قال بعض الفضلاء : إذا كان عندك فتح الباري فلا حاجة إلى شرح آخر للبخاري ، ولذلك لما طلب من الإمام الشوكاني رحمه الله تعالى أن يشرح صحيح البخاري قال قولته المشهورة : " لا هجرة بعد الفتح " ، وقال صاحب كتاب عون المعبود شرح سنن أبي داود :
فَعَلَيْكَ بِفَتْحِ الْبَارِي ، فَإِنَّ فَتْحَ الْبَارِي مَنٌّ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى الْعُلَمَاءِ ( أي هبة ونعمة ) .
نعم بارك الله فيك , لكن عليه مآخذات في العقيدة
فقد نحى نحو الأشاعرة في تفسير أحاديث الصفات , وفتح الباري لابن رجب الحنبلي أحسن منه بكنه لم يتمه , رحمهم الله جميعا
وشرح الكرماني جيد لكنه مختصر وكذا شرح سراج الدين ابن الملقن شرح مفصل وقبلهم شرح ابن بطال المالكي الأندلس فيه فوائد جمة
وكذا عمدة القاري لبدر الدين العيني الحنفي , شرح جيد لكنه يأخذ كثيرا من شرح الكرماني وكذا ابن الملقن دون عزو بخلاف ابن حجر الذي ينسب كل قول الى صاحبه مع الاكثار من النقولات والتوسع في الشروحات
وكان العيني يأخذ من كتابه العبارات الكثيرة وينسبها الى نفسه وكانت بينهما ردود كالذي يكون بين الأقران , لاسيما انهما اجتمعا في بلدة واحدة وكان كل منهما قاضيا في مذهب أصحابه
لا يغني كتاب عن كتاب، وإنما قد يكفي في بعض الأغراض والمراحل.
فى كل خير ..
قد تجد كتابًا يعنى باللغة أكثر من غيره ، بينما الثاني يُعنى بالفقه ، والثالث يعنى بالتخريج وذكر علل الأحاديث ، وهكذا ، وتجد واحدا منهم يشرح الأحاديث العقدية بنفس سلفي أكثر من غيره ، وهكذا فكلٌّ فيه فائدة قد لا تجدها عند الآخر ، أو تجدها لكن أحدهما يتوسع فيها بيانًا وإيضاحًا أكثر من الآخر ، ولا شك أن فتح الباري فتح.
في كل شرح فوائد لا توجد في غيره
ولكن في الأفضلية نقدم هذا ونؤخر ذاك
الحافظ العسقلاني كان متأخرا عمن سيقه من الشراح فاستفاد من شروحاتهم وأكثر النقل عنهم وجمع من الأقوال ما لم يتيسر لمن قبله
واستفاض في ذكر اختلاف نسخ البخاري و تباين ألفاظ الرواة
فهذا الذي زاد في رتبته ونفاسته
لكن والحق يقال , فتح الباري لابن رجب أكثر منه فائدة في الفقه والحديث , لكن توفاه الله تعالى في بداية تأليفه
والحذر الحذر من كلام ابن حجر في الصفات , فهذا الذي يعاب به كتابه .
ليت طلاب العلم اليومَ بعد قرائتهم ضبطا لمصنفات الاعتقاد السلفي السليم ليتهم يشتغلون على شرح موثوق عند أهل العلم كالفتح وتفسير القرطبي او المجموع أو زاد المعادأو المجموع لابن تيمية أو شرح النووي... فيقرأه مرات وكرات يقيد الفوائد، فقد كان العلماء قديما يعيبون على طلبة العلم اشتغاله بفن دون آخر، ثم لم تراخت الهمم صاروا يوصونهم بفن واحد يشتغل بمصنفاته حتى يصير قويا فيه، ثم صرنا إلى زمان لا أفضل لطالب العلم فيما يظهر حيث خارت العزائم من عنايته بكتاب مستوعب لمسائل العلوم في جملتها يكثر النظر فيه والاختلاف إليه، وقد لُقِّب الإمام محيي الدين الحنفي بالكافيجي لكثرة اشتغاله بالكافية لابن الحاجب فنسب إليها، والله المستعان.