( الاعتكاف برمضان لمدة شهر في المسجد الأقصى )
قال الإمام أحمد رحمه الله في مسنده :
6842 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ ، سَمِعْتُ وَهْبَ بْنَ جَابِرٍ، يَقُولُ :
إِنَّ مَوْلًى لِعَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ لَهُ: إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُقِيمَ هَذَا الشَّهْرَ هَاهُنَا بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ؟ فَقَالَ لَهُ: تَرَكْتَ لِأَهْلِكَ مَا يَقُوتُهُمْ هَذَا الشَّهْرَ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَارْجِعْ إِلَى أَهْلِكَ فَاتْرُكْ لَهُمْ مَا يَقُوتُهُمْ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُضِيعَ مَنْ يَقُوتُ " اهـ .
وقال الشيخ أحمد عبد الرحمن البنا الشهير بالساعاتي رحمه الله تعالى في بلوغ الأماني من أسرار الفتح الرباني : ( هذا الشهر ) يعني شهر رمضان كما صرح بذلك في بعض الروايات .
قلت : انظر يا طالب العلم إلى هذا المولى يريد أن يعتكف برمضان لمدة شهر في المسجد الأقصى ، ولولا مانع القوت للأهل والعيال كما ذكر له ابن عمر رضي الله عنها لذهب إلى هنالك ، فكم مرة فكرت بالاعتكاف ، وطبقت هذه الفكرة عمليا ولو في مسجد منطقتكم ؟ .
قال الإمام البخاري رحمه الله في صحيحه :
بَاب الِاعْتِكَافِ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ
وَالِاعْتِكَافِ فِي الْمَسَاجِدِ كُلِّهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ الله فَلَا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ الله آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} اهـ .
وَوَجَه الدَّلَالَة مِنْ الْآيَة أَنَّهُ لَوْ صَحَّ فِي غَيْر الْمَسْجِد لَمْ يَخْتَصَّ تَحْرِيم الْمُبَاشَرَةِ بِهِ ، لِأَنَّ الْجِمَاع مُنَافٍ لِلِاعْتِكَافِ بِالْإِجْمَاعِ ، فَعُلِمَ مِنْ ذِكْرِ الْمَسَاجِدِ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ الِاعْتِكَافَ لَا يَكُون إِلَّا فِيهَا قاله الحافظ ابن حجر رحمه الله في الفتح .
وقال محققو المسند :
حديث صحيح، وهذا إسناد حسن، سلف التعريف برجاله برقم (6495) .
وأخرجه الطيالسي (2281) ، ومن طريقه البيهقي في "السنن" 7/467 عن شعبة، بهذا الإسناد.
وأخوجه البغوي (2404) من طريق عبد الرحمن بن مهدي، عن شعبة، به.
رد: ( الاعتكاف برمضان لمدة شهر في المسجد الأقصى )
فائدة :
تَرْكُ التَّكَسُّبِ فِي رَمَضَانَ لِلتَّفَرُّغِ لِلْعِبَادَةِ :
15 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ الاِكْتِسَابَ فَرْضٌ لِلْمُحْتَاجِ إِلَيْهِ بِقَدْرِ مَا لاَ بُدَّ مِنْهُ .
وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ أَيُّهُمَا أَفْضَل : الاِشْتِغَال بِالْكَسْبِ أَفْضَل ، أَمِ التَّفَرُّغُ لِلْعِبَادَةِ ؟ .
فَذَهَبَ الْبَعْضُ إِلَى أَنَّ الاِشْتِغَال بِالْكَسْبِ أَفْضَل ؛ لأِنَّ مَنْفَعَةَ الاِكْتِسَابِ أَعَمُّ ، فَمَنِ اشْتَغَل بِالزِّرَاعَةِ - مَثَلاً - عَمَّ نَفْعُ عَمَلِهِ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ ، وَمَنِ اشْتَغَل بِالْعِبَادَةِ نَفَعَ نَفْسَهُ فَقَطْ .
وَبِالْكَسْبِ يَتَمَكَّنُ مِنْ أَدَاءِ أَنْوَاعِ الطَّاعَاتِ كَالْجِهَادِ وَالْحَجِّ وَالصَّدَقَةِ وَبِرِّ الْوَالِدَيْنِ وَصِلَةِ الأْرْحَامِ وَالإِحْسَانِ إِلَى الأْقَارِبِ وَالأجَانِبِ ، وَفِي التَّفَرُّغِ لِلْعِبَادَةِ لاَ يَتَمَكَّنُ إِلاَّ مِنْ أَدَاءِ بَعْضِ الأْنْوَاعِ كَالصَّوْمِ وَالصَّلاَةِ .
وَمَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ الاِشْتِغَال بِالْعِبَادَةِ أَفْضَل احْتَجَّ بِأَنَّ الأَنْبِيَاءَ وَالرُّسُل عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مَا اشْتَغَلُوا بِالْكَسْبِ فِي عَامَّةِ الأَوْقَاتِ ، وَكَانَ اشْتِغَالُهُمْ بِالْعِبَادَةِ أَكْثَرُ ، فَيَدُل هَذَا عَلَى أَفْضَلِيَّةِ الاِشْتِغَال بِالْعِبَادَةِ ؛ لأَنَّهُمْ عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَانُوا يَخْتَارُونَ لأَنْفُسِهِمْ أَعْلَى الدَّرَجَاتِ .
وَعَلَيْهِ فَمَنْ مَلَكَ مَا يَكْفِي حَاجَتَهُ فِي رَمَضَانَ كَانَ الأَفْضَل فِي حَقِّهِ التَّفَرُّغَ لِلْعِبَادَةِ طَلَبًا لِلْفَضْل فِي هَذَا الشَّهْرِ ، وَإِلاَّ كَانَ الأْفْضَل فِي حَقِّهِ التَّكَسُّبَ حَتَّى لاَ يَتْرُكَ مَا افْتُرِضَ عَلَيْهِ مِنْ تَحْصِيل مَا لاَ بُدَّ مِنْهُ .
وَقَدْ أَخْرَجَ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ وَهْبِ بْنِ جَابِرٍ الْخَيْوَانِيِّ قَال : شَهِدْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَأَتَاهُ مَوْلًى لَهُ فَقَال : إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُقِيمَ هَذَا الشَّهْرَ هَاهُنَا - يَعْنِي رَمَضَانَ - قَال لَهُ عَبْدُ اللَّهِ : هَل تَرَكْتَ لأَهْلِكَ مَا يَقُوتُهُمْ ؟ قَال : لاَ ، قَال : أَمَا لاَ ، فَارْجِعْ فَدَعْ لَهُمْ مَا يَقُوتُهُمْ ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول : كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَقُوتُ (1) وَقَدْ تَرْجَمَ الْخَطِيبُ فِي كِتَابِهِ الْجَامِعِ لأَخْلاَقِ الرَّاوِي وَآدَابِ السَّامِعِ لِهَذَا الْحَدِيثِ بِقَوْلِهِ : ذِكْرُ مَا يَجِبُ عَلَى طَالِبِ الْحَدِيثِ مِنْ الاِحْتِرَافِ لِلْعِيَال وَاكْتِسَابِ الْحَلاَل (2) .
وَانْظُرْ مُصْطَلَحَ : ( اكْتِسَاب ) .
__________
(1) حديث : " كفى بالمرء إثمًا أن يضيع من يقوت " . أخرجه أحمد ( 2 / 195 - ط الميمنية ) والخطيب البغدادي في الجامع ( 1 / 97 - ط مكتبة المعارف ) والسياق للخطيب ، وذكر الذهبي في الميزان ( 4 / 350 - ط الحلبي ) أن راويه عن عبد الله بن عمرو فيه جهالة ، ولكن الحديث صحيح بلفظ : " كفى بالمرء إثمًا أن يحبس عمن يملك قوته " . أخرجه مسلم ( 2 / 692 - ط الحلبي ) .
(2) الجامع للخطيب البغدادي 1 / 97 ، الكسب للشيباني ص44 ، 48 .
المرجع / الموسوعة الفقهية الكويتية .
رد: ( الاعتكاف برمضان لمدة شهر في المسجد الأقصى )
للرفع والتذكير بمناسبة قرب دخول العشر الأواخر من رمضان .
رد: ( الاعتكاف برمضان لمدة شهر في المسجد الأقصى )
قال عالم الأمة الشيخ ابن باز رحمه الله تعالى :
الاعتكاف هو الانشغال بالخالق عن المخلوق .
رد: ( الاعتكاف برمضان لمدة شهر في المسجد الأقصى )