بسم الله الرحمن الرحيم .
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبيَّ بعده , وعلى آل بيتِه الأطهار , وصحابته الأبرار , والتابعين لهم بإحسان , وبعد :
فإنّنا قد بحثنا في مسألة : " الخلاف في تقديم اليدين أو الركبتين عند السُجود " , وقد وجدنا الآتي :
" مناقشة العلّامة الألباني للأدلّة التي أوردها ابن القيِّم _ رحمهما الله _ والتي قال فيها: بتقديم الركبتين على اليديْن " يقول الألباني _رحمه الله_:
لولاأن هذا السؤال تكرر فعلا عشرات المرات ولولا كثرة الابتلاء,أيضا بمخالفة السنة الصحيحة لما فرّغنا أنفسنا للإجابة على رغبة السائل التي هي مناقشة أدلة ابن القيم ،وابن القيم قد كتب نحو أربع صفحات في هذه المسالة وأطال فيها النفس جدا كما هو شأنه في كثير من المسائل ولكنه مع الأسف الشديد في هذه المسالة كان بعيداً كل البعد عن تحقيق الصواب فيها ووجدت له عذراً في ذلك حيث أنه ذكر في مقدمة الكتاب وهذا ما ذكره في الواقع وحده يكفي ليدلّنا على كون هذا الرجل علّامة وإن أخطأ في بعض المسائل وقد ألّف هذا الكتاب وهو مسافر فلا غرابة في أن يقع في مثل هذه الأوهام التي سننبه عليها الآن إن شاء الله، يقول في مطلع هذه المسألة:
(وكان صلى الله عليه وسلم يَضَعُ رُكبتيه قبل يديه، ثمَّ يديه بعدهما، ثم جبهتَه وأنفَه، هذا هو الصحيح الذي رواه شريك، عن عاصم بن كليب، عن أبيه، عن وائل بن حُجر: رأيتُ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم إذا سجد، وضع ركبتيه قبل يديه، وإذا نهض، رفع يديه قبل ركبتيه، ولم يُرو في فعله ما يُخَالِفُ ذلك.)
هنا نلاحظ في هذه الكلمات القصيرة نلاحظ أمرين اثنين غريبين جدا :
الأمر الأول :يقول هذا هو الصحيح الذي رواه شريك بإسناده الذي ذكره، شريك هذا هو شريك بن عبدالله القاضي وهو معروف عند علماء الجرح والتعديل بأنه ضعيف بسبب سوء حفظه ،وطبعا الوقت لا يتسع لنقرأ عليكم كلمات الأئمة في تجريح هذا الراوي وهو شريك ولكن نكتفي بنقلين اثنين :
النقل الأول : هو أن ممن أخرج هذا الحديث الحافظ الإمام الدارقطني في سننه ولما انتهى من سياق إسناده ومتنه قال (وشريك ليس بالقوي )، فهذا أحد مخرِّجي الحديث يضعف هذا الحديث ويعلله بأنّ شريكاً هذا ليس قوياً في الحديث
ثم نقل آخر ننقله مباشرة من كتاب لأحد المؤلفين الذين لا يشك مبتدئ في علم الحديث فضلاً عن غيره بأنّ له قدم صدق في هذا العلم ألا وهو العلم بالجرح والتعديل وأعني بذلك الحافظ أحمد بن حجر العسقلاني فاسمعوا قوله فيه يقول : (صدوق يخطئ كثيرا ،تغير حفظه مُنذ ولَّي القضاء بالكوفة وكان عادلاً فاضلاً عابداً شديداً على أهل البدع )
هذه ترجمة الحافظ بن حجر لشريك بن عبد الله القاضي راوي هذا الحديث فهو يعطيه ما يستحق من الفضل من العبادة من الصلاح ومن نحو ذلك, وأهمّه فيما يتعلق بعلم الحديث الصدق فإنه لا يكذب ولكنه غلب على أمره فكان يخطئ كثيرا ،وتغير حفظه –أي ازداد سوءا –حينما ولي القضاء بالكوفة وهذا أمر طبيعي معروف أن كل عالم اتجه إلى ناحية قوي فيها وعلى العكس من ذلك ضعف في النواحي الأخرى التي انصرف عنها، فنستغرب بعد هذا قول ابن القيم الجوزية ب(هذا هو الصحيح الذي رواه شريك ) وشريك لا يروي الصحيح لأنه ضعيف الحفظ لذلك ذكر الحافظ الذهبي نفسه في خاتمة ترجمة شريك هذا من كتابه الميزان (ميزان الاعتدال في نقد الرجال )قال : (واخرج مسلم له متابعة )يعني أن مسلماً لم يحتج بشريك وذلك لسوء حفظه وإنما روى له مقروناً أو متابعة من غيره ،كلمة المتابعة وحدها تكفي المشتغل بهذا العلم أن يعلم أن الراوي لا يُحتج بحديثه حتّى يأتي من يتابعه أو من يقاربه في رواية الحديث نفسه والواقع هاهنا أن شريكاً تفرَّد بهذا الحديث هذا أول ما يؤخذ على الإمام ابن القيم في الجملة السابقة، والشيء الثاني والأخير قوله (ولم يُرو في فعله ما يُخَالِفُ ذلك.) هذا سبق قلم لانشغال الرجل بقضية كتابه أثناء السفر لماذا ؟ لأنه هناك حديثاً أظن أنه ذكره هو نفسه وهو حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه و على آله وسلم كان يضع يديه قبل ركبتيه هو نفسه أورد هذا الحديث وسيأتي الكلام في محله إن شاء الله فيستغرب قوله انه لم يرد في فعله ما يخالف ذلك.
ثمَّ يقول ابن القيم مجيباً عن سؤال يرد في خاطر الدارس لكتابه فيقول (وأما حديثُ أبي هريرة يرفعه: (إِذَا سَجَدَ أَحَدُكُمْ، فلا يبرك كما يبرك البعير وليضع يديه قبل ركبتيه) يجيب عن هذا الحديث الصريح في مخالفة حديث وائل الذي ادّعى ابن القيم أنه هو الصحيح فيعارضه حديث أبو هريرة مرفوعا عن النبي عليه الصلاة والسلام ومن قوله (إِذَا سَجَدَ أَحَدُكُمْ، فلا يبرك كما يبرك البعير)أي لا يضع ركبتيه قبل يديه لأنه يقول عليه الصلاة والسلام في تمام الحديث (وليضع يديه قبل ركبتيه)اسمعوا جواب ابن القيم فانه في مطلعه تشعرون بضعفه فيقول:
( فالحديث واللّه أعلم - قد وقع فيه وهم من بعض الرواة، فإن أوَّله يُخالف آخره فانه إذا وضع يديه قبل ركبتيه فقد برك كما يبرك البعير فإن البعير إنما يضع يديه أولا )
هذه شبهة كل الناس وكأنها شبهة ليست مستوحاة فقط من كلام ابن القيم بل شبهة تغلب على عامة الناس الذين لا يشاهدون البعير حين هويه دائما وأبداً فنناقش ابن القيم في هذه الدعوى: هو يقول أنّ البعير يضع يديه أولا فنحن نتذكر الحقيقة المشاهدة دائما وأبداً أنَّ البعير ككل الحيوانات ذوات الأربع يمشي على أربع فهو لا يتصور أن يقاس به الإنسان أو هو يقاس بالإنسان ،الإنسان يمشي على رجلين أما البعير فهو يمشي على أربع ولذلك فقوله بأن البعير أول ما يضع إذا برك يضع يديه هنا في قفزة أو في غفلة لأننا نقول البعير هل هو حينما يمشي يكون غير واضع لرجليه ؟طبعا لا يقول إنسان غير واضع لرجليه هو واضع رجليه ،طيب هل يمشي وهو غير واضع يديه ؟الجواب نفسه هو يمشي واضع يديه ورجليه فهو يمشي على أربع إذاً للانتباه لهذا الخطأ والغريب العجيب يجب أن نتهيأ للإجابة عن سؤال بسيط جدا ومع ذلك فالناس أكثرهم غافلون عن الإجابة الصحيحة عليه إذا برك البعير ما هو أول شيء يتلقى الأرض به من بدنه ؟لا يصح أنّ يقول يداه لا ن يديه موضوعتان كرجليه إذا ما هو أول شيء يتلقى به الأرض البعير إذا برك ؟الركبتان، لا يصح أن يقال اليدان كما يقول ابن القيم أنَّ البعير أول ما يبرك إنّما يضع يديه غلط هذا لأنه هو واضعهما الأبد من يوم يسقط من بطن أمه يقع على أربع لا يمينا ولا يسارا ثم يمشي هكذا فهو يمشي على أربع كيف يقال إذا برك أول ما يضع يضع يديه وهما موضوعتان ؟إذا الجواب الصحيح إذا برك البعير فأول ما يضع ولا نقول ركبتيه الآن لأن هنا فيه مناقشة من نفس المصنف وسنناقشه في ذلك ،إنما نقول إنما يضع على الأرض أول ما يبرك المفصل الذي في مقدمتيه ،هذا المفصل ما اسمه ؟علماء اللغة والحديث والسيرة النبوية كلهم مطبقون على أن هذين المفصلين في مقدمتي البعير هما الركبتان لكن المصنف لا يسلم بهذا فاسمعوا قوله تماما لكلامه السابق:
قال: (ولما علم أصحاب هذا القول –يعني الذين يقولون بالحديث الثاني الذي قال أن فيه وهم وهو حديث أبي هريرة (وليضع يديه قبل ركبتيه) –ذلك قالوا ركبتا البعير في يديه لا في رجليه فهو إذا برك وضع ركبتيه أولا وهذا هو المنهي عنه )
فعلاً ابن القيم يحكي رأي علماء الحديث وعلماء اللغة وغيرهم ممن ذكرنا أنّهم يقولون ركبتا البعير في يديه وهو إذا برك وضع ركبتيه أولا فهذا هو المنهي عنه ،يرد هذه الدعوى من وجوه فيقول :
(وهو فاسد لوجوه:
أحدها: أن البعير إذا برك، فإنه يضع يديه أولاً، وتبقى رجلاه قائمتين، فإذا نهض، فإنه ينهض برجليه أولاً، وتبقى يداه على الأرض، وهذا هو الذي نهى عنه صلى الله عليه وسلم،وفعل خلافه)
هنا اخذ المؤلف ابن القيم رحمه الله جانباً آخر يعالج الرد على القائلين بوضع الكفين قبل الركبتين ،ترك موضوع وضع الكفين قبل أم الركبتين ؟وأخذ ظاهرة أخرى وهذه في الواقع تحتاج إلى تمثيل فأفسحوا للأستاذ علي شويه (قليلا)خل يوريكم (يُريكم)الصورة التي يعنيها ابن القيم وهي ليست واردة على الذين يقولون بوضع اليدين قبل الركبتين ،يعني ابن القيم يتصور أن دلالة الحديث إنما تعني سجود إنسان عاجز بالمرة كيف يسجد العاجز ؟(كلام غير واضح)صار إيش مؤخرته ؟صارت فوق رأسه ،هيك عم يتصور ابن القيم ،صحيح هذه الظاهرة تشبه بروك البعير تماما لاحظتم كيف؟لكن هذه قضية غير ما نحن فيه فنحن نستطيع أن ندفع الشبهة شبهة ابن القيم نقول مش ضروري أن يعلوا دبر الساجد رأسه فهذا الشيء الذي ينكره ابن القيم وبه يرد الحديث نحن نستطيع أن نجمع بين ظاهر حديث (وليضع يديه قبل ركبتيه) ونرفض الصورة التي يردها ابن القيم ونحن نردها معه ،الآن أُسجد السجود الذي نحن نطبقه(الشيخ مخاطبا احد الحضور) ،يعني الفرق بيننا وبين الذين يسجدون على ركبهم لا فرق بيننا وبينهم من حيث أن نحن بصير مؤخرتنا فوق رأسنا وإنما أول ما نتلقى الأرض نتلقاها بالكفين بدل تلقيهم بالركبتين ،إذاً هذا الإيراد أظن واضح لكم جميعا إيراد ابن القيم ما هو وارد على الحديث لأنه هو يتصور أنه يلزم من وضع اليدين قبل الركبتين أن يسجد هكذا مؤخرته فوق رأسه هذا مش (غير) لازم كل ما في الأمر أن الساجد بدل أن يتلقى الأرض بركبتيه ويصير تحت منه بسبب سجوده رجة تشبه رجة الجمل لا سيما اذا كان محمل بالأثقال بدل هذه الظاهرة التي لا تليق بالهدوء والاطمئنان في الصلاة يتلقى هذا الساجد الأرض بكفيه فتندفع حينئذ تلك الرجة وتلك الصدمة في الأرض ،إذاً لا نختلف نحن وابن القيم وكل من يخالف هذا الحديث الصحيح حديث ابي هريرة (وليضع يديه قبل ركبتيه) لانختلف معه بأنه لا ينبغي أن يسجد بحيث أنه يصير رأسه في الأرض ودبره فوق منه هذا, نحن متفقين معه بأنه غير مشروع لأنّه من جهة أخرى فيه مشابهة بالبعير ،لكن نحن نقول له ماذا تقول في هذه الهيئة التي رأيتموها لم يعلوا دبره رأسه وهذا الذي ينكره ابن القيم إنما تلقى الأرض بكفيه ،هذا هو صريح حديث (إِذَا سَجَدَ أَحَدُكُمْ، فلا يبرك كما يبرك البعير وليضع يديه قبل ركبتيه)لأن البعير يتلقى الأرض بركبتيه ولا يمكنه سوى ذلك أما الإنسان فهو كما أخبر تعالى أنّه خلقه في أحسن تقويم فهو يستطيع التصرف أكثر من الحيوان فهو يستطيع أن يبرك على ركبتيه ويستطيع أن يبرك على يديه ،فنهى الرسول صلوات الله وسلامه عليه المصلّي أن يشابه البعير بتلقيه الأرض بركبتيه ،فهذا جواب الاستشكال أو إيراد ابن القيم على الذين قالوا بحديث أبي هريرة(وليضع يديه قبل ركبتيه).
بعدين يقول ( وهذا هو الذي نهى عنه صلى الله عليه وسلم ) نقول لا ،لو كان الحديث فقط (إِذَا سَجَدَ أَحَدُكُمْ، فلا يبرك كما يبرك البعير)وبس كان ممكن أن يُقال باسم الإشارة ثم الحصر هذا هو الذي نهى عنه الرسول عليه الصلاة والسلام ،نحن نقول لا هو بين الذي نهى عنه فقال : (وليضع يديه قبل ركبتيه)فما هو المنهي عنه؟وضع الركبتين قبل اليدين لأن المأمور به هو العكس وضع اليدين قبل الركبتين ،إذاً قوله هذا هو المنهي عنه هو رد للشطر الثاني من الحديث وهو (وليضع يديه قبل ركبتيه) لكن عذر ابن القيم في الواقع هو يقول أن في الحديث وهم سيأتي في تمام كلامه أنّه يقول أراد الراوي أن يقول وليضع ركبتيه قبل يديه فوهم وقال(وليضع يديه قبل ركبتيه) هذا وجهة نظر ابن القيم حينما يقول هذا هو الذي نهى عنه الرسول عليه الصلاة والسلام وهو أن يسجد رأسه منخفض عن وسطه ،نقول الحديث واضح حيث قال (وليضع يديه قبل ركبتيه).
ثم يقول: (وكان-يعني الرسول عليه الصلاة والسلام- أول ما يقع منه على الأرض الأقربُ منها فالأقربُ) هنا هذه اللفظة بالضبط ليس لها صحّة وإنما هي خلاصة حديث وائل بن حجر الذي ذكره آنفا من طريق شريك وقد عرفتم ضعفه ، ثم عطف على ذلك وقال (وأول ما يرتفع عن الأرض منها الأعلى فالأعلى) هذا يعني به رد حديث آخر صحيح وهو أنَّ النبي صلى الله عليه و على آله وسلم كان إذا نهض في وتر من صلاته نهض معتمدا على يديه ،مثل بقيّة النهوض على الوجه الصحيح و النهوض على الوجه غير الصحيح (الشيخ مخاطبا احد الحضور) (ثم كلام غير واضح ثم استأنف الشيخ قائلا )هذا بناء على حديث وائل بن حجر هذه الصورة الثانية بناء على حديث وائل بن حجر الضعيف الذي تفرد بروايته شريك ،وهنا تجدون كيف أن الحديث الضعيف يخالف الأحاديث الصحيحة وليس حديثا واحداً، فحديث شريك له طرفان الطرف الأول يتعلق بكيفية الهوي إلى السجود والطرف الآخر يتعلق بكيفية النهوض من السجود ،فحديث شريك بطرفه الأول خالف حديثين اثنين ذكر حتى الآن احدهما ابن القيم وهو ((إِذَا سَجَدَ أَحَدُكُمْ، فلا يبرك كما يبرك البعير وليضع يديه قبل ركبتيه) الطرف الآخر من حديث وائل يخالف حديثاً في صحيح البخاري وهو حديث مالك بن الحويرث (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا نهض في وتر من صلاته قام معتمداً على يديه ) بينما حديث وائل يقول قام معتمداً علي ركبتيه وعلى رؤوس أصابع قدميه، فإذاً حديث وائل بن حجر في كل من طرفيه يخالف أحاديث صحيحة ،لذلك فقول ابن القيم أنّه كان يقوم الأعلى فالأعلى هذا مخالف لحديث البخاري.
ثم قال تأكيدا وتفصيلا لحديث وائل بن حجر (وكان يضع ركبتيه أولاً، ثم يديه، ثم جبهتَه. وإذا رفع، رفع رأسه أولاً ثم يديه، ثم ركبتيه، وهذا عكسُ فعل البعير)
بسم الله الرحمن الرحيم .
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبيَّ بعده , وعلى آل بيتِه الأطهار , وصحابته الأبرار , والتابعين لهم بإحسان , وبعد :
فإنّنا قد بحثنا في مسألة : " الخلاف في تقديم اليدين أو الركبتين عند السُجود " , وقد وجدنا الآتي :
" مناقشة العلّامة الألباني للأدلّة التي أوردها ابن القيِّم _ رحمهما الله _ والتي قال فيها: بتقديم الركبتين على اليديْن " يقول الألباني _رحمه الله_:
لولاأن هذا السؤال تكرر فعلا عشرات المرات ولولا كثرة الابتلاء,أيضا بمخالفة السنة الصحيحة لما فرّغنا أنفسنا للإجابة على رغبة السائل التي هي مناقشة أدلة ابن القيم ،وابن القيم قد كتب نحو أربع صفحات في هذه المسالة وأطال فيها النفس جدا كما هو شأنه في كثير من المسائل ولكنه مع الأسف الشديد في هذه المسالة كان بعيداً كل البعد عن تحقيق الصواب فيها ووجدت له عذراً في ذلك حيث أنه ذكر في مقدمة الكتاب وهذا ما ذكره في الواقع وحده يكفي ليدلّنا على كون هذا الرجل علّامة وإن أخطأ في بعض المسائل وقد ألّف هذا الكتاب وهو مسافر فلا غرابة في أن يقع في مثل هذه الأوهام التي سننبه عليها الآن إن شاء الله، يقول في مطلع هذه المسألة:
(وكان صلى الله عليه وسلم يَضَعُ رُكبتيه قبل يديه، ثمَّ يديه بعدهما، ثم جبهتَه وأنفَه، هذا هو الصحيح الذي رواه شريك، عن عاصم بن كليب، عن أبيه، عن وائل بن حُجر: رأيتُ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم إذا سجد، وضع ركبتيه قبل يديه، وإذا نهض، رفع يديه قبل ركبتيه، ولم يُرو في فعله ما يُخَالِفُ ذلك.)
هنا نلاحظ في هذه الكلمات القصيرة نلاحظ أمرين اثنين غريبين جدا :
الأمر الأول :يقول هذا هو الصحيح الذي رواه شريك بإسناده الذي ذكره، شريك هذا هو شريك بن عبدالله القاضي وهو معروف عند علماء الجرح والتعديل بأنه ضعيف بسبب سوء حفظه ،وطبعا الوقت لا يتسع لنقرأ عليكم كلمات الأئمة في تجريح هذا الراوي وهو شريك ولكن نكتفي بنقلين اثنين :
النقل الأول : هو أن ممن أخرج هذا الحديث الحافظ الإمام الدارقطني في سننه ولما انتهى من سياق إسناده ومتنه قال (وشريك ليس بالقوي )، فهذا أحد مخرِّجي الحديث يضعف هذا الحديث ويعلله بأنّ شريكاً هذا ليس قوياً في الحديث
ثم نقل آخر ننقله مباشرة من كتاب لأحد المؤلفين الذين لا يشك مبتدئ في علم الحديث فضلاً عن غيره بأنّ له قدم صدق في هذا العلم ألا وهو العلم بالجرح والتعديل وأعني بذلك الحافظ أحمد بن حجر العسقلاني فاسمعوا قوله فيه يقول : (صدوق يخطئ كثيرا ،تغير حفظه مُنذ ولَّي القضاء بالكوفة وكان عادلاً فاضلاً عابداً شديداً على أهل البدع )
هذه ترجمة الحافظ بن حجر لشريك بن عبد الله القاضي راوي هذا الحديث فهو يعطيه ما يستحق من الفضل من العبادة من الصلاح ومن نحو ذلك, وأهمّه فيما يتعلق بعلم الحديث الصدق فإنه لا يكذب ولكنه غلب على أمره فكان يخطئ كثيرا ،وتغير حفظه –أي ازداد سوءا –حينما ولي القضاء بالكوفة وهذا أمر طبيعي معروف أن كل عالم اتجه إلى ناحية قوي فيها وعلى العكس من ذلك ضعف في النواحي الأخرى التي انصرف عنها، فنستغرب بعد هذا قول ابن القيم الجوزية ب(هذا هو الصحيح الذي رواه شريك ) وشريك لا يروي الصحيح لأنه ضعيف الحفظ لذلك ذكر الحافظ الذهبي نفسه في خاتمة ترجمة شريك هذا من كتابه الميزان (ميزان الاعتدال في نقد الرجال )قال : (واخرج مسلم له متابعة )يعني أن مسلماً لم يحتج بشريك وذلك لسوء حفظه وإنما روى له مقروناً أو متابعة من غيره ،كلمة المتابعة وحدها تكفي المشتغل بهذا العلم أن يعلم أن الراوي لا يُحتج بحديثه حتّى يأتي من يتابعه أو من يقاربه في رواية الحديث نفسه والواقع هاهنا أن شريكاً تفرَّد بهذا الحديث هذا أول ما يؤخذ على الإمام ابن القيم في الجملة السابقة، والشيء الثاني والأخير قوله (ولم يُرو في فعله ما يُخَالِفُ ذلك.) هذا سبق قلم لانشغال الرجل بقضية كتابه أثناء السفر لماذا ؟ لأنه هناك حديثاً أظن أنه ذكره هو نفسه وهو حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه و على آله وسلم كان يضع يديه قبل ركبتيه هو نفسه أورد هذا الحديث وسيأتي الكلام في محله إن شاء الله فيستغرب قوله انه لم يرد في فعله ما يخالف ذلك.
ثمَّ يقول ابن القيم مجيباً عن سؤال يرد في خاطر الدارس لكتابه فيقول (وأما حديثُ أبي هريرة يرفعه: (إِذَا سَجَدَ أَحَدُكُمْ، فلا يبرك كما يبرك البعير وليضع يديه قبل ركبتيه) يجيب عن هذا الحديث الصريح في مخالفة حديث وائل الذي ادّعى ابن القيم أنه هو الصحيح فيعارضه حديث أبو هريرة مرفوعا عن النبي عليه الصلاة والسلام ومن قوله (إِذَا سَجَدَ أَحَدُكُمْ، فلا يبرك كما يبرك البعير)أي لا يضع ركبتيه قبل يديه لأنه يقول عليه الصلاة والسلام في تمام الحديث (وليضع يديه قبل ركبتيه)اسمعوا جواب ابن القيم فانه في مطلعه تشعرون بضعفه فيقول:
( فالحديث واللّه أعلم - قد وقع فيه وهم من بعض الرواة، فإن أوَّله يُخالف آخره فانه إذا وضع يديه قبل ركبتيه فقد برك كما يبرك البعير فإن البعير إنما يضع يديه أولا )
هذه شبهة كل الناس وكأنها شبهة ليست مستوحاة فقط من كلام ابن القيم بل شبهة تغلب على عامة الناس الذين لا يشاهدون البعير حين هويه دائما وأبداً فنناقش ابن القيم في هذه الدعوى: هو يقول أنّ البعير يضع يديه أولا فنحن نتذكر الحقيقة المشاهدة دائما وأبداً أنَّ البعير ككل الحيوانات ذوات الأربع يمشي على أربع فهو لا يتصور أن يقاس به الإنسان أو هو يقاس بالإنسان ،الإنسان يمشي على رجلين أما البعير فهو يمشي على أربع ولذلك فقوله بأن البعير أول ما يضع إذا برك يضع يديه هنا في قفزة أو في غفلة لأننا نقول البعير هل هو حينما يمشي يكون غير واضع لرجليه ؟طبعا لا يقول إنسان غير واضع لرجليه هو واضع رجليه ،طيب هل يمشي وهو غير واضع يديه ؟الجواب نفسه هو يمشي واضع يديه ورجليه فهو يمشي على أربع إذاً للانتباه لهذا الخطأ والغريب العجيب يجب أن نتهيأ للإجابة عن سؤال بسيط جدا ومع ذلك فالناس أكثرهم غافلون عن الإجابة الصحيحة عليه إذا برك البعير ما هو أول شيء يتلقى الأرض به من بدنه ؟لا يصح أنّ يقول يداه لا ن يديه موضوعتان كرجليه إذا ما هو أول شيء يتلقى به الأرض البعير إذا برك ؟الركبتان، لا يصح أن يقال اليدان كما يقول ابن القيم أنَّ البعير أول ما يبرك إنّما يضع يديه غلط هذا لأنه هو واضعهما الأبد من يوم يسقط من بطن أمه يقع على أربع لا يمينا ولا يسارا ثم يمشي هكذا فهو يمشي على أربع كيف يقال إذا برك أول ما يضع يضع يديه وهما موضوعتان ؟إذا الجواب الصحيح إذا برك البعير فأول ما يضع ولا نقول ركبتيه الآن لأن هنا فيه مناقشة من نفس المصنف وسنناقشه في ذلك ،إنما نقول إنما يضع على الأرض أول ما يبرك المفصل الذي في مقدمتيه ،هذا المفصل ما اسمه ؟علماء اللغة والحديث والسيرة النبوية كلهم مطبقون على أن هذين المفصلين في مقدمتي البعير هما الركبتان لكن المصنف لا يسلم بهذا فاسمعوا قوله تماما لكلامه السابق:
قال: (ولما علم أصحاب هذا القول –يعني الذين يقولون بالحديث الثاني الذي قال أن فيه وهم وهو حديث أبي هريرة (وليضع يديه قبل ركبتيه) –ذلك قالوا ركبتا البعير في يديه لا في رجليه فهو إذا برك وضع ركبتيه أولا وهذا هو المنهي عنه )
فعلاً ابن القيم يحكي رأي علماء الحديث وعلماء اللغة وغيرهم ممن ذكرنا أنّهم يقولون ركبتا البعير في يديه وهو إذا برك وضع ركبتيه أولا فهذا هو المنهي عنه ،يرد هذه الدعوى من وجوه فيقول :
(وهو فاسد لوجوه:
أحدها: أن البعير إذا برك، فإنه يضع يديه أولاً، وتبقى رجلاه قائمتين، فإذا نهض، فإنه ينهض برجليه أولاً، وتبقى يداه على الأرض، وهذا هو الذي نهى عنه صلى الله عليه وسلم،وفعل خلافه)
هنا اخذ المؤلف ابن القيم رحمه الله جانباً آخر يعالج الرد على القائلين بوضع الكفين قبل الركبتين ،ترك موضوع وضع الكفين قبل أم الركبتين ؟وأخذ ظاهرة أخرى وهذه في الواقع تحتاج إلى تمثيل فأفسحوا للأستاذ علي شويه (قليلا)خل يوريكم (يُريكم)الصورة التي يعنيها ابن القيم وهي ليست واردة على الذين يقولون بوضع اليدين قبل الركبتين ،يعني ابن القيم يتصور أن دلالة الحديث إنما تعني سجود إنسان عاجز بالمرة كيف يسجد العاجز ؟(كلام غير واضح)صار إيش مؤخرته ؟صارت فوق رأسه ،هيك عم يتصور ابن القيم ،صحيح هذه الظاهرة تشبه بروك البعير تماما لاحظتم كيف؟لكن هذه قضية غير ما نحن فيه فنحن نستطيع أن ندفع الشبهة شبهة ابن القيم نقول مش ضروري أن يعلوا دبر الساجد رأسه فهذا الشيء الذي ينكره ابن القيم وبه يرد الحديث نحن نستطيع أن نجمع بين ظاهر حديث (وليضع يديه قبل ركبتيه) ونرفض الصورة التي يردها ابن القيم ونحن نردها معه ،الآن أُسجد السجود الذي نحن نطبقه(الشيخ مخاطبا احد الحضور) ،يعني الفرق بيننا وبين الذين يسجدون على ركبهم لا فرق بيننا وبينهم من حيث أن نحن بصير مؤخرتنا فوق رأسنا وإنما أول ما نتلقى الأرض نتلقاها بالكفين بدل تلقيهم بالركبتين ،إذاً هذا الإيراد أظن واضح لكم جميعا إيراد ابن القيم ما هو وارد على الحديث لأنه هو يتصور أنه يلزم من وضع اليدين قبل الركبتين أن يسجد هكذا مؤخرته فوق رأسه هذا مش (غير) لازم كل ما في الأمر أن الساجد بدل أن يتلقى الأرض بركبتيه ويصير تحت منه بسبب سجوده رجة تشبه رجة الجمل لا سيما اذا كان محمل بالأثقال بدل هذه الظاهرة التي لا تليق بالهدوء والاطمئنان في الصلاة يتلقى هذا الساجد الأرض بكفيه فتندفع حينئذ تلك الرجة وتلك الصدمة في الأرض ،إذاً لا نختلف نحن وابن القيم وكل من يخالف هذا الحديث الصحيح حديث ابي هريرة (وليضع يديه قبل ركبتيه) لانختلف معه بأنه لا ينبغي أن يسجد بحيث أنه يصير رأسه في الأرض ودبره فوق منه هذا, نحن متفقين معه بأنه غير مشروع لأنّه من جهة أخرى فيه مشابهة بالبعير ،لكن نحن نقول له ماذا تقول في هذه الهيئة التي رأيتموها لم يعلوا دبره رأسه وهذا الذي ينكره ابن القيم إنما تلقى الأرض بكفيه ،هذا هو صريح حديث (إِذَا سَجَدَ أَحَدُكُمْ، فلا يبرك كما يبرك البعير وليضع يديه قبل ركبتيه)لأن البعير يتلقى الأرض بركبتيه ولا يمكنه سوى ذلك أما الإنسان فهو كما أخبر تعالى أنّه خلقه في أحسن تقويم فهو يستطيع التصرف أكثر من الحيوان فهو يستطيع أن يبرك على ركبتيه ويستطيع أن يبرك على يديه ،فنهى الرسول صلوات الله وسلامه عليه المصلّي أن يشابه البعير بتلقيه الأرض بركبتيه ،فهذا جواب الاستشكال أو إيراد ابن القيم على الذين قالوا بحديث أبي هريرة(وليضع يديه قبل ركبتيه).
بعدين يقول ( وهذا هو الذي نهى عنه صلى الله عليه وسلم ) نقول لا ،لو كان الحديث فقط (إِذَا سَجَدَ أَحَدُكُمْ، فلا يبرك كما يبرك البعير)وبس كان ممكن أن يُقال باسم الإشارة ثم الحصر هذا هو الذي نهى عنه الرسول عليه الصلاة والسلام ،نحن نقول لا هو بين الذي نهى عنه فقال : (وليضع يديه قبل ركبتيه)فما هو المنهي عنه؟وضع الركبتين قبل اليدين لأن المأمور به هو العكس وضع اليدين قبل الركبتين ،إذاً قوله هذا هو المنهي عنه هو رد للشطر الثاني من الحديث وهو (وليضع يديه قبل ركبتيه) لكن عذر ابن القيم في الواقع هو يقول أن في الحديث وهم سيأتي في تمام كلامه أنّه يقول أراد الراوي أن يقول وليضع ركبتيه قبل يديه فوهم وقال(وليضع يديه قبل ركبتيه) هذا وجهة نظر ابن القيم حينما يقول هذا هو الذي نهى عنه الرسول عليه الصلاة والسلام وهو أن يسجد رأسه منخفض عن وسطه ،نقول الحديث واضح حيث قال (وليضع يديه قبل ركبتيه).
ثم يقول: (وكان-يعني الرسول عليه الصلاة والسلام- أول ما يقع منه على الأرض الأقربُ منها فالأقربُ) هنا هذه اللفظة بالضبط ليس لها صحّة وإنما هي خلاصة حديث وائل بن حجر الذي ذكره آنفا من طريق شريك وقد عرفتم ضعفه ، ثم عطف على ذلك وقال (وأول ما يرتفع عن الأرض منها الأعلى فالأعلى) هذا يعني به رد حديث آخر صحيح وهو أنَّ النبي صلى الله عليه و على آله وسلم كان إذا نهض في وتر من صلاته نهض معتمدا على يديه ،مثل بقيّة النهوض على الوجه الصحيح و النهوض على الوجه غير الصحيح (الشيخ مخاطبا احد الحضور) (ثم كلام غير واضح ثم استأنف الشيخ قائلا )هذا بناء على حديث وائل بن حجر هذه الصورة الثانية بناء على حديث وائل بن حجر الضعيف الذي تفرد بروايته شريك ،وهنا تجدون كيف أن الحديث الضعيف يخالف الأحاديث الصحيحة وليس حديثا واحداً، فحديث شريك له طرفان الطرف الأول يتعلق بكيفية الهوي إلى السجود والطرف الآخر يتعلق بكيفية النهوض من السجود ،فحديث شريك بطرفه الأول خالف حديثين اثنين ذكر حتى الآن احدهما ابن القيم وهو ((إِذَا سَجَدَ أَحَدُكُمْ، فلا يبرك كما يبرك البعير وليضع يديه قبل ركبتيه) الطرف الآخر من حديث وائل يخالف حديثاً في صحيح البخاري وهو حديث مالك بن الحويرث (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا نهض في وتر من صلاته قام معتمداً على يديه ) بينما حديث وائل يقول قام معتمداً علي ركبتيه وعلى رؤوس أصابع قدميه، فإذاً حديث وائل بن حجر في كل من طرفيه يخالف أحاديث صحيحة ،لذلك فقول ابن القيم أنّه كان يقوم الأعلى فالأعلى هذا مخالف لحديث البخاري.
ثم قال تأكيدا وتفصيلا لحديث وائل بن حجر (وكان يضع ركبتيه أولاً، ثم يديه، ثم جبهتَه. وإذا رفع، رفع رأسه أولاً ثم يديه، ثم ركبتيه، وهذا عكسُ فعل البعير)