كلام العلامة محمود شاكر في أخيه العلامة أحمد شاكر بعد وفاته ( يدل على الود )

قال العلامة الأستاذ الأديب محمود محمد شاكر في مقدمة تفسير الطبري ( 13 / 4 ـ 5 ) :
ففي الساعة السادسة من صبيحة يوم السبت السادس والعشرين من ذي القعدة سنة 1377 هـ ( 14 يونية سنة 1958 م ) ، قضى الله قضاءه بالحق ، فألحَقَ بالرفيق الأعلى أخي وشقيقي السيد أحمد محمد شاكر ، مودَّعًا بالدعاء ، محفوفًا بالثناء .
جاءه الأجل فشق إليه الطريق ، وأماط عنه حياطه الشفيق ، ونضا عنه طِبَّ كل طبيب ، فقبض ملكُ الموت وديعتَه في الأرض ، ثم استودع مسامعنا من ذكره اسما باقيا ، ومحا عن الأبصار من شخصه رسما فانيا .
فالحمد لله باريء النسم بما شاء ، ومصرفها فيما شاء ، وقابضها حيث شاء .
اللهم هذا عبدك وابن عبدك ، نشأ في المأمور به من طاعتك ، ومات على الحق في عبادتك ، وعاش ما بينهما مجاهدا في سبيل دينك ، ناطقا بالحق في مرضاتك ، ذابا بقلمه ولسانه عن كتابك وسنة رسولك .
اللهم تقبل عمله ، واغفر زلته ، غير خال من عفوك ، ولا محروم من إكرامك .
اللهم أسبغ عليه الواسع من فضلك ن والمأمول من إحسانك .
اللهم أتمم عليه نعمتك بالرضى ، وآنس وحشته في قبره بالرحمة ، واجعل جودك بِلالاً له من ظمأ البِلَى ، ورضوانك نورا له في ظلام الثرى .
اللهم هذا أخي وشقيقي ، فإن أبكه فغيرَ جازعٍ من قضائك ، ولا نافر من القدر الجاري على عبادك ، بل أبكيه مستكينا لابتلائك ، سائلا له المأمول من غفرانك .
اللهم واجعل بكائي عليه ماحيا لكل مساءة نالته مني ، وتوبة من كل هفوة نزغ بها الشيطان بينه وبيني .
اللهم ارحمه ، اللهم ارحمه ، اللهم ارحمه ، لا إله إلا أنتت ، بالرحمة أنشأتنا من التراب ، وبالرحمة رددتنا إلى التراب ، وبالرحمة نؤوب إليك يوم الحساب ، فارحمنا وارحمه ، إنك أنت ولينا في الدنيا والآخرة يا أرحم الراحمين .
اللهم هذا عبدك وابن عبدك ، فأنزله وأنزل الصالحين من آبائه وأهله منازل المقربين من أهل طاعتك ، بيدك الملك ، إنك على كل شيء قدير .

رحمهم الله ، عائلة علمية أديبة بارك الله في سعيهم ونفعنا بعلمهم وألحقنا على خير بهم يا أرحم الراحمين .

آمين ، وألحقنا بهم في الصالحين .

أفرغ الله عليهم سحائب رحمته، وأمطر على ضرائحهم سحائب الرضوان، وأسكنهم الله جواره، وأكرم الله مثواهم، وكتبهم من أهل السعادة، وأحصاهم بين أصحاب اليمين.

وليت أخونا الفاضل/ أبو مالك، يتحفنا بالمزيد عنهما، فالحديث عنهما ذو شجون، والمقال منهما يأخذ بمجامع القلوب، وأنه لأندى على الأفئدة من زلال الماء، رحمهما الله رب الأرض والسماء!

رحم الله تعالى أفراد هذه الأسرة المباركة

عائلة الشواكر ، كلهم ضربوا في العلوم بأسهم تذكر فتشكر .

شكر الله لكم جميعا على مروركم النبيل . ورحم الله العلامتين وأباهما وجميع هذه الأسرة المباركة .
ذرية بعضها من بعض .

هو العلامة الكبير : أحمد بن محمد شاكر بن أحمد بن عبد القادر . من آل أبي علياء ، ونسبه ينتهي إلى الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما.
لقبه والده بـ : شمس الأئمة ، وكناه أبا الأشبال .
والده هو الشيخ محمد شاكر ، كان وكيلا للأزهر ، وأمينا للفتوى ، وقاضي قضاة في السودان ، وشيخ علماء الإسكندرية .
وجده لأمه هو الشيخ هارون عبد الرزاق رحمه الله . ( وللشيخ محمد شاكر ترجمة في رسالة لولده العلامة أحمد شاكر ).

ـ ولد الشيخ رحمه الله في القاهرة بعد فجر يوم الجمعة ، في التاسع والعشرين من شهر جمادى الآخر سنة تسع بعد الثلاثمئة وألف من الهجرة ، الموافق للتاسع والعشرين من شهر كانون الثاني سنة اثنتين وتسعين بعد الثمانمئة وألف من الميلاد .
تلقى تعليمه الأولى وهو لم يبلغ العاشرة بعدُ في كلية غوردن بالسودان ، عندما سافر إليها والده لتولي منصب قاضي القضاة ( وفي هذا اللقب كلام لأهل العلم في النهي عنه وإنكاره ) .
وعند رجوع والده من السودان بعد نحو أربع سنوات ، التحق الشيخ بمعهد الإسكندرية طالبا ، وقد كان والده هو مدير المعهد .
ظهرت عليه علامات النباهة والنبوغ منذ صباه وشبابه ، فطلب العلم ، وأحب الشعر وكتب الأدب ، ودرس شيئا من كتب الأدب ـ مع أخيه علي ـ على يد الشيخ عبد السلام الفقي رحمه الله.
وتوجه إلى علوم الحديث ودراية فنونه ، بهمة عالية وهو دون العشرين من عمره .
تلقى دراسته العلمية على عدد من أهل العلم ، كان أبرزهم والده ، حيث أخذ عنه التفسير والحديث والأصول ، وشيئا من المنطق والبيان والفقه الحنفي .
وتلقى على الشيخ محمود أبو دقيقة علم الفقه وأصوله .
وتلقى العلم على الشيخ عبد الله بن إدريس السنوسي ، وهو من علماء الغرب ، درس عليه صحيح البخاري ، وأجيز منه بروايته والكتب الستة .
وتلقى العلم على الشيخ العلامة جمال الدين القاسمي ، كما ذكر ذلك الشيخ شاكر نفسه في رسالة المسح على الجوربين ( ص 3 ـ 4 ) بتعليق الشيخ شاكر .
وغير هؤلاء كثير .
يقول العلامة محمد حامد الفقي (1) :
أحب صديقي (2) الشيخ أحمد محمد شاكر السنة النبوية المطهرة منذ شبابه الأول ، وشغف بفقهها ، والتعمق في علومها ، والتنقيب على روائعها ، ونفائس كتبها .
وما زال يتعهد هذا الحب وينميه ويسقيه بما فتح الله له من التوفيق .
وجمع كتب الحديث وعلومه ، المخطوط منه والمطبوع في كل بلدان العالم ، مما جعل مكتبته لا نظير لها مطلقا عند عالم ممن أعرف ، على كثرة من أعرف في البلدان الإسلامية .
وقد وهبه الله صبرا دائبا على الدروس ، وحافظة قوية لا يندُّ عنها شيء ، وذوقا رفيعا في استكناه الآثار واعتبارها بالعقل والنقل ، وإجالة النظر وإعمال الفكر ، دون تقليد لأحد ، أو تقبل لرأي من سبق .
وقد أسهم الأستاذ في إحياء كتب السنة مساهمة مشكورة ، فنشر كثيرا من كتبها نشرا علميا ممتازا ، وهو اليوم يتوج أعماله بنشر كتاب المسند للإمام العظيم أحمد بن حنبل ...
______________
(1) انظر " شرح المسند 2 / 373 ـ 374 للشيخ أحمد شاكر رحمه الله .
(2) وقد وصفه الشيخ حامد الفقي في مقدمة " نظام الطلاق في الإسلام " بـ الأستاذ العالم المحقق المجتهد محدث مصر ...

رحمهم الله.