صحة حديث :" إن من ورائكم أيام الصبر ..."
" إن من ورائكم أيام الصبر للمتمسك فيهن يومئذ بما أنتم عليه أجر خمسين منكم " ، قالوا : يا نبي الله أو منهم ؟ قال : " بل منكم " .
صحيح - أخرجه المروزي في "السنة" (33) , والطبراني (289) , وفي "الأوسط" (3121) , وفي "مسند الشاميين" (17) : من طريق عبد الله بن يوسف التنيسي ، ثنا خالد بن يزيد بن صبيح المري ، عن إبراهيم بن أبي عبلة ، عن عتبة بن غزوان أخي بني مازن بن صعصعة وكان من الصحابة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : فذكره
وقال الطبراني : " لا يروى هذا الحديث عن عتبة إلا بهذا الإسناد ، تفرد به : إبراهيم بن أبي عبلة " .
قلت : إبراهيم بن أبي عبلة العقيلي ثقة، لكنه يروي عن عتبة بن غزوان مرسل كما قال الحافظ , وله شواهد تشُدّ من عضده , عن عبدالله بن مسعود , وأنس بن مالك , وأبي هريرةوابن عمر , ومعاذ بن جبل , وأبي ثعلبة الخشني , ومن مرسل القاسم أبي عبدالرحمن :
أما حديث عبدالله بن مسعود :
فأخرجه البزار (1776 -البحر الزخار),(3370-كشف ) : حدثنا أحمد بن عثمان بن حكيم ، قال : نا سهل بن عامر البجلي ( وفي "الكشف" : سهيل , وهو خطأ ) قال : نا ابن نمير ، عن الأعمش ، عن زيد بن وهب ، عن عبد الله ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
" إن من ورائكم أيام الصبر ، الصبر فيهن كقبض على الجمر ، للعامل فيها أجر خمسين ، قالوا : يا رسول الله ، خمسين منهم أو خمسين منا ؟ قال : خمسون منكم " .
وقال البزار:
"وهذا الحديث لا نعلمه يروى عن عبد الله إلا من هذا الوجه" .
وقال الهيثمي في "المجمع" 7/ 282 :
"رواه البزار والطبراني ... ورجال البزار رجال الصحيح، غير سهل بن عامر البجلي وثقه ابن حبان".
قلت : وما أدري لماذا لم يتعرض الهيثمي لإسناد الطبراني , وظاهر إسناده أنه حسن , إلا أن يراه خطأً , لا سيما أن سهل بن عامر :
قال فيه البخاري: منكر الحديث.
وقال أبو حاتم : هو ضعيف الحديث روى لنا أحاديث بواطيل أدركته بالكوفة كان يفتعل الحديث.
وذَكَره ابن حِبَّان في "الثقات" وقال: يروي عنه يعقوب بن أبي سفيان.
وروى عنه الحسن بن علي بن عفان وأحمد بن عثمان بن حكيم وأحمد بن إشكاب وجماعة.
وقال ابن عَدِي: أرجو أنه لا يستحق الترك.
وإسناد الطبراني (10394) : حدثنا أحمد بن محمد بن صدقة ، ومحمد بن العباس الأخرم الأصبهاني ، قالا : ثنا أحمد بن عثمان بن حكيم الأودي ،
ثنا سهل بن عثمان البجلي ، ثنا عبد الله بن نمير به .
فثبت عندي أنه خطأٌ , لأن أحمد بن عثمان إنما يروي عن ابن عامر كما في "الجرح والتعديل" 4/ 202 , ولم أجد ممن يروي عن عبدالله بن نمير بهذا الإسم , إنما ذكروا عنه سهل بن عامر :
قال الخطيب في "تلخيص المتشابه" 2/ 620: " سهل بن عامر البجلي الكوفي :
حدث عن: عيسى بن عبد الرحمن السلمي، ومالك بن مغول، ويحيى بن سلمة بن كهيل، وعبد الله بن نمير ...".
وأما حديث أنس :
فأخرجه الترمذي (2260) , وابن بطة في "الإبانة الكبرى" (25) , وابن عدي في "الكامل" 6/ 114 : من طريق إسماعيل بن موسى الفزاري ، عن عمر بن شاكر ( وعند ابن بطة : عمر بن سالم، وهو خطأ ) , عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" يأتي على الناس زمان الصابر فيهم على دينه كالقابض على الجمر ".
وقال الترمذي :
"هذا حديث غريب من هذا الوجه وعمر بن شاكر شيخ بصري قد روى عنه غير واحد من أهل العلم".
قلت : عمر بن شاكر :
قال فيه أبو حاتم : ضعيف يروي عن أنس المناكير .
وقال ابن عدي :" يحدث، عَن أَنَس بنسخة قريبا من عشرين حديثًا غير محفوظة " , ثم ساق منهن هذا الحديث .
وإسماعيل بن موسى الفزاري : صدوق يخطىء رمي بالرفض .
وله طريق أخرى عن أنس :
أخرجه ابن أبي الدنيا في "الأمر بالمعروف" (30) , وأبو نعيم في "الحلية" 8/ 49 :من طريقين عن سفيان بن عيينة , عن أسلم بن عبدالملك , أنه سمع سعيد بن أبي الحسن , يذكر عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أنتم اليوم على بينة من ربكم تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر، وتجاهدون، في سبيل الله ثم تظهر فيكم السكرتان سكرة الجهل وسكرة حب العيش وستحولون عن ذلك، فلا تأمرون بمعروف ولا تنهون عن منكر، ولا تجاهدون في سبيل الله , القائمون يومئذ بالكتاب والسنة لهم أجر خمسين صديقا , قالوا: يا رسول الله منا أو منهم قال: لا بل منكم " .
قلت : سعيد بن أبي الحسن وهو ابن يسار أخو الحسن البصري روى عن علي بن أبي طالب وأبي هريرة وابن عباس .
وأسلم بن عبدالملك : لم أجد له ترجمة !
وأخرجه ابن وضاح في "البدع والنهي عنها" (190) : من طريق أسد بن موسى قال: نا سفيان بن عيينة , عن أسلم البصري , عن سعيد أخي الحسن يرفعه , قلت لسفيان: عن النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم. قال: " إنكم اليوم على بينة من ربكم ...الحديث ".
قلت : لا شكّ أن مَن وصله أوثق وأكثر ممن أرسله لا سيما أن أحدهما الإمام إسحاق بن راهويه , ولكن تبقى علة الحديث هي جهالة أسلم بن عبدالملك !
وأما حديث أبي هريرة :
فأخرجه الدارقطني في " الفوائد المنتخبة " (88) , والشجري في "الأمالي الخميسية" (2170 - ترتيب ): من طريق أبي إسحاق إبراهيم بن محمد بن يحيى المزكي , قال: أخبرنا أبو النضر بكر بن محمد بن إسحاق بن خزيمة، ثنا أبو الحسن أحمد بن يوسف السلمي قال: ثنا محمد بن يوسف عن الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن من بعدي أيام الصبر، المتمسك فيهن بمثل ما أنتم عليه له كأجر خمسين عاملا ".
وأبو النضر بكر بن محمد بن اسحاق بن خزيمة : مجهول الحال .
وأخرجه أحمد 2/ 390 , والفريابي في "صفة المنافق" (100) : من طريق ابن لهيعة قال: حدثنا أبو يونس، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" ويل للعرب من شر قد اقترب ، فتنا كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمنا، ويمسي كافرا، يبيع قوم دينهم بعرض من الدنيا قليل، المتمسك يومئذ بدينه كالقابض على الجمر - أو قال: على الشوك - "، قال حسن في حديثه: " خبط الشوك ".
قلت : وهذا حديث صحيح , وإسناده ضعيف من أجل ابن لهيعة : صدوق ، خلط بعد احتراق كتبه .
وأما حديث ابن عمر :
فأخرجه ابن وضاح في "البدع والنهي عنها" (189) : نا محمد بن يحيى , نا أسد بن موسى , حدثني عدي بن الفضل , عن محمد بن عجلان , عن عبد الرحمن , عن ابن عمر :
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم , قال : " إن من بعدكم أياما الصابر فيها المتمسك بمثل ما أنتم عليه اليوم له أجر خمسين منكم " , قيل : يا رسول الله , منهم ؟ قال :
" بل منكم " .
قلت : وهذا إسناد ضعيف, وله ثلاث علل :
الأولى : عدي بن الفضل , لم أهتد إليه , فقد راجعت تلاميذ ابن عجلان فلم أجد أحدا بهذا الإسم , وكذا شيوخ أسد بن موسى ليس فيهم عدي بن الفضل , وأما الجزم بأنه
عدي بن الفضل التيمي البصري : المتروك , فهذا تحكم بلا دليل !
الثانية : محمد بن عجلان : صدوق اختلطت عليه أحاديث أبي هريرة , وهو أيضا مدلس وقد عنعنه .
الثالثة : لم أعرف مَنْ هو عبدالرحمن !
وأما حديث معاذ بن جبل :
فأخرجه البزار في "المسند" 7/ 80 (2631-البحر الزخار),(3312-كشف): من طريق الحسن بن بشر، ثنا المعافى بن عمران، عن أبي غسان المدني، عن عبادة بن نسي، عن الأسود بن ثعلبة، عن معاذ بن جبل، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" إنكم على تقية من ربكم، ما لم تظهر فيكم سكرتان: سكرة الجهل، وسكرة حب العيش، وأنتم تأمرون بالمعروف، وتنهون عن المنكر، وتجاهدون في سبيل الله، فإذا ظهر فيكم حب الدنيا، ولا تأمرون بالمعروف، ولا تنهون عن المنكر، ولا تجاهدون في سبيل الله، القائلون يومئذ بالكتاب والسنة كالسابقين الأولين من المهاجرين والأنصار " .
وقال الهيثمي في "المجمع" 7/ 207:
" فيه الحسن بن بشر , وثقه أبو حاتم وغيره , وفيه ضعف ".
قلت: الحسن بشر : صدوق يخطئ , والأسود بن ثعلبة : لا يعرف كما قال الذهبي .
وأخرجه ابن وضاح في "البدع والنهي عنها" (220): من طريق الحارث بن نبهان , عن محمد بن سعيد , عن عبادة بن نسي به .
قلت : وإسناده تالف بمرّة , فإن محمد بن سعيد هو ابن حسان بن قيس القرشى الأسدى المصلوب
قال الذهبي : هالك .
وقال الحافظ : " كذبوه ، و قال أحمد ين صالح : وضع أربعة آلاف حديث ، و قال أحمد : قتله المنصور على الزندقة و صلبه ".
وعلّقه أبو نعيم في "الحلية" 8/ 49 : عن محمد بن قيس عن عبادة بن نسي عن الأسود بن ثعلبة عن معاذ بن جبل به .
وقال المزي في "تهذيب الكمال" 3/ 221 : وروى له -يعني للأسود بن ثعلبة - أبو الشيخ عن محمد بن يحيى بن منده، عن العباس بن عبيد، عن مروان بن معاوية، عن محمد بن قيس ، عن عبادة بن نسي، عن الأسود بن ثعلبة. قال: سمعت معاذ بن جبل به .
قلت : ومن تلاميذ المصلوب هذا : مروان بن معاوية , وإن هذا المصلوب قد تعددت أسماءه تعمية لأمره , قال المزي في "تهذيب الكمال" 25/ 264:
" محمد بن سعيد بن حسان بن قيس القرشى الأسدى المصلوب :
و يقال : محمد بن سعيد بن عبد العزيز . و يقال : ابن أبى عتبة . و يقال : ابن أبى قيس .
و يقال : ابن أبى حسان . و يقال : ابن الطبرى . و يقال غير ذلك فى نسبه ،
أبو عبد الرحمن . و يقال : أبو عبد الله . و يقال : أبو قيس ، الشامى ، الدمشقى .
و يقال : الأردنى ".
وفي رواية البزار غُنية عن رواية المصلوب هذا , وهي صالحة للإستشهاد .
وأما حديث أبي ثعلبة الخشني :
فأخرجه أبو داود (4341) , والترمذي (3058) , وابن ماجه (4014) , وابن حبان (385) , والحاكم 4/ 319 , وابن أبي عاصم في "الزهد" (266) , والطبراني (587) , وفي "مسند الشاميين" (753) , والبيهقي 10/ 90 , وفي "الشعب" (7551) و (9731), وفي "الإعتقاد إلى سبيل الرشاد" 1/ 204 , وأبو نعيم في "الحلية" (1447) , والطحاوي في "شرح المشكل" (1171) ,ونعيم بن حماد في "الفتن" (1741) , وابن وضاح في "البدع والنهي عنها" (192) , والمروزي في "السنة" (32) , وابن بطة في "الإبانة الكبرى" (363) , والبغوي في "شرح السنة" (4156) : من طريق عتبة بن أبي حكيم حدثني عن عمه عمرو بن جارية عن أبي أمية الشعباني قال :
أتيت أبا ثعلبة الخشني فقلت : كيف تصنع بهذه الآية ؟ قال : أية آية ؟ قال : قلت : قوله تعالى : ( ياأيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم ) ،قال : أما والله ، لقد سألت عنها خبيرا ، سألت عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " بل أنتم ائتمروا بالمعروف ، وتناهوا عن المنكر ، حتى إذا رأيت شحا مطاعا ، وهوى متبعا ، ودنيا مؤثرة ، وإعجاب كل ذي رأي برأيه ، ورأيت أمرا لا يدان لك به ، فعليك نفسك ، ودع عنك أمر العوام ، فإن من ورائك أيام الصبر ، الصبر فيهن مثل قبض على الجمر ، للعامل فيهن كأجر خمسين رجلا ، يعملون مثل عمله " .
وقال الترمذي :
"هذا حديث حسن غريب"
وقال الحاكم :
" هذا حديث صحيح الإسناد ، ولم يخرجاه " وأقره الذهبي !
قلت : إسناده ضعيف فيه عتبة بن حكيم : صدوق يخطئ كثيرا كما قال الحافظ في "التقريب".
وعمه عمرو بن جارية , قال في ترجمته من "التقريب" : " مقبول " يعني حيث يتابع , وإلا فلين الحديث , وكذا أبو أمية الشعباني : مقبول .
وأما مرسل القاسم أبي عبدالرحمن :
فأخرجه ابن وضاح في "البدع والنهي عنها" (191) : من طريق أسد بن موسى قال: نا إسماعيل بن عياش , عن سعيد بن غنيم الكلاعي , عن أبي حسان صفوان بن عمير , عن القاسم أبي عبد الرحمن , أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " سينقض الإسلام , المتمسك يومئذ بدينه كالقابض على الجمر , أو خبط الشوك ".
قال ابن عساكر في "تاريخ دمشق" 21/ 273 : " سعيد بن غنيم أبو شيبة الكلاعي الحمصي والد عنبسة بن سعيد حدث عن عبد الرحمن بن غنم الأشعري وأراه سمع منه بدمشق روى عنه إسماعيل بن عياش".
وقال الذهبي في "ذيل الضعفاء" (158): " مجهول، روى عنه إسماعيل بن عياش وحده ".
وذكره ابن حبان في "الثقات" 6/ 368
قلت : وأبوحسان صفوان بن عمير : لم أجد له ترجمة .
وخلاصة القول أن بمجموع هذه الأحاديث يصير الحديث صحيحًا والحمدلله على توفيقه .
وكتب
أبو سامي العبدان
حسن التمام
27 من ذي القعدة 1436 من هجرة المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم
رد: صحة حديث :" إن من ورائكم أيام الصبر ..."
رد: صحة حديث :" إن من ورائكم أيام الصبر ..."
رد: صحة حديث :" إن من ورائكم أيام الصبر ..."
رد: صحة حديث :" إن من ورائكم أيام الصبر ..."
رد: صحة حديث :" إن من ورائكم أيام الصبر ..."
494 - " إن من ورائكم أيام الصبر ، للمتمسك فيهن يومئذ بما أنتم عليه أجر خمسين منكم
قالوا : يا نبي الله أو منهم ؟ قال : بل منكم " .
قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 812 :
أخرجه ابن نصر في " السنة " ( ص 9 ) من طريق إبراهيم بن أبي عبلة عن
عتبة ابن غزوان أخي بني مازن بن صعصعة و كان من الصحابة - أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال : فذكره .
قلت : و إسناده صحيح رجاله كلهم ثقات لولا أن إبراهيم بن أبي عبلة عن عتبة
ابن غزوان مرسل كما في " التهذيب " .
لكن له شاهد من حديث عبد الله بن مسعود مرفوعا به .
أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " ( 3 / 76 / 1 ) من طريقين عن أحمد
ابن عثمان بن حكيم الأودي أنبأنا سهل بن عثمان البجلي أنبأنا عبد الله بن نمير
عن الأعمش عن زيد بن وهب عنه .
قلت : و هذا إسناد صحيح رجاله كلهم ثقات رجال مسلم .
و له شاهد آخر من حديث أبي ثعلبة الخشني مرفوعا به .
أخرجه أبو داود ( 4341 ) و الترمذي ( 2 / 177 ) و ابن ماجه ( 4014 ) و ابن حبان
( 1850 ) و ابن أبي الدنيا في " الصبر " ( ق 42 / 1 )
و قال الترمذي : " حديث حسن " .
رد: صحة حديث :" إن من ورائكم أيام الصبر ..."
1025 - " بل ائتمروا بالمعروف، وتناهو ا عن المنكر، حتى إذا رأيت شحا مطاعا، وهوى متبعا، وإعجاب كل ذي رأي برأيه، فعليك بنفسك ودع عنك العوام، فإن من ورائكم أيام الصبر، الصبر فيهن مثل قبض على الجمر، للعامل فيهم مثل أجر خمسين رجلا يعملون مثل عمله ".
قال الالباني في السلسلة الضعيفة:
ضعيف.
أخرجه أبو داود ( 2/437 ) والترمذي ( 4/99 - تحفة ) وابن ماجه ( 2/487 ) وابن جرير في " تفسيره " ( 10/145 و146 ) والطحاوي في " المشكل " ( 2/64 - 65 ) وابن حبان في " صحيحه " ( 1850 ) وابن عساكر في " تاريخ دمشق " ( 18/7/2 ) من طرق عن عتبة بن أبي حكيم قال : حدثني عمرو بن جارية اللخمي قال : حدثني أبو أمية الشعباني قال : سألت أبا ثعلبة الخشني فقلت : يا أبا ثعلبة كيف تقول في هذه الآية : " عليكم أنفسكم " ؟ قال : أما والله لقد سألت عنها خبيرا، سألت عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : فذكره.
وقال الترمذي : حديث حسن غريب.
كذا قال، وفيه عندي نظر، فإن عمرو بن جارية وأبا أمية لم يوثقهما أحد من الأئمة المتقدمين، غير ابن حبان، وهو متساهل في التوثيق كما هو معروف عند أهل العلم، ولذلك لم يوثقهما الحافظ في " التقريب "، وإنما قال في كل منهما : " مقبول " يعني عند المتابعة، وإلا فلين الحديث كما نص عليه في " المقدمة " من " التقريب ".
ثم إن عتبة بن أبي حكيم فيه خلاف من قبل حفظه، وقال الحافظ فيه : صدوق يخطىء كثيرا، فلا تطمئن النفس لتحسين إسناد هذا الحديث، لا سيما والمعروف في تفسير الآية يخالفه في الظاهر، وهو ما أخرجه أصحاب السنن وأحمد وابن حبان في " صحيحه " ( 1837 ) وغيرهم بسند صحيح عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه قام فحمد الله، ثم قال : يا أيها الناس ! إنكم تقرأون هذه الآية : " يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم "، وإنكم تضعونها على غير موضعها، وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن الناس إذا رأوا المنكر ولا يغيرونه يوشك أن يعمهم بعقابه ".
وقد خرجته في " الصحيحة " ( 1564 ).
لكن لجملة " أيام الصبر " شواهد خرجتها في " الصحيحة " أيضا، فانظر تحت الحديثين ( 494 و957 ).
تنبيه : مع كل هذه العلل في هذا الحديث فقد صححه الشيخ الغماري في " كنزه " وكأنه قلد في ذلك الترمذي دون أي بحث أوتحقيق، أوأنه هواه الذي ينبئك عنه تعليقه عليه الذي يستغله المتهاونون بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ؛ والمخالف للآية السابقة، والله المستعان.
رد: صحة حديث :" إن من ورائكم أيام الصبر ..."
957 - " يأتي على الناس زمان الصابر فيهم على دينه كالقابض على الجمر " .
قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 2 / 682 :
رواه الترمذي ( 2 / 42 ) و ابن بطة في " الإبانة " ( 1 / 173 / 2 ) عن عمر بن
شاكر عن أنس مرفوعا . و قال الترمذي : " حديث غريب من هذا الوجه ، و عمر بن
شاكر شيخ بصري و قد روى عنه غير واحد من أهل العلم " .
قلت : و هو ضعيف كما في " التقريب " . لكن الحديث صحيح ، فإن له شواهد كثيرة :
الأول : عن أبي ثعلبة الخشني في حديث له بلفظ : " فإن من ورائكم أياما الصبر
فيهن مثل القبض على الجمر .. " الحديث . أخرجه جماعة منهم الترمذي ( 2 / 177 )
و قال : " حديث حسن غريب " ، و صححه ابن حبان ( 1850 ) .
قلت : و في سنده ضعف كما كنت بينته في " تخريج المشكاة ( 5144 ) .
الثاني : عن أبي هريرة مرفوعا في حديث له : " المتمسك يومئذ بدينه كالقابض على
الجمر " . أخرجه أحمد ( 5 / 390 - 391 ) و أبو عمرو بن منده في " أحاديثه " ( ق
18 / 2 ) و ابن عساكر في " تاريخ دمشق " ( 19 / 252 / 2 ) من طرق عن ابن لهيعة
عن أبي يونس عنه .
قلت : و إسناده لا بأس في الشواهد رجاله ثقات غير ابن لهيعة ، فإنه سيء الحفظ .
الثالث : عن ابن مسعود مرفوعا بلفظ : " يأتي على الناس زمان المتمسك فيه بسنتي
عند اختلاف أمتي كالقابض على الجمر " . أخرجه أبو بكر الكلاباذي في " مفتاح
المعاني " ( ق 188 / 2 ) و الضياء المقدسي في " المنتقى من مسموعاته بمرو "
( 99 / 1 ) من طريقين عن حميد بن علي البختري حدثنا جعفر بن محمد الهمداني
حدثنا أبو إسحاق الفزاري عن مغيرة عن إبراهيم عن الأسود عنه .
قلت : من دون أبي إسحاق - و اسمه إبراهيم بن محمد ثقة حافظ - لم أعرفهم .
و قد عزاه السيوطي للحكيم الترمذي عن ابن مسعود ، و بيض له المناوي !
و جملة القول أن الحديث بهذه الشواهد صحيح ثابت لأنه ليس في شيء من طرقها متهم
، لاسيما و قد حسن بعضها الترمذي و غيره ، و الله أعلم .
رد: صحة حديث :" إن من ورائكم أيام الصبر ..."
قوله: «إنَّ مِنْ ورائِكم أيامَ الصَّبْرِ»:
قال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«فإنَّ وراءَكم» أي: قُدَّامَكم من الأزمان الآتية، أو خلفكم من الأمور الهاوية.
«أيامَ الصَّبْرِ» أي: أيامًا لا طريق لكم فيها إلا الصبر، أو أيامًا يُحمد فيها الصبر، وهو الحبس على خلاف النفس من اختيار العزلة، وترك الخلطة والخلوة. .
وقال ابن الملك -رحمه الله-:
قوله: «فإن وراءَكم» أي: أمامَكم وقُدَّامَكم، «أيامَ الصبرِ» أي: أيامًا يُحمَد فيها الصبرُ عن المحارم. .
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
قوله: «فإنَّ مِنْ ورائِكم» أي: قُدَّامكم وأمامكم، فهو كقوله تعالى: {وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ} المؤمنون: 100، وقوله تعالى: {وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ} الكهف: 79.
و«أيامَ» بالنصب، ويجوز الرفع.
«الصبرِ» مضاف إليه، أي: لا طريق لكم في ذلك الزمان الذي يظهر فيه المنكر، وينكر فيه المعروف، إلا الصبر على البلاء الذي يصيبكم. .
وقال السندي -رحمه الله-:
«أيامَ» هكذا في بعض النسخ، وفي بعضها «أيامًا» بالنصب، وهو الظاهر، والأول محمول على مسامحة أهل الحديث في الخطأ؛ فإنهم كثيرًا ما يكتبون المنصوب بصورة المرفوع، أو على لغة من يرفع اسم (إن)، أو على حذف ضمير الشأن، والله تعالى أعلم. .
وقال الكنكوهي -رحمه الله-:
قوله: «فإنَّ مِنْ ورائِكم أيامًا» كأنه جواب لمن تعَجَّب أنْ يعم المسلمين هذه الكيفية السيئة التي ذكرها بقوله: «حتى إذا رأيتَ شُحًّا مُطاعًا..» إلخ، بأنْ لا عجب في مثل هذا الزمان الذي هو آتٍ عن ذلك؛ لأن الصبر على دِينه لما كان شديدًا لا محالة، يُبتلون بما يُبتلون. .قوله: «الصَّبرُ فيه مثل قبضٍ على الجَمْر»:
قال العظيم أبادي -رحمه الله-:
«الصبرُ فيه» كذا في عامة النسخ التي في أيدينا، وفي نسخة: «فيهن» وهو الظاهر، وأما تذكير الضمير كما في عامة النسخ فلا يستقيم، إلا أن يُؤَوَّل أيام الصبر: بوقت الصبر. .
وقال ابن الملك -رحمه الله-:
«قبضٍ على الجمر» أي: تلحقه المشقة الشديدة بالصبر، كمشقة الصابر على قبض الجمرة بيده. .
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
لأنه يَفِيضُ الشرُّ، ويُخفَى الخير، ويَقِلُّ أعوانُه، ويُؤذَى الباقي على الحق، ويكثر أهل البدع، ويُعَدُّ المعروف منكرًا، والمنكر معروفًا، فشبَّهَ الصابر على دينه كالقابض على الجمر، من تشبيه المعقول بالمحسوس. .
وقال الصنعاني -رحمه الله- أيضًا:
فيه مشقة التَّمسك بالسُّنة؛ لأنه يُؤذى ويُعادَى، ولا غَرْوَ؛ فإنه خليفة الأنبياء، ووارث علمهم، وقد نالوا من الأذى في ذات الله ما هو معروف. .
وقال الطيبي -رحمه الله-:
أي: كما لا يَقْدِرُ القابض على الجمر أن لا يصبر لاحتراق يده، كذلك المتدَيِّن يومئذٍ لا يقدر على ثباته على دينه؛ لغلبة العصاة والمعاصي، وانتشار الفتن، وضعف الإيمان. .
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
الظاهر: أن معنى الحديث: كما لا يمكن القبض على الجمرة إلا بصبر شديد، وتحمل غلبة المشقة، كذلك في ذلك الزمان لا يُتصور حفظ دينه، ونور إيمانه إلا لصبر عظيم، وتعب جسيم.
ومن المعلوم أنَّ المشبَّه به يكون أقوى، فالمراد به المبالغة، فلا ينافيه أنَّ ما أحد يصبر على قبض الجمر؛ ولذا قال تعالى: {فَمَا أَصْبَرَهُم عَلَى النَّارِ} البقرة: 175، مع أنه قد يقبض على الجمر أيضًا عند الإكراه على أمر أعظم منه؛ من قتل نفس، أو إحراق، أو إغراق ونحوها؛ ولذا قال تعالى: {قُلْ نَارُ جَهَنَّم أَشَدّ حَرًّا} التوبة: 81، وقد أشار الشاطبي -رحمه الله- في زمانه إلى هذا المعنى بقوله:
وهذا زمان الصبر فمن لك بالتي *** كقبضٍ على جمر فتنجو من البَلا.
قال الجعبري: أي: هذا الزمان زمان الصبر؛ لأنه قد أُنْكِرَ المعروفُ، وعُرِّف المنكرُ، وفسدت النيات، وظهرت الخيانات، وأُوذِي الْمُحِق، وأكرم المبطل، فمن يَسْمَعُ لك بالحالة التي لزومها في الشدة كالقابض على جمر النار. .قوله: «للعامل فيهم مثل أجر خمسين رجلًا يعملون مثل عمله»:
قال الملا علي القاري -رحمه الله-:
قوله: «للعامل» أي: الكامل، ولو لم يكن مكمِّلًا لغيره، «أجر خمسين رجلًا يعملون مثل عمله» أي: في غير زمانه. .
وقال السندي -رحمه الله-:
قوله: «يعملون بمثل عمله» في زمان آخر، ثم حاصل هذا الحديث: أنَّ العمل بالآية مقيد بوقت لا دائمي. .
وقال الشيخ محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
قوله: «للعامل فيهن» أي: في تلك الأيام عملًا يشق في مثل ذلك الزمن، لا كلّ عمل؛ كالأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر؛ أي: أجر العامل فيهن «مثل أجر» عمل «خمسين رجلًا يعملون بمثل عمله» أي: بمثل عمل ذلك العامل؛ أي: في غير زمانه؛ أي: زمان آخر. .قوله: «وزادني غيره قال: يا رسول الله، أجر خمسين منهم؟ قال: «أجر خمسين منكم»:
قال العظيم أبادي -رحمه الله-:
«وزادني غيره» وفي رواية الترمذي: قال عبد الله بن المبارك: وزادني غير عُتبة. .
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«قالوا: يا رسول الله، أجر خمسين؟» بتقدير الاستفهام، «منهم» فيه تأويلان:
أحدها: أن يكون أجر كُلِّ واحد منهم على تقدير أنه غير مُبتلى، ولم يُضاعف أجره.
وثانيهما: أن يراد أجر خمسين منهم أجمعين لم يُبتلوا ببلائه، قال: «أجر خمسين منكم». .
قال السندي -رحمه الله-:
قوله: «خمسين منكم» قيل: هذا في الأعمال التي يشق فعلها في تلك الأيام لا مطلقًا، كيف وقد جاء: «لو أنفق أحدُكم مثل أُحدٍ ذهبًا ما بلغ مُدّ أَحدهم ولا نصيفه»؟ ثم قلَّ من يفعل منهم بعض تلك الأعمال، فالمضاعفة لا تقتضي فضلهم على الأولين حتى ينافي حديث: «خير القرون قَرني» الحديث.
قلتُ: المنافاة غير ظاهرة من أصلها؛ إذ خيرية القرون السابقة لا تُنافي بعض آحاد القرون اللاحقة على بعض آحاد القرون السابقة بل كلها، نعم الخيرية مفقودة عند الجمهور؛ لقولهم: إنَّ الصحابي مطلقًا أفضل من غيره، والله تعالى أعلم. .
وقال السيوطي -رحمه الله-:
قال الشيخ عزّ الدّين بن عبد السلام: ليس هذا على إطلاقه، بل هو مبنيّ على قاعدتين:
إحداهما: أنَّ الأعمال تَشْرُف بثمراتها.
الثانية: أن الغريب في آخر الإسلام كالغريب في أوَّله وبالعكس؛ لقوله -عليه الصلاة والسلام-: «بدأ الإسلام غريبًا، وسيعود غريبًا كما بدأ، فطوبى للغرباء من أمَّتي»، يريد المتفرّدين عن أهل زمانهم.
إذا تقرَّر ذلك فنقول: الإنفاق في أوّل الإسلام أفضل؛ لقوله -عليه الصلاة والسلام- لخالد بن الوليد: «لو أنفق أحدكم مثل أُحُدٍ ذهبًا ما بلغ مُدَّ أحدهم ولا نصيفه» أي: مُدَّ الحنطة؛ والسبب في ذلك: أنَّ تلك النفقة أثمرت في فتح الإسلام، وإعلاء كلمة الله ما لا تثمر غيرها، وكذلك الجهاد بالنفوس لا يصل المتأخرون فيه إلى فضل المتقدّمين؛ لقلَّة عدد المتقدِّمين، وقلّة أنصارهم، فكان جهادهم أفضل؛ ولأنَّ بذل النفس مع النُّصرة، ورجاء الحياة ليس كبذلها مع عدمها؛ ولذلك قال -عليه السَّلام-: «أفضل الجهاد كلمة حقّ عند سلطان جائر»، جعله أفضل جهاد؛ ليأسه من حياته، وأمَّا النهي عن المنكر بين ظهور المسلمين وإظهار شعائر الإسلام، فإنَّ ذلك شاقّ على المتأخّرين؛ لعدم المُعِين، وكثرة المنْكِر فيهم، كالمنْكِر على السلطان الجائر؛ ولذلك علَّل -عليه السلام- بكون القابض على دينه كالقابض على الجمر، والقابض على الجمر لا يستطيع دوام ذلك؛ لمزيد المشقّة، فكذلك المتأخر في حفظ دينه. وأمَّا المتقدِّمون فليسوا كذلك؛ لكثرة المُعِين، وعدم الْمُنْكَر، فعلى هذا يُنزَّل الحديث. انتهى. .
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
قوله: «أجر خمسين رجلًا منكم» أي: من الصحابة -رضي اللَّه عنهم-؛ لقلة من يساعده، ويعينه على الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وغيره من شرائع الدين، وكثرة من يتعرض لأذاه باللسان واليد؛ لقيامه بالحق. .
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
وورد أيضًا في أيام الصبر: أنَّ للعامل فيهن أجر خمسين من الصحابة، ولا شك أنَّ انفراد الإنسان بالصلاح في موضع يكثر فيه الفساد يعتبر من نعمة الله عليه، وأن له شأنًا ينبغي أن يهتم به؛ ليكون ذلك تشجيعًا لغيره، وكذلك تقويه لهذا الرجل الذي صلح في مكان الفساد. .
وقال عبد الحق الدهلوي -رحمه الله-:
وقوله: «أجر خمسين منكم» يدل على فضل هؤلاء في الأجر على الصحابة من هذه الحيثية، وقد جاء أمثال هذا في أحاديث أُخر، وتوجيهه كما ذكروا: أن الفضل الجزئي لا ينافي الفضل الكلي، وقد تكلم ابن عبد البر في هذه المسألة، وقال: يمكن أن يجيء مِن بعد الصحابة مَن هو في درجة بعضٍ منهم، أو أفضل، ومختار العلماء خلافه. .
قال الشيخ عبد المحسن العباد -حفظه الله-:
ولكن هذا خلاف ما عليه العلماء قاطبة، مِن أنَّ فضل الصُّحبة لا يعادلهُ شيء، والقليل الذي يحصل من الصحابة؛ لأنه في خدمة الرسول -عليه الصلاة والسلام-، وفي الدفاع عنه، وفي الذِّب عنه صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، خير من الكثير من غيرهم.
وقال العباس القرطبي -رحمه الله-:
وأمّا قوله: «للعامل منهم أجر خمسين منكم» فلا حجَّة فيه؛ لأن ذلك -إن صح- إنما هو في الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر؛ لأنه قد قال -عليه الصلاة والسلام- في آخرِه: «لأنكم تجدون على الخير أعوانًا، ولا يجدون»، ولا بُعد في أن يكون في بعض الأعمال لغيرهم من الأجور أكثر مما لهم فيه، ولا تلزم منه الفضيلة المطلقة التي هي المطلوبة بهذا البحث، والله أعلم. .
وقال الشوكاني -رحمه الله-:
أما أعمال مَن بعد الصحابة فلم يرد ما يدل على كونها أفضل على الإطلاق، إنما ورد ذلك مقيدًا بأيام الفتنة، وغربة الدِّين، حتى كان أجر الواحد يعدل أجر خمسين رجلًا من الصحابة، فيكون هذا مخصِّصًا لعموم ما ورد في أعمال الصحابة، فأعمال الصحابة فاضلة، وأعمال من بعدهم مفضولة، إلا في مثل تلك الحالة. .
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
الصحابة أفضل من التابعين، والتابعين أفضل من تابعيهم، وأن التفضيل بالنظر إلى كل فرد فرد، وإليه ذهب الجماهير.
وذهب ابن عبد البر إلى أن التفضيل بالنسبة إلى مجموع الصحابة، لا إلى الأفراد، فمجموع الصحابة أفضل ممن بعدهم لا كل فرد منهم، إلا أهل بدر وأهل الحديبية، فإنهم أفضل من غيرهم، يريد أن أفرادهم أفضل من أفراد من يأتي بعدهم.
واستدل على ذلك بما أخرجه الترمذي من حديث أنس وصححه ابن حبان من حديث عمار من قوله -صلى الله عليه وسلم-: «أُمَّتي مثل المطر لا يُدرى أوَّله خير أم آخره»، وبما أخرجه أحمد والطبراني والدارمي من حديث أبي جمعة قال: قال أبو عبيدة: يا رسول الله، أحدٌ خير منا؟ أسْلَمْنا معك، وهاجرنا معك، قال: «قوم يكونون مِن بعدِكم، يؤمنون بي ولم يروني» وصححه الحاكم، وأخرج أبو داود والترمذي من حديث ثعلبة يرفعه: «تأتي أيامٌ للعامل فيهن أجر خمسين»، قيل: منهم أو منا يا رسول الله؟ قال: «بل منكم»، وأخرج أبو الحسن القطان في مشيخته عن أنس يرفعه: «يأتي على الناس زمانٌ الصابر فيه على دِينه له أجر خمسين منكم».
وجمع الجمهور بين الأحاديث: بأن للصحبة فضيلة ومزية لا يوازيها شيء من الأعمال، فلِمَن صَحِبَه -صلى الله عليه وسلم- فضيلتها، وإن قَصُر عملُه، وأجره باعتبار الاجتهاد في العبادة، وتكون خيريتهم على من سيأتي باعتبار كثرة الأجر، لا بالنظر إلى ثواب الأعمال، وهذا قد يكون في حق بعض الصحابة، وأما مشاهير الصحابة فإنهم حازوا السبق من كل نوع من أنواع الخير، وبهذا يحصل الجمع بين الأحاديث. .
وقال ابن عبد البر -رحمه الله-:
وهذه اللفظة «بل منكم» قد سكت عنها بعض رواة هذا الحديث، فلم يذكرها.
منقول