التعدِّي إلى المرسَل و المرسَل إليه

التعدِّي إلى المرسَل و المرسَل إليه

تقوم اللغة على الاحتياج المعنوي والأهمية المعنوية ، والإنسان يتحدث بمستويات متعددة وبلغات متعددة تحت رعاية الاحتياج المعنوي غالبا واللفظي نادرا مع علامات أمن اللبس ليكون بعيدا عن اللبس والتناقض وهو غاية كل لغة من لغات العالم كما هو الحال في قولنا : أرسلت زيدا إلى القوم ،وفي هذا المثال عدة أمور:
الأول : تعدى الفعل أرسل إلى المفعولين ،ولكنه تعدى إلى الأول بدون حرف لعدم الحاجة المعنوية إليه وتعدى إلى الآخر بحرف جر ، بسبب الحاجة المعنوية ، كما يعود ذلك إلى قوة العلاقة المعنوية بين الفعل والمفعول الأول وإلى ضعف منزلة المعنى بين الفعل المبني عليه والمفعول الثاني ، فالفعل أرسل يقع على المفعول الأول ويدل عليه دلالة أشد من دلالته على المفعول الثاني ،والعلاقة المعنوية بين الفعل والمفعول الأول قوية جدا ، وعندما نذكر الفعل "أرسل" أو يُذكر الفعل "أرسل" أمامنا فأول ما يتبادر إلى أذهاننا المرسَل ثم المرسَل إليه ،والمرسَل هو المفعول المباشر والمرسَل إليه هو المفعول غير المباشر،ومثل ذلك :اخترت زيدا من الناس .
الثاني :إذا سقط حرف الجر من المفعول الثاني وجب تقديمه على الأول أمنا للبس ،لأنه بقاءه في مكانه يجعله صفة لما قبله ،ولهذا يتقدم نحو المبني عليه الذي تربطه به علاقة معنوية ،فنقول:اخترت الناس زيدا ،قال تعالى"واختار موسى قومه سبعين رجلا" ،ولهذا كذلك نأتي بحرف الجر قبل المفعول الثاني ،لأن الحاجة المعنوية تدعو إليه أمنا للبس.
الثالث : كذلك يتقدم المرسَل على المرسَل إليه في الأصل ،يقول ابن هشام:"لبعض المفاعيل الأصالة في التقديم على بعض إما بكونه مبتدأ في الأصل أو فاعلا في المعنى أو مسرحا لفظا وتقديرا والآخر مقيدا"ويوضح ابن مالك سبب ذلك فيقول :لأن علقة ما لا يحتاج إلى واسطة أقوى من علقة ما يحتاج إليها "ومثل ذلك الفعل اختار،نقول:اختر� � زيدا من القوم "حيث يتقدم المفعول الأول الذي تعدى إليه الفعل بدون حرف ثم يأتي ما تعدى إليه بحرف ،وكل ذلك يعود إلى منزلة المعنى بين الفعل والمفاعيل ،فإن كانت الأهمية للمفعول الثاني تقدم على الأول قال تعالى"واختار موسى قومه سبعين رجلا "فالمتكلم يتكلم بحسب الأهمية المعنوية في الأصل وفي العدول عن الأصل ، والمتقدم في المنزلة والمكانة متقدم في الموقع نحو المبني عليه ،والمتأخر في المنزلة والمكانة متأخر في الموقع من المبني عليه كذلك .
وبهذا يتضح أن اللغة تقوم على الاحتياج المعنوي والأهمية المعنوية ،وأن الإنسان يتحدث تحت رعاية الاحتياج المعنوي وعلامات أمن اللبس.

بورك فيكم

بارك الله فيك أخي الكريم