هل الله عزوجل يطوف في الأرض بعد النفخة الأولى ؟
ورد هذا المعنى في حديث أبي رزين الطويل , الذي رواه عبد الله وابن أبي عاصم
(فَأَصْبَحَ رَبُّكَ يُطِوفُ فِي الْأَرْضِ، وَخَلَتْ عَلَيْهِ الْبِلَادُ..))
وأشار ابن القيم الى أن هذا الحديث بجلالة ألفاظه تدل على أنه خرج من مشكاة النبوة
ووصفه ابن كثير بالغرابة وحكم على بعض ألفاظه بالنكارة وكذا ابن حجر
ولا يبعد أن يكون هذا اللفظ منها , لا سيما أن هذا الفعل من الرب عزوجل لم يثبت الا في هذا الحديث
مع ما في اسناده من مجاهيل لم يوثقهم الا ابن حبان على قاعدته في توثيق المستورين والذين لم يرد فيهم جرح معلوم
وقد نقل ابن عبد الهادي في الصارم المنكي هذه العبارة وفيها اشارة الى قبول هذا المعنى
(والقول بإثبات النزول مع كونه فوق العرش غير معقول ، وكذلك القول بأنه يحاسب الناس يوم القيامة في الأرض ، وأنه يجيء ويقبل ويأتي وينطلق ويتبعونه ، وأنه يمر أمامهم ، وأنه يطوف في الأرض ويهبط
عن عرضه
إلى كرسيه ، أو غيره ، ثم يرتفع إلى عرشه كما ورد هذا كله في الحديث
.
)
فأولا
ينبغي تصحيح اللفظ (عن عرضه ) , فهو (عن عرشه)
وثانيا
هذا الكلام الذي نقله ابن عبد الهادي ليس هو مذهبه ولا اختياره
انما كتبه عند ذكر مسألة خلو العرش عند نزول الله تعالى الى سماء الدنيا
فذكر القول الأول على لسان أصحابه القائلين بأن الله تعالى يبقى مستويا على عرشه ولا يخلو منه
ثم ذكر القول الثاني في أن العرش يخلو منه سبحانه , وذكر على لسان القائلين بهذا القول الكلام أعلاه
لذلك كتب بعده
( وأنه كلم موسى عليه السلام من الشجرة حقيقة ، وهو مع ذلك كله فوق عرشه أملا يتصوره العقل، ولم يدل عليه النقل فيجب القول به والانقياد له ) انتهى
فاثبات النزول مع كونه فوق العرش أمر لا يتصوره العقل حسبهم ولم يدل عليه النقل عندهم
فلا يمكن أن يجيء يوم القيامة أو ينطلق بزعمهم الا وقد فارق عرشه وكذلك الطواف في الأرض
و لا يمكن حسب رأيهم أن يكون مستويا على العرش ويطوف في الأرض في آن واحد ؟
ثم قالوا بعد ذلك أن الله تعالى لم يزل عاليا بذاته مع انتفاء استوائه على العرش ,لأن الاستواء صفة فعل متعلقة بارادته ومشيئته فيمكن انتفاؤها في وقت دون وقت بخلاف صفة العلو فانها متعقلة بالذات العلية وهذه من لوازم ربوبيته التي لا ينفك عنها بحال من الأحوال
وهذا كله في مقابل القول الأول حيث أثبت أصحابه نزولا مع دوام الاستواء وعدم خلو العرش من الله عزوجل لأن خلوه يستلزم أن يصير بعض خلقه أعلى منه -سبحانه- وهذا باطل
ثم ذكر ابن عبد الهادي القول الثالث وهو الأسلم , ومحصله عدم الخوض في هذا الأمر لا نفيا ولا اثباتا , ايمانا بالنصوص وامرارها كما جاءت .
والمقصود أن هذا المعنى (يطوف في الأرض ) لم يذكره اقرارا منه به فلم يكن بكتابته الا ناقلا ,
ولو صح لفظه لسلمنا به
وكذلك كل وصف للرب عزوجل لا نقبله الا بعد ثبوت صحته
وقبول أئمة السلف الأوائل له
وهذان الأمران منتفيان في هذا الموضع