إشكال في صنيع البيهقي في سننه والبغوي في شرح السنة، والجواب عنه
في بعض الأحايين نرى أن البيهقي في سننه الكبير ، وكذا البغوي الصغير(1) في شرح السنة، يذكران أو يذكر الواحد منهما حديثا بإسناده ، ثم يقول بعد ذكر إسناده ومتنه :
أخرجه البخاري ومسلم .
أو: أخرجه البخاري في صحيحه .
أو: رواه مسلم في صحيحه .
مع العلم أن إسناد البيهقي - مثلا - هو نفس إسناد البخاري في الصحيح .
وإذا بك تجد الحديث في الصحيحين أو أحدهما ليس على الوجه الذي أورده البيهقي أو البغوي في بعض ألفاظ المتن ، فربما زيد في الحديث لفظة ليست عند المعزو إليه !
وأستحضر الآن مثالا على ذلك - والأمثلة كثيرة - وهو حديث الدعاء بعد الأذان :
قال الببيهقي في سننه الكبير :
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ وَأَبُو نَصْرٍ : أَحْمَدُ بْنُ عَلِىِّ بْنِ أَحْمَدَ الْفَامِىُّ قَالاَ حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ : مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَوْفٍ حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ عَيَّاشٍ حَدَّثَنَا شُعَيْبُ بْنُ أَبِى حَمْزَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- :« مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ النِّدَاءَ : اللَّهُمَّ إِنِّى أَسْأَلُكَ بِحَقِّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ وَالصَّلاَةِ الْقَائِمَةِ آتِ مُحَمَّدًا الْوَسِيلَةَ وَالْفَضِيلَةَ ، وَابْعَثْهُ الْمَقَامَ الْمَحْمُودَ الَّذِى وَعَدْتَهُ إِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ الْمِيعَادَ إِلاَّ حَلَّتْ لَهُ شَفَاعَتِى ». رَوَاهُ الْبُخَارِىُّ فِى الصَّحِيحِ عَنْ عَلِىِّ بْنِ عَيَّاشٍ.اهــ
وإذا نظرنا إلى الحديث عند البخاري فليس فيه هذه اللفظة : "إنك لا تخلف الميعاد" !
قال البخاري رحمه الله في صحيحه، وقد أورده في موضعين بنفس الإسناد:
باب الدعاء عند النداء.
614- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَيَّاشٍ قَالَ : حَدَّثَنَا شُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ النِّدَاءَ اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ وَالصَّلاَةِ الْقَائِمَةِ آتِ مُحَمَّدًا الْوَسِيلَةَ وَالْفَضِيلَةَ وَابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا الَّذِي وَعَدْتَهُ حَلَّتْ لَهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
والموضع الثاني أورده تحت :
باب {عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا}.
4719- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَيَّاشٍ ، حَدَّثَنَا شُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ النِّدَاءَ اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ وَالصَّلاَةِ الْقَائِمَةِ آتِ مُحَمَّدًا الْوَسِيلَةَ وَالْفَضِيلَةَ وَابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا الَّذِي وَعَدْتَهُ حَلَّتْ لَهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
والجواب عن ذلك :
أن كتاب سنن البيهقي ، ومثله شرح السنة للبغوي ، إنما هو بمثابة المستخرج على الصحيح إذا ذكر حديثا عندهما أو عند أحدهما وقال ما سبق ذكره آنفا : أخرجه البخاري أو مسلم .
فإذا أورد لفظ الحديث وعزاه إلى البخاري أو مسلم ، أو كليهما ، فهو لم يقل : أخرجه البخاري بهذا اللفظ ، أو بنفس اللفظ ، أو نحو ذلك ، بل قال أخرجه البخاري ، أو مسلم ، وهو بذلك يريد أنه أخرج أصل الحديث ، وليس لفظه بتمامه أو بحروفه ، فتنبه !
قال الحافظ ابن الصلاح في علوم الحديث :
الْكُتُبُ الْمُخَرَّجَةُ عَلَى كِتَابِ الْبُخَارِيِّ أَوْ كِتَابِ مُسْلِمٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا لَمْ يَلْتَزِمْ مُصَنِّفُوهَا فِيهَا مُوَافَقَتَهُمَ ا فِي أَلْفَاظِ الْأَحَادِيثِ بِعَيْنِهَا مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ وَنُقْصَانٍ ، لِكَوْنِهِمْ رَوَوْا تِلْكَ الْأَحَادِيثَ مِنْ غَيْرِ جِهَةِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ ، طَلَبًا لِعُلُوِّ الْإِسْنَادِ ، فَحَصَلَ فِيهَا بَعْضُ التَّفَاوُتِ فِي الْأَلْفَاظِ .
وَهَكَذَا مَا أَخْرَجَهُ الْمُؤَلِّفُونَ فِي تَصَانِيفِهِمُ الْمُسْتَقِلَّة ِ كَالسُّنَنِ الْكَبِيرِ لِلْبَيْهَقِيِّ ، وَشَرْحِ السُّنَّةِ لِأَبِي مُحَمَّدٍ الْبَغَوِيِّ ، وَغَيْرِهِمَا مِمَّا قَالُوا فِيهِ : " أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ أَوْ مُسْلِمٌ " ، فَلَا يُسْتَفَادُ بِذَلِكَ أَكْثَرُ مِنْ أَنَّ الْبُخَارِيَّ أَوْ مُسْلِمًا أَخْرَجَ أَصْلَ ذَلِكَ الْحَدِيثِ مَعَ احْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا تَفَاوُتٌ فِي اللَّفْظِ ، وَرُبَّمَا كَانَ تَفَاوُتًا فِي بَعْضِ الْمَعْنَى ، فَقَدْ وَجَدْتُ فِي ذَلِكَ مَا فِيهِ بَعْضُ التَّفَاوُتِ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى .
وَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ فِي ذَلِكَ عَلَى هَذَا فَلَيْسَ لَكَ أَنْ تَنْقُلَ حَدِيثًا مِنْهَا وَتَقُولَ : هُوَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فِي كِتَابِ الْبُخَارِيِّ أَوْ كِتَابِ مُسْلِمٍ ، إِلَّا أَنْ تُقَابِلَ لَفْظَهُ ، أَوْ يَكُونَ الَّذِي خَرَّجَهُ قَدْ قَالَ: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ بِهَذَا اللَّفْظِ .اهـــ
هذا بقطع النظر عن قول من قال : إن هذه اللفظة في بعض نسخ البخاري من رواية النسفي أو غيره ، فلا يثبت هذا القول ، وليست اللفظة في أكثر نسخ صحيح البخاري ، وهذا مبين في غير هذا الموضع ، وليس هو المقصود ، فتنبه !
ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـ
(1) قصدت بالبغوي الصغير أي المتأخر وهو الحسين بن مسعود البغوي ، ت 516 صاحب شرح السنة ، وذلك تفريقا وتوضيحا للبغوي الكبير المتقدم ، وهو أبو القاسم البغوي عبد الله بن محمد ، ت 317 صاحب معجم الصحابة ، والجعديات وغير ذلك .
رد: إشكال في صنيع البيهقي في سننه والبغوي في شرح السنة، والجواب عنه
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو مالك المديني
والجواب عن ذلك :
أن كتاب سنن البيهقي ، ومثله شرح السنة للبغوي ، إنما هو بمثابة المستخرج على الصحيح إذا ذكر حديثا عندهما أو عند أحدهما وقال ما سبق ذكره آنفا : أخرجه البخاري أو مسلم .
فإذا أورد لفظ الحديث وعزاه إلى البخاري أو مسلم ، أو كليهما ، فهو لم يقل : أخرجه البخاري بهذا اللفظ ، أو بنفس اللفظ ، أو نحو ذلك ، بل قال أخرجه البخاري ، أو مسلم ، وهو بذلك يريد أنه أخرج أصل الحديث ، وليس لفظه بتمامه أو بحروفه ، فتنبه !
هذا بقطع النظر عن قول من قال : إن هذه اللفظة في بعض نسخ البخاري من رواية النسفي أو غيره ، فلا يثبت هذا القول ، وليست اللفظة في أكثر نسخ صحيح البخاري ، وهذا مبين في غير هذا الموضع ، وليس هو المقصود ، فتنبه !
قد سمعنا مثل هذا بالأمس من الشيخ عاطف الفاروقي حفظه الله.
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو البراء محمد علاوة
ووجد مثل هذا في كلام أبي نعيم الأصبهاني في حلية الأولياء.
قال أبو نعيم في الحلية: (4/ 128):
وهناك أبو نعيم ءاخر وهو الحداد صنع مثل ما صنع البيهقي في المثال الذي ذكره عنه الشيخ أبو مالك حفظه الله.
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو مالك المديني
وأستحضر الآن مثالا على ذلك - والأمثلة كثيرة - وهو حديث الدعاء بعد الأذان :
قال الببيهقي في سننه الكبير :
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ وَأَبُو نَصْرٍ : أَحْمَدُ بْنُ عَلِىِّ بْنِ أَحْمَدَ الْفَامِىُّ قَالاَ حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ : مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَوْفٍ حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ عَيَّاشٍ حَدَّثَنَا شُعَيْبُ بْنُ أَبِى حَمْزَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- :« مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ النِّدَاءَ : اللَّهُمَّ إِنِّى أَسْأَلُكَ بِحَقِّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ وَالصَّلاَةِ الْقَائِمَةِ آتِ مُحَمَّدًا الْوَسِيلَةَ وَالْفَضِيلَةَ ، وَابْعَثْهُ الْمَقَامَ الْمَحْمُودَ الَّذِى وَعَدْتَهُ إِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ الْمِيعَادَ إِلاَّ حَلَّتْ لَهُ شَفَاعَتِى ». رَوَاهُ الْبُخَارِىُّ فِى الصَّحِيحِ عَنْ عَلِىِّ بْنِ عَيَّاشٍ.اهــ
لم ينفرد البيهقي بهذا الصنيع.
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عبد الرحمن هاشم بيومي
خرجه أبو نعيم الحداد في جامع الصحيحين [414]، فقال: (خ) حدثنا أحمد بن خلف [وهو أبو بكر الشيرازي]، قال:
ثنا محمد بن عبد الله [وهو أبو عبد الله الحاكم]، قال: ثنا محمد بن يعقوب، قال: أنا محمد بن عوف الطائي، قال:
ثنا علي بن عياش، قال: ثنا شعيب بن أبي حمزة، قال: حدثني محمد بن المنكدر، عن جابر بن عبد الله قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من قال حين يسمع النداء: اللهم رب هذه الدعوة التامة، والصلاة القائمة،
آت محمدا الوسيلة والفضيلة، وابعثه المقام المحمود الذي وعدته، إنك لا تخلف الميعاد؛ حلت له شفاعتي)). اهـ.
وقد قال أبو نعيم الحداد في مقدمة كتابه هذا:
ثم إن أحد أعيان الوقت من أئمة الدين، وجماعة من إخواني -رعاهم الله بتوفيقه- اقترحوا علي في أن ألخص لهم من الكتابين الصحيحين، ...
فلم أكن أبت القول لهم في ضمان ذلك، إلى أن بدر يوما على لساني: سأفعل، فصرت رهين قولي، فلم أستجز الإخلال بوعدي،
وقلت: لعل الله تعالى ينفع به الناس من بعدي، ورعيت حرمة من اختلفت في سالف الدهر إلى أبيه، وحقوق إخوته الذين يلونه، وكل واحد منهم يمت مني بماتة قوية، ويقرب بذمة مرعية، فإنهم للناس سادة، كما هم للدين قادة، وتقربي إليهم بحبي لهم عادة، وبذلك أرجو الخلاص، وأوليهم في شهادتي هذه الإخلاص؛ دعوى صديق صادق، غير مماذق، واستوفقت الله تعالى، ولخصت لهم ما سألوني، وخرجته بأسانيدي التي كنت استنفذتها من مشايخي الماضين؛ أسوة بمن تقدمني في التخريج على حسب ما لا يشذ عنه أثر يتضمن معنى لا يوجد في غيره، إما مستوفقا، أو مستبدلا بدلا يقرب المسافة، ويأمن السالك فيه الآفة.
وضاق علي الوقت فيه، فليعذرني من طالعه؛ فإني لم أنفس فيه الأيام، ولم أجف فيه الأقلام، ولم أختر لنفسي الإجمام،
بعد أن احتجت فيه إلى مطالعة الكتابين مرات كنت أقوم فيها وأقعد،
وكلما قلت: استقربت الأمر وجدتني من بعده أستوغر وأستبعد، إلى أن سهل الله المرام، وقرب الاختتام.
وبوبت الكتاب تبويبا، ورتبته ترتيبا قريبا، يهتدي إليه الطالب إن شاء الله عز وجل". اهـ.
[قلت عبد الرحمن]: وهذه العبارات يتجلى فيها الصدق والتواضع، رحمه الله وغفر له.