ما حكم من قال : ليس في الوجود إلا الله ؟
سئل شيخ الإسلام وحجة الأنام أبو العباس ابن تيمية - رضي الله عنه - :
عمن يقول : إن ما ثم إلا الله ، فقال شخص كل من قال هذا الكلام فقد كفر .
فأجاب - رضي الله عنه - :
الحمد لله ، قول القائل ما ثم إلا الله : لفظ مجمل يحتمل معنى صحيحا ومعنى باطلا ، فإن أراد ما ثم خالق إلا الله ولا رب إلا الله ولا يجيب المضطرين ويرزق العباد إلا الله فهو الذي يعطي ويمنع ويخفض ويرفع ويعز ويذل وهو الذي يستحق أن يستعان به ويتوكل عليه ويستعاذ به ويلتجئ العباد إليه ؛ فإنه لا مانع لما أعطى ولا معطي لما منع ولا ينفع ذا الجد منه الجد كما قال تعالى في فاتحة الكتاب : { إياك نعبد وإياك نستعين } وقال تعالى : { فاعبده وتوكل عليه } وقال : { قل هو ربي لا إله إلا هو عليه توكلت وإليه متاب } . فهذه المعاني كلها صحيحة وهي من صريح التوحيد وبها جاء القرآن ، فالعباد لا ينبغي لهم أن يخافوا إلا الله كما قال تعالى : { فلا تخشوا الناس واخشون } وقال تعالى : { الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل } { فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء } إلى قوله : { إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه فلا تخافوهم وخافون } . وكذلك لا ينبغي أن يرجى إلا الله قال الله تعالى : { ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من بعده وهو العزيز الحكيم } وقال تعالى : { قل أفرأيتم ما تدعون من دون الله إن أرادني الله بضر هل هن كاشفات ضره أو أرادني برحمة هل هن ممسكات رحمته قل حسبي الله عليه يتوكل المتوكلون } . ولا ينبغي لهم أن يتوكلوا إلا على الله كما قال تعالى : { وعلى الله فليتوكل المتوكلون } . ولا ينبغي لهم أن يعبدوا إلا الله كما قال تعالى : { وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة } . ولا يدعوا إلا الله كما قال تعالى : { وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا } وقال تعالى : { فلا تدع مع الله إلها آخر فتكون من المعذبين } سواء كان دعاء عبادة أو دعاء مسألة .
وأما إن أراد القائل : " ما ثم إلا الله " ما يقوله أهل الاتحاد ؛ من أنه ما ثم موجود إلا الله ويقولون : ليس إلا الله أي ليس موجود إلا الله ويقولون : إن وجود المخلوقات هو وجود الخالق والخالق هو المخلوق والمخلوق هو الخالق والعبد هو الرب والرب هو العبد ونحو ذلك من معاني الاتحادية الذين لا يفرقون بين الخالق والمخلوق ولا يثبتون المباينة بين الرب والعبد ونحو ذلك من المعاني التي توجد في كلام ابن عربي الطائي وابن سبعين وابن الفارض والتلمساني ونحوهم من الاتحادية . وكذلك من يقول بالحلول كما يقوله الجهمية الذين يقولون : إن الله بذاته في كل مكان ويجعلونه مختلطا بالمخلوقات حتى إن هؤلاء يجعلونه في الكلاب والخنازير والنجاسات أو يجعلون وجود ذلك وجوده فمن أراد هذه المعاني فهو ملحد ضال يجب أن يستتاب فإن تاب وإلا قتل ، والله سبحانه وتعالى أعلم .
رد: ما حكم من قال : ليس في الوجود إلا الله ؟
دائمًا وأبدًا الألفاظ المجملة لا ترد مطلقًا ولا تقبل مطلقًا؛ وإنما لا بد من الاستفصال.
بارك الله فيكم شيخنا، ورحم شيخ الإسلام.
رد: ما حكم من قال : ليس في الوجود إلا الله ؟
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمد طه شعبان
دائمًا وأبدًا الألفاظ المجملة لا ترد مطلقًا ولا تقبل مطلقًا؛ وإنما لا بد من الاستفصال.
بارك الله فيكم شيخنا، ورحم شيخ الإسلام.
وفيكم بارك الله أبا أسماء ، ونفع بكم ، كلامك صحيح ، لا سيما في باب العقائد ، فالأمر خطير ليس بالهين .
رد: ما حكم من قال : ليس في الوجود إلا الله ؟
هذا الموضوع ذكرنا بقاعدة مهمة من قواعد أهل السنة في باب العقيد؛ ألا وهي: ((أن الالفاظ المجملة المستحدثة لا تُرَدُّ مطلقًا ولا تقبل مطلقًا؛ وإنما يستفصل عنها، ويُسأل عن معناها))
رد: ما حكم من قال : ليس في الوجود إلا الله ؟
أصدق شعر قالته العرب: " ألا إن كل شئ ما خلا الله باطلُ "
رد: ما حكم من قال : ليس في الوجود إلا الله ؟
وقال ابن القيم رحمه الله في مدارج السالكين :
وأما قوله : وهو الآن على ما كان عليه ، فزيادة في الحديث ليست منه ، بل زادها بعض المتحذلقين ، وهي باطلة قطعا ؛ فإن الله مع خلقه بالعلم والتدبير والقدرة ، ومع أوليائه بالحفظ والكلاءة والنصرة ، وهم معه بالموافقة والمحبة ، وصارت هذه اللفظة مجنا وترسا للملاحدة من الاتحادية فقالوا : إنه لا وجود سوى وجوده أزلا وأبدا وحالا ، فليس في الوجود إلا الله وحده وكل ما تراه وتلمسه وتذوقه وتشمه وتباشره فهو حقيقة الله ، تعالى الله عن إفكهم علوا كبيرا وأما أهل التوحيد فقد يطلقون هذه اللفظة ويريدون بها لفظا صحيحا وهو أن الله سبحانه لم يزل منفردا بنفسه عن خلقه ليس مخالطا لهم ولا حالا فيهم ولا ممازجا لهم ، بل هو بائن عنهم بذاته وصفاته .
وأما الشيخ وأرباب الفناء فقد يعنون معنى آخر أخص من ذلك وهو المشار إليه بقوله : لا يناسم رسمك سبقه أي لا ترى أنك معه ، بل تراه وحده ، ولهذا قال : فتسقط الشهادات وتبطل العبارات وتفنى الإشارات ، يعني أنك إذا لم تشهد معه غيره وأسقطت الغير من الشهود لا من الوجود ، بخلاف ما يقول الملحد الاتحادي إنك تسقط الغير شهودا ووجودا سقطت الشهادات والعبارات والإشارات ل؛ إنها صفات العبد المحدث المخلوق والفناء يوجب إسقاطها والمعنى أن الواصل إلى هذا المقام لا يرى مع الحق سواه فيمحو السوى في شهوده وعند الملحد يمحوه من الوجود ، والله أعلم وهو الموفق .