلا عنهم ، فلقب بالحنيف ، ثم صار الحنيف لقب مدح بالغلبة . وقد دلت هذه الآية على أن الدين الإسلامي من إسلام إبراهيم "(5) انتهى.
____________________
(1) أخرجه البخاري برقم ( 3372 ، 3375 ، 3387 ، 4537 ، 4694 ، 6992 ، ) ومسلم برقم ( 151 )
(2) أخرجه البخاري برقم ( 3827 )
(3) أخرجه البخاري برقم ( 3827 )
(4) تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان " (ص/67)
(5) التحرير والتنوير " (1/717)
رد: أخبار الأنبياء في السنة النبوية(متجدد إن شاء الله)
أخبار الأنبياء في السنة النبوية
أ. د. فالح بن محمد بن فالح الصغيِّر
الحلقة (18):
قصة إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام(3)
أول من بدل دين إبراهيم عليه الصلاة والسلام
- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال :( سمعت رسول الله يقول لأكثم بن الجون الخزاعي : يا أكثم ! رأيت عمرو بن لحي بن قمعة بن خندف يجر قصبه في النار ، فما رأيت رجلا أشبه برجل منك به ، ولا بك منه " . فقال أكثم : عسى أن يضرني شبهه يا رسول الله ؟
قال :" لا إنك مؤمن وهو كافر ، إنه كان أول من غير دين اسماعيل ، فنصب الأوثان وبحر البحيرة وسيب السائبة ووصل الوصيلة وحمى الحامي )(1)
* السائبة : الناقة إذا تبعت بين عشر إناث ليس بينهن ذكر ، سيبت فلم يركبها ظهرها ولم يجز وبرها ولم يشرب لبنها إلا ضيف كما فعل بأمها فهي البحيرة بنت السائبة .
* البحيرة : بنت السائبة
* الوصيلة : الشاة إذا أتمت عشر إناث متتابعات في خمسة أبطن ليس بينهن ذكر ، جعلت وصيلة ، قالو : قد وصلت ، فكان ما ولدت بعد ذلك للذكور منهم دون الإناث إلا أن يموت منها شيء فيشتركوا في أكله ذكورهم وإناثهم .
* الحامي : الفحل إذا نتج له عشر إناث متتابعات ليس بينهن ذكر ، حمى ظهره فلم يركب ولم يجو وبره وخلي في إبله يضرب فيها لا ينتفع منه بغير ذلك . (2)
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" أول من غير دين إبراهيم عمرو بن لحي بن قمعة بن خندف أبو خزاعة "
ويستفاد مما سبق :
أنه قد بقيت بقايا من دين إبراهيم عليه السلام ، وصلت إلى العرب قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم ، وكانت قلّة من العرب يدينون قبل البعثة بالحنيفية ، دين إبراهيم عليه السلام وأن الذي غير دين العرب إلى الشرك وسنَّ لهم عبادة الأصنام هو عمرو بن لحي الخزاعي.
________________
(1) أخرجه ابن هشام في السيرة( 1/76) والحاكم(4/605) بإسناد حسن وصرح ابن اسحاق بالتحديث والحديث أصله عند البخاري(6/400) ومسلم(8/214).
(2) تفسير الطبري "7/ 56 وما بعدها" ، الجامع للقرطبي "6/ 337 ".
رد: أخبار الأنبياء في السنة النبوية(متجدد إن شاء الله)
أخبار الأنبياء في السنة النبوية
أ. د. فالح بن محمد بن فالح الصغيِّر
الحلقة (19):
قصة إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام(4)
قول إبراهيم عليه السلام حين ألقي في النار :
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال :" حسبنا الله ونعم الوكيل قالها إبراهيم حين ألقي في النار وقالها محمد صلى الله عليه وسلم حين قيل له : (إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ ) (1) الآية(2)
اشتراك الحيوانات في إطفاء النار على إبراهيم إلا الوزغ :
عن أم شريك رضي الله عنهما : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الوزغ وقال :" كان ينفخ على ابراهيم عليه السلام "(3)
وعن عائشة رضي الله عنهما : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
" إن إبراهيم قد ألقي في النار لم يكن في الأرض دابة إلا أطفأت النار عنه غير الوزغ فإنها كانت تنفخ عليه "(4)
ويستفاد مما سبق:
1- أن كلمة (حسبي الله ونعم الوكيل) من أعظم الأدعية الواردة في الكتاب والسنة الصحيحة.
ومعنى : ( نعم الوكيل ) أي : أمدح من هو قيِّم على أمورنا ، وقائم على مصالحنا ، وكفيل بنا ، وهو الله عز وجل ، فهو أفضل وكيل ؛ لأن من توكل على الله كفاه ، ومن التجأ إليه سبحانه بصدق لم يخب ظنه ولا رجاؤه ، وهو عز وجل أعظم من يستحق الثناء والحمد والشكر
قال ابن تيمية: أي : الله وحده كافينا كلَّنا (5)
ويقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :حَسْبُنَا: أي : كافينا في مهماتنا وملماتنا، ( وَنِعْمَ الْوَكِيل ) إنه نعم الكافي جل وعلا ، فإنه نعم المولى ونعم النصير .
ولكنه إنما يكون ناصرا لمن انتصر به واستنصر به ، فإنه عز وجل أكرم الأكرمين وأجود الأجودين ، فإذا اتجه الإنسان إليه في أموره أعانه وساعده وتولاه ، ولكن البلاء من بني آدم ، حيث يكون الإعراض كثيرا في الإنسان ، ويعتمد على الأمور المادية دون الأمور المعنوية "(6)
2- أمر بقتل الوزغ لأنه كان ينفخ النار على إبراهيم عليه السلام
قال البيضاوي: فيه بيان لخبث هذا النوع وفساده وأنه بلغ في ذلك مبلغاً استعمله الشيطان فحمله على أن ينفخ في النار التي ألقي فيها الخليل وسعى في اشتعالها وهو في الجملة من ذوات السموم المؤذية. (7)
____________
(1) أخرجه البخاري(4563) (4564).
(2) آل عمران 173-174
(3) أخرجه البخاري(3307) (3259).ومسلم(2237)
(4) أخرجه أحمد(6/83،109) ، والنسائي(5/189)، وابن ماجه(3231)، وابن حبان(5602).
(5) منهاج السنة النبوية (7/204)
(6) " شرح رياض الصالحين " (1/542)
(7)" فيض القدير شرح الجامع الصغير " (2/76)