النبر أساسه التقطيع الصوتي ويستثمر في القرائية والأداء القرائي
النبر أساسه التقطيع الصوتي ويستثمر في القرائية والأداء القرائي
(1)
ما النبر لغة؟
يقول الفيومي في (المصباح المنير): (نَبَرْتُ الحرف "نَبْرًا" من باب ضرب: همزته، قال ابن فارس: "النُّبْرُ" في الكلام: الهمز. وكلّ شيء رفع فقد "نُبِرَ". ومنه "المِنْبَرُ"؛ لارتفاعه، وكسرت الميم على التشبيه بالآلة).ويقول ابن فارس في (مقاييس اللغة): (نبر: النون والباء والراء أصلٌ صحيح يدلُّ على رَفْع وعُلُوّ. ونَبَر الغلامُ: صاحَ أول ما يترعرع. ورجلٌ نَبَّارٌ: فصيحٌ جهير. وسمِّي المنبرُ لأنَّه مرتفع ويُرفَع الصَّوتُ عليه. والنَّبْرُ في الكلامِ: الهَمْزُ أو قريبٌ منه. وكلُّ مَن رفع شيئاً فقد نَبَره). ومن هذا المعنى اللغوي اشتقت الدلالة الاصطلاحية للنبر، فما هو اصطلاحا؟يقول المعجم الوسيط: ( النبر في النطق: إبراز أحد مقاطع الكلمة عند النطق).وإن النبر مع التنغيم فونيمان فوق تركيبيين كما يقول الدكتور كمال بشر في كتابه (علم الأصوات)، وإن النبر صوت مميِّز في لغات أخرى، لكنه في اللغة العربية غير مميِّز؛ فهو موضع خلاف بين المهتمين بعلم الأصوات العربي بين معتدٍّ به وغير معتدٍّ.
وإن المشتغلين بعلم التجويد القرآني الذي يهتم بالأداء القرائي لا يختلفون في هذا عن المشتغلين بالأصوات؛ فهناك من ينكر أهميته في اللغة العربية، وهناك من استقرأ الأداءات النطقية واستنبط منها مواضع تصلح لبيان وظيفة النبر في اللغة العربية كالدكتور أيمن رشدي سويد الذي رصد خمسة مواضع لمس فيها أهمية النبر في الأداء.
ما هي هذه المواضع؟
هي:
1- الوقف على الحرف المشدد إلا النون والميم المشددتين لوجد مطل يغني عن الضغط، والحرف المقلقل المشدد لعدم وجود حذف في الصوت، مثل الوقف على الحيّ في قوله تعالى حتى لا يسقط صوت: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ} [البقرة: 255]، ومثل الوقف على "طلّ" من قوله تعالى: {فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ} [البقرة: 265].
2- الواو والياء المشددتان، مثل (القوّة وحُيِّيتُمْ وقوّامين و...).
3- الانتقال من حرف المد إلى حرف مشدد، مثل: الضالّين، والصاخّة، والطامّة، و...
4- الوقف على الهمزة بعد حرف مد، مثل: سوء، وشيء، وماء، ...
5- الفعل المسند إلى ألف الاثنينإن أدى وصلها بما بعدها إلى الالتباس بالمفرد، مثل: {وَاسْتَبَقَا الْبَابَ} [يوسف: 25]، و {وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّهِ} [النمل: 15]. ويمتنع ذلك إن أمن اللبس، مثل: {دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا} [الأعراف: 189].
(2)
ومن يتابع الأداءات القرائية للمعلمين والتلاميذ والتلميذات يجد أشياء في الأداء ليس مصدرها الخطأ الصوتي من مخرج أو صفة، وليس مصدرها الخطأ النحوي أيضا بل ليس مصدره إلا النبر؛ مما حداني إلى الرجوع إلى موضوع نشرته في 12/6/2008م وكان عنوانه (النبر .. عرض وتفصيل) أورده فيما يأتي بنصه لأهميته في هذا الموضوع.
(3)
النبر هو ازدياد وضوح نطق مقطع من مقاطع الكلمة.
أ- علو الصوت وانخفاضه المرتبطة بحركة الحجاب الحاجز في ضغطه الرئتين لإفراغ ما فيهما من هواء؛ فتؤدي زيادة كمية الهواء إلى اتساع مدى ذبذبة الأوتار الصوتية فيكون من ذلك علو الصوت.
ب- توتر أعضاء النطق في مخرج الصوت.
أ- النبر الأولي: هو النبر الموجود في كل كلمات اللغة، وهو أول نبر حسب آخر الكلمة.
ب- النبر الثانوي: هو النبر الذي لا يوجد إلا في الكلمات متعددة المقاطع، وهو النبر الذي يلي النبر الأولي في اتجاه أول الكلمة. ويقول الدكتور تمام حسان في كتابه "اللغة العربية .. معناها ومبناها": وهو يكون في الكلمة والصيغة الطويلة نسبيا بحيث يمكن لهذه الكلمة أن تبدو للأذن كما لو كانت كلمتين. أو بعباردة أكثر دقة: عندما تشتمل الكلمة على عدد من المقاطع يمكن أن يتكون منه وزن كلمتين عربيتين؛ فكلمة "مستحيل" مثلا يمكن أن تكون على وزن كلمتين عربيتين هما "بعُد - ميل"، ومن ثم تشتمل على نبر أولي على المقطع الأخير ونبر ثانوي على المقطع الأول، ويبقى المقطع الأوسط وهو ما يقابل الدال المفتوحة بلا نبر.ج- النبر الضعيف: وهو يتحقق في بقية مقاطع الكلمة كما يقول الدكتور سلمان حسن العاني في كتابه "التشكيل الصوتي في اللغة العربية"، كالنبر المتروك في "ب" المقابل للدال المفتوحة.
النبر -كما يذكر الدكتور تمام- على مستوى الصيغة والكلمة ذو وظيفة صرفية هي تقديم القيم الخلافية التي تفرق مع الكمية بين معنى صرفي وآخر، ويمكن بواسطتها مثلا أن نفرق بين طوائف من الصيغ، مثل فعِل وفعِّل وفاعِل وفعيل حيث يفرق بين الكلمات الأربع بالكمية، وبين الثلاث الأولى منها وبين الرابعة بالنبر، فيقع النبر في الثلاث على المقطع الأول وفي الرابعة على الثاني.
خامسا: مواضع النبر الأولي
2- إذا كانت الكلمة مكونة من مقطعين كان النبر على المقطع قبل الأخير، مثل:أ - لمَّا: النبر على لمْ: ص ح ص.ب - قاتِل: النبر على: قا: ص ح ح.ج - كيْفَ: النبر على: كيـْ: ص ح ص.د - إنَّا: النبر على: إنـْ: ص ح ص.
3- إذا كانت الكلمة مكونة من ثلاثة مقاطع أو أكثر كان النبر على المقطع:أ- قبل الأخير إذا كان ما قبل الأخير متوسطا والأخير:- قصيرا، مثل:* أخْرجْتُ: النبر على: رَجْـ: ص ح ص.* حذارِ: النبر على: ذا: ص ح ح.* واستلْقِ: النبر على: تلْـ: ص ح ص.- أو متوسطا، مثل:* معلِّمْ: النبر على: عَلْـ: ص ح ص.* مقاتِلْ: النبر على: قا: ص ح ح.* واستوثقْ: النبر على: توْ: ص ح ص.ب- قبل الأخير قصيرا متلوا بمتوسط، مثل:- كُتُبٌ: النبر على: تُـ: ص ح.- صُوَرٌ: النبر على: وَ: ص ح.ج- قبل الأخير قصيرا مسبوقا بهمزة الوصل، وهذه كالسابقة، مثل:- وانحبِسْ: النبر على: حَـ: ص ح.- وارعوِ: النبر على: عَـ: ص ح.- واخرجي: النبر على: رَ: ص ح.- وابتغِ: النبر على: تَـ: ص ح.- وامضيا: النبر على: ضِـ: ص ح.
4- إذا كانت الكلمة مكونة من ثلاثة مقاطع أو أكثر كان النبر على المقطع الثالث من الآخر إذا كان:أ- الثالث قصيرا متلوا بقصيرين، مثل:- علَّمكَ: النبر على ـلَـ: ص ح.- كَتَبَ: النبر على: كَـ: ص ح.- تَصِلُ: النبر على: تَـ: ص ح.- أكْرَمَكَ: النبر على: رَ: ص ح.- اجْتَمَعَ: النبر على : تَـ: ص ح.- انكَسَرَ: النبر على: كَـ: ص ح.ب- الثالث متوسطا متلوا بقصيرين، مثل:- عَلَّمَ: النبر على: علْـ: ص ح ص.- أَكْرَمَ: النبر على: أَكْـ: ص ح ص.- بَيْتَكَ: النبر على: بيْـ: ص ح ص.- "لم" يَنْتَهِ: النبر على: ينْـ: ص ح ص.- أُخْرِجَ: النبر على: أُخْـ: ص ح ص.ج- الثالث متوسطا متلوا بقصير ومتوسط، مثل:- مصطفى: النبر على: مصْـ: ص ح ص.- أخرجوا: النبر على: أَخْـ: ص ح ص.- مُفَكِّرٌ: النبر على: فَكِـ: ص ح ص.- نظْرةٌ: النبر على: نظْـ: ص ح ص.- ابتسامَةٌ: النبر على: سا: ص ح ح.
سادسا- مواضع النبر الثانوي
2- يقع النبر الثانوي على المقطع الثاني قبل النبر الأولي إذا كان الثانوي وما يليه يكونان:أ- مقطعا متوسطا + مقطعا متوسطا، مثل:- مستبقين:النبر الثانوي على: مسـْ: ص ح ص.- يستخْفون: النبر الثانوي على: يسْـ: ص ح ص.- عاشرناهم: النبر الثانوي على: عا: ص ح ح .ب- م متوسطا + م قصيرا، مثل:- مستقيم: النبر الثانوي على: مسْـ: ص ح ص.- قاتلوهم:النبر الثانوي على: قا: ص ح ح.ج- م طويلا + م قصيرا، مثل: مدهامَّتان: النبر الثانوي على: هامْـ: ص ح ح ص.
3- يقع النبر الثانوي على المقطع الثالث قبلا النبر الأولي إذا كان الثانوي واللذان يليانه يكونون:أ- م متوسطا + م قصيرا + م متوسطا، مثل:- يستقيمون: النبرالثانوي على: يسْـ: ص ح ص.- مستجيبون: النبر الثانوي على: مسْـ: ص ح ص.- مستطيلان: النبرالثانوي على: مسْـ: ص ح ص.ب- م متوسطا + م قصيرا + م قصيرا، مثل:- منطلقون: النبر الثانوي على: منْـ: ص ح ص.- تحترمون: النبر الثانوي على: تحْـ: ص ح ص.-يستَبِقون: النبر الثانوي على:يسْـ: ص ح ص.ج- م قصيرا + م قصيرا + م قصيرا، مثل:- بقرتان: النبر الثانوي على: بـَ: ص ح.- ضربتاهْ:النبر الثانوي على: ضَـ: ص ح.- كلمتان: النبر الثانوي على: كَـ: ص ح.
يقول الدكتور عبد الصبور شاهين:
1- يحتاج النبر إلى مجموعة مقطعية يرتكز عليها -إذ يمثل المقطع المنبور القمة في المجموعة المقطعية بينما تمثل المقاطع المتبقية الواقعة بعده القاعدة الني تحمل القمة- قد تكون:أ- مقطعا من نوع: ص ح ص ص، أو ص ح ح ص، أو ص ح ح ص ص.ب- مقطعين من نوع: ص ح ص، أو ص ح ح، مثل:- استوفى: توفي: ص ح ص، وص ح ص.-اثاقل: ثاقل:ص ح ح، وص ح ص.ج- تكوينا مقطعيا من : ص ح + ص ح ص + ص ح ح، مثل: يفتري: ص ح ص، وص ح، وص ح ح .د- ثلاثة مقاطع من نوع ص ح متتابعة من الآخر، مثل: ازدحمَ: دحم: ص ح، وص ح ، وص ح.
2- النبر يتركز أساسا على الحركة التي هي نواة المقطع حين ينفرد النبر آخر الكلمة:أ- فإذا تحملت الحركة في ص ح ح ص أو ص ح ص ص أو ص ح ح ص ص بقي من عناصر المقطع ما يكفي لاستيفاء حق الوقف اعتمادا عليه.ب- وإذا لم يكن مقطع النبر من ص ح ص ص، أو ص ح ح ص ص، أو ص ح ح ص- كان النبر على المقطع السابق ص ح ص أو ص ح ح. أي أن المقطع الأخير إذا كان متوسطا فإنه لا يقدم للنبر المساحة البنيوية التركيز عليها؛ لذا يحتاج إلى دعم لمساحته حتى تستوفي الكلمة نبرها. فإذا كان الدعم من ص ح ص أو ص ح ح فلا شرط، ويتم النبر اعتمادا على أن له امتدادا في المقطع الأخير يعتمد عليه ويكون معه المجموعة المقطعية. وإذا كان الدعم من ص ح، مثل "يفتري" كان النبر على المقطع "تَـ"المعتمد على المقطع الأخير ص ح ح. وقد ساعد على ذلك أن المقطع الأول قبله هو ص ح ص، ولو وقع عليه النبر لطالت المسافة بينه وبين نهاية الكلمة وهو غير مقبول في النطق العربي.ج- وإذا كانت بنية الكلمة ص ح ص + ص ح + ص ح+ ص ح، مثل"اشتمل" كان النبر على "تـ" لأنه يجد في المقطعين التاليين "م - ل" دعامة كافية يستند عليها عند الضغط النبري ويظهر فيها تأثيره.
3- لا تؤثر السوابق في النبر لأن النبر يحسب من نهاية الكلمة، فتؤثر فيه اللواحق فقط.
4- المقطع القصير لا يصلح أن يكون موضعا للنبر إلا إذا اعتمد على مقطع طويل بعده في نهاية الكلمة، أو مقطعين قصيرين؛ لأنه بذاته أضعف من تحما الضغط الذي قد يطيل حركته فيخرجه عن مفهومه الاشتقاقي أو الدلالي. مثل اللفيف المفروق مثل" قِ: ص ح" الذي ينشئ مشكلة التضاد بين ضرورة التقصير بالحذف وضرورة التطويل للنبر،فنجد أن اللغة قد حافظت عليهما معا بأن أبقت التقصير وأطالت المقطع بهاء السكت التي تعتبر ضرورة نبرية حتى تصلح الكلمة للنبربمقطعها الطويل المغلق، فتصير الكلمة "قهْ: ص ح ص".
