مضاجعة الوهم....ومخادعة النفس والناس..!!

بص يا سيدي..
سأكلمك في الموضوع من جانب واحد فقط بس لا غير، ولن
أدخل معك في كل تفاصيله، وسأطعم كلامي ببعض العامية كمان، بس خلك معي للآخر ولا تزهق..
1- حين تكون قراءتك في الفقه غالبها في نحو: (تمام المنة) أو (الدراري المضية) أو (الشرح الممتع) وعند بعضهم: (بداية المتفقه)!!!، وسقف طموحاتك لا يعلو عن هذا كثيرا..
ثم بعد مرور سنوات على الطلب -وربما صرتََ شيخا ترجيحيًّا وعلامة مصححا ومستدركًا- تجد أنك لا تحسن قراءة ولا فهم كتب المبتدئين المتفقهين على الجادة كـ(الروض الحنبلي، والإقناع الشافعي، والاختيار الحنفي، والشرح الصغير المالكي)..
ثم تجد بعض أقرانك يقرأ هذه الكتب ويفهمها، بل قد يحضر دروسًا في مغني المحتاج ونحوه..
ولو راجعت شيخك المحقق المرجح فيها=ستجده عند قراءتها لحانًا فأفاءً تمتامًا..
حين يحصل هذا..سأقول لك بعد شوي.. انتظر.
2- حين يكون علم الأصول بدعة عند بعض المتصدرين في تيارك، وعلمًا مدخولا يجب الحذر منه عند كثير منهم، وسقف طموحاتك أنت ومعظم أصحابك المساكين=أن تفهم رسالة (الأصول من علم الأصول) ومتن (الورقات)، ولو توسعت إلى شرح له=فهذه غاية المنى..
ثم تجد بعض أقرانك يقرأ (نهاية السول، وتشنيف المسامع، والتمهيد لللإسنوي، وحاشية العطار على شرح المحلي على الجمع،...) وكتبًا لم تكن تسمع عن اسمها، وقد تخطئ في قراءة عناوينها، فضلا عن قراءة مضامينها وفهمها!
حين يحصل هذا..سأقول لك بعد شوي.. انتظر.
3- حين يكون تيارك فيه انصراف ظاهر عن التفسير وعلوم القرآن، ومرجعك في التفسير كتاب معاصر -مع جلالته- كتفسير السعدي، ثم تفسير ابن كثير، ولو رحت تقرأ في الجلالين والبيضاوي والنسفي=فعويصة جدًّا على فهمك، وأما القرطبي وأبو حيان وأبو السعود وحاشية الجمل على الجلالين وحاشية الشهاب على البيضاوي ...إلخ=فلا تطرق سمعك أصلا.
حين يحصل هذا..سأقول لك بعد شوي.. انتظر.
4- حين يدعي قومك أنهم أولى الناس بكتب السنة والحديث، ثم تظل السنوات الطوال معهم فلا تقرأ كتابًا واحدًا من دواوين الإسلام في السنة، وإن قرأ بعض الطلبة فبمجهود فردي غالبًا..
ثم تجد بعض أقرانك يحضر دروسًا في سماع الكتب الستة، ويجاز فيها كمان.
حين يحصل هذا..سأقول لك بعد شوي.. انتظر.
5- حين يكون العلم الذي قد تستطيل به طائفتك على غيرها هو علم المصطلح، ثم تكون أكثر الدروس في بلدك فيه في (البيقونية، والنخبة، والموقظة)، وتقف عندها، باستثناء قليل من محققي هذا العلم.
ثم تجد بعض أقرانك يقرأ في (مقدمة ابن الصلاح، وشرح السخاوي على ألفية العراقي، وشرح السيوطي أو الترمسي على ألفية السيوطي). بقطع النظر عن إتقانهم لها.
حين يحصل هذا.. سأقول لك بعد شوي.. انتظر.
6- حين تكون بمعزل أنت ومعظم طائفتك عن علم اللغة، وسقفك فيه النحو، وغالبًا تقف فيه عند الآجرومية، وبشرح محيي الدين فقط، ولو زدت فالقطر وبشرح معاصر، ونادر أن تصل إلى الألفية ومن غير استغراق في شروحها وحواشيها.
وأما الصرف والبلاغة والأدب والاشتقاق وفقه اللغة إلخ=فأمر غالبًا لا تسمع به فضلا عن دراسته.
ثم تجد من يحسن قراءة هذه الكتب وفهمها وتدريسها عند غير طائفتك، وأقرانُك يحضرون عنده ويفهمون..
حين يحصل هذا.. سأقول لك بعد شوي.. انتظر.
7- حين تكون بمعزل أنت ومعظم طائفتك عن العلوم العقلية، مع دعوى تحريم النظر في بعضها مما يعده غير طائفتك معيارًا للعلوم ويستطيلون عليكم به..
ثم تجد بعض أقرانك يفهم هذه العلوم ويحسنها، بل قد يدرسها، مع ما لهذه العلوم وإتقانها من صولة على النفس..
وترجع إلى مشايخك ليجيبوا عن حججهم=فلا تجد إلا الحسرة..
حين يحصل هذا..سأقول لك بعد شوي.. انتظر.
8- حين تدور قراءتك وترجيحاتك وترجيحات مشايخك على كتب أئمة معينين، مع عدم التعويل على غيرهم في الغالب..
ثم تجد علمًا غزيرًا عند غيرهم ممن كنت تظنهم مبتدعة لا يفهمون، وتجد أن العلم وكتبه أوسع بكثير مما كنت تدور في فلكه.
حين يحصل هذا.. سأقول لك بعد شوي.. انتظر.
9- حين يرد مشايخك على خصومهم من أضعف حججهم ويوهمونك أنهم دحضوا حججهم، ويصورون لك أن القوم في غباء متناه، ولا هُم في العير ولا النفير.
ثم تجد عند القوم حججا لم تسمع بها أنت ولا مشايخك، ولا يحسن معظمكم الجواب عنها!!
حين يحصل هذا..سأقول لك بعد شوي.. انتظر.
10- حين تلقى إليك مسائل خلافية الخلاف فيها سائغ جدًّا على أنها ثوابت ومفاصل للتمييز بين الخلق وتصنيفهم أحيانًا إلى ملتزم وغير ملتزم، ثم قد يكون الجمهور على خلاف رأي طائفتك، ومع ذلك تصر على التشنج والإنكار!
ثم تكتشف أنه ضحك عليك في المسألة تلو المسألة، وأن الدنيا أوسع بكثير مما كنت تظن، وأن الخلاف ليس شرًّا كله، وأن منه قسمًا كبيرًا سائغًا ولا تثريب فيه.
حين يحصل هذا.. سأقول لك بعد شوي صغيرة، قربنا نوصل خلاص..
11- حين تخلط بين الدعاة والعلماء، وتعُد من ألقى موعظة بليغة -وكمان البلاغة دي بالنسبة لك ولأمثالك فقط- قد تذرف منها العيون وتوجل منها القلوب=تعده بذلك عالمًا موسوعيًّا ومرجعية لا طعن في اختياراتها.
ثم تكتشف أن العلم شيء غير ما كنت تظن.
حين يحصل هذا..
ودع عنك الإجماعات المحكية عند طائفتك وإذا الخلاف فيها مشهور،ودع عنك الطعن في الناس والأقوال، ودع عنك أمورًأ كثيرة خلقية وتربوية وسلوكية، ودع عنك ما يحصل بأخرة من التلون وتغيير الثوابت..
حين يحصل هذا كله يا صاحبي -ولاحظ أن كل ما ذكرته هو جانب واحد فقط وليس بكل تفاصيله-..
فلا تعجب أن يترك أقوام طائفتك ويصيروا من خصومك والمظاهرين عليك وألد أعدائك، ويتناقص تيارك يومًا بعد يوم، وأنت في دهشة مما يحصل!! والله المستعان.

د/محمد عبد الواحد الأزهري الحنبلي.