المستحب في صيام يوم عاشوراء!! كتبه فؤاد الحاتم

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فقد استحب العلماء في صيام يوم عاشوراء أمرين:
أحدهما: صيام يوم عاشوراء وحده.
والدليل على ذلك عدة أحاديث، منها حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، فرأى اليهود تصوم عاشوراء، فقال: ما هذا؟ قالوا: هذا يوم صالح، نجى الله فيه موسى وبني اسرائيل من عدوهم، فصامه، فقال:"أنا أحق بموسى منكم" فصامه صلى الله عليه وسلم، وأمر بصيامه. متفق عليه.

والآخر:صيام يوم قبله.
لحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لئن بقيت إلى قابل لأصومنّ التاسع" أخرجه مسلم وأبو داود.

وكره بعض الحنفية إفراد صوم يوم عاشوراء وحده؛ لأنه تشبه باليهود، وجوّزه بعضهم، وهو الصواب. [الكافي لابن عبدالبر ص ١٢٩، مواهب الجليل 2/261، بدائع الصنائع 2/590، رد المحتار لابن عابدين3/391، المغني 3/166، الشرح الكبير 7/522]

واستحب ابن القيم رحمه الله تعالى صيام يوم قبله ويوم بعده، أي ثلاثة أيام. [زاد المعاد 2/76]

استدل ابن القيم بحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صوموا يوم عاشوراء، وخالفوا فيه، وصوموا قبله يوما، و بعده يوما"
والحديث بلفظ: "وبعده" تفرد به شيخ البيهقي علي بن أحمد بن عبدان. [أخرجه البيهقي في السنن الكبرى4/287]

وقد روي الحديث من عدة طرق عن ابن أبي ليلى عن داود بن علي عن أبيه عن جده ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صوموا يوم عاشوراء، وخالفوا فيه، وصوموا قبله يوما، أوبعده يوما" [أخرجه الامام أحمد في المسند 1/241، و الطحاوي في شرح معاني الاثار 2/78، وابن خزيمة في صحيحه 3/290ـ291، والبيهقي في السنن الكبرى 4/287]
بلفظ التخيير "أو بعده" وليس بلفظ الجمع "و بعده" وبينهما فرق في المعنى والحكم.

وحديث داود بن علي هذا أعله البزار، وغيره.

قال البزار: هذا الحديث قد روي عن ابن عباس من وجوه، ولا نعلم روي عن ابن عباس، ولا غير ابن عباس ان النبي صلى الله عليه وسلم أمر ان يصام قبله يوم وبعده يوم، إلا من حديث داود بن علي عن أبيه عن ابن عباس، وقد تقدم ذكرنا لداود اهـ [المسند 11/400]

وقد ضعف البزارُ داودَ بنَ علي، بقوله عنه: لم يكن بالقوي في الحديث، اهـ [المسند 11/395]

وقال الهيثمي: فيه محمد بن أبي ليلى، وفيه كلام اهـ [مجمع الزوائد 3/188ـ189]

و ابن أبي ليلى، هو محمد بن عبدالرحمن بن أبي ليلى الأنصاري، سيء الحفظ مضطرب الحديث، ضعيف جداً باتفاق الأئمة. [تهذيب التهذيب 5/194ـ195]

ناهيكم انه قد روي عن عطاء و عبيدالله بن يزيد كليهما عن ابن عباس موقوفا انه قال: "خالفوا اليهود،وصوموا يوم التاسع والعاشر" [أخرجه عبدا لرزاق في مصنفه 4/287، والطحاوي في شرح معاني الآثار 2/78، والبيهقي في السنن الكبرى 4/287]

وهذا الأثر الموقوف إضافة لما تقدم آنفا يؤكد ضعف حديث صيام يوم قبله او بعده.

و يوافق الحديث المشهور عن ابن عباس في صيام يوم قبله.

فالحديث لا يصح لسببين:
أحدهما: تفرد ابن ابي ليلى، وداود بن علي به.
والآخر: مخالفته لما روي عن ابن عباس موقوفا، وهو راوي الحديث.

والمشهور المعروف عن الأئمة والفقهاء هو صيام عاشوراء، أو صيام يوم قبله.
وأما صيام يوم قبله ويوم بعده فليس معروفا، بل استغرب الرعيني استحباب صيام يوم قبله ويوم بعده، وذكر أنه لم يقف على هذا القول. [مواهب الجليل 2/262]

بناء على ما تقدم فإن الراجح هو صيام يوم عاشوراء، والمتسحب صيام اليوم الذي قبله.
وأما القول بصيام يوم قبله و بعده فقول مرجوح، لعدم ثبوت الحديث الوارد في ذلك، ولعدم وجود من عمل به من السلف.

يستثنى من ذلك ما روي عن الإمام احمد من القول بصيام يوم قبله ويوم بعد عند اشتباه دخول الشهر، ليحصل له صيام التاسع والعاشر يقينا. [المغني 3/174، الشرح الكبير 7/522]
أما إذا لم يشتبه في دخول الشهر فلا يصام يوما قبله و يوما بعده، وإنما يصام وحده، أو يصام قبله يوم، كما تقدم.

ويأتي في بحث آخر إن شاء الله تعالى حكم صيام يوم عاشوراء وحده إذا صادف يوم السبت.

هذا وبالله التوفيق، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.

كتبه راجي عفو ربه
فؤاد بن عبدالله الحاتم
٥/١/١٤٣٣هـ الرياض

٠٠٠