-
الانصاف.
بسم الله الرحمن الرحيم قال ابن القيم رحمه الله: فَإِنْ قِيلَ: فَهَذَا يَلْزَمُ مِنْهُ إِحْبَاطُ الْحَسَنَاتِ بِالسَّيِّئَاتِ ، وَهَذَا قَوْلُ الْمُعْتَزِلَةِ ، وَالْقُرْآنُ وَالسَّنَةُ قَدْ دَلَّا عَلَى أَنَّ الْحَسَنَاتِ هِيَ الَّتِي تُحْبِطُ السَّيِّئَاتِ لَا الْعَكْسِ، كَمَا قَالَ {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود: 114] وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمُعَاذٍ «اتَّقِ اللَّهَ حَيْثُمَا كُنْتَ، وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا، وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ» .
قِيلَ: وَالْقُرْآنُ وَالسُّنَّةُ قَدْ دَلَّا عَلَى الْمُوَازَنَةِ، وَإِحْبَاطِ الْحَسَنَاتِ بِالسَّيِّئَاتِ فَلَا يُضْرَبُ كِتَابُ اللَّهِ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ، وَلَا يُرَدُّ الْقُرْآنُ بِمُجَرَّدِ كَوْنِ الْمُعْتَزِلَةِ قَالُوهُ - فِعْلَ أَهْلِ الْهَوَى وَالتَّعَصُّبِ - بَلْ نَقْبَلُ الْحَقَّ مِمَّنْ قَالَهُ، وَنَرُدُّ الْبَاطِلَ عَلَى مَنْ قَالَهُ.
فَأَمَّا الْمُوَازَنَةُ: فَمَذْكُورَةٌ فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ وَالْأَنْبِيَاء ِ وَالْمُؤْمِنِين َ وَالْقَارِعَةِ، وَالْحَاقَّةِ
وَأَمَّا الْإِحْبَاطُ فَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 33] وَتَفْسِيرُ الْإِبْطَالِ هَاهُنَا بِالرِّدَّةِ لِأَنَّهَا أَعْظَمُ الْمُبْطِلَاتِ، لَا لِأَنَّ الْمُبْطِلَ يَنْحَصِرُ فِيهَا، وَقَالَ تَعَالَى {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى} [البقرة: 264] فَهَذَانِ سَبَبَانِ عَرَضَا بَعْدُ لِلصَّدَقَةِ فَأَبْطَلَاهَا، شَبَّهَ سُبْحَانَهُ بُطْلَانَهَا - بِالْمَنِّ وَالْأَذَى - بِحَالِ الْمُتَصَدِّقِ رِيَاءً فِي بُطْلَانِ صَدَقَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَقَالَ تَعَالَى {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ} [الحجرات: 2] وَفِي الصَّحِيحِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ «مَنْ تَرَكَ صَلَاةَ الْعَصْرِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ» وَقَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، لِأُمِّ وَلَدِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ - وَقَدْ بَاعَ بَيْعَةَ الْعِينَةِ - أَخْبِرِي زَيْدًا: أَنَّهُ قَدْ أَبْطَلَ جِهَادَهُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِلَّا أَنْ يَتُوبَ، وَقَدْ نَصَّ أَحْمَدُ عَلَى هَذَا فِي رِوَايَةٍ، فَقَالَ: يَنْبَغِي لِلْعَبْدِ أَنْ يَتَزَوَّجَ إِذَا خَافَ عَلَى نَفْسِهِ، فَيَسْتَدِينُ وَيَتَزَوَّجُ، لَا يَقَعُ فِي مَحْظُورٍ فَيَحْبَطُ عَمَلُهُ.
-
فما بال الناس اليوم غفلوا عن مثل هذا إنا لله وإنا إليه راجعون
وما الناس بالناس الذين عهدتُهم ... ولا الدارُ بالدارِ التي كنتَ تعرِفُ
وما كلُّ من تَهوى يحبَّكَ قلبُهُ ... ولا كلُّ مَن صاحبتَه لك مُنصفُ
9
-
ظننت بكم ظنا فقصر دونه ... فيا رب مظنون به الخير يخلف
إذا المرء لم يحببك إلا تكرها ... فدعه ولا يكثر عليه التلهف
-
فمن لي بحاكمٍ منصف، وصديقٍ ملطف، وعدوًّ مبقٍ، وصاحبٍ مشفق، بل من لي بمداهنٍ لا يكاشفني، ومنافقٍ لا يوافقني، وجارٍ لا يرتصد عثرتي، ورفيقٍ لا يجهل عليّ، بل من لي بشامتٍ يرحم، وظالمٍ يتندّم.
-
-