حكم تارك الصلاة ، للمناقشة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين ، وعلى آله وصحبه أجمعين ، وبعد:
صدر مؤخرًا كتاب للشيخ الشريف حاتم بن عارف العوني - حفظه الله - بعنوان: (تكفير أهل الشهادتين ، موانعه ومناطاته <دراسة تأصيلية>) ، أنقل لكم منه ما يتعلق بحكم تارك الصلاة.
تنبيه:
كتابتي لهذا الموضوع لا يعني موافقتي لما فيه أو مخالفته ، وإنما للمناقشة كما أشرت في عنوان المشاركة ، لذا وجب التنبيه.
يقول الشيخ - حفظه الله -: ص (95 - 100)
ولمآخذ التكفير وعدمه أيضًا: لا يُكفَّرُ من ترك الصلاة تهاونًا وكسلًا؛ لأن تارك الصلاة للتهاون والكسل (مع عظيم جُرمه) لم ينقض دلالة الشهادتين [1]. بخلاف من تركها جحودًا (عنادًا أو إعراضًا أو عدم يقين بالشهادتين) [2] ، فهذا هو الذي يُكفَّر بتركها.
ويفصّلُ هذا التفصيل إمام السنة من التابعين محمد بن شهاب الزهري (ت125هـ)، حيث سُئل عن الرجل يترك الصلاة [3]؟ فقال: (إن كان إنما يتركها أنه يبغي دينًا غير الإسلام [وفي رواية: ابتدع دينا غير دين الإسلام]: قُتل ، وإن كان إنما هو فاسق من الفساق: ضُرب ضربا شديدًا ، أو سُجن) [4].
وهكذا لا يجعل الإمام الزهري مناط التكفير بترك الصلاة هو مجرّد الترك ، وإنما يجعله الاعتقاد الكفريّ الداعي لتركها [5].
وأما الاحتجاج بظواهر النصوص التي أطلقت الكفر على تارك الصلاة [6] ، فمع إغفال هذا الاحتجاج لظواهر نصوص أخرى تعارضها [7] ، ومع عدم الالتفات إلى المعنى الذي يُثبِتُ عدم نقض ترك الصلاة تهاونًا للشهادتين = فهو من قبيل خطأ من أخطأ في تنزيل الكفر الوارد في النصوص مُطلقًا على الكفر المخرج من الملة ، ولو كان المقصود به فيها الكفر الذي لا يُخرج من الملة [8].
وكل محاولات إثبات علاقة ترك الصلاة تهاونا بنقض الشهادتين محاولاتٌ ترجع إلى فهم النص ، فهي ترجع إلى الاحتجاج بمحلِّ النزاع ، ولا يصح الاحتجاج بمحل النزاع والاستدلال بموضع الاختلاف؛ حيث يزعم أصحاب هذا الرأي أن النص الذي ورد فيه تكفير تارك الصلاة هو نفسه قد دلّنا على كون تاركها قد نقض الشهادتين بطريقة غيبية لا نعلمها! وهذا احتجاجٌ ظاهر الردّ والضعف ، حيث يرجع إلى ادّعاء دعوى لا ذكرها النص ولا دل عليه معناه ، ولم يرجع إلى إثبات المعنى المعقول الذي يُبيّن كيفية نقض ترك الصلاة تهاونا للشهادتين، وإنما زعم أصحابه أمرًا غير معقول المعنى ، نسبوه للنص بناء على المذهب المستقر في نفوسهم ، على مذهب من يقول: اعتقدْ .. ثم استدل!
أما النص الذي يحتجون به على كفر تارك الصلاة تهاونًا ، فيمكن حمله على أحد معنيين ، يجب إرجاعه إليهما أو إلى نحوهما ، ليتفق معناه مع أصول هذا الباب اليقينية المأخوذة من الأدلة الشرعية القطعية:
- الأول: أن من تركها جحودا ، فهو الذي يكفر بالاتفاق كفرا مخرجًا من الملة ، على التقرير السابق.
- الثاني: أن من تركها تهاونا ، فقد شابه الكفار في ترك شعار من شعارات الإسلام [9] ، فإطلاق الكفر عليه حينئذ كإطلاقه على من شابههم في قتل المؤمنين وفي الطعن في الأنساب وفي النياحة.
وليس هذا التأويل ببِدْعٍ على منهج السلف في فهم نصوص الوعيد التي يحتجُّ بمثلها الخوارج ، بل هذا هو منهج السلف في فهم نصوص الوعيد ، حيث فهموا نصوص الوعيد من خلال إدراك عدم علاقتها بنقض الشهادتين ، ومن ثمّ تأولوها بناء على هذا الأصل القطعي، وصرفوها عن ظواهرها التي بها كفَّر الخوارج المسلمين.
بالنسبة للحواشي سأنقلها بإذن الله تعالى.