عرض للطباعة
عن ابي هريرة رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: "خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى وابدأ بمن تعول" متفق عليه
جزاء الله من دلنا على شرح وافي لهذا الحديث او شرحه لنا.
وكيف نوفق بينه وبين قوله تعالى: (ويؤثرون على انفسهم ولو كان بهم خصاصة)
وحديث: "افضل الصدقة أن تصدق وأنت صحيح شحيح، تأمل العيش وتخاف الفقر"
معناه : أفضل الصدقة ما بقي صاحبها بعدها مستغنيا بما بقي معه ، وتقديره : أفضل الصدقة ما أبقت بعدها غنى يعتمده صاحبها ويستظهر به على مصالحه وحوائجه ، وقيل معنى الحديث : أفضل الصدقة ما وقع من غير محتاج إلى ما يتصدق به لنفسه أو لمن تلزمه نفقته . قال الخطابي ت 388 : لفظ الظهر يرد في مثل هذا إشباعا للكلام ، والمعنى : أفضل الصدقة ما أخرجه الإنسان من ماله بعد أن يستبقي منه قدر الكفاية ؛ ولذلك قال بعده : وإبدأ بمن تعول . وقال البغوي : المراد غنى يستظهر به على النوائب التي تنوبه .
وبهذا يظهر عدم التعارض بينه وبين الآية ؛ لأنه ينفق ويؤثر غيره على نفسه بحيث يستبقي منه قدرا يكفي ما يقوم به ومن تلزمه نفقتهم حتى لا يضيعهم .
وأما الحديث فلا تعارض بينه وبين الأخر فمعنى الحديث : أن الشح غالب في حال الصحة ، فإذا سمح فيها وتصدق كان أصدق في نيته وأعظم لأجره بخلاف من أشرف على الموت وأيس من الحياة ورأى مصير المال لغيره ، فإن صدقته حينئذ ناقصة بالنسبة إلى حالة الصحة والشح ورجاء البقاء وخوف الفقر وتأمل الغنى أي : تطمع فيه حتى إذا بلغت الحلقوم أي : بلغت الروح ، والمراد قاربت بلوغ الحلقوم ؛ إذ لو بلغته حقيقة لم تصح وصيته ولا صدقته ولا شيء من تصرفاته .
كل هذا شريطة أن لا يضيع نفسه ومن يعول ، والله أعلم بالصواب .
لابن حجرٍ كلامٌ جميل في هذا "الفتح" (3/294):" وَمَنْ تَصَدَّقَ وَهُوَ مُحْتَاجٌ أَوْ أَهْلُهُ مُحْتَاجٌ أَوْ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَالدَّيْنُ أَحَقُّ أَنْ يُقْضَى مِنْ الصَّدَقَةِ وَالْعِتْقِ وَالْهِبَةِ وَهُوَ رَدٌّ عَلَيْهِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُتْلِفَ أَمْوَالَ النَّاسِ وَقال النبي صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أَخَذَ أَمْوَالَ النَّاسِ يُرِيدُ إِتْلاَفَهَا أَتْلَفَهُ اللَّهُ" إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَعْرُوفًا بِالصَّبْرِ فَيُؤْثِرَ عَلَى نَفْسِهِ وَلَوْ كَانَ بِهِ خَصَاصَةٌ كَفِعْلِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حِينَ تَصَدَّقَ بِمَالِهِ وَكَذَلِكَ آثَرَ الأَنْصَارُ الْمُهَاجِرِينَ وَنَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ إِضَاعَةِ الْمَالِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُضَيِّعَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِعِلَّةِ الصَّدَقَةِ وَقَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ مِنْ تَوْبَتِي أَنْ أَنْخَلِعَ مِنْ مَالِي صَدَقَةً إِلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَمْسِكْ عَلَيْكَ بَعْضَ مَالِكَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ قُلْتُ فَإِنِّي أُمْسِكُ سَهْمِي الَّذِي بِخَيْبَرَ " .
وقال " .. أَنَّ التَّصَدُّقَ بِجَمِيعِ الْمَالِ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ فَمَنْ كَانَ قَوِيًّا عَلَى ذَلِكَ يَعْلَمُ مِنْ نَفْسِهِ الصَّبْرَ لَمْ يُمْنَعْ وَعَلَيْهِ يَتَنَزَّلُ فِعْلُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَإِيثَارُ الْأَنْصَارِ عَلَى أَنْفُسِهِمُ الْمُهَاجِرِينَ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَلَا وَعَلَيْهِ يَتَنَزَّلُ لَا صَدَقَةَ إِلَّا عَنْ ظَهْرِ غِنًى وَفِي لَفْظِ أَفْضَلُ الصَّدَقَةِ مَا كَانَ عَنْ ظَهْرِ غِنًى " . "فتح الباري" (11/574) .
الاخوان الفاضلان ابو مالك وابو عاصم
جزاكما الله كل خير وبارك في علمكما