-
أعمال القلوب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وبعد:
يقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} [الأنفال:24]. فالله يقول: {وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} [الأنفال:24]، فدلت الآية على أهمية القلب، وعلى أنه إذا أحيل بين الإنسان وبين قلبه فقد وقع في الهلاك والعياذ بالله، وأن السعادة كل السعادة، وأن الثبات كل الثبات، أن يُبقِى قلبك، وأن يبقى الله سبحانه وتعالى قلبك على الإيمان، وعلى الطمأنينة، وعلى الثبات، فالله سبحانه وتعالى جعل هذا القلب سبب في استقامة الإنسان أو انحرافه والعياذ بالله؛ فلهذا يقول الله تعالى هنا: {وَاعْلَمُواْ} [الأنفال:24]، والأمر يفيد الوجوب: {أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ} [الأنفال:24]، يجعل بينه وبين قلبه حائل، قد يكون هذا الحائل هو الختم الذي ذكره الله، وقد يكون هو الران أو الطبع أو غير ذلك من الصفات التي ذكرها الله تعالى. المهم أن نعرف أن الله إذا غضب فإنه يحول بين المرء وقلبه، وأمرنا أن نعلم، وأن هذا من جملة العلوم النافعة، أن نعلم أن الله يحول بين المرء وقلبه، ومن ثم فالله جل جلاله يفعل ذلك لأسباب يتصف بها القلب، وأن نعلم أن للقلب أعمال. ودرسنا هو في أعمال القلوب، وهذا يجعلنا نتساءل، وهذا مبنى على أن نعرف ما هو العمل؟ ما حقيقة العمل؟ وأكثر الناس لا يفهمون من العمل إلا عمل الجوارح، ولكن في الحقيقة للقلوب أعمال؛ ولهذا ثبت في صحيح البخاري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل أي العمل أفضل؟ قال: «إيمان بالله ورسوله». فسمى الإيمان عمل، وهو من أعمال القلوب، وبهذا تبين أن العمل في اللغة قد يطلق على الاعتقاد، والتصور أنه عمل، وعلى الجوارح، وعلى الترك أيضاً يسمى عمل، كما قال الصحابة والنبي يحفر الخندق: لئن قعدنا والنبي يعمل *** لذاك منا العمل المضلل فسموا قعودهم عملاً، "لئن قعدنا والنبي يعمل لذاك منا" وهو القعود العمل المضلل، وقال تعالى في سورة المائدة، وقد ذكر اليهود وأهل الكتاب: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ * كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ} [المائدة:78-79]، فسمى عدم تناهيهم عملاً، {كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ} بمعنى: تركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فسماه الله عملاً {لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ}. وأيضاً سمى القرآن القول عملاً، على خلاف ما هو مشهور عند الناس، فالعمل هو كسب الجوارح، قال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ} [الأنعام:112]، فسمى القول فعلاً {زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ}. إذاً العمل في اللغة العربية وفي لغة القرآن والسنة يشمل عمل القلب، وعمل اللسان، وعمل الجوارح، وبالنسبة لأعمال القلوب تنقسم كأعمال الجوارح إلى أعمال محمودة وإلى مذمومة، ويأتي نصيب القلوب من الأعمال على أفضل الأعمال، وأهمها أعمال الجوارح واللسان، إذا لم يكن ذلك العمل القلبي أساساً لتلك الأعمال، ولهذا كما سمعتم في الحديث عن النعمان بن بشير رضي الله عنه في الصحيحين: «الحلال بين، والحرام بين، وبينهما أمور مشتبهات، لا يعلمها كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام، كالراعي يرعى حول الحمى، يوشك أن يواقعه، ألا وإن لكل ملك حمى، ألا وإن حمى الله في أرضه محارمه، ألا وإن في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب». إذا عرفنا هذا فلنبدأ أولاً بأعمال القلوب المحمود. أعمال القلوب المحمودة: من أعمال القلوب: توحيد الله وإفراده بالعبادة أولها أيها الأخوة في الله التوحيد، أعظم واجب فرضه الله على عباده الأولين والآخرين، هو توحيد الله، إفراد الله بالعبادة، وإفراد الله بالقصد والتعظيم، وإفراده بالإجلال وبالتكبير والإكبار، إفراده بهذه الصفات، هذا وحده هو عمل القلب. من أعمال القلوب: الإيمان وكذلك من أعمال القلوب: الإيمان، ويختلف مسماها باختلاف المعنى، وإن كان المقصود والمؤدى واحد، فالتوحيد يشير إلى معنى التوحد والتفرد، وهو إفراد الرب بالعبادة، والإيمان يشير إلى قوة التصديق، وقوة الانقياد والاستسلام لله، والطاعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول تعالى: {وَلاَ يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَن يَضُرُّواْ اللّهَ شَيْئاً يُرِيدُ اللّهُ أَلاَّ يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [آل عمران:176]. فجعل أعمالهم كفراً وإن تظاهرت أقوالهم بالإيمان، فهم يسارعون بالكفر، فجعل أعمالهم كفر: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لاَ يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ} [المائدة:41]، يعني: جملة من الأعمال، يعني اعتبرها كفراً: {مِنَ الَّذِينَ قَالُواْ آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ} [المائدة:41]، فجعل عدم إيمانهم القلبي، وجعل أعمالهم الظاهرة ولو صرحوا بألسنتهم بالتوحيد والإيمان أو أي عمل صالح يفعلونه، لكن لما لم يرتبط ذلك العمل بالإيمان، جعل تلك الأعمال مسارعة في الكفر: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لاَ يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُواْ آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ} [المائدة:41]. إذاً من أعمال القلوب الإيمان، ومن العجيب أن الله تعالى علق صلاح الدنيا والأمور الكونية على إيمان هذا القلب، فكيف لا تصلح الجوارح والأعضاء، ما دام القلب صالحاً؟! يعني الله تعالى جعل صلاح الكون بصلاح القلب، فقال تعالى وهو يبين الإيمان عمل قلبي، بين تعالى فقال: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ} [الأعراف:96].. الإيمان عمل قلبي: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ} [الأعراف:96]. فجعل ما في القلوب من الإيمان والتقوى جعل له تأثير من الأشياء الكونية في السماوات، في الأمور الطبيعية، {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ} هي من أعمال القلوب كما سيأتي، وكما قال تعالى: {ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ} [الحج:32]. فقال سبحانه: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ} [الأعراف:96]، وقال: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُواْ وَاتَّقَوْاْ لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأدْخَلْنَاهُ مْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ * وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيهِم مِّن رَّبِّهِمْ لأكَلُواْ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم مِّنْهُمْ أُمَّةٌ مُّقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ سَاء مَا يَعْمَلُونَ} [المائدة: 65-66].
لمتابعة بقية الموضوع على الرابط:
http://olamaa-yemen.net/main/article...ticle_no=14515