اطلع خير الدين الزركلي على نبأ يقول:نزل شخص إلى المرفأ وألقى بنفسه إلى البحر، ولما شعر به القريبون تهافتوا لانتشاله،فإذا هو ميت، ولدى التحقيق فهم أن هذا الرجل ذو أسرة مؤلفة من ثمانية أشخاصعجز عن إعاشتهم فألقى بنفسه من هذه الحياة الضنكة.ولم يكد يتم قراءة الخبر حتى تناول قلما فأنشا يقول:
ما بال بيروتَ لا تبكي العيون...بها دماً وتضطربُ الأكبادُ من ألمتلوتُ في صحفها من أمرها نبأٌ...لم يبق في القلب عرقا غير مضطرموالقوم في غفلة ما ثم متعظٌ...يرجى، فيرحم أو ينجي من النقمبينا هم في ضفاف البحر قد شغلوا...بحسن مرآه عن همٍّ وعن سقمِيغالزون من الأمواج ثائرها...لاهين منها بمهتاج وملتطمإذا امرؤٌ كان فيهم غير مكترث...له، انبرى وتمشّى ثابت القدمألقى إلى اليمَّ بالنفس التي كرمت...يدعو المنية لم يوجل ولم يجموسارعت نحوه النّظّار تنقذه...ومن يغيث طلوب الموت والعدمتهافتَ الناسُ كيما يمنعوه ردىً...فأنقذوا جثة غاصت ولم تعمِ
قضى شهيدَ صغارٍ لا نصيرَ لهم...ولا مغيث فأبكى مقلة القلميدعونه وظلام الليل منسدلٌ...والطيُّ يطفيء منهم كل محتدمِرأى المنون مراماً طاب مورده...فقال للموت: يا موت ادن واخترمِغريقَ بيروتَ أبكيت القلوبَ أسى...لا عاش بعدك في الأحياءِ ذو النعمِ
ما كان قاتلك البحر الخضم ولا...أودى بشخصك موجٌ شامخ القمم
لكن رمتك بشرٍّ قد دهيتَ به...أطماع معشر سوءٍ حائف نهم
لو أن في موسرينا رحمة قشعوا...عن الفقير حجاباً دائم الظلم
هم أحرزوا قوته مستأثرين به...وخلفوه من الإملاق في ضرم
وكل نفسٍ ستجزى بالذي كسبت...الحيفُ بالحيفِ والأنداء بالديم