أقوال العلماء في عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان
أقوال العلماء في عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. أما بعد: فقد اطلعت على بحث فيه طرق حديث: «الدنيا ملعونة...». لبعض الفضلاء، ذهب فيه -سدده الله- إلى ضعفه مرفوعًا. واشتمل البحث على الكلام في بعض الرواة، كان منهم الزاهد عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان، وقد خلص الباحث إلى أنه ضعيف، ولم يقبل ما جاء به من الحديث، فأحببت بهذا البحث الذي هو جمع لأقوال أهل العلم في الراوي عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان العنسي الدمشقي الزاهد، أن أزيح بعض الغموض الذي اعتراه، والله أسأل التوفيق والسداد. وقد قسمت البحث إلى نقاط. فجعلت قسما في العلماء الذين وثقوا ابن ثوبان، ثم ذكرت من جرحه أو ضعفه، والثالث في ذكر من اختلف قوله، فمرة وثق، ومرة ضعف، والرابع في من ذكره من غير جرح ولا تعديل، والخامس في الأسباب التي من أجلها تكلم فيه بعض العلماء، والسادس خلاصة لما تقدم. فأقول وبالله التوفيق.
التوثيق
قال أبو حاتم: ثقة.
قال أبو حاتم الرازي عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان أبوه من كبار أصحاب مكحول ممن يسند عنه وابنه راوية عن أبيه وقد روى عن أبيه.
قال أبو حاتم: كان الأب ثقة والابن يشوبه شيء من القدر وتغير عقله في آخر حياته وهو مستقيم الحديث. قال أبو زرعة: شامي لا بأس به.
قال عبد الرحمن بن إبراهيم دحيم: هو ثقة.
وثقه ابن حبان في مشاهير علماء الأمصار (1/181) وقال: «صالحي أهل الشام ممن صحب نافعا زمانا وكان ثبتا ». وذكره في كتابه الثقات.
قال العجلي: شامي لا بأس به.
قال عمرو بن علي الفلاس: حديث الشاميين كله ضعيف وذكره فيمن استثناهم.
قال علي بن المديني: ليس به بأس
قال يعقوب بن شيبة السدوسي: كان ابن ثوبان رجل صدق لا بأس به، استعمله أبو جعفر والمهدي بعده على بيت المال، وقد حمل الناس عنه.
قال صالح بن محمد البغدادي: شامي صدوق إلا أن مذهبه مذهب القدر، وأنكروا عليه أحاديث يرويها عن أبيه عن مكحول مسندة.
قال أبو بكر الخطيب: كان ممن يذكر بالزهد والعبادة والصدق في الرواية.
قال أبو داود: عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان كان فيه سلامة، وكان مجاب الدعوة، وليس به بأس، وكان أبوه وصى مكحول، وكان عبد الرحمن على المظالم ببغداد، ولاه بن أبي جعفر يعني المهدي.
قال يعقوب: سمعت ابن عامر يقول: ابن ثوبان من صنف أشراف. قلت له: لم يرو عنه ابن المبارك. فقال: إنما روى ابن المبارك عن الأعلام من شيوخنا.
قال عبد الله بن يوسف: كان عابدا وكان ابن أبي ذئب يرى القدر وكان يبوح به.
قال أبو حفص بن شاهين: ليس به بأس.
وحسّن له الترمذي في جامعه.
وقال ابن القطان كما في : تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في تفسير الكشاف للزمخشري (1/292) للزيلعي: «وقال ابن القطان في كتابه: هذا الحديث عندي يحتمل أن يقال فيه صحيح، إذ ليس في إسناده من تكلم فيه إلا عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان، فقال ابن معين: صالح الحديث، وقال أبو زرعة: لا بأس به. ووثقه أبو حاتم، وقال ابن حنبل: أحاديثه مناكير. وأظن أن الترمذي لم يصححه من أجله » .
جوّد ابن تيمية إسناد هو فيه. كما في اقتضاء الصراط (82 ،83).
وذكره الذهبي في (من تكلم فيه وهو موثق) (ص: 117) وقال: « عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان العنسي (د ت ق): قال أحمد: كان عابد أهل الشام، وقال أبو حاتم: ثقة. وقال النسائي وغيره: ليس بالقوي ». وقال في سير أعلام النبلاء (7/314): « وقد تتبع الطبراني أحاديثه فجاءت في كراس تام، ولم يكن بالمكثر، ولا هو بالحجة بل صالح الحديث ».
وأبو القاسم الحرفي في فوائده جود إسناد هو فيه.
المجرحون:
قال ثابت البنانيّ: ليس بالقويّ.
قال النسائي: ضعيف، وقال مرة: ليس بالقوي، وقال مرة: ليس بثقة.
قال عبد الرحمن بن يوسف بن خراش: في حديثه لين.
قال ابن عدي: وكان رجلا صالحا ويكتب حديثه على ضعفه.
قال الحافظ في التقريب: صدوق يخطىء ورمي بالقدر وتغير بأخرة.
وذكره ابن الجوزي في الضعفاء والمتروكين.
من اختلف قوله فمرة وثق ومرة ضعف:
بالنسبة ليحيى بن معين:
قال يحيى بن معين من رواية العباس بن محمد الدوري: صالح الحديث، ومرة ليس به بأس.
قال العباس: سمعت يحيى يقول: أن ثوبان أصله خراساني، نزل الشام، ولم يذكره إلا بخير. قال يحيى: وكان ابن ثوبان ببغداد.
قال يحيى بن معين من رواية عثمان الدارمي: ضعيف.
قال معاوية بن صالح عن يحيى: ضعيف يكتب حديثه على ضعفه وكان رجلا صالحا.
وقال بن أبي خيثمة عن ابن معين: لا شيء.
بالنسبة للإمام أحمد:
قال الأثرم قال: سمعت أبا عبد الله يقول: أحاديثه مناكير. قال محمد بن على سمعت أحمد بن حنبل قال: لم يكن بالقوي في الحديث. قال أبو بكر المروذي عن أحمد بن حنبل: لما قدم به دخل على ذاك الذي يقال له المهدي وابنته على عنقه. قال عبد الكريم بن أبي عبد الرحمن: أخبرني أبي قال: أبو عبد الله: عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان ليس بثقة.
بالنسبة لابن شاهين: قال أبو حفص بن شاهين: ليس به بأس. وقال مرة: وفي رواية المفضل بن غسان عنه أن ه قال ليس بشيء. قال أبو حفص وهذا القول من يحيى بن معين يوجب التوقف في ابن ثوبان لأن سكوته عن إطرائه وتوثيقه لا يقضي على تضعيفه إنه إذا كان كذلك لم يذكر في الصحيح.
بالنسبة لابن مفلح:
قال ابن مفلح مرة: حديثه حسن قواه الأكثر.
وقال ومرة: ضعفه.
من لم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا:
ذكره البخاري في التاريخ الكبير (2/161) فلم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا.
من أسباب التكلم في عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان:
القول بالقدر.
تخلفه عن الجمعة والصلوات. كما في المعرفة والتاريخ (2/227).
قال الذهبي في تاريخ الإسلام (10/ 317): « كأنّه كان يتأثّم من الصلاة خلف أئمّة الجور، ولا ريب أنّه رأي الخوارج ».
قلت: قد يكون السبب في التخلف ما ذكره الأوزاعي في موعظته، حيث قال له: « وأنت ترى أنك بوجه هذا الحديث كن جليس بيتك ومثله من الأحاديث ». ولو كان يرى الخروج يومها لذكره الإمام الأوزاعي في نصيحته.
اختلال عقله: فقد جاء في المعرفة والتاريخ للفسوي (2/228): «حدثنا العباس بن الوليد عن أبيه قال: لما كانت السنة التي تناثرت فيها الكواكب خرجنا ليلا إلى الصحراء مع الأوزاعي، وأصحابنا، ومعنا عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان. قال: فسل سيفه. فقال: إن الله قد جد فجدوا. قال: فجعلوا يسبونه، ويؤذونه، وينسبونه إلى الضعف. قال: فقال الأوزاعي: إني أقول أحسن من قولكم، عبد الرحمن قد رفع عنه القلم. أي أنه مجنون ». والسنة التي تناثرت فيها الكواكب هي سنة 147ه ، فقد جاء في تاريخ دمشق (57/ 315): عن مروان بن محمد قال : « ولدت سنة سبع وأربعين ومائة عام الكواكب »، وذكر ابن الأثير أن في هذه السنة تناثرت النجوم. ومعنى ذلك أن عمر ابن ثوبان هو 72 سنة، ووفاته كانت سنة 165ه على قول وله تسعون سنة.
القول بقول الخوارج: قال الذهبي في سير أعلام النبلاء (7/314) تعليقا على سلِّ ابن ثوبان السيف، وقوله: إن الله قد جد فجدوا: «قلت: كان فيه خارجية ».
الدخول على الخلفاء: قال أبو بكر المروذي: عن أحمد بن حنبل قال: لما قدم به دخل على ذاك الذي يقال له المهدي وابنته على عنقه.
وكان على المظالم وعلى بيت المال في زمن المهدي: قال أبو داود: كان عبد الرحمن على المظالم ببغداد، ولاه بن أبي جعفر يعني المهدي. وقال يعقوب بن شيبة: استعمله أبو جعفر والمهدي بعده على بيت المال وقد حمل الناس عنه.
خفة العقل: جاء في تاريخ مدينة دمشق (14/19):«عن محمد بن حسان قال: رأيت عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان يحمل ابنا له على عنقه يدور به، وعلى عنقه سيف حمائله شريط، قال: فكان يمر بالسبع فيبصبص له ».
النكارة في حديثه: وأنكروا عليه أحاديث يرويها عن أبيه عن مكحول مسندة. قلت: هذا مجمل ما قيل عنه.
الخلاصة:
مما تقدم يظهر أن القول بكونه قدري أو خارجي أو يدخل على الأمراء أو يتولى لهم شيء لا دخل له في الرواية إن كان ضابطا صادقا كما هو الصحيح من أقوال أهل العلم.
بقي القول بزوال العقل كما قال الأوزاعي، ومثل هذا إذا عرف التاريخ فالعمل عليه، وقد تقدم بيان التاريخ الذي يحدد ذلك، فمن روى عنه قبل ذلك فروايته عنه صحيحة إن كان الأصل فيه الصدق والضبط.
وأما الكلام عن صدقه وضبطه، فإن الأكثر من علماء الجرح والتعديل على أنه صادق، وأحاديثه مستقيمة، فقد أثنى عليه ثمانية عشر عالما، ولم يتكلم فيه إلا عشرة، ستة لهم قول واحد، وأربعة اختلف قولهم، ومع ذلك فإن تلاميذ الإمام أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين لم يأخذوا بالجرح، فهاهو أبو داود لم يأخذ به وهو من تلاميذ الإمام أحمد، ومثله يعقوب بن شيبة فقد حكى اختلاف ابن معين وعلي بن المديني، ورجح قول ابن المديني، هذا كله لو لم يظهر سبب التضعيف، أما وقد ظهر، وعُلم أن هناك من أهل العلم من يجرح بالبدعة ويرى ترك الرواية عن صاحبها، فحينئذ فالعمل بالراجح وأن العبرة هو الضبط والصدق.
وأما القول بأن في أحاديثه نكارة، خاصة عن مكحول، فيُقابل هذا القول بقول أبي حاتم الرازي بأن أباه من كبار أصحاب مكحول ممن يسند عنه، وابنه راوية عن أبيه وقد روى عن أبيه، وقال أيضا: هو مستقيم الحديث. فمثل هذا يدل على تتبعٍ لأحاديث عبد الرحمن بن ثابت، وهذا القول عضده قول عمرو بن علي الفلاس.
فأقل أحواله أن يحسن حديثه، إن لم نقل بتصحيحه والله أعلم. وسبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.
