تعليقات حول تفسير القرآنِ العربيّ بمقتضى اللغةِ الآرامية ... باناعمة
تعليقات حول تفسير القرآنِ العربيّ بمقتضى اللغةِ الآرامية
بقلم: عادل بن أحمد باناعمة
مقدماتٌ ...
لنتمكَّنَ من الحديث بشكل علميٍّ وواضحٍ عن هذه القضية لابدَّ لنا من عدةِ مقدماتٍ مهمةٍ.
المقدمةُ الأولى: الأسرُ اللغويةُ ...
انطلاقاً من الوصف والمقارنة حاول اللغويونَ تقسيم لغاتِ البشر إلى (مجموعاتٍ)، وهناك تقسيمان شهيران:
الأول: تقسيمها بحسبِ (تطورها ورقيها في الأداء اللغويّ)، وقد قسمها اللغويّ الألمانيّ (شليجل) بهذا الاعتبار إلى ثلاث مراتب:
- لغات تحليلية: تتغير أبنيتها بتغير المعاني، وتربط بين كلماتها روابط تدل على أصولها. كالعربية.
- لغات إلصاقية: تمتاز بالسوابق واللواحق كاليابانية والتركية.
- لغات عازلة: وهي غير المتصرفة، والتي بنية الكلمات فيها لاتتغير، كاللغة الصينية.
واعترض بعضهم على هذا التقسيم من جهة أنّ أساليب (التحليل، والإلصاق، والعزل) موجودة مجتمعة في معظم اللغاتِ الإنسانيةِ.
الثاني: تقسيمها بحسب القرابات اللغوية، وهذا هو التقسيم الأشهر . وتنقسم إلى:
- الفصيلة الهندو-أوروبية: تمتد جغرافيا على مساحة واسعة من الكرة الأرضية، وتشتمل على عدة طوائف لغوية:
o اللغات الآرية، وتشمل اللغات الهندية والإيرانية.
o اللغات اليونانية أو الإغريقية.
o اللغات الإيطالية، وأهم فروعها اللاتينية التي تشعبت منها الفرنسية والإسبانية والإيطالية والبرتغالية.
o اللغات الجرمانية: وأهمها: الانجليزية، والهولندية، والألمانية، والسويدية والنرويجية.
o اللغات السلافية: ومنها: الروسية والتشيكية والبلغارية والليتوانية.
o اللغات الكلتية أو السَّلتية.
- الفصيلة الحامية-السامية: مداها الجغرافي بلاد العرب وشمال أفريقيا وجزءٌ من شرقها. وهي ذات شعبتين رئيستين:
o الحامية: ومنها المصرية والبربرية.
o السامية: ولها قسمان رئيسان:
§ السامية الشرقية: تضم البابلية والآشورية .
§ السامية الغربية: ولها قسمان:
· الشمالية: تضم الكنعانية ، والآرامية. والعبرية تعدُّ فرعاً من الكنعانية.
· الجنوبية: وهذا القسم يشملُ العربية الجنوبية، والعربية الشمالية. ويهمنا الحديث عن العربية الشمالية لأنها مرجعُ لغتنا العربية التي نتكلم بها اليوم.
العربية الشمالية لها قسمان رئيسان:
o العربية البائدة: المقصود بها اللهجات التي بادت قبل الإسلام، وأهم لهجاتها: الثمودية والصفوية واللحيانية. وعامة الموجود من هذه اللهجات إنما هو نقوش قليلة متفرقة.
o العربية الباقية : هي العربية التي مانزال نستخدمها اليوم، ووصلت إلينا عن طريق الشعر الجاهلي، وعن طريق القرآن والسنة. وهذه العربية الفصيحة لها لهجاتٌ تنوعتْ بتنوع القبائل، وقد ضبطها أهل العربية وقننوها وبينوا ما يحتج به منها وما لايحتجّ، حتى أصبحت لدينا علومٌ كاملةٌ تخدمُ هذه العربية وتستكشف معانيها، وتبين مادخلها من لغاتٍ أخر، وما يحكمها من أنظمةٍ وقوانين.
ومن خلال كل ماسبق نتبيّنُ موقع العربيةِ من الآرامية، وأنهما يجتمعانِ في الأصل الساميّ الغربيّ، إلا أن الآرامية من الفرع الشماليّ، والعربية من الفرع الجنوبيّ.
ولذلك فالحديث عن كون (الآرامية) أصلاً للعربية، أو كون العربية لهجة متفرعة من الآرامية فيه تعجل وتسرعٌ واعتسافٌ وتجاهل لكل هذا البنيان التقسيميّ التي يتحدثُ عنه اللغويون منذ عشراتِ السنين.
والذي يمكنُ أن يقال: هو أن هناك تشابها بين العربية والآرامية نظراً لأنَّ كلتيهما تنتسبان إلى أسرة لغوية واحدةٍ هي الأسرة السامية. وهذا الانتساب ليس مخصوصا بهما، ولايعطي الآرامية خصوصية فيما يتعلق بألفاظ العربية وأبنيتها، وفي اللغات السامية ماهو أقرب للعربية من الآرامية، بل كل اللغاتِ السامية – نظرياً- بينها وبين العربية تشابهٌ يقلُّ ويكثُرُ. وقد يُستفاد منه في تفسير بعض الظواهر اللغوية.
وأكثر من هذا أن من الباحثين من صرف عمره للبحث عن وجوه الشبه بين اللغات الهندو-أوروبية واللغات السامية باعتبار الجميع لغةً للإنسانِ. فإذا وُجدَ الشبهُ بين لغاتٍ تنتسبُ إلى أسرٍ مختلفةٍ متباينة فكيف لايوجدُ بين لغاتٍ ترجعُ إلى أسرةٍ واحدةٍ؟