" حقيقة سكوت أبي داود على الحديث في سننه "
" بيان حقيقة سكوت أبي داود على الحديث في سننه "
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى في النكت على ابن الصلاح ج1- ص438 /441 :
" ومن هنا يظهر ضعف طريقة من يحتج بكل ما سكت عليه أبو داود .
1 : فإنه يخرج أحاديث جماعة من الضعفاء في الاحتجاج ويسكت عنها .
مثل ابن لهيعة وصالح مولى التوأمة وعبد الله بن محمد بن عقل وموسى بن وردان وسلمة بن الفضل ودلهم بن صالح وغيرهم .
فلا ينبغي للناقد أن يقلده في السكوت على احاديثهم ويتابعه في الاحتجاج بهم .
بل طريقه أن ينظر هل لذلك الحديث متابع فيعتضد به أو هو غريب فيتوقف فيه .
ولا سيما إن كان مخالفا لرواية من هو أوثق منه فإنه ينحط الى قبيل المنكر .
2 : وقد يخرج لمن هو أضعف من هؤلاء بكثير كالحارث بن وجيه وصدقة الدقيقي وعثمان بن واقد العمري ومحمد بن عبد الرحمن البيلماني وأبي جناب الكلبي وسليمان بن ارقم واسحاق بن عبد الله بن أبي فروة وأمثالهم من المتروكين
3 : وكذلك ما فيه من الأسانيد المنقطعة .
4 :وأحاديث المدلسين بالعنعنة .
5 : والأسانيد التي فيها من أبهمت أسماؤهم .
فلا يتجه الحكم لأحاديث هؤلاء بالحسن من أجل سكوت أبي داود .
لأن سكوته تارة يكون
1 : اكتفاء بما تقدم له من الكلام في ذلك الراوي في نفس كتابه .
2 : وتارة يكون لذهول منه
3 : وتارة بكون لشدة وضوح ضعف ذلك الراوي واتفاق الأئمة على طرح روايته
كأبي الحويرث ويحيى بن العلاء وغيرهما .
4 : وتارة يكون من اختلاف الرواة عنه وهو الأكثر ... انتهى "
قلت : ثم ضرب الحافظ رحمه الله تعالى أمثلة على ذلك من الأحاديث التي سكت عليها أبو داود وفي سننه وهي ضعيفة ...
رد: " حقيقة سكوت أبي داود على الحديث في سننه "
تكملة كلام الحافظ ابن حجر في النكت على قول أبي داوّد : ( مَا لم أذكر فِيهِ شَيْئا فَهُوَ صَالح )
5 : وقد يتكلم على الحديث بالتضعيف البالغ خارج السنن ويسكت عنه فيها
6 : وأما الأحاديث التي في إسنادها انقطاع أو إبهام ففي الكتاب من ذلك أحاديث كثيرة.
منها: وهو ثالث حديث في كتابه - ما رواه من طريق أبي التياح قال: حدثني شيخ قال: لما قدم ابن عباس البصرة كان يُحدث عن أبي موسى - رضي الله تعالى عنه - فذكر حديث "إذا أراد أحدكم أن يبول فليرتد لبوله".
لم يتكلم عليه في جميع الروايات، وفيه هذا الشيخ المبهم.
إلى غير ذلك من الأحاديث التي يمنع من الاحتجاج بها ما فيها من العلل.
فالصواب عدم الاعتماد على مجرد سكوته لما وصفنا أنه يحتج بالأحاديث الضعيفة، ويقدمها على القياس إن ثبت ذلك عنه.
والمعتمد على مجرد سكوته لا يرى الاحتجاج بذلك فكيف يقلده فيه؟
وهذا جميعه إن حملنا قوله: "وما لم أقل فيه شيئا فهو صالح". على أن مراده أنه صالح للحجة. وهو الظاهر.
وإن حملناه على ما هو أعم من ذلك - وهو الصلاحية للحجة أو للاستشهاد أو للمتابعة - فلا يلزم منه أنه يحتج بالضعيف.
ويحتاج إلى تأمل تلك المواضع التي يسكت عليها وهي ضعيفة هل فيها إفراد أم لا؟
إن وجد فيها إفراد تعين الحمل على الأول وإلا حمل على الثاني،
وعلى كل تقدير فلا يصلح ما سكت عليه للاحتجاج مطلقا .
وقد نبه على ذلك الشيخ محيي الدين النووي - رحمه الله تعالى – فقال : "في سنن أبي داود أحاديث ظاهرة الضعف لم يبينها مع أنه متفق على ضعفها، فلا بد من تأويل كلامه".
ثم قال: "والحق أن ما وجدناه في سننه ما لم يبينه، ولم ينص على صحته أو حسنه أحد ممن يعتمد فهو حسن، وإن نص على ضعفه من يعتمد أو رأى العارف في سنده ما يقتضي الضعف ولا جابر له، حكم بضعفه ولم يلتفت إلى سكوت أبي داود".
قلت: "وهذا هو التحقيق، لكنه خالف ذلك في مواضع من شرح المهذب وغيره من تصانيفه، فاحتج بأحاديث كثيرة من أجل سكوت أبي داود عليها فلا يغتر بذلك - والله أعلم »
«النكت على كتاب ابن الصلاح لابن حجر» (1/ 441 - 445):