ثناء العلماء على شيخ الإسلام ابن تيمية
من المعلوم لدى كل مطالع وناظر في كتب أهل العلم المعتبرين مِمَّن عاصروا شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أو جاءوا من بعده، أن كتبهم مشحونة، ومصنفاتهم مملوءة بالثناء على شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وتبجيله وتوقيره ومعرفة فضله وقدره.
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: ((قال الشيخ علم الدين البرزالي في ((تاريخه)): وفي ليلة الاثنين العشرين من ذي القعدة توفي الشيخ الإمام العلامة الفقيه الحافظ القدوة، شيخ الإسلام تقي الدين أبو العباس أحمد بن شيخنا الإمام العلامة المفتي شهاب الدين أبي المحاسن عبد الحليم بن الشيخ الإمام شيخ الإسلام مجد الدين أبي البركات عبد السلام بن عبد الله بن أبي القاسم، ابن تيمية الحراني ثم الدمشقي ... – حتى قال -: وقرأ بنفسه الكثير، وطلب الحديث، وكتب الطباق والأثبات، ولازم السماع بنفسه مدة سنين، ثم اشتغل بالعلوم، وكان ذكيًّا كثير المحفوظ؛ فصار إمامًا في التفسير وما يتعلق به، عارفًا بالفقه واختلاف العلماء، والأصول والنحو واللغة، وغير ذلك من العلوم النقلية والعقلية، وما تكلم معه فاضل في فن من الفنون العلمية إلا ظن أن ذلك الفن فنه، ورآه عارفًا به متقنًا له، وأما الحديث فكان حافظًا له متنًا وإسنادًا، مُمَيِّزًا بين صحيحه وسقيمه، عارفًا برجاله متضلعًا من ذلك، وله تصانيف كثيرة وتعاليق مفيدة في الأصول والفروع، كَمَّل منها جملة وبُيِّضت وكُتبت عنه، وجملة كبيرة لم يُكَمِّلها، وجملة كَمَّلها ولكن لم تُبَيَّض.
وأثنى عليه وعلى فضائله جماعة من علماء عصره، مثل القاضي الخُوَيِّي، وابن دقيق العيد، وابن النحاس، وابن الزملكاني، وغيرهم.
ووجدت بخط ابن الزملكاني أنه اجتمعت فيه شروط الاجتهاد على وجهها، وأن له اليد الطولى في حسن التصنيف، وجودة العبارة، والترتيب والتقسيم والتبيين، وكتب على مصنف له هذه الأبيات:
ماذا يقول الواصفون له ... وصفاته جلَّت عن الحصر
هو حجةٌ للهِ قاهرةٌ ... هو بيننا أعجوبة الدهر
هو آية في الخَلْق ظاهرة ... أنوارها أربت على الفجر
وهذا الثناء عليه وكان عمره نحو الثلاثين سنة([1]))).
وقال الإمام الحافظ أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عبدالهادي (ت744): ((هو الشيخ الإمام الرباني، إمام الأئمة، ومفتي الأمة، وبحر العلوم، سيد الحفاظ، وفارس المعاني والألفاظ، فريد العصر وقريع الدهر، شيخ الإسلام، بركة الأنام، وعلامة الزمان، وترجمان القرآن، عَلَمُ الزهاد، وأوحد العُبَّاد، قامع المبتدعين، وآخر المجتهدين، تقي الدين أبوالعباس، أحمد بن الشيخ الإمام العلامة شهاب الدين أبي المحاسن، عبد الحليم بن الشيخ الإمام العلامة، شيخ الإسلام مجد الدين أبي البركات، عبد السلام بن أبي محمد عبد الله بن أبي القاسم الخضر بن محمد بن الخضر بن علي بن عبد الله ابن تيمية الحراني، نزيل دمشق، صاحب التصانيف التي لم يسبق إلى مثلها([2])))اهـ.
وقال أبو البقاء السبكي (777هـ): ((والله يا فلان ما يُبغض ابن تيمية إلا جاهل أو صاحب هوى؛ فالجاهل لا يدري ما يقول، وصاحب الهوى يصده هواه عن الحق بعد معرفته به([3])))اهـ.
وقال العلامة ابن دقيق العيد: ((لما اجتمعت بابن تيمية رأيت رجلًا العلوم كلها بين عينيه، يأخذ منها ما يريد ويدع ما يريد([4])))اهـ.
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله: ((وَقَرَأَ بِنَفسِهِ وَنسخ سنَن أبي دَاوُد، وَحصل الْأَجْزَاء، وَنظر فِي الرِّجَال والعلل، وتفقه وتمهر وتميز وَتقدم وصنف ودرس وَأفْتى، وفَاق الأقران، وَصَارَ عجبًا فِي سرعَة الاستحضار وَقُوَّة الْجنان والتوسع فِي الْمَنْقُول والمعقول والإطالة على مَذَاهِب السّلف وَالْخلف([5])))اهـ.
وقال الإمام المقريزي رحمه الله (845هـ): ((فكان هذا هو السبب في اشتهار مذهب الأشعريِّ وانتشاره في أمصار الإسلام، بحيث نُسِيَ غيره من المذاهب، وجُهِل؛ حتى لم يبق اليوم مذهب يخالفه، إلَّا أن يكون مذهب الحنابلة أتباع الإمام أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل رضي الله عنه، فإنهم كانوا على ما كان عليه السلف، لا يرون تأويل ما ورد من الصفات، إلى أن كان بعد السبعمائة من سني الهجرة، اشتهر بدمشق وأعمالها تقيُّ الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحكم بن عبد السلام بن تيمية الحرَّانيُّ، فتصدَّى للانتصار لمذهب السلف وبالغ في الردِّ على مذهب الأشاعرة، وصدع بالنكير عليهم وعلى الرافضة، وعلى الصوفية([6])))اهـ.
[1])) ((البداية والنهاية)) (18/ 295- 298).
[2])) ((العقود الدرية في مناقب شيخ الإسلام ابن تيمية)) لابن عبد الهادي (3)، وقد نقل هذا الكلام عن ابن عبد الهادي: الحافظ ابن ناصر الدين الدمشقي في كتابه ((الرد الوافر على من زعم أن شيخ الإسلام ابن تيمية كافر)) (63)، وزاد بعد قوله:" لم يسبق إلى مثلها": [ولا يُلحق في شكلها؛ توحيدًا أو تفسيرًا، وإخلاصًا وفقهًا، وحديثًا ولغة ونحوًا، وبجميع العلوم، كتبه طافحة بذلك].
[3])) ذكره الحافظ ابن ناصر الدين الدمشقي في كتابه ((الرد الوافر)) (95).
[4])) ((الرد الوافر)) (59).
[5])) ((الدرر الكامنة في أعيان المئة الثامنة)) (1/ 168، 169).
[6])) ((المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار)) (4/ 192).
رد: ثناء العلماء على شيخ الإسلام ابن تيمية
قال الإمام الذهبي رحمه الله: ((شيخنا الامام العالم العلامة الأوحد، شيخ الاسلام، مفتي الفرق، قدوة الأمة، أعجوبة الزمان، بحر العلوم، حبر القرآن، تقي الدين، سيد العُبَّاد أبي العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام ابن تيمية الحراني رضي الله تعالى عنه([1])))اهـ.
وقال الإمام الذهبي – أيضًا -: ((هذا خط شيخنا الإمام، شيخ الاسلام، فرد الزمان، بحر العلوم، تقي الدين، مولده عاشر ربيع الاول سنة إحدى وستين وستمائة، وقرأ القرآن والفقه، وناظر، واستدل وهو دون البلوغ، برع في العلم والتفسير وأفتى ودرَّس وله نحو العشرين، وصنف التصانيف وصار من أكابر العلماء في حياة شيوخه، وله المصنفات الكبار التي سارت بها الركبان، ولعل تصانيفه في هذا الوقت تكون أربعة آلاف كراس وأكثر، وفسر كتاب الله تعالى مدة سنين من صدره في أيام الجُمَع، وكان يتوقد ذكاء، وسماعاته من الحديث كثيرة، وشيوخه أكثر من مائتي شيخ، ومعرفته بالتفسير إليها المنتهى، وحفظه للحديث ورجاله وصحته وسقمه فما يُلحق فيه، وأما نقله للفقه ومذاهب الصحابة والتابعين فضلًا عن المذاهب الأربعة فليس له فيه نظير، وأما معرفته بالملل والنحل والأصول والكلام فلا أعلم له فيه نظيرًا، ويدري جملة صالحة من اللغة وعربيته قوية جدًّا، ومعرفته بالتاريخ والسير فعجب عجيب، وأما شجاعته وجهاده وإقدامه فأمر يتجاوز الوصف ويفوق النعت، وهو أحد الأجواد الأسخياء الذين يُضرب بهم المثل، وفيه زهد وقناعة باليسير في المأكل والملبس([2])))اهـ.
[1])) ذكره ابن ناصر الدين الدمشقي في ((الرد الوافر)) (68)، وقال: ((كتبه الذهبي على طبقة سماع كناب رفع الملام عن الأئمة الأعلام)).
[2])) ذكره ابن ناصر الدين الدمشقي في ((الرد الوافر)) (69)، وقال: (قال الحافظ علم الدين أبو محمد القاسم ابن البرزالي: رأيت في إجازة لابن الشهرزوري الموصلي خطَّ الشيخ تقي الدين ابن تيمية، قد كتب تحته الشيخ شمس الدين الذهبي)، وذكر الكلام المذكور.
رد: ثناء العلماء على شيخ الإسلام ابن تيمية
وقَالَ الذهبي أيضًا -: ((أَحْمَد بْن عَبْد الحليم - وساق نسبه - الحراني، ثُمَّ الدمشقي، الحنبلي أَبُو الْعَبَّاس، تقي الدين، شيخنا وشيخ الإِسلام، وفريد لعصر علمًا ومعرفة، وشجاعة وذكاء، وتنويرًا إلهيا، وكرما ونصحا للأمة، وأمرًا بالمعروف ونهيًا عَنِ المنكر، سمع الْحَدِيث، وأكثر بنفسه من طلبه، وكتب وخرج، ونظر فِي الرجال والطبقات، وحصل مَا لَمْ يحصله غيره، برع فِي تفسير الْقُرْآن، وغاص فِي دقيق معانيه بطبع سيَّال، وخاطر إِلَى مواقع الإِشكال ميال، واستنبط منه أشياء لَمْ يسبق إِلَيْهَا، وبرع فِي الْحَدِيث وحفظه، فقلَّ من يحفظ مَا يحفظه من الْحَدِيث، معزوًّا إِلَى أصوله وصحابته، مَعَ شدة استحضاره له وقت إقامة لدليل، وفاق النَّاس فِي معرفة الفقه، واخْتِلاف المذاهب، وفتاوى الصَّحَابَة والتابعين، بحيث إنه إِذَا أفتى لَمْ يلتزم بمذهب، بَل يقوم بِمَا دليله عنده. وأتقن العربية أصولًا وفروعًا، وتعليلًا واخْتِلافًا. ونظر فِي العقليات، وعرف أقوال المتكلمين، وَرَدَّ عَلَيْهِم، وَنبَّه عَلَى خطئهم، وحذر مِنْهُم ونصر السنة بأوضح حجج وأبهر براهين، وأُوذي فِي ذَات اللَّه من المخالفين، وأُخيف فِي نصر السنة المحضة، حَتَّى أعلى اللَّه مناره، وجمع قلوب أهل التقوى عَلَى محبته والدعاء لَهُ، وَكَبَتَ أعداءه، وهدى بِهِ رجالًا من أهل الملل والنِّحَل، وجبل قلوب الملوك والأمراء عَلَى الانقياد له غالبًا، وعلى طاعته، أحيا بِهِ الشام، بَل والإسلام، بَعْد أَن كاد ينثلم بتثبيت أولي الأمر لما أقبل حزب التتر والبغي فِي خيلائهم، فظُنت بالله الظنون، وزلزل المؤمنون، واشْرَأَبَّ النفاق وأبدى صفحته. ومحاسنه كثيرة، وَهُوَ أكبر من أَن ينبه عَلَى سيرته مثلي، فلو حلفت بَيْنَ الركن والمقام، لحلفت: إني مَا رأيت بعيني مثله، وأنه مَا رأى مثل نَفْسه([1])))اهـ.
[1])) ذكره في ((ذيل الحفاظ)) (4/ 497)، وقال: ((قَالَهُ الذهبي فِي معجم شيوخه)).
رد: ثناء العلماء على شيخ الإسلام ابن تيمية
وقال الحافظ ابن رجب رحمه الله: ((أَحْمَد بْن عَبْد الحليم بْن عَبْد السَّلام بْن عَبْد اللَّهِ بْن أَبِي القاسم بْن الخضر بن محمد ابن تيمية الحراني، ثُمَّ الدمشقي، الإِمَام الفقيه، المجتهد المحدِّث، الحافظ المفسر، الأصولي الزاهد، تقي الدين أَبُو الْعَبَّاس، شيخُ الإِسْلام، وعَلَم الأعلام، وشهرته تغني عن الإطناب في ذكره، والإسهاب فِي أمره([1])))اهـ.
وقال الحافظ ابن رجب – أيضًا -: ((وعني بالحَدِيث، وسمع "المسند" مرات، والكتب الستة، ومُعجم الطبراني الكبير، وَمَا لا يُحصى من الكتب والأجزاء، وقرأ بنفسه، وكتب بخطه جملة من الأجزاء، وأقبل عَلَى العلوم فِي صغره؛ فأخذ الفقه والأصول عَن والده، وعن الشيخ شمس الدين بن أبي عمر، والشيخ زين الدين بْن المنجا، وبرع فِي ذَلِكَ، وناظر، وقرأ فِي العربية أيامًا عَلَى سُلَيْمَان بْن عَبْد القوي، ثُمَّ أخذ كتاب سيبويه، فتأمله ففهمه. وأقبل عَلَى تفسير الْقُرْآن الكريم، فبرز فِيهِ، وأحكم أصول الفقه، والفرائض، والحساب والجبر والمقابلة، وغير ذَلِكَ من العلوم، ونظر فِي علم الْكَلام والفلسفة، وبرز فِي ذَلِكَ عَلَى أهله، ورد عَلَى رؤسائهم وأكابرهم، ومهر فِي هذه الفضائل، وتأهل للفتوى والتدريس، وَلَهُ دُونَ العشرين سنة، وأفتى من قبل العشرين أيضًا، وأمده اللَّه بكثرة الكَتْب وسرعة الحفظ، وقوة الإدراك والفهم، وبُطء النسيان، حَتَّى قَالَ غَيْر واحد: إنه لَمْ يكن يحفظ شَيْئًا فينساه ... وَقَالَ قَاضِي القضاة شهاب الدين الخُوَيِّي: أنا عَلَى اعتقاد الشيخ تقي الدين، فَعُوتب فِي ذَلِكَ؛ فَقَالَ: لأن ذِهنه صحيح، ومواده كثيرة، فَهُوَ لا يَقُول إلا الصحيح... وكانت وفاته فِي سحر ليلة الاثنين عشري ذي القعدة، سنة ثمان وعشرين وسبعمائة... وصُلِّيَ عَلَيْهِ صلاة الغائب فِي غالب بلاد الإِسلام القريبة والبعيدة، حَتَّى فِي اليمن والصين. وأخبر المسافرون أَنَّهُ نودي بأقصى الصين للصلاة عَلَيْهِ يَوْم جمعة: الصلاة عَلَى ترجمان الْقُرْآن([2])))اهـ.
[1])) ((ذيل طبقات الحنابلة)) (4/ 492، 493).
[2])) السابق (4/ 494- 528)، مختصرًا.
رد: ثناء العلماء على شيخ الإسلام ابن تيمية
وقال العلامة ابن سيد الناس رحمه الله: ((ألْفَيتُه ممن أدرك عن العلوم حظًّا، وكاد يستوعب السنن والآثار حفظًا؛ إِن تكلم فِي التفسير فَهُوَ حامل رايته، وإن أفتى فِي الفقه فَهُوَ مدرك غايته، أَوْ ذاكر بالحَدِيث فَهُوَ صاحب علمه، ذو روايته، أَوْ حاضر بالنِّحَل والملل لَمْ يُرَ أوسع من نحلته، ولا أرفع من درايته، برز فِي كُل فن عَلَى أبناء جنسه، وَلَمْ تر عينُ من رآه مثله، ولا رأت عينه مثل نَفْسه([1])))اهـ.
[1])) ذكره ابن رجب في ((ذيل طبقات الحنابلة)) (4/ 500).
رد: ثناء العلماء على شيخ الإسلام ابن تيمية
وقال الشيخ علم الدين البرزالي في «معجم شيوخه»: ((أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن عبد الله بن أبي القاسم بن محمد بن تيمية الحراني الشيخ تقي الدين أبو العباس الإمام، المجمع على فضله ونبله ودينه؛ قرأ الفقه وبرع فيه، والعربية والأصول، ومهر في علمي التفسير والحديث، وكان إمامًا لا يُلحق غباره في كل شيء، وبلغ رتبة الاجتهاد، واجتمعت فيه شروط المجتهدين، وكان إذا ذكر التفسير بهت الناس من كثرة محفوظه وحسن إيراده وإعطائه كل قول ما يستحقه من الترجيح والتضعيف والإبطال وخوضه في كل علم، كان الحاضرون يقضون منه العجب، هذا مع انقطاعه إلى الزهد والعبادة والاشتغال بالله تعالى والتجرد من أسباب الدنيا ودعاء الخلق إلى الله تعالى، وكان يجلس في صبيحة كل جمعة على الناس يفسر القرآن العظيم؛ فانتفع بمجلسه وبركة دعائه وطهارة أنفاسه وصدق نيته وصفاء ظاهره وباطنه وموافقة قوله لعمله وأناب إلى الله خلق كثير، وجرى على طريقة واحدة من اختيار الفقر والتقلل من الدنيا، رحمه الله تعالى([1])))اهـ.
[1])) ذكره الحافظ ابن عبد الهادي في ((العقود الدرية)) (13، 14).
رد: ثناء العلماء على شيخ الإسلام ابن تيمية